2019/06/24

الاحتفاء العربي بانتخابات اسطنبول: الوهم القاتل


لم ينفع مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحفيزه مناصريه، حين قال "من يربح اسطنبول، يربح السلطة"... ولم ينفع حزب العدالة والتنمية أيضًا الادعاء أن المرشح المنافس هو مرشح الغرب، وتشبيهه لمرشح حزب الشعب الجمهوري "أكرم إمام أوغلو بالمعارض الفنزويلي غوايدو، والتنبيه من أن الغرب يريد أن يسيطر على تركيا من خلاله.
لقد بالغ الاعلام التركي المحسوب على أردوغان في تصوير انتخابات اسطنبول كجزء من حملة عالمية على تركيا، وربط الصحفيون المحسوبون على حزب العدالة والتنمية، بين "وجود أكثر من 200 سفينة حربية من عشرات البلدان" في البحر المتوسط، والتوتر الذي يسود المتوسط على خلفية قيام تركيا بالتنقيب عن الغاز قرب الحدود القبرصية، لا بل أكثر من ذلك، اعتبر هؤلاء أن التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة وتركيا على خلفية صفقة "أس 400" هي جزء من انتخابات اسطنبول!.
ولأول مرة، وبشكل علني واضح، بدأت الأصوات تتحدث عن ضرورة مقاربة جديدة للعلاقات التركية الاميركية، وأن أحد أسباب فشل ديناميات السياسة الداخلية هو "العلاقة القذرة" التي أقامتها تركيا مع الولايات المتحدة عام 1947، بحسب مليح ألتنوك في صحيفة ديلي صباح.
لكن الحقيقة التي يتعامى عنها مسؤولو حزب العدالة والتنمية، هي مقاربة دورهم ودور أردوغان في تلك الخسارة، والتي تعمّقت بعد إعادة الانتخابات.
لقد أراد الأتراك إرسال رسالة شديدة اللهجة عبر صناديق الاقتراع، مرة أخرى، أن استخدام لغة التخوين، واحتكار السلطة، وحبس المعارضين واضطهاد المفكرين والاساتذة والفنانين واتهامهم بالتواطؤ مع الارهاب.. ليست مؤشرًا مقبولاً لتركيا للسير في القرن الحادي والعشرين.
ولعل الضغط لإعادة الانتخابات - بالرغم من صحة نتائجها- لعب لصالح المعارضة، التي توحّدت خلف "أوغلو" بعدما لامست الفوز في المرة السابقة، بالاضافة الى استياء النخب السياسية التركية من توجّه تركيا نحو السلطوية. كما لعبت الأزمة الاقتصادية الخانقة، والمشاكل التي تورط فيها أردوغان مع الاوروبيين والاميركيين ساهمت في تعميق تلك الازمة التي باتت تقضّ مضاجع الاتراك بجميع فئاتهم.
إذًا، لقد تعرّض أردوغان وحزبه لهزيمة داخلية محلية، ولكن احتفاء بعض العرب بتلك النتيجة، اعتقادًا منهم أنها ستكون عاملاً مؤثرًا في علاقات القوة في المنطقة، يبدو نوعًا من التفاؤل الوهمي. واقعيًا، لن يكون لإنتخابات اسطنبول أي تأثير على الوضع في سوريا، ولا على العلاقة التركية الايرانية، ولا على "البازار" الذي يتقنه إردوغان في علاقاته مع روسيا وأميركا...

بالتأكيد، لن يكون هناك تبدّل في السياسة التركية في المنطقة في ظل استمرار أردوغان في السلطة، وحتى - يمكنني الجزم - إن وصول المعارضة الى السلطة في تركيا، لن يبدّل في سياسات تركيا في سوريا والعراق ورغبة الاتراك في الاستمرار بقضم الاراضي العربية وضمّها... كل ما يمكن أن يتغير بتغيّر السلطة التركية ووصول المعارضة قد يكون العلاقة مع الغرب خاصة أوروبا. والى ذلك الحين، على العرب محاولة تغيير موازين القوى بأنفسهم وعدم الاتكال على أي خلط أوراق داخلي تركي لتصريفه في سوريا أو الصراع الجيوبوليتيكي في المنطقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق