2020/04/28

الصين للغرب: احذروا "الذئب المحارب"!


تعاني الصين منذ انتشار فيروس كورونا من الصين الى جميع أرجاء الكون، آثارًا اقتصادية واجتماعية وصحية كبيرة كبدها إياها انتشار الفيروس والحجر المنزلي التام الذي فرضته. وكأن آثار الفيروس القاتل غير كافية، لتواجه الصين حربًا من نوع آخر؛ حرب سياسية وإعلامية شرسة تريد تحميلها مسؤولية تفشي الوباء، سواء من خلال الادعاء بتصنيع الوباء في مختبراتها، أو من خلال اتهامها بالتستّر على المعلومات، ونشر الوباء في العالم بسبب عدم اعترافها بها.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد أطلق على الفيروس اسم "الفيروس الصيني"، ثم اتهم منظمة الصحة العالمية بالتستر وأنها تسوّق الدعاية الصينية، ما جعله يقطع المساعدات المادية التي تقدمها الولايات المتحدة لتلك المنظمة، والتي تعادل 20 بالمئة من مجموع موازنتها السنوية.

ونلاحظ أنه وخلال فترة ما بعد تراجع الوباء في الصين وانتشاره في العالم، وردًا على محاولات شيطنتها، تقوم الصين بحملة سياسية دبلوماسية وإعلامية متعددة الأبعاد والأهداف، تختلف عن السياق الذي تتبعه الصين عادةً في سياساتها الخارجية، وقد تجسّد في مرحلتين:

المرحلة الأولى: الدعاية السياسية

وكان التركيز الاعلامي الصيني في المرحلة الأولى لانتشار الوباء عالميًـا يركّز - بشكل أساسي- على تجميل صورة الصين باعتبارها "دولة الخير" التي تقوم بمساعدة الدول المتضررة من الوباء، عبر إرسال المساعدات الطبية وخبراء الصحة لمواجهة الوباء...

المرحلة الثانية: استراتيجية "الهجوم بمعرض الدفاع"

وبعدما تبين عدم قدرة الاستراتيجية الدعائية بمفردها على مواجهة الدعاية الغربية والأميركية خاصة، بتحميل الصين مسؤولية انتشار الوباء، وإظهارها وكأنها "دولة مارقة"، انتقلت الصين الى استراتيجية دبلوماسية وإعلامية أكثر هجومية.

وهكذا حفلت المواقع الصينية الناطقة بلغات غير صينية، بالردّ على الاتهامات ونظريات المؤامرة الغربية، أما بنشر دراسات علمية تثبت الاصل الحيواني للوباء وتدحض فكرة التصنيع المخبري، أو بنشر نظريات مؤامرة مناقضة ومضادة تتهم الأميركيين بتصنيع الفيروس، أو أن الانتشار الأول لم يكن في الصين، بل في الولايات المتحدة أو إيطاليا.

أما دبلوماسيًا، فنجد أن حسابات الدبلوماسيين الصينيين على تويتر (والتي تمّ إنشاؤها في الأشهر الأخيرة)، مارست سياسة الردّ السريع على الاتهامات وتأنيب مطلقيها من سياسيي الدول الأخرى، بغض النظر عن هوية قائلها.

بموازاة ذلك، تحدثت تقارير إعلامية عن ضغوط صينية وتهديد بوقف تصدير المعدات الطبية الى أوروبا، ساهمت في تخفيف حدّة لهجة بيان الاتحاد الأوروبي وتراجعه عن اتهام الصين بالتستر على خطورة الوباء.

وهكذا، نجد أن الصين انتقلت بالفعل من سياسة تاريخية تقليدية كانت تستخدمها الى سياسة جديدة تمامًا.  عادة، تعتمد الصين في سياستها الخارجية مبادئ كرّسها السياسي الصيني "شو انلاي" (مارس مهامه السياسية خلال فترة 1949- 1976) الذي أسس مبدأ "التعايش السلمي"، والتي طورها "دينغ شياو بينغ" (حكم الصين من عام 1978 لغاية تقاعده عام 1992) وأضاف اليها فكرة "إخفاء القدرات الذاتية والاستمرار في إظهار عدم القدرة low profile ".

وأبرز ما جاء في سياسة دينغ، نقاط سبعة، استمرت الصين في استخدامها لغاية ما قبل كورونا، ما يلي:

1.    قدّم الملاحظات بطريقة باردة.

2.    أمّن موقعك جيدًا.

3.    تعامل بهدوء مع التحديات والمشاكل.

4.    إخفِ قدراتك واستفد من الوقت.

5.    حافظ على الظهور بمظهر المتواضع.

6.    لا تدّعي القيادة أبداً.

7.    إصنع فرقًا.

وعليه، إن ما تستخدمه الصين اليوم، من استراتيجية متعددة الأبعاد، فيها الدعائي والهجومي، وتسويق النموذج الصيني بصفته نموذجًا عالميًا صالحًا للتقليد، يعدّ ابتعادًا عن الاستراتيجية التقليدية التي أرساها دينغ واعتمدها الصينيون لفترة طويلة، وتكريسًا لاستراتيجية جديدة يطلق عليها الغربيون اسم "الذئب المحارب" في الإشارة الى فيلم صيني شهير، عرض الجزء الأول منه عام 2015، والثاني عام 2017.

فهل يكون هذا مؤشر لاستراتيجيات صينية مختلفة ستعتمدها الصين على الصعيد العالمي في السنوات القادمة، أم أنها مرتبطة حصرًا بتهديد تستشعره الصين يريد تحميلها وزر تبعات كورونا عالميًا وبالتالي مطالبتها بتعويضات مادية قد تؤدي الى إفلاسها؟

2020/04/27

استثمار الجوع سياسيًا... الى متى؟


أستبشر اللبنانيون بعض الخير بتخفيف إجراءات الحجر المنزلي، وبإعلان وزير الداخلية اللبناني محمد فهمي وبناءً على توصية مجلس الدفاع الأعلى وخلية أزمة كورونا، على خطة مؤلفة من خمس مراحل تدريجية لفتح الأسواق والعودة الى العمل. لكن، فرحة اللبنانيين بالعودة الجزئية الى العمل، رافقها عوامل قلق أكبر، متأتية مما يلي:

1- ارتفاع أسعار الدولار في الأسواق بشكل جنوني، وارتفاع أسعار السلع والبضائع بشكل أكبر من الزيادة التي فرضها الدولار.

ويقول أصحاب الإختصاص أن ارتفاع سعر الدولار في السوق له أسباب سياسية بالاضافة الى سياسة مصرف لبنان، وتعاميم حاكم المصرف المركزي التي قوننة وجود عدّة أسعار للصرف، بالاضافة الى التعاميم التي وجهها للمصارف، والتي ساهمت في مزيد من تراجع وانهيار الليرة مقابل الدولار، وسمحت للبنوك بالقيام بـ«هيركات» للحسابات الصغيرة والمتوسّطة والأجور التي يتقاضاها اللبنانيون بالدولار الأميركي.

وهكذا، يعيش اللبنانيون قلق تناقص مدخراتهم بالليرة اللبنانية، والتضخم الحاصل والذي بات معه من الصعب القدرة على الاستمرار في شراء الأساسيات، فكيف بالكماليات وأدوات الرفاهية؟

2- الاشتباك السياسي الحاصل والذي ارتفعت حدّته بشكل كبير، بعد إعلان الحكومة اللبنانية برئاسة حسان دياب تصميمها على المساءلة والمحاسبة، ودخول رجال الدين على خط هذا الاشتباك الذي ينذر بمزيد من التشنج في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية، في ظل قدرة السياسيين على اجتذاب الفقراء وزجّهم في معاركهم السياسية مستغلين تردّي الاوضاع وعدم قدرة الحكومة على إيجاد حلول عملية سريعة.

3- القلق من توتر أمني كنتيجة للتوتر السياسي، وخوف اللبنانيين من أن تندفع الأحزاب السياسية الى الشارع لتصفية حساباتها، وتكرار تجربة الحرب الاهلية، في ظل إشاعات ورسائل واتساب تتحدث عن قطع طرقات واستنفار وغير ذلك.

وزاد من حدّة تلك الشائعات، أحاديث عن تدخل السفيرة الأميركية في لبنان للحثّ على الفتنة، وأحاديث عن طلبات سعودية خليجية للبنانيين بـالسير بمشاريع لقلب ميزان القوى السياسي وإخراج النفوذ الايراني من لبنان.

وفي هذا الإطار، وبالرغم من أنه لا أحد يستطيع أن ينفي أو يؤكد تلك الاشاعات، إلا أنه من المفيد مقاربتها بطريقة واقعية:

أولاً، من الصعب بمكان حصول حرب أهلية جديدة في لبنان، فموازين القوى الداخلية المختلة لا تسمح بذلك. منذ أيار 2008، بات من الصعب على أي جهة خارجية أو داخلية أن تفكّر بقلب موازين القوى الداخلية بدون أن تستفيد من دروس تلك التجربة. وعليه، لا عودة للحرب الأهلية في لبنان، ولو أن بعض الأحزاب القلقة من مكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة قد تفكر بافتعال بعض الاشكالات الأمنية.

ثانيًا، إن إتهام السفارة الأميركية أو الخليجيين أو الايرانيين أو سواهم بالمشاكل اللبنانية الداخلية، هو تقليد لبناني قديم، مستمد من مقولة "حرب الآخرين على أرضنا" التي استخدمت لتوصيف الحرب الأهلية.

الأكيد أن هناك تدخلات خارجية في لبنان، وفي كل الدول المماثلة حجمًا وحضورًا، لكن استدعاء الخارج هو عادة لبنانية معروفة منذ قرون. كما أنه من الأسهل للبنانيين، تحميل الخارج المسؤولية، والتحدث عن "قوة عظمى" للإدعاء بعدم القدرة على إيجاد الحلول.

إن الفساد اللبناني والنهب المنظّم الذي قامت به ميليشيات الحرب التي استلمت السلطة هو الذي أفقر لبنان، وإن زاد الأمر صعوبة في ظلّ ضغوط اقتصادية أميركية.

لذا، فإن اتهام السفيرة الأميركية بإعطاء "أمر عمليات" للأطراف اللبنانية، بغض النظر عن صحته، يحاول أن يخفي مسؤولية السياسيين اللبنانيين، واستعدادهم لهدم الهيكل على من فيه تحقيقًا لمآرب شخصية ضيقة أو هربًا من المحاسبة. كما إن اتهام الخارج بالتحريض على الفتنة، قد يخفي في طياته تنصلاً لبنانيًا من قبل بعض الاطراف بالسير بمكافحة الفساد، وذلك درءًا للفتنة (بحسب هؤلاء).

إذًا، في المحصلة، يدفع اللبناني أثمانًا كبيرة من قوته وقوت أولاده، ثمن اشتباك سياسي داخلي كبير، يترافق مع اشتباك سياسي اقليمي لا حلّ له قبل الانتخابات الأميركية. فهل يأتي الانفجار فيأتي الانفراج، أم نبقى في مراوحة سياسية واقتصادية قاتلة الى أن تنجلي نتائج المعركة الانتخابية الأميركية؟ هذا مرهون بقدرة الشارع اللبناني على الصبر، والذي لا يبدو متوفرًا.

2020/04/22

هل يجرّ ترامب العالم الى حرب؟

في سلسلة تغريدات لافتة ومستغربة، غرّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب داعيًا أنصاره الى "تحرير" بعض الولايات الأميركية (مينيسوتا، ميتشغن، فيرجينيا)، ومذكرًا بالتعديل الثاني للدستور الأميركي، والذي يقول " إن وجود ميليشيا حسنة التنظيم ضروري لأمن أية ولاية حرّة، لا يجوز التعرض لحق الناس في اقتناء الأسلحة وحملها".
وهذه التغريدات وتلك الاشارة الى التعديل الثاني، تفيد بأن ترامب يدعو أنصاره صراحة لحمل السلاح، بوجه السلطان المحلية التي تقوم بإغلاق الولايات الأميركية وفرض الحجر المنزلي بسبب تفشي فيروس كورونا.
فما الذي يجعل ترامب يبدو مذعورًا مهددًا بحمل السلاح في الداخل؟
إن التاريخ الأميركي يشير الى أن الاقتصاد كان دائمًا عاملاً أساسيًا وهامًا في خيارات الناخبين الأميركيين، ولقد ساهمت الأزمات الإقتصادية في الاطاحة بالعديد من الرؤساء المرشحين للانتخابات.
كما تشير الدراسات، أنه دائمًا ما توفرت حظوظ أكبر للرؤساء الأميركيين خلال سعيهم للتجديد لولاية ثانية، شذّ قليلون عن هذه القاعدة، منهم على سبيل المثال لا الحصر، جيمي كارتر وجورج بوش الأب.
بالنسبة لجيمي كارتر؛ لقد أدّت أزمة الرهائن الأميركيين في إيران بالاضافة الى تراجع الوضع الاقتصادي، الى خسارته معركة التجديد الرئاسية، بعدما اعتبر الاميركيون انه لم يكن فعالاً في إدارة أزمة الرهائن، وأن الاقتصاد يتجه من سيء الى أسوأ.
أما جورج بوش الأب، والذي كانت استطلاعات الرأي تعطيه تأييدًا غير مسبوق (89%) بعد حرب الخليج الثانية (تحرير الكويت)، لكن عدم وفائه بوعده بعدم زيادة الضرائب، وبالاخص الانكماش الذي عاناه الاقتصاد الأميركي، أديا الى تراجع شعبيته وخسارته الانتخابات أمام بيل كلينتون.
قبل كورونا، كانت المؤشرات الاقتصادية ممتازة وكان ترامب يتصور معركة سهلة أمام جو بايدن. أما اليوم، فيواجه ترامب بعدم الكفاءة في مواجهة الأزمة، بعدما استمر لمدة أسابيع يتعاطى مع الموضوع باستخفاف، ويعتبره "خدعة"، ويستشعر الخطر الذي سيتأتى من استمرار إقفال الأسواق وتصاعد أعداد العاطلين عن العمل نتيجة الحجر الصحي والتنبؤات الاقتصادية بركود اقتصادي لا مثيل له في تاريخ الولايات المتحدة الحديث، بالاضافة الى انهيار أسعار النفط الخام الأميركي والتي تنذر بإفلاس شركات النفظ الصخري، وطرد الملايين من الموظفين.
وأمام هذه الخطر والقلق من عدم إمكانية الفوز بولاية ثانية، يعمد ترامب الى استراتيجية هجومية تتجلى في: تكثيف الظهور الاعلامي، وضع اسمه على الاموال التي سيتم منحها للمواطنين كمساعدات، دعوة الولايات لفتح الأسواق، بالاضافة الى إلقاء المسؤولية على الصين التي - برأيه- مارست الخديعة وتسترت على الاعداد وخطورة الفيروس، وعلى حكام الولايات الذين يتهمهم بالتقصير، وبأنهم يريدون إقفال ولاياتهم ومنع الناس من الذهاب الى إعمالها.
من غير الواضح - لغاية الآن- مدى قدرة هذه الاستراتيجية على قلب الأوضاع لمصلحته. ولكن، يبدو أن ترامب - وكما تدل شخصيته- مستعد للذهاب الى أبعد حدود في حال شعر بأنه سيخسر انتخابات تشرين الثاني / نوفمبر 2020، وبالتالي من الممكن أن يذهب الى خيارات كبرى وخطيرة، أملاً في كسب المزيد من الأصوات مستندًا الى قاعدة شعبية معبأة ايديولوجيًا وغرائزيًا، منها على سبيل المثال:
- اتهام الصين باختراع الوباء وإرساله الى الولايات المتحدة عمدًا، وبالتالي المطالبة بتعويضات مالية كبرى، فيعمد الى فرض عقوبات على الصين أو حجز الاموال الصينية في الولايات المتحدة.
- التحريض على حمل السلاح في الداخل والتهديد بحرب أهلية في حال خسارته، وذلك باقناع ناخبيه ومؤيديه أن هناك "مؤامرة" ضده يتم تحضيرها من قبل الحزب الديمقراطي بالتعاون مع وسائل الاعلام والدولة العميقة.
- التحرش عسكريًا أما بالصين في بحر الصين الجنوبي، أو بايران في الشرق الأوسط. وبالرغم من أن الخيار العسكري هو مكلف بالتأكيد، وبالرغم من عدم اقتناع ترامب بالحروب العسكرية الكبرى، لكن هذا الخيار قد يستخدمه كملاذ أخير في حال شعر بانهيار حظوظه الرئاسية. ويمكن له بعد اتهام الصين بارسال الوباء الى أميركا والعالم، أن يتذرع بالدفاع عن النفس في تلك المواجهة.

2020/04/20

تسييس كورونا لبنانيًا!


وفي الأسبوع الأخير قبل انتهاء الفترة الأساسية للتعبئة العامة التي أعلنتها الحكومة اللبنانية، بدا اللبنانيون على طرفي نقيض: أصوات تتعالى تتحدث عن ضرورة فتح الأسواق لعدم قدرة اللبنانيين على الصمود أكثر، بينما آخرون يتحدثون عن حاجة الدولة الى استكمال فترة الحجر الصحي لمدة أسابيع ثلاث بعد الوصول الى مرحلة تسجيل صفر حالات جديدة.

والأكيد أن لكل طرف حجته ومسوغاته المشروعة، وهذا السجال اللبناني ليس مختلفًا عن السجالات في العالم أجمع، التي تقارب الموضوع إما من زاوية إقتصادية أو من زاوية صحية. المقاربتان صحيحتان، ولهذا تعمد الحكومات في كل العالم الى قيام موازنة دقيقة بين الاقتصاد والجوع القادم، وبين احتواء الجائحة وقدرتها على الفتك بالمجتمعات.

أما لبنانيًا، فتبرز على ضفة هذا السجال، مجموعة أخرى ذات مصالح خاصة، بدأت بتحريك الشارع وإنزال التظاهرات، التي تتخذ عنوانًا مطلبيًا، بينما هي تجسّد في الواقع منحى سياسيًا صرف.

واقعيًا، بدأت الحملة السياسية مباشرة بعد حديث الرئيس عون عن استعادة الأموال المنهوبة، وكلام الرئيس حسان دياب عن أن هناك فئة تقارب 2 % من المودعين ستتأثر بعمليات "القص" والتي يبدو أنها الفئة الأكثر ثراءً والتي قد يطالها التحقيق في مصدر الاموال، وكيفية تهريبها الى الخارج خلال ثورة 17 تشرين الاول.

أما إعلان بدء الحملة، فأتى بتصعيد من قبل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط  بعد لقائه كل من السفيرة الأميركية والسفير الفرنسي في بيروت، أرسل بعدها جنبلاط موفدين من قبله الى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. وتكامل التصعيد مع عودة الرئيس سعد الحريري الذي ترافق مع مظاهرات لمناصريه في كل من طرابلس وسعدنايل، وظهور دعوات على وسائل التواصل تدعو المواطنين الى مسيرات بسياراتهم يومي الثلاثاء والأربعاء.

وفي ظل هذا الحراك السياسي المرشح للتفاقم، يمكن لنا أن ندرج الملاحظات التالية:

أولاً: إن الاطلاع على مواقف الأطراف المتعددة التي ساهمت في ثورة 17 تشرين، يشير الى أن العديد من المجموعات "المدنية" لم تبدُ معنية بالصراخ الحريري - الجنبلاطي. نرى أن الكثير ممن يتكلمون باسم الثورة، طالبوا بمحاسبة فعّالة والتحقيق في مصدر أموال كل من تولى منصبًا  سياسيًا أو إداريًا أو مارس شأنًا عامًا منذ التسعين ولغاية اليوم، وهذا يتلاقى مع دعوات كل من الرئيسين عون ودياب.

ثانيًا: إن تريث جعجع (بدون رفض مطلق) في الالتحاق بجنبلاط والحريري لتشكيل جبهة سياسية ضد العهد والحكومة، له مبرراته. لا ينسى جعجع كيف استغل هؤلاء دعم القوات، ثم انقلبوا عليهم. فهل يفعلها جعجع مرة أخرى؟ بكل الأحوال، لن يتحرك جعجع ويساهم في الانقلاب الجديد على العهد بدون غطاء خارجي إقليمي.

ثالثًا: يمكن وضع لقاء السفيرة الأميركية في بيروت مع جنبلاط بالتزامن مع تصعيده الكلامي، ضمن فرضيتين: إما أن تكون قد دعمته في تحريضه على الحكومة الحالية، أو أبلغته بعدم رغبة الولايات المتحدة بتغطية أي من الفاسدين في ظل الوضع الافلاسي الذي يعانيه لبنان، لذا زاد صراخه.

وفي الفرضية الأولى، يصح التساؤل: ما الذي تستطيع أن تجنيه الولايات المتحدة من دعمها لقوى سياسية فاسدة سبق أن جرّبها الأميركيون ودعموها بين عامي 2005 و 2008، وانتهت معركتهم بخسارة مؤكدة خلال 48 ساعة فقط؟.

ألا يدرك الأميركيون أن الاستثمار في الاحزاب السياسية التقليدية اللبنانية ضار أكثر مما هو نافع، فما دخل هؤلاء الى شيء إلا وأفسدوه؟. لقد أفسدوا الحكم، وسرقوا الدولة، وحاولوا سرقة ثورة 17 تشرين ومطالبها للانقضاض على حلفائهم واحتكار السلطة.

وعليه، إن الجبهة السياسية التي تتشكل اليوم والتي تحاول تعويم نفسها مستغلة الوضع الاقتصادي السيء والذي ازداد سوءًا بالتأكيد بعد أزمة كورونا، لن تصل الى أي مكان في حال تصرفت الحكومة اللبنانية بشجاعة أكثر. على الحكومة التصرف وعدم الانتظار، فتبدأ بإعلان جدّي عن استعادة الأموال المنهوبة، وتلجم ارتفاع الأسعار، وتصاعد الدولار....وتفكر جديًا بفكّ الحجر الصحي رويدًا رويدًا للتمهيد لإعادة الموظفين الى أشغالهم، والعمال الى أعمالهم، وعودة الحياة الى السوق "ببطء" مع اتخاذ الاجراءات الوقائية اللازمة، فكلما تأخر الحجر كان الوضع الاقتصادي أخطر وأكثر تعقيدًا.

2020/04/14

تبدل أولويات الأمن القومي بعد كورونا!

يقف العالم اليوم، مذهولاً أمام هول الكارثة التي حلّت بالدول كافة في ظل تفشي جائحة كورونا، وتساوي قدرة دول كبرى على المواجهة والاحتواء مع دول صغيرة وأخرى هشة ومفلسة كلبنان على سبيل المثال لا الحصر، الذي فاق بقدرته على احتواء الوباء أفضل بكثير من قدرة بعض الدول الاوروبية.
والأكيد، أن الوباء اليوم كشف هشاشة وقدرة العديد من الدول في التعامل مع التهديدات، وبالتالي من المنطقي أن تقوم تلك الدول - في مرحلة ما بعد كورونا- بإعادة تقييم شاملة لمستوى جهوزيتها الوطنية، ومستوى قدرتها على الاستجابة للمخاطر المستجدة. وهذا التقييم سيفرض إعادة ترتيب الأولويات في موضوع التهديدات التي يتعرض لها الأمن القومي، ويمكن أن يفضي الى إعادة تعريف للأمن القومي ككل.
تنطلق الدول عادة، من فكرة أن التهديدات التي يجب مواجهتها هي بشكل أساسي عسكرية - أمنية، ما یجعل التهدید الخارجي والخوف من السیطرة الأجنبیة، من الأولویات الرئیسیة لأمن الدول. وهكذا يكون التعريف التقليدي للامن القومي، والذي يبدو أنه يضيق يومًا بعد يوم في ظل زيادة التحديات العالمية، وهو "ما تقوم به الدول للحفاظ على سلامتها من الأخطار الداخلیة والخارجیة التي قد توقعها تحت سیطرة أجنبیة أو تكون عرضة للتضحية بالقيم الأساسية، نتیجة ضغوط خارجیة أو انهیار داخلي".
وانطلاقًا من هذه المقاربة التقليدية، برزت مدرستان، الاولى تركّز على الجانب العسكري والتهديد الخارجي للدولة، والثانية تضيف الى ما سبق أمن الموارد الحيوية والاستراتيجية، والتنمية التي بدونها لا محل للحديث عن الأمن.
ومع تطور الظروف الدولية وتبدل مصدر التهديدات وتطورها، تبدلت النظرة الى الموضوع الأمني، وبات يُنظر الى الأمن القومي باعتباره أبعد من الدولة كوحدة، وأضاف الباحث - المرجع في الدراسات الأمنية- "باري بوزان" المخاطر الفردية والمجتمعية، والتهديدات العابرة للحدود، والأزمات الزاحفة، والكوارث الطبيعية الخ باعتبارها جزء لا يتجزأ من النظرة المعاصرة للأمن القومي.
أما "روبرت كابلان" فأضاف إلى هذه التهديدات أبعادًا أخرى، تتعلق بالاكتظاظ السكاني، الأمراض المعدية، التحزبات القبلية والعشائرية الخ، واعتبر أنها تشكّل تهديدًا للأمن العالمي، ويمكنها أن تدمر النسيج الاجتماعي لكوكب الأرض .
وبالرغم من كل هذه التطورات والأفكار بقيت الدول- خاصة الكبرى منها- تركّز على البعدين العسكري والاقتصادي باعتبارهما يشكّلان قوة الدول الأساسية، وبقيت العوامل الأخرى في إطار ثانوي الى أن أتت أزمة كورونا فكشفت هشاشة وقصر نظر التفكير الأمني التقليدي للدول.
وهكذا، يمكن أن نشير الى بعض المقاربات العالمية التي ساهمت بتفاقم أزمة كورونا وتأثيراتها في بعض الدول، نذكر منها:
- في الولايات المتحدة:  
في مقارنة بين استراتيجية الأمن القومي التي وضعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتلك التي وضعها قبله الرئيس باراك أوباما، نجد أن التهديدات جراء التغيرات المناخية والبيئة والصحة وحقوق الانسان التي أوردها اوباما في استراتيجيته، غابت كليًا عن استراتيجية ترامب وحلّ مكانها التنافس الاستراتيجي مع روسيا والصين، والتهديدات من كوريا الشمالية وايران كأولوية.
- في الإطار الاوروبي:
استمر الأوروبيون - بشكل عام - بالتركيز على التهديد الاستراتيجي الروسي، وتنبهوا لتحديات الهجرة غير الشرعية، ومشاكل النمو الاقتصادي، وأغفلوا كليًا التهديد الصحي، بدليل أن معظم الدول الأوروبية قامت بخصخصة قطاعات الصحة والمواصلات وغيرها، معرّضة أمنها القومي لأخطار لم تكن في الحسبان.
- سياسات و"نصائح" منظمة الصحة العالمية:
سوّقت منظمة الصحة العالمية "معاييرها العالمية" لفعالية الأنظمة الصحية في العالم، وحصرت الموضوع بحجم "الكلفة المادية"، والتي تقوم على فكرة أنه كلما كان إنفاق الدولة أقل، كان نظامها الصحي أكثر فعالية، والعكس صحيح، في إغفال واضح لمبدأ جودة الصحة وقدرة المواطنين على الوصول للخدمات الصحية في قياس تلك الفعالية، وهو ما تبيّن عدم صحته اليوم.
بالاضافة الى ما سبق، شجعت منظمة الصحة العالمية الدول على الخصخصة والشراكة بين القطاعين العام والخاص في المجال الصحي والمستشفيات، وهذا ما أثبت عدم فعاليته في هذه الأزمة حيث اضطرت دولة مثل فرنسا - على سبيل المثال- الى تأميم المستشفيات لمواجهة كارثة كورونا.
في المحصلة، لا بد للدول اليوم، وبعد أن تنجلي أزمة كورونا، من أن تعيد تقييم سياساتها الصحية، ووضع الأمن الصحي في سلم الاولويات وبشكل موازٍ للأمن العسكري. والأهم، بات على العالم الحذر مما يسوّق له كوصفات عالمية، والتي يبدو أنها تخدم أدوات العولمة النيوليبرالية كالشركات الكبرى، وهي في إطار الصحة: شركات الأدوية الكبرى، وشركات التأمين.

2020/04/13

لبنان: قلق ما بعد كورونا!


تمتد فترة الحجر المنزلي في لبنان، وتدخل الاسبوع الخامس حيث يبدو أن الاجراءات المتبعة قد اتخدت طابعًا جدّيا وفعالاً، وأن لبنان قد دخل مرحلة تناقص أعداد الاصابات في ظل عدم تسجيل أي حالات وفاة جديدة بسبب الكورونا.

وبالرغم من هذه المؤشرات الجيدة والمريحة، إلا أن القلق يسود اللبنانيين مما سيأتي، خاصة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، وذلك على خطين:

- الخط الأول: الفقراء والعمال والموظفين وأصحاب المهن الحرة الصغيرة، وهؤلاء يعيشون على وقع قلق مما سيأتي غدًا، وإمكانية العودة الى أعمالهم وبعضهم قد تمّ تسريحه  بالفعل، وبعضهم الآخر تم منحه فرصة مفتوحة غير مدفوعة الأجر...

- الخط الثاني: الحديث عن الخطة الاقتصادية التي تعدّها الحكومة للخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية التي سبقت وصول كورونا الى لبنان، والتي اضطرت الحكومة الى اعلان عدم قدرة لبنان على تسديد سندات اليوروبوند، وطلب استشارة من صندوق النقد الدولي للتعامل مع الأزمة.

وفي هذا الاطار، يقلق اللبنانيون - من الذين يملكون ودائع كبيرة بالدولار الأميركي- على ودائعهم في البنوك، والتي تتحدث الخطة المالية عن تعرضها لعملية "هيركات" أو ما تمّ تسميتها "مساهمة المودعين" في تمويل البنوك عبر إعطائهم حصصًا وأسهم فيها. وقد اقترحت المستشارة الدولية للحكومة، أن تكون نسبة الهيركات 54% على ثلاث شرائح من الودائع: 79% على الودائع التي تفوق 100 ألف دولار، 130% على الودائع التي تفوق 500 ألف دولار، و173% على الودائع التي تفوق مليون دولار.

والمقلق في الخطة أيضًا، الحديث عن تحرير سعر صرف الليرة اللبنانية، والتخلي عن تثبيت سعر الصرف(وهو بالطبع لم يعد مجديًا، وهو بالأساس قد كلّف خزينة الدولة مليارات الدولارات). والحديث اليوم، عن تحرير سعر الصرف تدريجيًا، ليصبح سعر الدولار في لبنان 3000 ليرة في العام 2024.

القلق في هذا الإطار، يتأتى من حقيقة مرّة قوامها أن أجور اللبنانيين ومداخيلهم ستتآكل الى النصف، وهي بالأساس تآكلت اليوم بفعل الغلاء الفاحش الذي ضرب كل شيء بدون حسيب ولا رقيب.

وهكذا، ينام اللبنانيون اليوم على قلق صحي فرضه الوباء ويصحون على قلق آخر، فرضته عليهم الحال التي وصلوا اليها بعد السرقة والنهب المنظّم الذي قامت به ميليشيات وأمراء الحرب وأصحاب الوصفات الاقتصادية الذين تولوا الدولة بعد الطائف. لقد تمّ نهب الدولة اللبنانية من قبل قلّة، بينما الجميع مدعو اليوم لتحمّل الخسارة.

نعم! اللبنانيون مستعدون لتحمّل خسارة لم يشاركوا في صنعها لإنقاذ وطنهم، لأن انهياره لن يوفّر أحدًا وسيسقط الهيكل على الجميع. ولكن، على الحكومة اللبنانية أن تطمئن هؤلاء أن الاموال المنهوبة ستستعاد وان أصحابها سيتعرضون للمساءلة القضائية، وإلا كانت المساهمة مجرد "بلطجة" وسرقة من جيوب المواطنين، و"قوننة" لسرقة العصر التي أفلت أصحابها من العقاب ومن تحمّل الخسارة ومن المساهمة في الحلّ بتهريب أموالهم الى الخارج.


2020/04/07

لبنان - كورونا ... وانجازات "الثوار" الوهمية


يعيش لبنان منذ ما قبل انطلاق ثورة 17 تشرين الأول 2019 مشاكل اقتصادية واجتماعية، وفساد ضرب كل مفاصل الدولة السياسية والادارية، أدّت الى كفر المواطنين بكل الطبقة السياسية المسؤولة عما آلت اليه الأوضاع والتي تحكم لبنان منذ اتفاق الطائف. ولم يكفِ اللبنانيين مآسيهم والإفلاس الاقتصادي والمالي الذي تعاني منه الدولة، حتى أتى الوباء والحجر الصحي وإعلان التعبئة العامة ليعمّق الأزمة.

وفي خضم هذا الواقع، تشهد مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الوسائل الاعلامية حربًا مستمرة على الحكومة اللبنانية، وتبخيسًا للاجراءات المتبعة والتي أثبتت فعاليتها بشهادة الكثيرين في الداخل والخارج.

وهكذا، وفي خضم تسارع مبادرات المجتمع المدني للتكافل والتضامن للردّ والتعامل مع جائحة كورونا، نجد أن الأموال التي كانت تصرف منذ أشهر على المنصات وحشد الجمهور والمياه والأكل والحملات الاعلانية الداعمة للثورة وغيره، قد اختفت!، وحلّ مكانها أموال لشراء "الهاشتاغ" على التويتر لدعم الطاقم الطبي، أو للدعوة لتخفيض أسعار بطاقات السفر للعائدين من الخارج... ليخرج من بعدها من يقول أن الهاشتاغ هو من حقق النتائج، وليس اجراءات الحكومة ولا كفاءة وزرائها.

أبطال هذه الحروب الاعلامية، طرفان:

1) القوى السياسية التي رأت في الثورة  سابقًا امكانية للانقلاب على حلفائها، والتي شعرت بالخذلان بعدما تبين أن ركوب الثورة لم يؤدِ الى تحقيق الأهداف المرجوة.

2) "المؤثرون  في الرأي العام"   influencers الذين يعتبرون أن الحكومة الحالية كما الحكومات السابقة، ليست على قدر طموحات الثورة وبالتالي لن يمنحوها أي "جائزة" أو "هدنة" حتى لو كنا في زمن الوباء.

وبمراقبة هذه المشاهد الثورية منذ تشرين الأول ولغاية اليوم، ورؤية خيبة الفقراء من اللبنانيين الذين ثاروا للتغيير، تحضرنا رواية جوروج أورويل الشهيرة بعنوان "مزرعة الحيوانات":

تدور أحداث الرواية حول قيام حيوانات إحدى المزارع في الريف اللندني بالثورة ضد صاحب المزرعة الذي كان يعاملهم بطريقة سيئة، ولم يطعمهم لأيام. على أثر الثورة، قام ثلاثة خنازير (سنوبول، نابوليون، سكويلر) باعداد مجموعة من المبادئ كمانيفستو الثورة أسموها “الحيوانية”، الأهم فيها مبدأين " كل من يسير على قدمين هو عدو... وكل الحيوانات متساوية".

وبالفعل نجحت الثورة، وتولت الحيوانات إدارة وقيادة المزرعة. وأصبح كل من "سنوبول" و "نابوليون" بمثابة العقول القيادية في المزرعة، أما "سكويلر" فقد شغل منصب المتحدث بإسم الجهاز القيادي لقدرته الكبيرة في التعبير وبراعته في قلب الحق الى باطل او العكس.

بعدها، قرر "السياسي المحنك" نابوليون، التخلص من أصدقائه الثوار، للتفرد بالسلطة، فكلّف "سكويلر" بتشويه سمعة "سنوبول" واتهامه بالتعامل مع الانسان، وأفلت كلابه لمهاجمته، مما اضطره الى الهرب من المزرعة.

وهنا بدأ عصر الاستبداد الذي فرضه نابليون، بدعم من الكلاب الشرسة، وتشويه سمعة كل مخالف للرأي أو معارض. ولم يمضِ وقت طويل حتى بدأ انتهاك المبادئ الاساسية- الوصايا السبعة، وإعادة صياغتها. على سبيل المثال، الوصية التي تنص على "أن كل الحيوانات متساوية" صارت “كل الحيوانات متساوية لكن بعض الحيوانات أكثر مساواة من البعض الآخر” الخ...

وينهي جورج اورويل قصته بمشهد نابليون (سياسي) الذي اتخذ منزل صاحب المزرعة مسكناً له، يجلس هو وسكويلر(اعلامي influencer (  مع مزارعين بشر من الجيران، يشربون الخمر ويدخنون التبغ ويلعبون الورق...

المغزى من القصة وارتباطها بالثورة، أن سكوت المنتفضين على "قيادة"  و"ركوب" الثورة من قبل بعض السياسيين وبعض الانتهازيين والمتلاعبين بالكلام ومحترفي البروباغندا، قد حرف الثورة فعلاً عن أهدافها الحقيقية. وان تقاطع المصالح السابق، والحاصل اليوم لتقويض سلطة حكومة حسان دياب، لن يأتي بالخير على اللبنانيين- الثائرين الحقيقيين... واما التغني اليوم ببطولات إعلامية وتحقيق انجازات عبر هاشتاغ على وسائل التواصل، فلا يعدو كونه بروباغندا، لا تطعم جائع ولا تدفع ايجار منزل عائلة فقيرة.

2020/04/06

سقوط الطبقة السياسية...


لم يكن ينقص اللبنانيين سوى أزمة الوباء العالمي المنتشر ليزيد على مشاكلهم المتراكمة منذ زمن، والتي أدّت الى ثورة في 17 تشرين الأول 2019، التي عمّقت الأزمة الاقتصادية بسبب قطع الطرقات واستغلال بعض القوى السياسية للثورة لتنفيذ أجنداتها السياسية.

واليوم، يبدو أن لا شيء يمكن أن يثني الطبقة السياسية اللبنانية عن ممارساتها ومناكفاتها، واستغلال وجع اللبنانيين لتنفيذ طموحاتها وأجنداتها التي لا تفيد اللبنانيين شيئًا. ويمكن أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر، كيف تستمر تلك الطبقة بنفس الممارسات القديمة حتى في ظل انتشار الوباء وقلق اللبنانيين من الغد، بما يلي:

- أزمة كورونا: منذ بدء الأزمة الوبائية، والاعلان عن وصول أول حالة الى لبنان عبر مطار بيروت الدولي، تستمر بعض القوى بممارساتها القديمة في اتهام بعض اللبنانيين - ومعهم الايرانيين- باستقدام الوباء الى لبنان. وبالرغم من أن اثباتات أكدت وصول كورونا الى لبنان قبل ذلك، عبر مواطنين لبنانيين أتوا من فرنسا، وانتشرت في البيئة التي مارسوا حياتهم اليومية فيها، وبالرغم من ذلك ما زال البعض ولغاية الآن يحاول تسليط الاتهام على بيئة معينة بأنها تتستر على اصاباتها، وأن هناك مراكز حجر سرية لم يتم الاعلان عنها.

حتى في قضية عودة اللبنانيين من الخارج، فقد تباينت آراء القوى السياسية بين بداية الأزمة وطرح القضية، فمعظم قوى 14 آذار التي طالبت الحكومة باغلاق الحدود كافة - للتصويب على الطائرات التي تأتي من ايران- هي نفسها التي حاولت المزايدة على الحكومة بموضوع عودة اللبنانيين المنتشرين في الخارج، وهي نفسها التي تأبى الاعتراف بأن الحكومة قد نجحت في تلك العودة وسلامة العائدين.

- أما الأخطر فكانت التعيينات المالية، فقد تبين ان الطبقة السياسية التي عاثت فسادًا في لبنان منذ التسعينات، لم تتعلم شيئًا مما حصل ومن الانهيار الذي أصاب لبنان ولا من ثورة 17 تشرين الاول.

ما أن طرح ملف التعيينات في مصرف لبنان، حتى خرج أركان تيار المستقبل يهددون الحكومة، وبالتوازي مع البيان التهديدي الذي أطلقته كتلة المستقبل، بدأت سيارات تجوب طرابلس تطلق صرخات نداء واستغاثة للناس للخروج الى الشارع ( في عزّ خطر كورونا) لرفض تغيير نواب الحاكم المحسوبين على تيار المستقبل. واللافت كان تماهي رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وتهديده بالاستقالة من الحكومة في حال عدم منحه مقعدين من الحصة المسيحية! وغياب الوزيرين المحسوبين عليه عن اجتماع الحكومة.

عمليًا، في ظل قلق اللبنانيين على مستقبلهم وعلى قدرتهم على الخروج من الوضع الاقتصادي التعيس الذي زادته اجرءات الحجر المنزلي، يجد اللبناني أن الطبقة السياسية التي حكمته لا يهمها سوى تنفيعاتها وحصصها، فيما يغرق اللبنانيون بالديون والعجز.

واليوم، بات على حكومة حسان دياب، ان لا تلتفت الى ضجيج القوى السياسية المتضررة من بناء الدولة، وتستمر في عملية الاصلاح المطلوبة منها. لكن، على الحكومة أن تفكر جديًا بمرحلة ما بعد التعبئة العامة، ولتبدأ بعد الاعياد بإعادة الدورة الاقتصادية الى العمل.

لا يكفي فقط أن تعالج الحكومة قضية الفئات الأكثر فقرًا، بل هناك العمال والموظفون المهددون بالتسريح، وهناك المهن الحرة والمؤسسات الفردية أو الصغيرة التي قد لا تستطيع النهوض بعد فترة الحجر المنزلي.

الحل، ان تعود الحياة الاقتصادية بشكل تدريجي، مع استمرار اقفال المدراس والجامعات ودور العبادة، واعطاء توجيهات صارمة بالتباعد الاجتماعي، فلا يمكن أن نواجه أزمة وباء بكارثة اقتصادية .