كثر الحديث في العالم العربي وفي الصحف الاسرائيلية عن رغبة أميركية إسرائيلية لإبعاد روسيا عن إيران، وبالتالي دفع الروس الى الوقوف مع الولايات المتحدة واسرائيل وإخراج إيران وحزب الله خارج سوريا مقابل موافقة الاطراف الاخرى على بقاء الأسد، وإعطاء الروس مكاسب هامة في المنطقة وأوروبا الشرقية مقابل تسهيل عمل الأميركيين في تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة.
وفي هذا الاطار، وإيمانًا منا بأن الدول لا تعمل وفق أخلاقيات ومبادئ بل ضمن السعي لتحقيق مصالحها، يمكن لنا ان نتساءل أين تكمن المصلحة الروسية في ظل التوتر الحالي بين الايرانيين والاميركيين، وأين يمكن أن يقفوا تحقيقًا لتلك المصالح؟
أولاً: في الموضوع السوري، ما زال من المبكر أن يتمّ تقديم التنازلات سواء من قبل الروس أو الايرانيين. إن العرض الاميركي للاعتراف بشرعية الاسد مقابل تنازلات وإنسحابات إيرانية، لا يبدو واقعيًا، لأسباب عدّة، أهمها أن المعركة في إدلب لم تنتهِ بعد وما زال الروس يحتاجون الى قوى بريّة لمواكبة القصف الجوّي الروسي... ثم إن الاعتراف بشرعية الاسد لا تعدّ تنازلاً أميركيًا وإسرائيليًا بقدر ما هي اعتراف بموازين قوى ميدانية.
وعليه، إن أي انسحابات إيرانية من الداخل السوري أو ضغوط روسية على إيران للانسحاب من الجغرافيا السورية، يجب أن تقابل بتنازلات جديّة وحقيقية من الطرف الآخر، ما زالت مبكرة جدًا بحسب الوضع الميداني في سوريا.
ثانيًا: بالرغم من كل التاريخ من عدم الثقة بين الروس والايرانيين، سواء خلال فترة روسيا القيصرية أو فترة الاتحاد السوفياتي، تبدو مصلحة الروس الأكيدة اليوم في الوقوف الى جانب إيران والمحافظة على الحكم الايراني المعادي للأميركيين.
بالإضافة الى التحالف الاستراتيجي بين الأثنين الذي أنتج انتصارات ميدانية في سوريا، يستفيد الروس- واقعيًا - من العقوبات الأميركية على إيران ومحاولة الاميركيين منع الايرانيين من تصدير نفطهم، ويمكن أن نشير الى ما يلي:
في العام 2009، وفي خضّم الرغبة الاوروبية لتنويع مصادر الطاقة، أبدت ايران خلال المنتدى العالمي للغاز في "بوينس آيرس" استعدادها لتزويد خط انابيب "نابوكو" للغاز بنصف طاقته. ودعت طهران - التي تملك ثاني اكبر احتياطي من الغاز فى العالم بعد الروس-الشركات الاجنبية إلى إصلاح البنية التحتية لمنشآت الغاز المتهالكة لديها.
وبعدما تعذّر تأمين الغاز لخط نابوكو بسبب العقوبات الأممية على إيران، وبسبب عدم قدرة تأمين الغاز الطبيعي بكلفة مقبولةمن مصدر آخر وغير ذلك من العراقيل الطبيعية والمفتعلة روسيًا... تراجع الاوروبيون عن خط نابوكو، وتمّ استبداله بخط "تاناب - تاب" الذي يؤمّن الغاز من أذربيجان الى أوروبا. ولكن الخط البديل هذا لا يستطيع أن يؤمّن سوى 5% من حاجة أوروبا للغاز وبكلفة أعلى من الغاز الروسي.
وهكذا، استمر الروس في احتكار إمداد الطاقة الى أوروبا، وقاموا بتدشين خطين في الشمال بالتعاون مع إلمانيا، وطوروا "السيل التركي" بالاتفاق مع أردوغان، وألغوا "السيل الجنوبي" بعدما وضع الاوروبيون شروط تعجيزية عليهم.
واليوم، يستفيد الروس من العلاقات المتوترة بين الايرانيين والأميركيين، لتوجيه تصدير الطاقة الايرانية نحو الصين بدل أوروبا، ولشراء جزء من النفط والغاز الايراني وبيعه في الأسواق لمساعدة إيران في التهرّب من العقوبات الاميركية على المصدّر والمستورد...
في الخلاصة، إن تمنيات الاسرائيليين والأميركيين في كسب الروس الى جانبهم والضغط على إيران لا تبدو واقعية، إذ إن من مصلحة الروس المساهمة في بقاء نظام الثورة الاسلامية في إيران، ليستمر في تحدّي الأميركيين ومساعدته عسكريًا في سوريا للمساهمة في زيادة النفوذ الروسي في الشرق الأوسط.