2019/05/27

الاشتباك السياسي بين باسيل والمستقبل: أسبابه ومآلاته

فجأة تلبدت الأجواء السياسية في لبنان، وارتفعت أصوات تيار المستقبل تهديدًا ووعيدًا ضد التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل، فمنهم من يهدد بإلغاء التسوية، ومنهم من وضع خطوطًا حمراء وبعضهم توعد بعظيم الأمور...
لقد أجمع الموجودون في  اللقاء مع باسيل في البقاع أن الكلام الذي تمّ تداوله اعلاميًا هو مفبرك وبعيد كل البعد عن الحقيقة، فما الذي حصل لتتوتر الاجواء السياسية بهذا الشكل غير المسبوق بين الطرفين ؟
بداية،  لا بد لنا أن نشير الى إن سلوك المستقبل وتصريحات مسؤوليه تشير بما لا يقبل الشكّ أن ذاك التيار لم يدخل التسوية الداخلية بملء إرادته بل أملتها عليه ظروف إقليمية مرتبطة بسحب السعودية يدها من لبنان على أثر فشل سياساتها اللبنانية، بالاضافة الى ظروف خاصة بالحريري نفسه وإفلاس سعودي أوجيه وغير ذلك.
ثانيًا، يبدو المستقبل مستاء منذ النقاش حول الموازنة والتعديلات التي فرضها الوزير جبران باسيل، وما تبعها من كشف لتوظيف سياسي في أوجيرو وغيرها من المؤسسات العامة، والحملة التي يقوم بها التيار الوطني الحر ضد الفساد والتي بدأت تعطي ثمارها... أمام كل هذه الفضائح، والإصرار الذي يبديه التيار الوطني الحر لكشف الفساد ومكافحته، كان لا بد للمستقبل أن يثير الغبار والتصعيد الكلامي واللفظي واستثارة العصبيات الطائفية لإيقاف مسيرة مكافحة الفساد التي يبدو أن التيار لن يتراجع عنها .
ثالثًا، يسود الاعتقاد (لا بل الوهم) في أوساط قوى 14 آذار، بأن الأميركيين جادّين هذه المرة في المجيء ببوارجهم الى المنطقة لمهاجمة إيران والتخلص منها. وبالرغم من كل التقديرات الموضوعية والتصريحات الاميركية التي تقول أن الخيار العسكري غير مطروح على الطاولة في التعامل مع إيران، إلا أن بعض القوى الخليجية ما زالت تتوهم بأن الحرب قادمة وأن اسرائيل وأميركا ستخلّصهم من إيران وحزب الله الى الابد!
وبتأثير من بعض الخليجيين انجرف بعض اللبنانيين وراء وهم تغيير موازين القوى الاقليمية، فهم يجادلون بأن الاميركيين قد يجلبون جنودهم للقتال بالنيابة عنهم، وإذا لم يكن الاميركي مستعد للقتال بجنوده بسبب الرفض الداخلي، فهم يؤمنون بأن اسرائيل ستقوم بتلك المهمة، وما عليهم سوى الانتظار بعض الوقت للتخلص من حزب الله والتيار الوطني الحر سويًا.
في المحصلة، لن تحصل حرب إقليمية في المنطقة، بل بالعكس، كل المؤشرات تشير الى أن الأصوات العالية التهديد قد تكون مقدمة أو تعمية على مفاوضات سرية يقوم بها الطرفان (الاميركي والايراني) وتحتاج الى بعض الدخان لإخفائها. هذا بالاضافة الى ان المراهنات على اشتباك تركي سوري يتمّ بموجبه إعادة العقارب الى الوراء والعودة للحديث عن إسقاط النظام السوري، فهي تدل على خلل في ذهن مصدقيها من اللبنانيين .
إذًا، ما هي إلا مرحلة، وستتكشف فيها كل الاوهام، وسيعود الجميع الى رشده، وسيعود المستقبل الى الحوار مع الاطراف الاخرى وسيعود للقبول بالخيارات المحلية واللبنانية، وبما أن لبنان بلد التسويات القائمة على إعادة الطرف المهزوم الى النظام، ستعود القوى المهزومة اقليميًا الى الحضن اللبناني، ويزهر "ربيع" التسوية مجددًا... لكن ليس بدون أثمان هذه المرة.

2019/05/22

لبنان وإيران تحت مقصلة صفقة القرن؟


يومًا بعد يوم تتكشف فصول مما يسمى "صفقة القرن" التي تقول الادارة الأميركية أنها "خطة للسلام" بين الاسرائيليين والفلسطينيين، وآخر تلك الفصول كان الاعلان عن المؤتمر الاقتصادي الذي سيعقد في البحرين يومي 25 و26 حزيران المقبل؛ للتشجيع على الاستثمار في الأراضي الفلسطينية، تحت عنوان "السلام من أجل الازدهار"، وقد تمت دعوة اسرائيل الى هذا المؤتمر، التي من المتوقع أن ترد بشكل إيجابي وتشارك في المؤتمر، بحسب مسؤول اسرائيلي.

واقعيًا، لا يمكن فصل التطورات في المنطقة عن توجّه الإدارة الأميركية، لفرض رؤيتها للسلام في الاراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك من خلال قضم الأرض الفلسطينية وإعطائها لإسرائيل مقابل تحسين أوضاع الفلسطينيين القاطنين في قطاع غزة، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وبالسيادة الاسرائيلية على الضفة الغربية... وعليه، لا نستبعد أن تكون الأزمات المتنقلة هي جزء من التمهيد لطرح صفقة القرن، ونجد فيها ما يلي:

- الضغوط غير المسبوقة على إيران، والتي تستهدف تجويع الايرانيين، والضغط على النظام الايراني لتغييره أو "تغيير سلوكه" بحسب التعبير الأميركي. وكجزء من تغيير السلوك المنشود أميركيًا، على الايرانيين أن يكفّوا عن دعم المقاومة الفلسطينية أو يضغطوا على حماس والجهاد الاسلامي للقبول بصفقة القرن الأميركية.

يعتقد الأميركيون أن الضغوط على إيران قد تؤدي في النهاية بأن تقوم إيران بالتخلي عن أوراق القوة التي تملكها، وإذا كان من المستحيل على الايرانيين التخلي عن برنامجهم الصاروخي، أو التخلي عن دعم حزب الله في لبنان أو الحشد الشعبي في العراق، فإنه من الممكن - بحسب التصور الأميركي - أن تتخلى إيران عن بعض أوراق القوة في فضائها المكتسب، أي في الملف الفلسطيني.

- القمتان التي دعت إليهما السعودية، لحشد الدعم وتوحيد الموقف العربي ضد "التهديدات الايرانية" والسعي لعمل كل ما من شأنه تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، بحسب ما أعلن مصدر سعودي. ويخشى فعليًا من ان يكون انعقاد هذه القمة هو مقدمة لقبول عربي بما تشترطه صفقة القرن من تنازلات وقضم الحقوق المشروعة للفلسطينيين.

إن انعقاد القمة العربية في مكة المكرمة في الثلاثين من أيار، وعلى مسافة أيام من إعلان صفقة القرن، قد يكون مطلوبًا من الأميركيين، ليستطيع السعوديين تمرير رسائل وتهديدات وفرض نفوذهم على الدول المشاركة للقبول بتلك الصفقة بدون اعتراض.

- الضغوط الاقتصادية التي تعانيها الحكومة اللبنانية، والاشاعات المبرمجة والممنهجة التي تحاول النيل من ثقة اللبنانيين والخارج بالاقتصاد اللبناني. ويُخشى أن يكون إفلاس البلد وإفقاره، والضغوط الاقتصادية التي تُمارس عليه، مقدمة لمقايضة تقوم على فكرة "توطين" اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وعدم عودتهم الى وطنهم الأم، مقابل مساعدات إقتصادية تحصل عليها الحكومة اللبنانية وتساهم في التخفيف من العجز المالي والاقتصادي.

وهكذا، ولغاية اليوم، يظهر ان كل ما رشح أو تسرّب عن صفقة القرن، يؤكد أنها ستأتي لتصفّي القضية الفلسطينية برمّتها وتقضي على حق العودة، والأخطر أن بعض الدول العربية باتت تجاهر علنًا بالتطبيع مع اسرائيل، وباتت تسير بدون خجل في مسار القضاء على الحقوق الفلسطينية... لكن، بكل تأكيد، لن يرضخ اللبنانيون للضغوط، ولن يسمح رئيس الجمهورية ومعه المقاومة بتمرير أجزاء من صفقة القرن على حساب لبنان، ويبقى الأمل بأن يتوحد الفلسطينيون ويحيدون خلافاتهم لمواجهة أخطر مرحلة في تاريخ فلسطين الحديث.

2019/05/15

من يحاول دفع الخليج الى حرب؟


تتزاحم التطورات في منطقة الخليج بشكل دراماتيكي، فبعدما وصلت العقوبات الأميركية على إيران الى مستوى غير مسبوق، جاء الردّ الايراني الحاسم بإعطاء أطراف الإتفاق النووي مهلة ستين يومً لتنفيذ التزاماتهم أو الخروج من الاتفاق...

ثم أخذت التهديدات بين الطرفين منحى عسكري، فأرسل الأميركيون حاملة الطائرات ابراهام لنكولن الى المنطقة وهدد بولتون بالرد عسكريًا على إيران في حال اعتدت على المصالح الاميركية أو على الحلفاء، وكان الردّ الايراني واضحًا بأن وجود القوات الأميركية في المنطقة يشكّل فرصة بدل أن يكون تهديدًا.

وعلى وقع ضجيج التهديدات، حصلت حادثة تخريب السفن في ميناء الفجيرة الاماراتي، بشكل يوحي وكأن هناك من يحاول أن يدفع الأمور الى التصعيد، فمن هم أصحاب المصلحة في ذلك؟

لا شكّ أن البيانات الهادئة التي صدرت عن كل من السعودية والإمارات وعدم توجيه الاتهام لأي طرف، تشي بأن الأطراف الخليجية تدرك جيدًا بأن أي تصعيد في المنطقة لن يكون لصالحها.

بالطبع، لا تريد الاطراف الخليجية أن يخفف ترامب من ضغوطه على إيران، كما يجدون أن العقوبات تحقق لهم أهدافًا مهمة، كتقويض النظام الايراني، وتأليب الشعب الايراني ضد حكومته، كما منع إيران من تصدير نفطها وإفقارها، ما يقلّص من قدرتها على دعم المقاومات في العالم العربي. لكن، بطبيعة الحال، تدرك هذه الدول أن الحرب لن تكون نزهة وستؤدي الى كوارث على المنطقة وشعوبها، وسيكون لها ارتدادتها الكارثية على الاسواق العالمية.

أما إيران، فهي - وبالرغم من مواجهة التهديد الأميركي بتهديد مقابل- إلا أن الايرانيين أيضًا يدركون خطورة الانجرار الى حرب، بالاضافة الى خطورة إغلاق مضيق هرمز على سمعة إيران الدولية  وأمن المنطقة والاقتصاد الايراني أيضًا، إذ أن أكثر من 70 بالمئة من الصادرات الايرانية تمر عبره.

لذا نجد أن الايرانيين غير معنيين بالتصعيد، وهم يحاولون منذ مجيء ترامب الى الإدارة الأميركية أن يستخموا سياسة "الصبر الاستراتيجي" بالرغم من كل الصعوبات التي يمر بها الاقتصاد الايراني.

بالنسبة للأميركيين، تنقسم المواقف في الادارة الأميركية بالنسبة للتصعيد مع إيران، فنجد أن الرئيس ترامب وبالرغم من تعنته ضد الايرانيين، إلا أنه ليس من هواة شنّ الحروب العسكرية طالما تحقق الحروب الاقتصادية الأهداف الاميركية بدون كلفة، لذا عرض على الايرانيين الاتصال به للمفاوضات . أما مستشار الأمن القومي في إدارة ترامب، جون بولتون، فيمكن التكهن برغبته الدائمة بالتصعيد، وعدم رغبته بأي انفراج مع الايرانيين، لدرجة أنه يمكن التكهن بقيامه بإفشال أي اتفاق أميركي ايراني - قد يحصل-  بغض النظر عن المكاسب الاميركية فيه.

أما الطرف الأكثر استفادة من أي تصعيد، ولا نستبعد قيامه ببعض الاستفزازات لشحن الأجواء للحرب، هو اسرائيل. واللافت ما كانت قد ذكرته صحيفة معاريف قبل أيام من حادثة الفجيرة ، من أن جهاز الموساد الاسرائيلي حذّر الأميركيين من هجوم ستشنّه إيران على الاميركيين أو أحد حلفائهم في الخليج. وتحدثت الصحيفة أن إسرائيل نقلت تلك المعلومات إلى الأميركيين قبل أسبوعين خلال لقاء عقد فى واشنطن بين رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلى مئير بن شبات وجون بولتون.

بالطبع، من مصلحة الاسرائيليين دفع منطقة الخليج الى حرب تنخرط فيها دول مجلس التعاون الخليجي   ضد إيران... وبالرغم من إدراك الاسرائيليين عدم قدرة الخليجيين على الانتصار في هذه الحرب، ولكن على الاقل يأمل الاسرائيليون أن يزيد التقارب الخليجي الاسرائيلي، ويتم إحراج ايران وإغراقها في حرب تلهيها عن دعم حركات المقاومة الفلسطينية وحزب الله، فتحقق مصلحة مزدوجة.

وبغض النظر عن الامال الاسرائيلية تلك،  لا نجد أن المنطقة ستذهب الى حرب، وستمارس الدول المعنية أقصى درجات ضبط النفس لإدراك الجميع أن شرارة قد تشعل حربًا اقليمية سرعان ما ستلهب العالم كله.

2019/05/08

فشل الانقلاب في فنزويلا: دلالاته ورسائله


حبس العالم أنفاسه بعد محاولة الانقلاب التي قادتها مجموعة عسكرية صغيرة بتحريض من الأميركيين والمعارض غوايدو للإطاحة بالرئيس الفنزويلي مادورو، بعدما فشلت المعارضة الفنزويلية في تحفيز العسكريين على التمرد أو الانشقاق.

وكان واضحًا أن الانقلاب قد دُبّر على عجل من قبل الإدارة الأميركية التي سارع ترامب والصقور المحيطين به الى الاحتفاء بالانقلاب، وسارع بومبيو الى نشر الشائعات حول رغبة مادورو بالهرب، وقيام الروس بثنيه عن ذلك!.

ولكن فشل الانقلاب لا يعني ان الولايات المتحدة ستركن الى النتائج التي حصلت لأسباب عدة منها ما هو مرتبط بترامب وإدارته، ومنها ما هو مرتبط بالاستراتيجيات الاميركية الثابتة في منطقة أميركا اللاتينية.

        فيما يخص ترامب، قد يكون تعجّله على الانتهاء من نظام مادورو في فنزويلا، مرده الى الحاجة للاستفادة من النفط الفنزويلي للتعويض عن سياساته الهجومية تجاه ايران، ودخول مرحلة "تصفير" النفط الايراني. يخشى ترامب ومعه العالم من أن تؤدي العقوبات الأميركية ضد ايران ومنعها من تصدير نفطها الى ارتفاع أسعار النفط العالمية، وأن لا تستطيع السعودية والإمارات تعويض النقص الحاصل بزيادة الانتاج.

وعليه، كان الانقلاب في فنزويلا سيحقق لترامب ما يريد في هذا الإطار، بالاضافة الى تحقيق إنجاز في سياساته الخارجية يريد أن يستثمره ضد خصومه في الداخل.

أما بالنسبة للاستراتيجية "الكبرى" الأميركية، إن السيطرة على أميركا اللاتينية أو ما يسمى "ممارسة الشرطة في النصف الغربي من الكرة الارضية"، هي سياسة ثابتة مستمرة منذ بدايات القرن العشرين ومرتبطة الى حد بعيد بمبدأ مونرو الذي طوّره الأميركيون ليفرضوا نوعًا من الهيمنة على دول أميركا اللاتينية. وبموجبها، لا يمكن بأي شكل من الأشكال السماح لأي قوة بالسيطرة ومدّ النفوذ في أميركا اللاتينية، فكيف اذا كانت روسيا لما لها من ارث مرتبط بالعقيدة المرتبطة بالاتحاد السوفياتي؟.

انطلاقًا مما تقدم، لا يمكن الاعتقاد أن فشل الانقلاب سوف يثني الأميركيين عن الاستمرار في محاولات إغراء قادة من الجيش الفنزويلي للتمرد أو الانشقاق والانقلاب على مادور، كما قد يعمد الأميركيون الى الاستعاضة عن التدخل العسكري المباشر والمكلف جدًا في فنزويلا، باستخدام المرتزقة أو ما يسمى بالمجموعات الأمنية الخاصة لتقويض الاستقرار ومحاولة إسقاط مادورو بالقوة، وإن تعذر ذلك، فلتكن حربًا أهلية.

في النتيجة، وبالرغم من ان استراتيجية الأمن القومي الاميركية في عهد ترامب كانت قد وضعت "التنافس مع روسيا الصين" كتهديد استراتيجي، لكنها بالمقابل أتاحت الفرصة للروس بالتوسع في مناطق عدّة  بعدما بالغ ترامب في استخدام خيار التهديد والعنجهية والعقوبات الاقتصادية. والمشكلة التي ستواجه الأميركيين، هي تحويل فنزويلا الى سوريا أخرى، وإعطاء موطئ قدم للروس في أميركا اللاتينية، وهي فرصة ذهبية ستسمح لبوتين بمدّ النفوذ في تلك المنطقة بعدما كرّس نفوذه في الشرق الأوسط، بالاضافة الى امتلاكه فضاء طبيعي روسي في كل من أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى والبلقان... ومعها ستعود روسيا بقوة الى الساحة الدولية، ولم يعد ينفع مع الأميركيين دفن الرؤوس في الرمال واستمرار الإدعاء بأن روسيا ما هي إلا مجرد "دولة إقليمية" كما إدّعى أوباما يومًا.

2019/05/06

التصعيد في المنطقة: رسائل ايرانية أم نذر حرب؟

مع دخول العقوبات الاميركية على إيران مرحلتها الاقسى، بدأت مرحلة جديدة في المنطقة يسودها التوتر والقلق من أن يؤدي أي تصعيد عسكري محدود الى حرب مدمرة، تُدخل المنطقة في أتون حرب يُعرف كيف تبدأ ولا يُعرف كيف تنتهي.
وتزامنًا مع تهديد ترامب بفرض عقوبات على الدول المستوردة للنفط الايراني، وإعلان إيران بالمقابل أنها تبيع نفطها في "السوق الرمادية"، وأن ناقلات النفط الايرانية تعبر مضيق هرمز ويرافقها زوارق الحرس الثوري الايراني على مرأى ومسمع من البحرية الأميركية. كما اعلنت بعض التقارير الايرانية أنه في ‏أول يوم من قرار ترامب "التصفيري"، تمّ تصدير أكثر من مليون و400الف برميل نفط ايراني... كلها رسائل إيرانية، تفيد بأن الايرانيين يملكون أوراق قوة متعددة ومستعدون لاستخدامها.
وبالرغم من تأكيد الجميع أن لا خيار عسكري مطروح مع ايران، واستبعاد قائد الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني قيام الولايات المتحدة بشنّ حرب على بلاده، إلا أن التصعيد بات يسود في المنطقة ونجد التزامن في ما يلي:
- هجوم اسرائيلي على غزة، يقابله ردّ عنيف من قبل حماس والجهاد الاسلامي، واستهداف آلية عسكرية اسرائيلية بصاروخ كورنيت، ونجد أن المقاومة في غزة، باتت اليوم تبادر للرد على القصف الاسرائيلي بتصعيد عسكري، وانتهت الايام التي كانت فيها تتعرض الأراضي الفلسطينية للعدوان بدون ردّ.
ولا يمكن لأحد أن ينسى الدور الايراني في تأمين تلك الصواريخ وتأمين السلاح والمال لفصائل المقاومة في غزة، ما يعني أن التصعيد الفلسطيني في الرد على العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة يعطي صورة واضحة عما ستكون عليه حال المنطقة في حال دفع ترامب الى تصعيد عسكري مع ايران.
- تصعيد في الشمال السوري، وتسارع وتيرة التعزيزات التي يحشدها الجيش السوري حول إدلب بالتوازي مع عمليات تطهير وقصف لمواقع الإرهابيين أدت إلى هروب عدد كبير منهم نحو تركيا التي أخلت إحدى نقاط المراقبة.
وكان الإرهابيون قد تقدموا باتجاه نقاط الجيش السوري، بدعم من الجيش التركي ، حيث وقعت قوة تركية في حقل ألغام، مما كبدها خسائر بشرية وجرحى، توسط على أثرها الأتراك لدى الروس لوقف النار لسحب الجرحى.
وهكذا، نجد أن تصاعد التوتر في المنطقة، يشي برسائل متبادلة بالحديد والنار بين أطراف الصراع الاقليمي، فالاعلان الاسرائيلي عن اغتيال ناشط رئيسي في تحويل الأموال من إيران إلى غزة، ورد الفلسطينيين المتصاعد والمحرج لنتنياهو، بالاضافة الى تصعيد الجيش السوري وإعلان استعداده لتطهير إدلب... ترسل رسائل واضحة لإدارة ترامب، بأن أي تصعيد في المنطقة لن يكون نزهة، وإذا كانت غزة المحاصرة والفصائل الفلسطينية تستطيع أن توجع الاسرائيليين، فلدى ايران العديد من الأوراق التي تستطيع لعبها في الوقت المناسب، ولن يسلم منها أي حليف للأميركيين، حتى اسرائيل.

2019/05/01

هل يذهب الايرانيون للتفاوض مع ترامب؟


تدخل العقوبات الأميركية على إيران هذا الاسبوع منعطفًا حاسمًا،  حيث تنتهي فترة الإعفاءات التي منحتها الإدارة الأميركية الى بعض الدول التي تستورد النفط من إيران، وتمّ تهديد تلك الدول بمواجهة العقوبات الأميركية في حال استمرت في تعاملاتها  مع ايران بعد 2 أيار الجاري.

وكان ترامب قد بدأ سلسلة الضغوط على إيران بالانسحاب من الاتفاق النووي، والتهديد بالحرب وبدعوة العرب الخليجيين الى تشكيل "ناتو عربي" لمواجهة إيران وأنشطتها في المنطقة، وفي الوقت نفسه أعلن قبوله التفاوض مع الإيرانيين من غير شروط مسبقة، الأمر الذي رفضه الايرانيون بشدة، وحظّر المرشد علي خامنئي على حكومة الرئيس حسن روحاني عقد أي محادثات مع الولايات المتحدة، معتبرًا أن "انسحاب أميركا من الاتفاق النووي برهان واضح على أن أميركا لا يمكن الوثوق بها، حيث إنها لا تفي بتعهداتها في المحادثات".

وبعد رفض الإيرانيين دعوة ترامب للحوار في صيف 2018، لجأ ترامب الى فرض عقوبات اقتصادية قاسية على إيران - وهو السيف الذي يشهره ترامب على كل من يعارض سياساته من الدول أو لا يرضخ له - مراهنًا على "إخضاع" النظام الإيراني وجرّه الى طاولة المفاوضات بعد أن تكون العقوبات قد أفقرت الشعب الإيراني فتدفعه الى الشارع للضغط على النظام، ما يؤدي الى "زعزعته"، فيهرع الى تقديم التنازلات للأميركيين أملاً في تخفيف الضغوط الاقتصادية عنه.

بالطبع لن يهرع الايرانيون لتقديم التنازلات لترامب، لكن النظام الايراني المعروف ببراغماتيته، لن يألو جهدًا لتخفيف وطأة الضغوط الإقتصادية عن شعبه، لذا نجد حصول تغيير في لهجة ممثلي الحكومة الايرانية، فبعد إعلان بومبيو أن الهدف من زيادة العقوبات النفطية في أيار الجاري هو "عودة ايران الى طاولة المفاوضات، وتغيير تصرفاتها الاقليمية..."، رد الرئيس الإيراني حسن روحاني بالقول إن المفاوضات مع الولايات المتحدة ممكنة، ولكن بشرط "رفع الضغوط التي تفرضها واشنطن، وإبداء الاحترام".

إذًا، لم يعد هناك "حظر تام" على المفاوضات الايرانية مع الاميركيين، ولكن ما الذي يمكن أن ينتظره الايرانيون من تلك المفاوضات؟

- أولاً، إن تجربة كوريا الشمالية في مفاوضاتها مع الادارة الأميركية لا تبدو مشجعة. ففي الوقت الذي أبدى فيه الكوريون الشماليون انفتاحًا على المطالب الأميركية، لم يقدم الأميركيون أي حوافز للتقدم في المفاوضات، بل عمد بولتون الى محاولة إفشال الاتفاق بشتى الوسائل.

- ثانيًا: إن الغطرسة والغرور التي تتصف بها إدارة ترامب سوف تحرج المفاوض الايراني إذ ستكون المطالب الأميركية على طاولة المفاوضات أكبر من قدرة الايرانيين على تقديم التنازلات فيها، كالتخلي عن البرنامج الصاروخي أو التفاوض عليه من ضمن الاتفاق النووي، وهو البرنامج الذي منع تدخل عسكري خارجي أو شنّ حرب على إيران.

ثالثًا: إن الضغوط التي يمكن أن يمارسها الاسرائيليون على الادارة الأميركية، كتقليص الدعم لحزب الله وحماس والانسحاب من سوريا وغيرها، ستحدّ من قدرة المفاوض الايراني على الاستمرار في التفاوض، كونها الأوراق التي ساهمت في تحويل ايران الى دولة اقليمية نافذة.

في المحصلة، قد لا يُرجى الكثير من المفاوضات بين الايرانيين والأميركيين - في حال حصلت - لكن يبقى أن الايراني يمكن أن يذهب الى المفاوضات للمفاوضات فحسب، عسى أن يمر الوقت، وتتغيّر الادارة الاميركية بعد سنتين، حينها تخرج ايران من حرب العقوبات بأقل خسارة ممكنة.