2013/09/29

القرار 2118: إضفاء شرعية النظام السوري

د. ليلى نقولا الرحباني

صدر قرار مجلس الأمن الدولي (2118) بالاجماع، مديناً أي استخدام للأسلحة الكيميائية في سوريا، وخاصة الهجوم الذي وقع في الحادي والعشرين من آب الماضي، ومستنداً على قرار المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية الذي يشمل تدابير خاصة للتدمير العاجل لبرنامج الأسلحة الكيميائية في سوريا والتحقق الصارم من ذلك.
وفي تقييم لهذا القرار، يمكن إدراج الملاحظات التالية:
أولاً: يظهر من خلال نص القرار، وفي معظم بنوده العملية، اعتراف واضح بشرعية السلطة السورية المتمثلة بالحكومة السورية وإداراتها العاملة. وبعكس ما روّجت له الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها من غربيين وأتراك وعرب، حول سقوط شرعية الحكم السوري وآخرها ما ورد على لسان الرئيس الأميركي باراك اوباما، فإن القرار يؤكد على شرعية النظام السوري، ويجعل الحكومة السورية السيّدة هي المخوّلة حصراً بتنفيذ الاتفاق الذي وقّعته مع منظمة حظر الاسلحة الكيميائية، كما يطلب منها قبول الموظفين الذين تعيّنهم منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أو الأمم المتحدة، ويعهد لها توفير وضمان أمنهم وتأمين سلامتهم بما يضمن التمتع بالحصانات التي تتوفر للعاملين الدوليين.
في المقابل، إن اعتراف أعلى سلطة دولية وهي مجلس الأمن، وبالاجماع، بشرعية الحكومة السورية، قابله سقوط هائل لشرعية الائتلاف السوري وحكومته التي تمّ تعيينها مؤخراً، بتزايد عدد الفصائل المسلحة التي أعلنت عدم اعترافها بالائتلاف كممثل للشعب السوري، خاصة أنه وبالاضافة الى المجموعات الاسلامية المتشددة ، كانت قيادات في (الجيش الحر) قد أعلنت رسمياً الانضمام إلى الفصائل المسلحة المعارضة التي سحبت اعترافها بـ (الائتلاف السوري المعارض)، واتهمته بالانحراف عن مسار الثورة وتهميش القوى الفاعلة على الأرض، كما أعلنت عدم الاعتراف بقيادة الأركان العامة المتمثلة بالعميد سليم ادريس ومن حوله.

ثانيًا: برزت التسوية الأميركية - الروسية واضحة بصيغة لا غالب ولا مغلوب في متن القرار من خلال الإشارة الى المسؤولية عن استخدام الأسلحة الكيميائية، فبعكس المسؤولية الملقاة على عاتق الدولة السورية (حصراً) بتطبيق الاتفاقيات مع الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، فإن قرار مجلس الأمن لا يشير بأي شكل من الأشكال الى مسؤولية الدولة السورية عن الهجوم الكيميائي الذي حصل في الغوطة في 21 آب \ أغسطس الماضي، بل تحدث القرار عن الهجوم بصيغة تجهيل الفاعل، وأدان الاستخدام للأسلحة الكيميائية بشكل عام بدون أن يدين جهة معينة أو يحمّلها المسؤولية. ثم حظّر القرار على (أي طرف في سوريا) امتلاك أسلحة  كيمائية أو استخدامها الخ، وفي ذلك انتصار لوجهة النظر الروسية التي اتهمت أطرافًا من المعارضة باستخدام الأسلحة الكيميائية.

ثالثًا: لا يقرر المجلس مسبقًا ما ستكون عليه الاجراءات العقابية في حال عدم الامتثال، بل يتحدث القرار عن استعداد المجلس للنظر من جديد، في أي تقارير من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تقدم في إطار المادة الثامنة من اتفاقية الأسلحة الكيميائية، التي تنص على إحالة قضايا عدم الامتثال إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ وعليه - وكما جاء في الفقرة الأخيرة من القرار- على أنه في حالة ثبوت عدم الامتثال سيتم فرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بدون تحديد ماهية تلك التدابير.

رابعًا: بتأكيده على أولوية الحل السياسي، فإن القرار يلزم الجميع بالذهاب الى مؤتمر جنيف بدون شروط، بل والعمل على تسهيل الحل (بإنشاء هيئة حكم انتقالية تمارس كامل الصلاحيات التنفيذية، ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات الأخرى، وتُشكل على أساس التوافق)... إن هذا الأمر سيشكّل إحراجًا لقوى المعارضة السورية التي اشترطت رحيل النظام قبل قبولها بالذهاب الى جنيف، هذا بالاضافة الى أن العبارة التي تضمنتها الفقرة التالية وهي تشديد المجلس على ضرورة أن تمثل هذه الأطراف شعب سوريا تمثيلا كاملا، سوف تشكّل احراجًا إضافياً للمعارضة المدعومة من الغرب، بعدما ازداد عدد المتنصلين منها معتبرين أنها لا تمثل القوى الثورية في الداخل.

في المحصّلة، إن القرار الأممي وما رافقه وما سبقه من تطورات في سوريا وخارجها، بات يفرض على المعارضة السورية التواضع والقبول بالحل السياسي المستند الى تقاسم السلطة، وإلا فإن تأخر الوقت، ومع جنوح الفصائل الى عملية تدمير ذاتي مميتة، سوف يجعلها تندم على تضييع آخر فرصة لخروج سوريا من دوامة العنف والاحتراب، أو للخروج بمكاسب واعدة تعطيها حصصاً ذا قيمة في السلطة السياسية.
 

2013/09/26

خطاب أوباما.. والارتباك الأميركي


د. ليلى نقولا الرحباني
الثبات - الخميس  26 أيلول 2013
كانت الخطابات في الجمعية العامة للأمم المتحدة مناسبة ليُدلي كل رئيس بدلوه في القضايا الملتهبة على الساحة العالمية، خصوصاً قضايا الشرق الأوسط الذي بات المشهد الأكثر دموية وعنفاً منذ ما سماه الغرب "ربيعاً عربياً"، وبعد استقدام التطرف والتكفير من كل أنحاء العالم ولغاية اليوم.

ولعل الخطاب الذي يمكن أن يحظى بالكثير من التوقف عنده، كان خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي عكس بوضوح المآل التي وصلت إليها السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، بعد الإرباك والخيارات الخاطئة التي اتخذتها في كثير من الملفات الشائكة المطروحة وهي على الشكل التالي:

-         في  موضوع الحرب الدائرة في سورية:

كان خطاب الرئيس أوباما في الموضوع السوري الأكثر تضارباً، فهو بعد مقدمة طويلة تساءل فيها عن دور القوة في الصراعات، وعن دور الأمم المتحدة والقانون الدولي، عاد ودافع عن حق الأميركيين بشنّ حملة عسكرية على دمشق خارج إطار الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وأكد على صوابية التهديد باللجوء إلى القوة، وتحدث عن أن الولايات المتحدة على استعداد لاستخدام كافة الوسائل، بما فيها العسكرية، لضمان مصالحها في منطقة الشرق الأوسط، وأعاد التأكيد على وجوب استصدار قرار يسمح باللجوء إلى خيار القوة في حال لم تلتزم دمشق بالالتزامات المترتبة عليها في الموضوع الكيميائي، وفي الفقرة نفسها عاد وأكد أن واشنطن كانت دائماً تؤيد التسوية الديبلوماسية للأزمة السورية، وهي كانت تتشاور مع موسكو في هذا الموضوع، وأنه "لا يؤمن بأن استخدام القوة - سواء من هؤلاء داخل سورية، أو من القوى الخارجية - سيؤدي إلى سلام مستدام".

وفي الوقت الذي اعتبر فيه الرئيس الأميركي أن "الشعب السوري يقرر من يحكمه وليس نحن أو أي دولة أخرى"، عاد وناقض هذا الأمر في الجملة التي تلته بتأكيده أن التصور بأن سورية يمكن أن تعود إلى وضع ما قبل الحرب هو "خيال"، داعياً إلى تخلي الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة، وهدد بأن إصرار روسيا وإيران على التمسك بالأسد في السلطة سيؤدي إلى ما يخشونه: زيادة مساحة العنف التي تقوي المتطرفين.

وفي ما يبدو أنه ضربة للمطالبين أو المراهنين على تدخل أميركي واسع في سورية، حدد أوباما سياسته الشرق الأوسطية، متعهداً بضمان أمن حلفائه، وحفظ أمن الطاقة، وأكد التزام الولايات المتحدة الأميركية بدعم الديمقراطية، لكن ليس بالقوة العسكرية، وأكد أن الهدفين الأساسييين لدبلوماسية الولايات المتحدة الأميركية اليوم هما: الملف النووي الإيراني، و"الصراع الفلسطيني الإسرائيلي"، وهنا يبدو من الخطاب المكتوب الذي وزعه البيت الأبيض، أن أوباما اكتفى بتحديد الأولويات تلك، وحيث لم يكن إزاحة بشار الأسد من السلطة من ضمنها، مكتفياً بالإشارة إلى أن الولايات المتحدة لن تقبل بأن تطور أي دولة السلاح الكيمائي، وستحارب الإرهاب.

-         في الموضوع الإيراني:

كانت لافتة الإيجابية الكبيرة تجاه الإيرانيين في خطاب أوباما، فقد تحدث بالتوازي عن أخطاء إيرانية وأميركية تاريخية ساهمت في إرث من عدم الثقة بينهما، وتنازل أوباما عن كثير من الشروط التي كانت موضوعة سابقاً، ومدَّ اليد للإيرانيين بحديثه عن عدم الرغبة في تغيير النظام في إيران، والتأكيد على أن الولايات المتحدة تريد ضمان حصول الشعب الإيراني على حقه في الطاقة النووية السلمية، ومن دون شروط سوى الانخراط في معاهدة منع الانتشار النووي.. والشفافية، ولعل الموقف الجديد واللافت، والذي يشير إلى تبدل لم يكن يتصوره أحد، هو حديث أوباما عن فتوى مرشد الثورة الإسلامية في إيران السيد علي الخامنئي بتحريم الاستخدام الحربي للطاقة النووية، ليؤكد فيه على صدق النوايا الإيرانية، وذلك دون أن تبذل القيادة الإيرانية الجديدة جهداً كبيراً لإقناعه، بل إن رغبة الأميركيين بلقاء بين أوباما والرئيس روحاني رُفضت من قبل الإيرانيين، كما تحدث مسؤول أميركي.

أما في الموضوع المصري، فقد أقرّ أوباما بأن القيادة الجديدة استجابت لمطالب الملايين من الناس الذين اعتبروا أن الثورة قد اتخذت مساراً خاطئاً، وفي هذا اعتراف بشرعية الحكم الجديد، بالرغم من أن أوباما اعتبر أن هذه السلطة الانتقالية اتخذت خطوات غير ديمقراطية كفرض قانون الطوارئ.

وهكذا، بالفعل وكما ذكر أوباما في خطابه أنه تمّ انتقاد الولايات المتحدة من جميع الجهات، فقد عكس خطابه إرباكاً كبيراً في السياسة الخارجية، كما عكس القبول الأميركي بنتائج الكباش الدولي في القضية السورية، وعكس التطورات الراهنة على الساحة الدولية، خصوصاً على صعيد القضايا الشائكة في الشرق الأوسط.

د. ليلى نقولا الرحباني

2013/09/19

التسوية بين النضوج ومحاولات العرقلة

د. ليلى نقولا الرحباني
لا شك أن التطورات المتسارعة في المنطقة تعكس ما يبدو أنه بداية نضوج تسوية ما بين الروس والأميركيين، بدأت مؤشراتها تبرز في أكثر من ملف إقليمي، خصوصاً في القضايا الملتهبة في المنطقة، كما تعكسها المحاولات الحثيثة لمجموعة الخاسرين لتوتير الأوضاع والدفع نحو العرقلة، أو على الأقل تأجيل التسوية والمماطلة فيها، ومن هذه المؤشرات التطورات الدالة على بدء مرحلة التسوية، ما يلي:
أ- من ناحية الحلف المقاوم:
- إعلان مفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أنهم سيبدأون عملهم على الأراضي السورية في أقرب وقت ممكن، وعلى الأرجح خلال أيام، وهذا يعكس الجدية السورية والدولية في الموضوع، ومحاولات تبادل الثقة بين الطرفين، ويعكس رغبة سورية في تقديم مؤشرات إيجابية تتمثل في إرادة النظام السوري حسن تطبيق الاتفاق وإعطاء ضمانات جدية وحقيقية للتنفيذ.
- إعلان إيران عن إلغاء الحظر الأحادي الذي وضعته أوروبا على الملاحة البحرية الإيرانية و17 شركة أخرى، وعلى الرغم من أن الموضوع قد تمّ إخراجه بطريقة قضائية، إلا أنه من المعروف أنه لم يكن ليصدر قرار كهذا عن المحكمة لو لم تكن هناك رغبة أوروبية ودولية بالحلحلة وتخفيف العقوبات عن النظام الإيراني، علماً أن المبادرات الغربية الإيجابية تجاه إيران يتم مبادلتها بمبادرات إيجابية مقابلة من الجانب الإيراني، فقد أعلن رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيراني علي أكبر صالحي أن بلاده خفضت إلى حد كبير مخزونها من الأورانيوم المخصب، وبنسبة 20 في المئة، عن طريق تحويله إلى وقود للمفاعلات لأبحاث طبية، زد على ذلك سياسة الانفتاح والاعتدال التي يمارسها الإيرانيون، فقد رحبت إيران بالمبادرة الروسية وأيّدتها، كما يعتزم الإيرانيون استقبال رئيس البرلمان التركي هذا الأسبوع، وداخلياً، طلب الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني من حرس الثورة الإسلامية عدم التدخل في السياسة، بالإضافة إلى رفع الحظر عن مواقع التواصل الاجتماعي، حيث بات موقعا "فيس بوك" و"تويتر" متاحين بصورة كبيرة للمستخدمين الإيرانيين، وذلك بعد أربع سنوات من حجبهما في عام 2009 أثناء الاحتجاجات التي قامت ضد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.

ب- من ناحية الدول المتحالفة مع الغرب:
تُعتبر فرنسا وتركيا والسعوية من أكبر الخاسرين من تسوية مرتقبة في سورية، وقد لجأ هؤلاء إلى التصعيد المتعدد الجهات وذلك كما يلي:
- إسقاط الأتراك مروحية سورية دخلت الأراضي التركية خلال تعقّبها لمقاتلين دخلوا من الأراضي التركية لتنفيذ هجومات في الأراضي السورية، وقد قام الأتراك بقصف المروحية خلال عودتها، ما أدى إلى سقوطها داخل الأراضي السورية، وهذا التصعيد إن دلّ على شيء فهو يدل على رغبة تركية في التصعيد والصراخ، أملاً في مشكلة تغيّر التوجهات أو ثني الأميركيين عن الذهاب إلى التسوية.
- قيام المجموعات الموالية للممكلة العربية السعودية في لبنان، بتصعيد كبير عنوانه مجدداً "شبكة اتصالات حزب الله"، علماً أن التقارير تشير إلى أن شبكة الاتصالات تلك هي شبكة قديمة منجَزة منذ سنوات، وقيد التشغيل منذ ما قبل حرب تموز 2006، وذلك بعلم المراجع الأمنية والسياسية، وهكذا يكون لبنان قد عاد مجدداً إلى ساحة يتبادل فيها الأطراف الإقليميون الرسائل، ويحاولون ممارسة هواية توتير الأجواء الداخلية لإحراج "حزب الله"، ومحاولة عرقلة التسوية الإقليمية بطلب من المملكة السعودية، التي دخلت بقوة على خط الأزمة السورية، متعهدة القيام بتعديل موازين القوى، ولكنها فشلت.
- التصريحات التهديدية والعالية النبرة التي يطلقها الفرنسيون، خصوصاً التحذيرات التي أطلقها فابيوس، وحديثه عن قرار ملزم يصدر عن مجلس الأمن بموجب الفصل السابع، علماً أنه يدرك جيداً أن الروس لن يسمحوا بمرور قرار كهذا، وإن الاتفاق الروسي الأميركي لم يتضمن أي إشارة إلى قرار بفرض عقوبات أو إصدار قرار تحت الفصل السابع ضد سورية، أما إعلانه عن تنظيم لقاء دولي واسع لدعم المعارضة السورية وتقويتها تمهيداً للتفاوض بشأن حل سياسي في سورية، فيُعدّ تناقضاً بين تهديداته بالعقوبات القوية ودعوته إلى إنشاء معارضة قوية للذهاب إلى طاولة المفاوضات، وقد يكون هذا التوجّه الأخير هو ما دفع المعارضة السورية دفعاً إلى تسمية رئيس حكومة المعارضة، علماً أن هؤلاء يدركون جيداً أن تجربة غسان هيتو قبله لم تكن مشجِّعة، ولم تؤدِّ إلى أي تغيير في الموازين السورية، ولم تُلغِ الانقسامات بين المعارضات السورية، التي أعلن تقرير بريطاني أن عددها قد بلغ ألف مجموعة، يبلغ مجموع مقاتليها 100 ألف مقاتل، نصفهم من المتطرفين التكفيريين.

2013/09/11

المخرج الكيمائي: ما له وما عليه


د. ليلى نقولا الرحباني
قد يكون "المخرج الكيميائي" مدخلاً ليتنفّس العالم الصعداء، بعدما تمّ حبس الأنفاس لفترة طويلة، خشية قيام الرئيس الأميركي باراك أوباما بمغامرة غير محسوبة النتائج، تؤدي إلى إشعال منطقة الشرق الأوسط بشكل كامل.

المخرج "الكيميائي" الروسي القاضي بدخول سورية إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية يحاول "ضرب عصفوريْن بحجر واحد"؛ يخلّص أوباما وأميركا من نتائج كارثية لسياسة أميركية حمقاء قادها تهوّر خليجي - تركي، ويضمن عدم دخول المنطقة في حرب قد تؤدي إلى اشعال نار لا يستطيع أحد السيطرة عليها وإطفاءها.

بتقييم هذا المخرج الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نجد ما يلي:

- على الصعيد الأميركي والدولي:

أ- وجد الروسي لأوباما المربك داخلياً وخارجياً، حلاً يستطيع معه أن يتراجع عن تهديداته مع حفظ ماء وجهه، خصوصاً بعدما تبيّن أن الكونغرس بمجلسيْه سيخذل الرئيس في مغامرته المتهورة.

ب- أنقذ الروس الاقتصاد العالمي من كوارث حتمية تضاف إلى كوارثه السابقة التي سببتها القيادة الأميركية للعالم، فها هي البورصات العالمية تعود إلى الارتفاع، بعدما تراجع خيار الحرب.

ج- عرّى الروسي دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا من ورقة التوت التي تتستّر بها لتنفيذ سياسات عدوانية على سورية، وأظهر للعالم أن من يحفظ السلام العالمي والقانون الدولي هي روسيا وليست الدول الغربية، التي ظهرت وكأنها مجموعة مرتزقة في السوق الخليجية، خصوصاً بعدما أعلن كيري - في جلسة الاستماع - أنهم تلقوا عرضاً مغرياً جداً لا يمكن رفضه كثمن للضربة العسكرية التي تؤدي إلى الإطاحة بالأسد.

أما سورياً، فيمكن القول إن الخيار السوري بالذهاب إلى توقيع معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية، يفيد بما يلي:

أ- بالنسبة إلى الدخول في المعاهدة والالتزام بمترتباتها، فهو أمر مقبول وعادي في ممارسات الدول، ولا يُعدّ تراجعاً أو انهزاماً، فعدد الدول المنضوية في المعاهدة كان قد بلغ مؤخراً 189 دولة من جميع أنحاء العالم، ولم يتبقّ سوى العدد القليل من الدول التي لم تدخل أطرافاً، ومنها مصر وسورية و"إسرائيل".

ب- الحديث عن خسارة التوازن الاستراتيجي مع "إسرائيل" بسبب افتقاد سورية للسلاح الكيميائي، لا يبدو واقعياً، فالسلاح الكيميائي بات يعتبر عبئاً على صاحبه، وعلى الرغم من أن امتلاك السلاح الكيميائي لا يُعدّ جريمة بحد ذاته - كما هي حال أسلحة الدمار الشامل النووية -  إلا أن استعماله، وتحت أي ظرف من الظروف، يُعدّ جريمة دولية كبرى لا يمكن الإفلات من تبعاتها الجنائية، كما أن التطور الدولي في مكافحة استعمال الأسلحة الكيميائية فرض حظر استخدام تلك الأسلحة، في أي ظرف، حتى كردّ على هجوم يشَنّ باستخدام مثل تلك الأسلحة.

ج- بناء على المعاهدة، يكون على الدولة السورية أن تتعهد بألا تقوم باستحداث أو إنتاج الأسلحة الكيميائية أو حيازتها أو تخزينها أو الاحتفاظ بها أو نقلها بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى أيٍّ كان، كما يترتب عليها أن تدمّر مخزونها وأي مرافق لإنتاج الأسلحة الكيميائية تمتلكها.

د- بموجب الاتفاقية، يترتب على سورية تقديم تقارير دورية عن مخزونها وآليات تدميره، كما تلتزم باستقبال فرق التفتيش التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية على أراضيها، للتحقق من قيامها بتدمير الترسانات الموجودة والقيام بعمليات رقابة دورية منتظمة في المصانع الكيميائية، للتحقق من أن بعض المنتجات الكيميائية الواسعة الاستخدام في أغراض مدنية مشروعة، لا تستخدم بوجه غير قانوني لإنتاج أسلحة كيميائية.

هـ- الخطير في الأمر، وهو من الأمور التي يجب التنبه إليها في الموضوع السوري، وقد تكون الدولة السورية قد أخذت ضمانات روسية جدية، لئلا تتكرر على أرضها مشاهد المفتشين الذين أخلّوا بسيادة العراق واستباحوه للاحتلال، وهو أنه عند توقيع الاتفاقية، تتعهد الدولة الطرف بالتقيد بالمبدأ القاضي بإجراء عمليات تفتيش في أراضيها "في أي وقت وفي أي مكان"، من دون أن يكون لها الحق في أن ترفض ذلك، علماً أن الاتفاقية تتيح إمكانية إجراء "تفتيش بالتحدي"، أي تفتيش مستعجل يُجرى بناءً على شكوك (المادة التاسعة من الاتفاقية)، وهذا التفتيش يتيح لأي دولة طرف تساورها شكوك بشأن امتثال سورية لبنود الاتفاقية، أن تطلب من المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية أن يوفد فريق تفتيش إلى الدولة المشكوك في امتثالها. إن عدم التنبّه إلى هذا الموضوع قد يكرر السناريو العراقي بأن تقوم أي دولة طرف في الاتفاقية بالتشكيك بامتثال سورية لبنود المعاهدة، وبالتالي تطلب من المنظمة أن ترسل مفتشين للتحقق، وهو ما قد ينتهك السيادة السورية ويبقي الباب مفتوحاً للتهديدات بضربات عسكرية.

2013/09/09

هل هناك فعلاً قيم إنسانية مشتركة؟

القيم الإنسانية المشتركة ودورها في تعزيز التضامن والسلام، عنوان جذاب ويُعتقد أنه سهل انطلاقًا من التصور السائد أن هناك معايير وقيم محددة قد اتفقت عليها الإنسانية وأنها باتت تشكّل شرعة موحّدة ومفهومها متطابق بنظر الجميع، والجميع مقصود به هنا، هو البشرية ذات الثقافات المتعددة والأديان المختلفة.
قبل أن أبدأ العمل على هذا البحث، كان لدي نفس هذا الاعتقاد، ولكن ما أن بدأت العملية البحثية حتى واجهتني الصعوبة الأساسية:
ما هي بالتحديد القيم الإنسانية المشتركة؟ وهل هناك لائحة قيم تمّ الاتفاق عليها وإقرارها كقيم إنسانية لديها نفس التفسير بالنسبة للجميع، لنحاول دراسة دورها في تحقيق التضامن والسلام؟.
        وبمحاولة للوصول الى تحديد القيم الإنسانية المشتركة، كان لا بد من العودة الى إطار إنساني جامع يتمّ التأسيس عليه، للوصول الى تحديد ماهية القيم المشتركة، وكيف يمكن لنا أن نعرّفها للوصول الى مقاربة إنسانية تلامس الاجماع. لا ندّعي بأن نصل الى مفهوم مشترك تجمع عليه الإنسانية، فخصوصية القيم الانسانية وحقوق الانسان وتعريفاتها التي تتباين بتباين الثقافات تجعل من الإجماع شيئًا من الإعجاز.
لذا، ستحاول هذه الورقة أن تبحث عن أسس مشتركة تستطيع معها أن تعدّ لائحة مقبولة من القيم المشتركة التي
 تتبناها جميع الثقافات والأديان، ويتقارب مفهومها ومعناها كما يفهمها كل من هؤلاء.

من مقدمة الورقة التي قدمتها في مؤتمر ايسيسكو، عمان 2- 4 أيلول 2013

2013/09/04

أوباما بين الانهزام والهزيمة

د. ليلى نقولا الرحباني
بغض النظر عن القرار الذي سيخرج به الكونغرس الأميركي حول السماح لأوباما بشنّ عملية عسكرية على سورية، من الواضح أن العملية العسكرية الأميركية باتت صعبة جداً، حتى ولو أعطى الكونغرس الأميركي للرئيس أوباما تفويضاً بشنّها، ولعل ما يجعل من ذلك التدخل العسكري أقرب إلى الاستحالة عوامل عدّة، أهمها:

أولاً: تغيُّر موازين القوى الدولية، فالنظام الذي كان سائداً في مطلع القرن الحادي والعشرين، والذي سمح للأميركيين بشن حرب على أفغانستان والعراق واحتلالهما، والذي سمح لحلف "الناتو" قبل ذلك بعملية إطاحة مولوسوفيتش وقصف كوسوفو عام 1999، لم يعد ذاك النظام كما هو، بل شهد تبدلات جذرية، أهمها تراجع قوة ونفوذ الولايات المتحدة، ودخول روسيا إلى الساحة العالمية بقوة، وقيام تكتلات وتحالفات دولية جديدة، بالإضافة إلى فرض نفوذ قوى إقليمية وازنة في مناطق عدة في العالم، ومنها منطقة الشرق الأوسط.

ثانياً: لعل الغرب افترض أنه بمجرد تهديده للنظام السوري بضربة عسكرية، فإن النظام سينهار، أو على الأقل سيشهد انشقاقات هامة بين صفوفه، وفي صفوف الجيش السوري، مما يسرّع من انهيار النظام، وكما منذ بداية الأزمة ولغاية الآن، فاجأ النظام السوري الجميع بتماسكه، فلم تحصل فيه انشقاقات هامة دراماتيكية كما حصل للنظام الليبي، ولم تحاول وجوه بارزة من النظام الهروب والنفاذ بجلدها خوفاً من ضربة تُسقط النظام وتؤدي بهم إلى المحاكم كما حصل في العراق.

ثالثاً: صلابة الحلف الملتفّ حول سورية، وعدم قدرة الغرب أو العرب اللعب على المصالح أو إدخال التناقضات فيما بين أطرافه المتعددة، وهكذا تبيّن من الحرب الإعلامية والنفسية التي دارت الأسبوع الماضي، أن للغرب قوته وقدرته، وللحلف المقاوم قدراته أيضاً، وهو يستطيع أن يهدد ويردع، واللافت أن الحلف الغربي - التركي - العربي المؤيد للعدوان على سورية، ما لبث أن شهد انفراط عقده بسرعة، بينما بقي الحلف المواجه ثابتاً على مواقفه، ولم يتفلّت منه أحد، على الرغم من ضراوة الحرب المحتملة، والتي كانت ستشعل المنطقة، وهكذا، في لعبة عض الأصابع التي ينتصر فيها من يصمد إلى النهاية، ويخسر من ينسحب أولاً، خسر المحور الغربي وبقي المحور المقاوم صامداً.

رابعاً: تلعب الذاكرة العالمية الحيّة حول الخديعة الأميركية في العراق دوراً مهماً في إفشال الخطة الغربية، فالعالم ما زال يذكر كيف زوّر وفبرك الأميركيون تقارير أدّت إلى احتلال بلد ذي سيادة، بذريعة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل، وما زالت الشعوب الأوروبية والشعب الأميركي يدفع ثمن الفاتورة الباهظة لاحتلال العراق بإنفاق مليارات من الدولارات على الحرب فيه، وقتل الجنود، وتهجير ملايين العراقيين، وقتل مئات آلاف منهم، بالإضافة إلى تغلغل "القاعدة" فيه، ما جعل التفجيرات الانتحارية حدثاً يومياً يحصد أرواح العراقيين، ويقوّض الدولة لغاية الآن.

خامساً: التسرّع المشبوه للغربيين باتهام النظام السوري باستخدام الأسلحة الكيماوية قبل انتهاء مفتشي الأمم المتحدة من تحقيقاتهم وإصدار تقريرهم حول الموضوع، وفي هذا التسرع بدا الموضوع وكأنه استباق لنتائج تقرير قد يدين حلفاء الغرب بدل أن يدين النظام السوري، ما يجعلهم محرَجين في توجيه ضربة "تأديبيّة" للنظام، تؤدي إلى إضعافه ومنعه من الحسم العسكري الذي يقوم به على الأرض.

سادساً: انتشار الصور والفيديوهات حول قطع الرؤوس وأكل القلوب والأكباد، وانتشار الفكر التكفيري، وسيطرة "القاعدة" و"جبهة النصرة" على مناطق المعارضة في سورية، تؤثر بشكل كبير في الرأي العام العالمي، وعلى تفكير العقلاء من النواب وصنّاع القرار في أوروبا، وما انفراط عقد التحالف بهذه السهولة إلا لأن الغربيين يخشون من أن يكون ثمن تهوُّر الإدارة الأميركية في سورية أن تُعطى الحركات الإرهابية فرصة الانقضاض على الدولة السورية والسيطرة عليها، وهو الأكثر احتمالاً في حال سقوط النظام السوري.

بالنتيجة، كل هذه الأسباب تجعل من الضربة الأميركية على سورية نوعاً من ضرب الجنون الذي قد يؤدي إلى خسارة كل شيء، وبكل الأحوال فإن تأجيل الضربة إلى ما بعد اجتماع الكونغرس في التاسع من أيلول الجاري، والتراجع الأميركي الذي حصل بعد ارتفاع سقف التهديدات إلى درجة غير مسبوقة، يجعل الأميركي خاسراً للمصداقية وفاقداً للهيبة الردعية التي يُفترض بقوة عظمى مهيمنة أن تتحلى بها، وبات الحل أن يحاول قادة الدول العشرين الذين سيجتمعون في روسيا هذا الأسبوع، أن يجدوا مخرَجاً مشرّفاً لأوباما يحفظ له مصداقيته وماء وجهه، ويجنبوا المنطقة انفجاراً كبيراً قد يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة.