2019/05/27

الاشتباك السياسي بين باسيل والمستقبل: أسبابه ومآلاته

فجأة تلبدت الأجواء السياسية في لبنان، وارتفعت أصوات تيار المستقبل تهديدًا ووعيدًا ضد التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل، فمنهم من يهدد بإلغاء التسوية، ومنهم من وضع خطوطًا حمراء وبعضهم توعد بعظيم الأمور...
لقد أجمع الموجودون في  اللقاء مع باسيل في البقاع أن الكلام الذي تمّ تداوله اعلاميًا هو مفبرك وبعيد كل البعد عن الحقيقة، فما الذي حصل لتتوتر الاجواء السياسية بهذا الشكل غير المسبوق بين الطرفين ؟
بداية،  لا بد لنا أن نشير الى إن سلوك المستقبل وتصريحات مسؤوليه تشير بما لا يقبل الشكّ أن ذاك التيار لم يدخل التسوية الداخلية بملء إرادته بل أملتها عليه ظروف إقليمية مرتبطة بسحب السعودية يدها من لبنان على أثر فشل سياساتها اللبنانية، بالاضافة الى ظروف خاصة بالحريري نفسه وإفلاس سعودي أوجيه وغير ذلك.
ثانيًا، يبدو المستقبل مستاء منذ النقاش حول الموازنة والتعديلات التي فرضها الوزير جبران باسيل، وما تبعها من كشف لتوظيف سياسي في أوجيرو وغيرها من المؤسسات العامة، والحملة التي يقوم بها التيار الوطني الحر ضد الفساد والتي بدأت تعطي ثمارها... أمام كل هذه الفضائح، والإصرار الذي يبديه التيار الوطني الحر لكشف الفساد ومكافحته، كان لا بد للمستقبل أن يثير الغبار والتصعيد الكلامي واللفظي واستثارة العصبيات الطائفية لإيقاف مسيرة مكافحة الفساد التي يبدو أن التيار لن يتراجع عنها .
ثالثًا، يسود الاعتقاد (لا بل الوهم) في أوساط قوى 14 آذار، بأن الأميركيين جادّين هذه المرة في المجيء ببوارجهم الى المنطقة لمهاجمة إيران والتخلص منها. وبالرغم من كل التقديرات الموضوعية والتصريحات الاميركية التي تقول أن الخيار العسكري غير مطروح على الطاولة في التعامل مع إيران، إلا أن بعض القوى الخليجية ما زالت تتوهم بأن الحرب قادمة وأن اسرائيل وأميركا ستخلّصهم من إيران وحزب الله الى الابد!
وبتأثير من بعض الخليجيين انجرف بعض اللبنانيين وراء وهم تغيير موازين القوى الاقليمية، فهم يجادلون بأن الاميركيين قد يجلبون جنودهم للقتال بالنيابة عنهم، وإذا لم يكن الاميركي مستعد للقتال بجنوده بسبب الرفض الداخلي، فهم يؤمنون بأن اسرائيل ستقوم بتلك المهمة، وما عليهم سوى الانتظار بعض الوقت للتخلص من حزب الله والتيار الوطني الحر سويًا.
في المحصلة، لن تحصل حرب إقليمية في المنطقة، بل بالعكس، كل المؤشرات تشير الى أن الأصوات العالية التهديد قد تكون مقدمة أو تعمية على مفاوضات سرية يقوم بها الطرفان (الاميركي والايراني) وتحتاج الى بعض الدخان لإخفائها. هذا بالاضافة الى ان المراهنات على اشتباك تركي سوري يتمّ بموجبه إعادة العقارب الى الوراء والعودة للحديث عن إسقاط النظام السوري، فهي تدل على خلل في ذهن مصدقيها من اللبنانيين .
إذًا، ما هي إلا مرحلة، وستتكشف فيها كل الاوهام، وسيعود الجميع الى رشده، وسيعود المستقبل الى الحوار مع الاطراف الاخرى وسيعود للقبول بالخيارات المحلية واللبنانية، وبما أن لبنان بلد التسويات القائمة على إعادة الطرف المهزوم الى النظام، ستعود القوى المهزومة اقليميًا الى الحضن اللبناني، ويزهر "ربيع" التسوية مجددًا... لكن ليس بدون أثمان هذه المرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق