2020/04/20

تسييس كورونا لبنانيًا!


وفي الأسبوع الأخير قبل انتهاء الفترة الأساسية للتعبئة العامة التي أعلنتها الحكومة اللبنانية، بدا اللبنانيون على طرفي نقيض: أصوات تتعالى تتحدث عن ضرورة فتح الأسواق لعدم قدرة اللبنانيين على الصمود أكثر، بينما آخرون يتحدثون عن حاجة الدولة الى استكمال فترة الحجر الصحي لمدة أسابيع ثلاث بعد الوصول الى مرحلة تسجيل صفر حالات جديدة.

والأكيد أن لكل طرف حجته ومسوغاته المشروعة، وهذا السجال اللبناني ليس مختلفًا عن السجالات في العالم أجمع، التي تقارب الموضوع إما من زاوية إقتصادية أو من زاوية صحية. المقاربتان صحيحتان، ولهذا تعمد الحكومات في كل العالم الى قيام موازنة دقيقة بين الاقتصاد والجوع القادم، وبين احتواء الجائحة وقدرتها على الفتك بالمجتمعات.

أما لبنانيًا، فتبرز على ضفة هذا السجال، مجموعة أخرى ذات مصالح خاصة، بدأت بتحريك الشارع وإنزال التظاهرات، التي تتخذ عنوانًا مطلبيًا، بينما هي تجسّد في الواقع منحى سياسيًا صرف.

واقعيًا، بدأت الحملة السياسية مباشرة بعد حديث الرئيس عون عن استعادة الأموال المنهوبة، وكلام الرئيس حسان دياب عن أن هناك فئة تقارب 2 % من المودعين ستتأثر بعمليات "القص" والتي يبدو أنها الفئة الأكثر ثراءً والتي قد يطالها التحقيق في مصدر الاموال، وكيفية تهريبها الى الخارج خلال ثورة 17 تشرين الاول.

أما إعلان بدء الحملة، فأتى بتصعيد من قبل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط  بعد لقائه كل من السفيرة الأميركية والسفير الفرنسي في بيروت، أرسل بعدها جنبلاط موفدين من قبله الى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. وتكامل التصعيد مع عودة الرئيس سعد الحريري الذي ترافق مع مظاهرات لمناصريه في كل من طرابلس وسعدنايل، وظهور دعوات على وسائل التواصل تدعو المواطنين الى مسيرات بسياراتهم يومي الثلاثاء والأربعاء.

وفي ظل هذا الحراك السياسي المرشح للتفاقم، يمكن لنا أن ندرج الملاحظات التالية:

أولاً: إن الاطلاع على مواقف الأطراف المتعددة التي ساهمت في ثورة 17 تشرين، يشير الى أن العديد من المجموعات "المدنية" لم تبدُ معنية بالصراخ الحريري - الجنبلاطي. نرى أن الكثير ممن يتكلمون باسم الثورة، طالبوا بمحاسبة فعّالة والتحقيق في مصدر أموال كل من تولى منصبًا  سياسيًا أو إداريًا أو مارس شأنًا عامًا منذ التسعين ولغاية اليوم، وهذا يتلاقى مع دعوات كل من الرئيسين عون ودياب.

ثانيًا: إن تريث جعجع (بدون رفض مطلق) في الالتحاق بجنبلاط والحريري لتشكيل جبهة سياسية ضد العهد والحكومة، له مبرراته. لا ينسى جعجع كيف استغل هؤلاء دعم القوات، ثم انقلبوا عليهم. فهل يفعلها جعجع مرة أخرى؟ بكل الأحوال، لن يتحرك جعجع ويساهم في الانقلاب الجديد على العهد بدون غطاء خارجي إقليمي.

ثالثًا: يمكن وضع لقاء السفيرة الأميركية في بيروت مع جنبلاط بالتزامن مع تصعيده الكلامي، ضمن فرضيتين: إما أن تكون قد دعمته في تحريضه على الحكومة الحالية، أو أبلغته بعدم رغبة الولايات المتحدة بتغطية أي من الفاسدين في ظل الوضع الافلاسي الذي يعانيه لبنان، لذا زاد صراخه.

وفي الفرضية الأولى، يصح التساؤل: ما الذي تستطيع أن تجنيه الولايات المتحدة من دعمها لقوى سياسية فاسدة سبق أن جرّبها الأميركيون ودعموها بين عامي 2005 و 2008، وانتهت معركتهم بخسارة مؤكدة خلال 48 ساعة فقط؟.

ألا يدرك الأميركيون أن الاستثمار في الاحزاب السياسية التقليدية اللبنانية ضار أكثر مما هو نافع، فما دخل هؤلاء الى شيء إلا وأفسدوه؟. لقد أفسدوا الحكم، وسرقوا الدولة، وحاولوا سرقة ثورة 17 تشرين ومطالبها للانقضاض على حلفائهم واحتكار السلطة.

وعليه، إن الجبهة السياسية التي تتشكل اليوم والتي تحاول تعويم نفسها مستغلة الوضع الاقتصادي السيء والذي ازداد سوءًا بالتأكيد بعد أزمة كورونا، لن تصل الى أي مكان في حال تصرفت الحكومة اللبنانية بشجاعة أكثر. على الحكومة التصرف وعدم الانتظار، فتبدأ بإعلان جدّي عن استعادة الأموال المنهوبة، وتلجم ارتفاع الأسعار، وتصاعد الدولار....وتفكر جديًا بفكّ الحجر الصحي رويدًا رويدًا للتمهيد لإعادة الموظفين الى أشغالهم، والعمال الى أعمالهم، وعودة الحياة الى السوق "ببطء" مع اتخاذ الاجراءات الوقائية اللازمة، فكلما تأخر الحجر كان الوضع الاقتصادي أخطر وأكثر تعقيدًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق