ليلى نقولا
بالرغم من أنه من المتعارف عليه أن السياسة الخارجية ليست المعيار الأساس في الانتخابات الأميركية، وأن الأميركيين بشكل عام يصوّتون للاقتصاد وليس للسياسة الخارجية، إلا أن ترامب في سياق حملته الانتخابية عام 2016، أعطى الكثير من الوعود المرتبطة بالشرق الأوسط خصوصًا، باعتبار أن أمن اسرائيل يعتبر من الثوابت الأساسية في السياسة الخارجية الأميركية، وله تأثير على قواعد اللوبي اليهودي في أميركا وعلى الكنائس الانجيلية التي تقرأ كتاب "العهد القديم" وتتماهى مع اليهود في نظرتهم الدينية الى اسرائيل.
في التحليل النفسي لشخصية ترامب، يتبين أن لديه حاجتين: الحاجة الى القوة والحاجة الى الانجاز، ويظهر هذا الامر في كتاباته على التويتر وتهديداته، ومقاربته لكل عمل يقوم به باعتباره "شيئًا خارقًا" لم يحصل من قبل في تاريخ الولايات المتحدة.
بالنسبة للشرق الاوسط، وعد ترامب أن بامكانه أن يقدم حلاً للصراع العربي الاسرائيلي، عبر صهره جاريد كوشنير، الذي أطلق مبادرة سميت "صفقة القرن" والتي حوّلت القضية الفلسطينية الى مقاربة اقتصادية ألغت جميع الحقوق المشروعة للفلسطينيين.
ولكن حساب حقل بيدر نتنياهو لم يطابق حساب حقل ترامب، إذ أن الاحراج الذي تعرّض له نتنياهو في الداخل والدعوة الى انتخابات اسرائيلة مبكرة، دفعت الإدارة الاميركية الى الاعلان عن تأجيل الكشف عن خطة التسوية المزعومة الى فترة ما بعد تشكيل الحكومة الاسرائيلية، أي في تشرين الثاني / نوفمبر المقبل، والاكتفاء بعقد مؤتمر البحرين الذي سيعقد في 25 و26 من حزيران الجاري وسيقاطعه الفلسطينيون بكامل فئاتهم، وسيردون عليه بالاضراب العام والشامل في كافة الاراضي المحتلة وقطاع غزة.
لا شكّ أن تأجيل اعلان بنود الصفقة الى الخريف المقبل سوف يصطدم ببدء حملة الانتخابات الاميركية والتي يطمح ترامب للتجديد ولاية ثانية، وهذا يعني أن الصفقة التي وُعد الاسرائيليون بها، ستسقط، أقلّه في فترة ولاية ترامب الرئاسية ( إلا إذا تمّ التجديد له).
أما الأمر الثاني الذي يعتبره ترامب "انجازًا" كان قد وعد به ونفذّه بالفعل، فهو الانسحاب من الاتفاق النووي الايراني، والذي ألحقه بفرض عقوبات إضافية "غير مسبوقة" على الشعب الايراني. لكن ترامب، كان قد وعد أيضًا بأنه لن يدخل في حروب عسكرية... لذا فإن الشرق الاوسط قد يحرق ترامب بالفعل، في حال استطاع الصقور في إدارته بالتعاون مع الموساد وبعض العرب الخليجيين جرّ المنطقة الى توتر عسكري.
تاريخيًا، تذكر الدراسات أن السياسة الخارجية ليست عاملاً مؤثرًا في الانتخابات الاميركية، ولكن فشل جورج بوش الابن في حربه في العراق وكلفتها الاقتصادية دفعت الأميركيين الى اختيار رئيس ديمقراطي "أسود" من أصول مسلمة لأول مرة في تاريخ أميركا... وعليه، إن اي توتر عسكري في الخليج، سيدفع اسعار النفط للارتفاع وبالتالي سيتأثر الاقتصاد الاميركي سلبًا، وسيظهر "المرشح ترامب" وكأنه لم يفِ بتعهداته بعدم الانخراط في حروب خارجية كما وعد في حملته الانتخابية الاولى.
وهنا، يصح التساؤل: هل مَن يدفع الأمور الى التصعيد العسكري يدرك مدى خطورة هذا الأمر على الخليج ككل وعلى الداخل الاميركي والاقتصاد العالمي؟ وهل يدرك هؤلاء أن النار التي ستشتعل في مضيق هرمز - إذا اشتعلت - ستحرق ترامب أولاً قبل أن تحرق إيران؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق