2016/10/27

هل يؤدي تباين المصالح الى تفكك الأحلاف في سوريا؟

د. ليلى نقولا
يوماً بعد يوم يتعقّد المشهد الممتدّ بين الساحتين السورية والعراقية، وتختلط الأوراق، وتتباين مصالح الدول على جبهتي المحاور المتقاتلة، بدون أن تتعثر أو أن يكون هناك خلط كبير في مشهد التحالفات. ويبدو التحالف الذي بنته الولايات المتحدة الأميركية أكثر إرباكاً من تحالف موسكو - طهران - دمشق - حزب الله، لكن الأخير لا شكّ يعاني من تبايُن مصالح بين أطرافه، قد يكون حلّها مؤجَّل، فماذا لدى الطرفين؟

1- حلف واشنطن:
صحيح أن الاستراتيجية الأميركية اليوم، وبعد حوالى سنوات ستّ على بدء النزاع في سوريا، تهدف إلى تحقيق "التوازن السلبي" بين جميع الأطراف، ودفعها لمقاتلة بعضها البعض بدون أفق إلى أن يُستنزف الجميع، فتربح واشنطن بدون تدخُّل عسكري برّي مباشر على الأرض، لكن استراتيجية الاستنزاف هذه لم تكن أساس الاستراتيجية الأميركية منذ بدء النزاع في سوريا، بل كانت الاستراتيجية الأميركية بالتأكيد تهدف إلى ربح سريع نسبياً، والإطاحة بالرئيس بشار الأسد، وتنصيب بعض المعارضين الموالين لواشنطن مكانه.

عانت الاستراتيجية الأميركية منذ بدء النزاع ولغاية اليوم، من إخفاقات بنيوية لم يكن بالإمكان تخطّيها، منها تباين مصالح حلفائها، واضطرار الأميركيين للتفريط بأحدهم عند الضرورة، وعدم وجود(وعدم القدرة على صنع) جيش برّي يقاتل للأهداف الأميركية حصراً، وأخيراً التدخُّل العسكري الروسي المباشر الذي قلب موازين القوى، في وقت كانت واشنطن وحلفاؤها قد بدأوا يحققون الانتصارات، خصوصاً عند تأسيس "جيش الفتح"، الذي قام بهجوم ساحق واستطاع احتلال مناطق هامة في الشمال السوري.

وبغض النظر عن هوية الفائز في الانتخابات الأميركية المقبلة، فإن الرئيس الأميركي المقبل ومهما كانت استراتيجيته المعتمَدة، وسواء كانت أولويته إسقاط الأسد (هيلاري كلينتون) أو محاربة "داعش" (دونالد ترامب)، فسوف يصطدم بالمعوقات البنيوية نفسها، أي الأجندة التركية المستقلة والمتفلتة، وعدم القدرة على تشكيل مجموعات مسلّحة "موثوقة وفعّالة" للقتال، بالاضافة الى الوجود الروسي في سوريا.

2- حلف موسكو:
بالرغم من أن الظاهر يشي بعدم وجود تباينات في هذا الحلف، لكن التدقيق في مصالح أطرافه تشي بالكثير:

بداية، إن ارتكاز هذا التحالف على قوات بريّة مقاتلة من الجيش السوري وحلفائه؛ من حزب الله وبعض الميليشيات العراقية، يجعل من الأسهل عليه تحقيق انتصارات ميدانية، وتخطي العقبة التي تعاني منها واشنطن، وهي "القتال البرّي الفعّال".

لكن مصالح الحلفاء في هذا الحلف تتباين على المدى المتوسط والطويل، وأبرزها ما يلي:

أ‌-       إن موسكو التي تطمح إلى أن تمد أنابيب الغاز عبر "السيل التركي" إلى أوروبا، والمتحالفة مع "إسرائيل"، لا يضيرها أن تنفّذ واشنطن استراتيجيتها بقطع التواصل الجغرافي بين إيران وسوريا- لبنان، عبر كونتونات تؤسس لها في الشمال والشمال الشرقي السوري، فذلك ينهي المشروع المنافس الذي يصل الغاز الإيراني إلى السواحل السورية، ويضيّق إمكانية وصول السلاح إلى المقاومة في لبنان.

ب‌-  كما الأميركيين، يجد الروس أنفسهم محرَجين بالاستراتيجية التركية التوسعية في سوريا، لكنّ الاثنين يدركان مدى الأهمية الاستراتيجية لتركيا في المنطقة ككل، وفي النزاع السوري بشكل خاص، لذا يصمتان على ما يقوم به أردوغان في سوريا، سواء على حساب سيادة الدولة السورية (حليفة الروس)، أو على حساب الأكراد(حلفاء الأميركيين).

ت‌-  تتلاقى مصالح الإيرانيين مع المصالح التركية في محاولة تحجيم الأكراد والقضاء على أحلامهم الانفصالية، بينما يدافع الروس عن حق الأكراد في الاشتراك في المحادثات السورية في جنيف، وكانوا سبّاقين في الاعتراف بالحقوق الكردية، من خلال فتح ممثلية للأكراد في موسكو، علماً أن الروس لم يحاولوا أن يتحدّوا أو ينافسوا الحضور الأميركي العسكري في مناطق سيطرة "وحدات حماية الشعب" الكردية، ولم يعمدوا إلى تجهيز قواعد عسكرية لهم في الحسكة والقامشلي رداً على قيام واشنطن باستخدام مطار "رميلان" شمالي الحسكة، بالإضافة إلى قاعدة عسكرية أخرى قرب عين العرب - كوباني. واللافت أن الروس اكتفوا بالوساطة بين الجيش السوري والأكراد حين حاول الأكراد السيطرة على الحسكة وطرد الدولة السورية منها.

بالنتيجة، تتشابك مصالح الأطراف المتدخلة في النزاع السوري وتتباين بحسب القضية والطرف المعني، لكن الأحلاف لا تتفكك، ولن نشهد أي انتقال من محور إلى آخر، لعدم قدرة أي طرف على تحمُّل تلك التكلفة. لذا، وبانتظار جلاء غبار المعارك الدائرة في كل من العراق وسوريا، ستستفيد تركيا من سباق النفوذ بين الأميركيين والروس، وحاجة كل منهما لها كدولة محورية في المنطقة، بينما تبدو إيران الضامن لعدم التقسيم؛ باستخدام نفوذها في كل من العراق وسوريا لمنعه، بينما لا يبقى مفر أمام السوريين إلا الثقة بكل من الإيرانيين والروس وما يقررونه، فلولاهم لما استطاعت الدولة السورية الصمود والتقدّم بهذا الشكل.

2016/10/06

هل يشنّ اوباما الحرب على الجيش السوري؟

د. ليلى نقولا
يوماً بعد يوم تُقرع طبول الحرب الكبرى في سوريا، وتزداد التصريحات المتشجنة بين كل من الروس والأميركيين، خصوصاً بعدما سقط الاتفاق الهشّ الذي عقده وزير الخارجية جون كيري مع الروس حول حلب ووقف العمليات العدائية، والذي لم يعمّر سوى أيام معدودة، خرق خلالها المسلحون الهدنة حوالى 300 مرة، وانتهت بقصف طائرات التحالف الدولي للجيش السوري في دير الزور، قابلها قصف روسي لغرفة عمليات حلب، والتي ذكرت تقارير إعلامية أنه قتل فيها ضباط "إسرائيليون" وغربيون وأتراك.

وبالتوازي مع قرع طبول الحرب وارتفاع وتيرة التهديدات بين الروس والأميركيين، يعتقد البعض أنه ما زال بإمكان الرئيس باراك أوباما - وبالفترة المتبقّية لديه -إصدار الأوامر بشنّ حرب على النظام السوري، أو على الأقل شنّ ضربات جوية قاسية لتعطيل قدراته الجوية، ويعطون مثالاً على ذلك قيام الرئيس الأميركي بيل كلينتون بقصف العراق في آخر يوم من ولايته، بينما يعتقد البعض الآخر أن الأميركيين باتوا محرَجين في سوريا، لذا يحاولون التعويض عن هذا الإحراج بالصراخ والتهديدات.

وبغض النظر عن مدى دقة أي من التكهنات الواردة أعلاه، فبلا شكّ هناك خلط أوراق كبيرة في المنطقة، والأشهر المقبلة ستكون مصيرية في مستقبل النزاع السوري ككل، والأميركيون أمام خيارات كبرى في حال قرروا زيادة تدخُّلهم العسكري في سوريا:

أولاً: خيار الحرب الدولية الشاملة هو خيار مستبعَد، لأنه لا الروس ولا الأميركيين مستعدون للدخول في حرب مباشرة في الشرق الأوسط، لما لهذا الخيار من نتائج كارثية على العالم أجمع.

ثانياً: خيار الحرب الأميركية المحدودة على الجيش السوري، وتعطيل قدراته الجوية، وهو خيار مطروح منذ زمن، خصوصاً أن المتابع لسياق التباينات داخل الإدارة الأميركية، يلاحظ ما يلي:

1-   منذ بداية الأزمة السورية كان هناك قرار رئاسي واضح، يدعمه البنتاغون الأميركي، بعدم التدخل العسكري المباشر في سوريا، لأن الأميركيين الذين ما زالوا لغاية اليوم يدفعون ثمن حروب بوش في العراق وأفغانستان، هم بغنى عن مغامرة عسكرية أخرى يُدخلون فيها الجيش الأميركي في حرب يعرفون كيف تبدأ ولا يعرفون كيف تنتهي.

2-   في المقابل، كانت وزارة الخارجية الأميركية خلال عهد هيلاري كلينتون - وكما كشفت نصوص عقيدة أوباما في "ذي اتلانتك" - تميل إلى مزيد من التدخُّل العسكري الأميركي، وإلى إعطاء المجموعات المسلّحة في سوريا ما تحتاج إليه للانتصار في المعركة ضد النظام السوري. أما في عهد جون كيري، وبالرغم من جولاته التفاوضية المستمرة مع الروس، فالغالب أنه وجزء هام من إدارة وزارة الخارجية كانوا يميلون لصالح الخيار العسكري، والدليل الوثيقة الاعتراضية المسرَّبة عن 51 مسؤولاً في الخارجية، والتي انتقدت سياسة أوباما في سوريا وطالبت بتدخُّل عسكري أكبر، بالإضافة إلى تهديدات كيري المستمرة بالخطة "ب"، وأخيراً كلام كيري المسرَّب عن لقائه مع معارضين سوريين على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، ونشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، والذي عبّر فيه عن إحباطه لأن جهوده الدبلوماسية لإنهاء النزاع في سوريا لم يتم دعمها بعمل عسكري تشنّه الولايات المتحدة.

الأرجح أن جون كيري، في تفاهمه الأخير مع لافروف، كان يراهن على تكرار سيناريو الهدنة السابقة، أي إلزام الروس والسوريين بفعل لا شيء، بينما يُعطى الأميركيون وحلفاؤهم الوقت الكافي لإعادة تسليح المجموعات المسلحة ومدّها بالإمداد اللازم لاستئناف القتال، بينما يأخذ المسؤولون العسكريون الأميركيون على ذلك التفاهم أنه كان بصدد سحب ورقة هامة يملكها الأميركيون في استراتيجتهم العسكرية في سوريا، وهي ورقة القتال عبر الجماعات المسلحة، ففصل "النصرة" عن المجموعات المسلحة الأخرى يعني فعلياً إضعاف المجموعات المسلحة في مقابل الجيش السوري، فالقتال في سوريا يعتمد بشكل رئيسي على "النصرة"، ولا يمكن للبنتاغون أن يخسر ورقة رابحة في النزاع السوري بدون أن يطلب في المقابل مكاسب سياسية كبرى لم تكن موجودة في الاتفاق الأخير.

تحسُّباً لهذا الخيار، صعّد الروس من وتيرة تهديداتهم العلنية، وقاموا بتزويد الجيش السوري بصواريخ "أس 300"، للدفاع عن النفس "القانوني والمشروع في القانون الدولي"، في حال قرر الأميركيون المغامرة بهذا الخيار.

برأيي، وبناءً على دراسة المعطيات الشخصية للرئيس أوباما، والتاريخية المتعلقة بدروس الحروب في الشرق الأوسط، وكلفة أي خيار عسكري غير محسوب النتائج، وتأثيره على نتائج الانتخابات الأميركية، يمكن القول إن الأميركيين لن يذهبوا الى خيار الحرب مع روسيا ولا إلى خيار الضربات الجوية المحدودة للجيش السوري، فما لم يفعله أوباما خلال أزمة الكيماوي لن يفعله وهو يغادر البيت الأبيض، وقد تكون حادثة دير الزور تجربة أراد الأميركيون من خلالها اختبار مدى استعداد الروس للردّ، وأتتهم النتيجة واضحة.

لذا، سيركّز الأميركيون في هذه الفترة الانتقالية على الانتصار على "داعش" في الموصل أو الرقة، بينما يحرصون في المقابل على عدم السماح للروس وحلفائهم بقلب موازين القوى العسكرية، والإبقاء على التوازن السلبي بين جميع القوى في سوريا، مما يستنزفها جميعها؛على طريقة "عدو عدوي في الشرق الأوسط يبقى عدوي".