2020/08/31

هل يفلح أديب حيث عجز دياب؟

 

 

تبدأ في قصر بعبدا الاستشارات النيابية الملزمة اليوم، لإختيار رئيس حكومة لبنانية بات معروفاً تقريباً بعدما قام رؤساء الحكومة السابقين، بإعلان تبنيهم لمرشح وحيد لرئاسة الحكومة، وبالتالي أعلنت معظم الكتل في الغالبية النيابية تأييدها له، حرصاً على الميثاقية والعيش المشترك.

 

وكان لافتًا أن مجموعة رؤساء الحكومة السابقين، قد أعلنوا لائحة من أسماء ثلاثة، لم يتركوا الخيار فيها كبيرًا للاختيار، حيث تمّ تسمية أسمين إضافيين الى اسم السفير اللبناني في إلمانيا السيد مصطفى أديب، وحيث يعرف هؤلاء أن الأسمين الإضافيين لن يمرا عند الرئيس عون لتورطهما في قضايا مختلفة، وبالتالي إن الأصرار على أحدهما، يعني إعادة الاستشارات النيابية، إذ سيخسر المرشح المقترح من قبلهم الميثاقية المسيحية كون مرشح القوات اللبنانية كان وما يزال السفير اللبناني الأسبق في الامم المتحدة نواف سلام.

 

وبما أن النتيجة شبه محسومة بتسمية السفير مصطفى أديب، يهمنا أن نركّز على بعض الملاحظات لما سيأتي:

 

أولاً- أن التوافق السياسي لم يأخذ بعين الاعتبار موقف الشارع اللبناني من التسوية التي حصلت والتي ما زالت تأخذ بعين الاعتبار المحاصصة الطائفية وتحصر التسمية بأشخاص معينين، يحتكرون التكلم باسم الطوائف.

 

لقد تبين من اللائحة المسربة من اجتماع رؤساء الحكومة السابقين ومن التجارب السابقة، أن المتكلمين باسم الطوائف من الأحزاب السياسية كافة، أما يحتكرون السلطة لأنفسهم وعائلاتهم، أو يعمدون الى تهميش الكفاءات والشخصيات الفذّة في طوائفهم ويختارون الاضعف من بين "الرعايا" لئلا يشكّل تهديدًا لنفوذهم وللوارثة السياسية التي يحضّرون الأجواء لها، وذلك تيمنًا بالاقطاع القديم الذي كان يحتكر العلم والقيادة له ولأبنائه.

 

ثانياً- هل سيستطيع أديب أن يحقق ما لم يستطع حسان دياب أن يفعله، والرجلين يتشابهان في الخلفية السياسية والأكاديمية؟ وهل  سيسير السفير مصطفى أديب بالاصلاحات الاقتصادية ومنها مكافحة الفساد التي ستسمح بتدفق الأموال على لبنان، علماً أن هناك العديد من الملفات التي تتورط فيها جهات سمّت السيد أديب وزكّته الى هذا المنصب؟

 

ثالثاً- هل سيكون مسار التأليف معبّداً أمام رئيس الحكومة الجديد؟ وماذا عن التحاصص الطائفي والحرد الابتزازي، وادعاء الكتل المجهرية بحقها في وزارات خدماتية وأكثر من نسبة تمثيلها في البرلمان، كما حصل مع تيار المردة خلال تشكيل حكومة حسان دياب؟

 

رابعاً والأهم- هل سيستطيع أديب أن يتخطى الألغام التي ستنوجد داخل حكومته، والتي تهدد بتفجيرها كلما وصل الامر الى إقرار قانون يطال الفاسدين من النافذين السياسيين وأزلامهم؟

 

إن الملاحظات السابقة وغيرها، تشي بقدرة الدولة العميقة وأزلامها وسياسييها وأعلامييها على تقويض الحكومة اللبنانية الجديدة كما حصل مع حسان دياب. وللأسف، لم يعد أمام اللبناني إلا أن يأمل خيرًا بالضغوط الخارجية التي تدعو الى الاصلاح، والتي تربط الاصلاحات بالمساعدات التي يحتاجها لبنان بشكل كبير.

 

لقد بيّنت الأحداث منذ ما قبل 17 تشرين ولغاية اليوم، أن معظم المشاكل والكوارث تمّ افتعالها داخلياً لملاقاة الضغوط الخارجية على لبنان، ولإعطاء قوة دفع لسياسة الضغوط القصوى التي تمارسها إدارة ترامب على لبنان، فهل يتعظ الساسة اللبنانيون، بعدما شاهدوا بأم العين أن غرق المركب اللبناني سيُغرق الجميع بمن فيهم أركان الدولة العميقة نفسها؟ نتمنى ذلك.

2020/08/25

هل انتهت قيادة أميركا للعالم الغربي؟

 

 

تعرضت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمزيد من الخيبات على الصعيد الدولي، خاصة من الحلفاء الأوروبيين الذين - على ما يبدو- لم يعودوا مقتنعين بالقيادة الترامبية للعالم الغربي، فلقد ظهر من التصويت في مجلس الأمن في الملف الايراني وقبله، أن الأوروبيين لا يتعاطون اليوم مع الولايات المتحدة كما كانوا يتعاطون معها في السابق، أي بصفة القائدة لعالم غربي وليس مجرد الشريكة فحسب.

 

ويمكن أن نذكر أن التعاطي الأوروبي مع ترامب عام 2020، كان مليئًا بالخيبات، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر:

 

الدعم الاوروبي لمنظمة الصحة العالمية بعد إعلان ترامب انسحابه منها، واعلان المفوضية الاوروبية أنها ستدعم المنظمة بالمال بعدما هدد ترامب بقطع التمويل ردًا على ما سماه "انحياز المنظمة للصين". هذا بالاضافة الى الرفض الأوروبي القاطع لتهديدات ترامب بفرض عقوبات على شركات أوروبية بسبب مساهمتها في مشروع السيل الشمالي 2، حيث اعتبر ترامب ان هذا يعطي روسيا استفادة جيوسياسية في حين أنه يطالب إلمانيا بشراء الطاقة من الولايات المتحدة ولو بأسعار أعلى.

 

ثم، رفض المسشارة الأميركية أنجيلا ميركل دعوة ترامب لعقد قمة الدول الصناعية السبعة في واشنطن، متذرعة بظروف كورونا، بينما يشير العديد من الباحثين الأميركيين والاوروبيين الى أن رفض ميركل أتى نتيجة لسياسات ترامب الدولية؛ خاصة أنها لم ترد أن تعطي ترامب دعمًا في سياسة العداء ضد الصين، ولم تكن موافقة على دعوته للروس الى القمة، بالاضافة الى أنها لم تكن تريد للقمة أن تظهر وكأنها تعطي ترامب دفعًا في الانتخابات الأميركية القادمة.

 

أما في الموضوع الايراني، فلقد رفض مجلس الأمن الاقتراح الأميركي الخاص بتمديد حظر الأسلحة على إيران والذي تنتهي مدته في تشرين الأول / اكتوبر القادم ( بحسب الاتفاق النووي لعام 2015)، باعتراض روسيا والصين، وامتناع 11 دولة عن التصويت، من بينها بريطانيا وألمانيا وفرنسا. وقد اعتُبر هذا الرفض بمثابة ضربة هامة للدبلوماسية الأميركية، الأمر الذي جعل ترامب يهدد باستخدام آلية "سناباك" لإعادة فرض جميع العقوبات الأممية على إيران.

 

ثم تلقت إدارة ترامب ضربة جديدة، بعدما أعلنت كل من بريطانيا وإلمانيا وفرنسا رفضهم إعادة تفعيل العقوبات الأممية على إيران، وفي بيان مشترك اعتبرت كل فرنسا وألمانيا وبريطانيا "أن الولايات المتحدة لم تَعد مشاركة في خطة العمل الشاملة المشتركة بعد انسحابها من الاتفاقية" في "2018 وبالتالي لا يمكنها "أن تدعم هذه المبادرة التي تتعارض مع جهودنا الحالية الرامية لدعم خطة العمل الشاملة المشتركة". الأمر الذي  جعل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يعتبر أن "الحلفاء  الأوروبيين يختارون الانحياز إلى آيات الله الايرانيين".

 

كل هذه الأمور وغيرها، تشي بأن ترامب قد أدخل الولايات المتحدة في عزلة عن حلفائها، وجعل الحلفاء يتمردون على القيادة الأميركية للعالم التي يجدون أنها تتعسف في استخدام القوة، والتي باتت تضرّ بالاوروبيين كما تضرّ بسواهم من دول العالم.

 

وعليه، يبدو أن الانتخابات الأميركية القادمة، لن تكون فقط عنوانًا للتغيير في داخل أميركا، ولكنها ستضع القيادة الأميركية للعالم الغربي على المحك. إن عودة ترامب ستعني مزيدًا من التوتر العالمي ومزيدًا من الابتعاد الغربي عن السير خلف القيادة الأميركية. بينما فوز جو بايدن الذي يتوقع أن يطبّق نموذجًا تقليديًا للسياسة الأميركية الخارجية، حيث التعاون مع الشركاء والحلفاء لقيادة العالم، ولمحاولة نشر القيم الليبرالية عبر قيم التعاون وتشجيع التجارة الحرّة والابتعاد عن الحمائية، ومواجهة المعارضين والمنافسين من دول العالم عبر القوة الناعمة والثورات الملونة والابتعاد عن القوة العسكرية والحروب التجارية ما أمكن.

2020/08/24

لبنان على خط الزلازل حتى نضوج التسوية؟

 

لم يكن ينقص لبنان إلا الصراع التركي الفرنسي الجديد لتكتمل معه صورة الدولة التي تعيش على خط صراعات دولية متعددة، يكفي واحد منها لهزّ كيان أي دولة أخرى، وهي:

 

- الصراع التاريخي العربي "الاسرائيلي"؛ والذي يعيش لبنان في خضّمه، وليس فقط من المتأثرين به، وذلك بسبب الأطماع الاسرائيلية المستمرة في أرض ومياه لبنان، وبسبب استمرار احتلالها لأراضٍ لبنانية لغاية  اليوم، قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين ترفض "اسرائيل" عودتهم، وقد أتى في صفقة القرن بند صريح، يمنع عودة فلسطينيي الشتات في كل من لبنان وسوريا بالعودة الى فلسطين.

 

- الصراع الأميركي الايراني؛ والذي شكّل للبنان الكثير من المصاعب السياسية والاقتصادية، ليس آخرها الضغوط القصوى التي مارستها إدارة ترامب على لبنان، خاصة في الشأن الاقتصادي والتي أدّت - من جملة أسباب أخرى- الى انهيار اقتصادي ومالي لم يعرف لبنان له مثيلاً منذ ما بعد انتهاء الحرب في التسعينات من القرن الماضي.

 

- التنافس الأميركي مع  كل من الصين وروسيا؛ وبالرغم من أن كلاً من الروس والصينيين ما زالوا - لغاية اليوم- يحاذرون الدخول الصريح الى كل لبنان والعراق لأنهما في دائرة النفوذ الأميركي المباشر وبالتالي يحاذر الطرفان تخطي الخطوط الحمراء الأميركية في هذا الشأن، إلا أن أي تراجع أميركي (وهو غير متوقع في المدى المنظور) سيغري الطرفين لمحاولة الدخول الى لبنان.

 

- الصراع العربي العربي، والذي كان من ضمن الأسباب التي عمّقت وأججت الحرب الأهلية في السابق، خاصة في ظل إمدادات السلاح والمال التي استمرت تتدفق من الدول العربية للأحزاب المتقاتلة من ضمن كسب النفوذ وقتال الخصم العربي بواسطة اللبنانيين أنفسهم.

 

وقد تكون التطورات التي حلّت بالعالم العربي منذ مجيء الأميركيين لاحتلال العراق وبعدها قيام ثورات ما سمي "الربيع العربي" قد جعل الدول العربية المعروفة تقليديًا بتدخلها في لبنان تنشغل بمشاكلها الداخلية، لكن الانقسام الخليجي الخليجي الحالي، ساهم في تعميق الانقسام اللبناني على خط زلزال الانقسام الخليجي نفسه.

 

- الصراع السني الشيعي؛ وهو في الحقيقة صراع جيوبوليتيك يأخذ عناوين دينية مذهبية. وبالرغم من أن جذور هذا الصراع تبدو ضاربة في التاريخ القديم، إلا أن هذا الصراع تمّ إحياؤه بعد دخول الأميركيين الى العراق عام 2003، والحديث عن هلال شيعي يتم تشكيله من إيران الى لبنان عبر العراق وسوريا.

 

إن المطّلع على تقارير مؤتمر هرتسيليا الذي ينعقد في ""اسرائيل" كل سنة، يدرك الأهمية التي يعطيها الاسرائيليون لتغذية هذا الصراع، والتأكيد على أن تنمية هذا الصراع وتغذيته تعدّ من الأمور الحيوية التي تساهم في تحقيق أمن "اسرائيل".

 

- الصراع السنّي السنّي؛ والذي له جذور تاريخية تعود - بشكل أساسي- الى بدايات القرن العشرين وسقوط الخلافة العثمانية، لكن اشتعاله من جديد أتى نتيجة "الربيع العربي" الذي أجج صراعًا على زعامة العالم السنّي، وإحياء حلم تركيا القديم بعودة الخلافة العثمانية على حساب الدول المتحالفة مع المملكة العربية السعودية.

 

- الصراع الفرنسي - التركي؛ وفي ظل أزمة مالية خانقة، وبعد انفجار مرفأ بيروت الكارثي، دخل لبنان ساحة من ضمن التنافس الفرنسي التركي والذي توسّع بشكل كبير بعد انهيار الدولة الليبية ومحاولة تقسيمها تلبية لمطامع العديد من دول حلف الناتو التي شاركت بقصف ليبيا ودعم المقاتلين لإسقاط القذافي.

 

كما في ليبيا، وفي العديد من الساحات التي تعرف تاريخًا من الاستعمار التركي والفرنسي، دخل لبنان على خط الصراع التنافسي الفرنسي التركي بعد انفجار المرفأ ومجيء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى بيروت، وقيام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإرسالى كل من نائبه ووزير خارجيته الى بيروت لإعلان الدعم والمساندة.

 

وعليه، ونتيجة لكل هذه الصراعات المتأججة وغيرها، سيكون من الصعب على لبنان وشعبه المنقسم على نفسه أفقيًا وعاموديًا، أن ينقذ نفسه بنفسه من كل تلك الصراعات التي تأخذ مساحات أوسع على أرضه كلما توسع الصراع السياسي الداخلي، وبالتالي لن يكون هناك انفراج داخلي حقيقي، إلا بتسوية اقليمية دولية - ولو "موضعية"- تحدد من يحصل على ماذا، وتحدد حدود النفوذ الاقليمي والدولي فيه.

 

2020/08/18

كيف يستفيد لبنان من تجربة بيلاروسيا؟

 

 

كما العديد من دول وسط وشرق أوروبا، وبسبب لعنة الجغرافيا والتاريخ المليء بالحروب والتنازع والصراع بين الامبراطوريات الكبرى، تجد بيلاورسيا نفسها اليوم كدولة - حاجز بين كل من روسيا والغرب.

 

منذ القدم، وفي ظل التنافس العالمي والاقليمي، تشكّل المساحات الجغرافية بين دولتين أو محورين متصارعين، مساحة إضافية للتنافس عبر السيطرة على المساحات الجغرافية واختراقها. ولعل التطور في أنماط الحروب، جعل الاحتلال العسكري لتلك المناطق أقل قابلية، مع اعتماد وسائل أخرى مختلفة منها الثورات الملونة للإطاحة بالحكام وإحلال النفوذ السياسي من خلال تغيير الطبقة السياسية الحاكمة.

 

وهكذا، يتأثر الفضاء الجغرافي بقوة بهذا التنازع، فعدم سيطرة أي قوة على هذا الفضاء أو العداء مع القوتين المتنازعتين، وبقائه بدون حماية، يجعل تلك المنطقة تدخل في "فراغ استراتيجي" ما يفاقم الصراع عليها، وتكون أكثر عرضة للتدخلات الخارجية في شؤونها.

 

وهكذا، يمكّن أن نعرّف الدولة الحاجز، بأنها دولة ضعيفة في نظام اقليمي محكوم بصراع تنافسي شديد بين قوتين اقليميتين، وتكون عرضة للتجاذب بينهما بسبب موقعها الاقليمي، والعامل الاهم الذي يحفظ لها استقرارها هو الاستتباع لدولة منهما، أو التوازن الاقليمي بينهما.

 

وبالعودة الى بيلاروسيا التي تشهد اليوم كما أوكرانيا عام 2014، ثورة شبابية ملونة، تهدف الى تغيير سياسي داخلي، تخفي في طياتها صراع نفوذ بين الغرب وروسيا على تلك الدول.

 

شهدت العلاقات بين روسيا وبيلاروسيا علاقات جيدة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، خاصة بعد وصول لوكاشينكو الى السلطة عام 1994. وقد وقع البلدان معاهدة "اتحاد" عام 1999، تنص على توحيد السياسات الخارجية والامنية والدفاعية والمالية الخ على ان تحتفظ كل منهما بسيادتها ووحدة أراضيها وأجهزة دولتها ودستورها وعلمها وشعارها..

 

وبعد مجيء فلاديمير بوتين الى السلطة في روسيا، اقترح على بيلاروسيا الانضمام الى الاتحاد الروسي، الأمر الذي رفضه لوكاشينكو، وبالرغم من الترغيب الروسي بقي الحال على ما هو عليه. وبعد أزمة أوكرانيا عام 2014، شعر لوكاشينكو بالتهديد، كما معظم دول شرق ووسط أوروبا التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي سابقًا، فعمل على محاولة اتخاذ سياسات قومية وتشجيع الابتعاد عن الهوية الروسية لصالح الهوية القومية البيلاروسية، ما أدى الى تأزم العلاقات بينهما، لكن سرعان ما عادت الى طبيعتها عام 2017.

 

ويبدو ان الخيارات التي اتخذها لوكاشينكو ابتداءً من عام 2019 ولغاية اليوم ساهمت في تعميق الخلاف بين بيلاروسيا وموسكو، خاصة بعد اعلانه إن بلاده "تتوق إلى إقامة علاقات أفضل مع حلف شمال الأطلسي"،  وأنه "يتعين على بيلاروسيا تغيير اتجاهها طوال الوقت، لأنها تقع في وسط أوروبا".

 

تمّ تتويج هذه الانعطافة للوكاشينكو، بلقاء مع جون بولتون عام 2019 ثم بزيارة قام بها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الى مينسك في شباط 2020 وتمّ الاتفاق على شراء الطاقة من الاميركيين.

 

وهكذا، يبدو أن لوكاشينكو لم يتعظ من دروس كل من جورجيا (2008) واوكرانيا (2014) وتغاضى عن كل دروس التاريخ والجغرافيا، وساهم بإدخال بلاده في دائرة "الفراغ الاستراتيجي"، الأمر الذي فاقم النزاع والتنافس بين كل من أوروبا وروسيا على بيلاروسيا. علمًا أنه من الصعب جدًا تخلّي روسيا عن بيلاروسيا والسماح بتوجه قادتها نحو الغرب، لأسباب عدّة منها الأمن القومي الروسي نفسه، ومنها تجديد الاتفاقية الأمنية (التي تنتهي صلاحيتها عام 2021) والتي تسمح للقواعد العسكرية الروسية بالتواجد في بيلاروسيا.

 

أما لبنانيًا، وبالرغم من عدم التشابه بين حالة لبنان وحالة دول وسط وشرق أوروبا من ناحية التنافس بين الروس والغرب، إلا أن لبنان كدولة حاجز، يمكن أن يتعظ من تجارب الدول الأخرى المصنّفة في هذا الإطار، وهذا يعني أن أمامه أحد الخيارات التالية في سياسته الخارجية:

 

- أما التحوّل الى دولة تدور كليًا في فلك أحد المحاور المتصارعة وهذا صعب جدًا وسيسبب صراعًا كبيرًا وقد يؤدي الى حرب أهلية؛

 

- اعتماد "الحياد"، وهو أمر صعب جدًا أيضًا، لأن الحياد يفترض أن تكون الدولة قوية عسكريًا لتفرض على الآخرين احترام حيادها، وأن تعترف الدول المتصارعة بهذا الحياد ( وهو أمر أساسي)، وهذا يعني أن الدول المتصارعة يجب أن تستفيد من ذلك الحياد، اي أنه يحقق لها مصالحها، وهو أمر يدفعنا الى الخيار الثالث أي توازن القوى مع الحفاظ على السيادة اللبنانية.

 

وهكذا، يبدو أن لبنان محكوم بخيار سياسة "توازن القوى"، أي توازن النفوذ بين محورين، بحيث تحفظ مصالح كل منهما، وهما بالأساس يتمتعان بنفوذ وحلفاء في الداخل اللبناني، وبسبب التنوع الثقافي اللبناني والذي يجعل من الصعب-  بحسب التجارب اللبنانية-  السير فيه بصيغة غالب ومغلوب.

 

2020/08/17

طرح إعادة الحريري وكرامة اللبنانيين المهدورة

 

 

دأبت العديد من التحليلات السياسية والصحفية الى ترويج طرح الثنائي الشيعي ضرورة عودة الرئيس سعد الحريري على رأس السلطة التنفيذية، وأن الحريري بات الأقدر اليوم على احتواء المشاكل الداخلية والضغوط الخارجية. الأمر الذي تلقفه الحريري لوضع شروط لعودته، معتبرًا أن المطالبة به اليوم، تسمح بالغنج والدلال وفرض الشروط بعدما كان الرئيس بري قد أعطاه "لبن العصفور" في السابق بلا جدوى.

 

وبغض النظر عن الرأي الشخصي بالرجل، لكن تسويق الحريري للعودة على رأس حكومة وحدة وطنية، يجعل المواطن اللبناني أمام أسئلة وطنية كبرى كالتالي:

 

- أولاً؛ بغض النظر عن حجم الذين بقيوا في الساحات لغاية اليوم والاستغلال السياسي والحزبي والخارجي للمظاهرات الشعبية، نزل اللبنانيون في 17 تشرين الأول عام 2019، بكافة فئاتهم وطوائفهم لتعترض على آداء السلطة التنفيذية المتمثلة بسعد الحريري وحكومته، لذا فإن أي حكومة اليوم تعيد انتاج نفس السلطة السابقة، يعني أن الطبقة السياسية تدوس على الشعب بأرجلها، وتعتبره نكرة لا يهمها الركون الى رأيه.

 

- ثانيًا، لقد أثبتت التجربة في 17 تشرين الأول وما قبلها، أن الحريري كان جزءًا من الانقلاب الفاشل الذي حصل وحاولت فيه الاحزاب السياسية المنضوية في قوى 14 آذار أن تنقضّ على شركائها من التيار الوطني الحر وحزب الله وعلى نتائج الانتخابات النيابية، وأن تقوم بتشكيل حكومة لا تعكس تشكيلة المجلس النيابي، وأن تستفرد بالسلطة لوحدها، تمامًا كالطرح الذي يتم طرحه اليوم تحت عناوين متعددة كحكومة حيادية أو حكومة مستقلين (بغض النظر عن هوية رئيسها).

 

- ثالثًا؛ لقد أثبت الحريري في معظم الأزمات والأوقات الحرجة التي يمر بها لبنان، أنه دون المستوى المطلوب من الصفات القيادية المطلوبة، فبعد استقالته من الحكومة الأخيرة، مارس "الحرد والاعتكاف" وسمح بتعطيل المؤسسات في الدولة وخاصة تلك المنوط بها حفظ الأمن والاستقرار، ونعطي على سبيل المثال لا الحصر دعوة المجلس الأعلى للدفاع الذي كان من المفترض انعقاده لإعطاء توجيهات واضحة للقوى الأمنية بمنع قطع الطرقات على المواطنين ومنع "البلطجة" التي مارستها بعض القوى الحزبية والميليشياوية تحت غطاء الثورة بعد 17 تشرين الأول.

 

ناهيك عن التورط بالفساد والخطوط السياسية الحمراء التي وضعها الحريري على محاسبة المتورطين بالفساد من سياسيين وإداريين وأمنيين تابعين لتياره. ويمكن أن نذكر عيّنة وزير الاتصالات الأسبق محمد شقير (على سبيل المثال لا الحصر)، لندرك النوعية التي سيختارها الحريري من وزراء لتشكيل حكومة والتي يطالب بأن يسميها كلها بنفسه!.

 

- رابعًا؛ بالرغم من معرفة الأطراف التي تعيد المطالبة بالحريري أن الفيتو الخليجي على الحريري لم يزل قائمًا، وإن إزالة هذا الفيتو يتطلب تغييرًا في مقاربة الحريري السياسية الداخلية أي أن المطلوب منه تبني الخطاب الخليجي باعتبار "حزب الله ميليشيا ارهابية" ومطلوب التحريض على فتنة سنية شيعية بعد حكم المحكمة الدولية وغيرها... عدم قدرة الحريري على فعل هذه الأمور، يعني ان الفيتو الخليجي لم يزل قائمًا وبالتالي لا مساعدات خليجية للبنان.

 

- خامسًا؛ إن عودة طرح الحريري من قبل الثنائي الشيعي كما تشير التقارير الاعلامية، يعني ان هذا الثنائي لا يقيم وزنًا ولا اعتبارًا لكرامة رئيس الجمهورية ولا التيار الوطني الحر الذي تعرّض لأبشع أنواع التخوين والاتهامات بسبب تحالفه مع حزب الله، خاصة بعد 17 تشرين الاول 2019...

 

ثم إن الجحود يبدو صفة من صفات الرجل، فلقد ساهم كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ووزير الخارجية الأسبق جبران باسيل بإخراج الحريري من السعودية وحفظ حياته بعدما تمّ استدعاؤه الى السعودية وإجباره على الاستقالة، وبالرغم من ذلك، فهو لا يتوانى عن التجريح الشخصي بهما. فما الذي سيمنعه من الانقضاض على حزب الله لاحقًا لإرضاء الخليجيين؟

 

اعتبارات متعددة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار حين يتم إعادة طرح الحريري كتسوية لحلّ الأزمة الحكومية في البلاد، والتي يصح فيها المثل الشعبي القائل "من جرّب المجرّب كان عقله مخرّب".

 

2020/08/10

لبنان.. تحقيق دولي أو تحقيق مدوّل؟

 

مباشرة بعد الانفجار - الكارثة التي ضربت بيروت، تعالت الأصوات السياسية الداخلية التي تشكك مسبقًا في نزاهة التحقيقات التي ستجريها الدولة اللبنانية، وتطالب بتحقيق دولي معتبرة أن هناك ما ستحاول الدولة أن تخفيه وبالتالي يجب أن يتم تدويل القضية وتحويلها الى الخارج.

 

ويعيدنا هذا الأمر الى سيناريو لبناني سابق تمّت تجربته عام 2005، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حيث طالب جزء من الطبقة السياسية بتحقيق دولي متهمين السلطات اللبنانية والأجهزة الأمنية اللبنانية بالتواطؤ مع السوريين في اغتيال الحريري.

 

واقعيًا، وإن لم نكن نريد أن نستعيد كل تجارب تسييس التحقيقات الدولية التي خاضتها دول عديدة، ومنها تجربة العراق والتفتيش المزعوم عن أسلحة الدمار الشامل، يمكن لنا أن نستفيد من تجربة لبنان الخاصة في التحقيق الدولي وفي مسار العدالة المتأخرة والمسيّسة في المحكمة الخاصة بلبنان، ونذكر بعض الدلائل للعبرة:

 

مباشرة بعد اغتيال الحريري، شكّلت الأمم المتحدة اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني، وعيّنت المحقق الإلماني ديتليف ميليس على رأسها، بالرغم من أن ميليس كان متهمًا بالفساد القضائي في إلمانيا، وأنه فبرك الاتهامات في قضية الملهى الليلي في ألمانيا ضد ليبيا .

 

ثم ما إن جاء ميليس الى بيروت، حتى فاحت رائحة الفساد الدولي مع المسؤولين اللبنانيين، وتمّ الكشف عن العديد من خيوطه؛ منها قضية الشهود الزور والتي أدّت الى توقيف الضباط الأربعة ظلمًا. وقد اعترف الشاهد السوري زهير الصديق، الذي تمّ اعتقاله في فرنسا، أنه تلقى أموالاً طائلة لتوريط مسؤولين لبنانيين وسوريين في شهادته الكاذبة، الأمر الذي جعل ميليس يبدل في تقريره المقدم الى الأمم المتحدة، بعدما جرى توزيعه بالفعل، ما سبب فضيحة في أروقة الأمم المتحدة، استقال على أثرها ميليس.

 

 

والفضيحة الثانية والأكبر، كانت في اعتراف شاهد الزور هسام هسام، والذي قال أن مسؤولين لبنانيين- من بينهم سعد الحريري- أجبروه على الشهادة زورًا أمام التحقيق الدولي لاتهام مسؤولين لبنانيين وسوريين. هذا ناهيك عن الشاهد بن عودة، الذي تبين أنه متورط مع الموساد الاسرائيلي وان تقرير ميليس كان قد استند الى شهادته...

 

هذا نموذج متواضع عن نزاهة التحقيق الدولي المطلوب، والذي لن تكفيه مجلدات لو أردنا أن نعدد كل ارتكاباته والتسييس في التحقيق الذي سبق إنشاء المحكمة والذي تلاه بعد تأسيسها، والذي يصرّ نفس السياسيين اللبنانيين على استجلابه الى لبنان مجددًا.

 

بكل الأحوال يبقى أن هناك قلقًا شعبيًا لبنانيًا مشروعًا من أن يتعرقل التحقيق اللبناني وأن يكون هناك تعمية على مرتكبين وفاسدين، أو أن تتدخل الوساطات السياسية أو الدينية للتغطية على المرتكبين أو المتورطين بالفساد أو بالاهمال أو غيره.. وعليه، يجب أن يكون الحلّ، بتحقيق لبناني مدوّل، أي تحقيق يحفظ السيادة اللبنانية، على أن يستعين بخبرات ومحققين دوليين، خاصة من الدول المتضررة والراغبة بالمشاركة في التحقيق بسبب مقتل مواطنيها أو تعرضهم للايذاء في انفجار بيروت.

 

دوليًا، درجت العادة أن تسمح الدول لمحققين من دول أجنبية في المساهمة في تحقيقات داخلية، في حال تعرّض مواطنو تلك الدول للأذى داخل أراضيها. وبالرغم من هذا يبقى ضمن العرف الدولي، ولا شيء يجبر تلك الدول على القبول بمشاركة أجانب في تحقيقات داخلية، إلا أن الموضوع يتعلق بالشفافية وبمحاولة السلطات المحلية رفع مسؤوليتها عن التسبب بالأذى، وحفظ حق الضحايا في التعويضات المستحقة لهم.

 

في المحصلة، يكفي لبنان ما سببته التحقيقات الدولية في اغتيال الحريري، من عدم استقرار سياسي وأمني، ومن استغلال دولي لتوجيه الاتهامات الجنائية بحسب المصالح الدولية. فليقم اللبنانيون بالحفاظ على سيادتهم واستقرارهم، ويقيموا تحقيقهم المحلي المطعّم بخبرات دولية، على أمل أن تتحقق العدالة والانصاف للضحايا، بعيدًأ عن الفساد والاستغلال السياسي الرخيص. 

هل آن أوان "التسوية الموضعية" في لبنان؟

 

لا شكّ أن الأيام التي مضت على انفجار بيروت كانت من أطول الايام التي يعيشها لبنان وأكثرها دينامية سياسية، وتقلبات وتبدلات، بحيث يبدو أن السياسة تسبق الزمن بأشواط.

 

لقد اثبت انفجار المرفأ أن الفساد الداخلي هو بالفعل عدو أسوأ بكثير من العدو الخارجي، وأن الطبقة السياسية وأزلامها ومحمياتها قد تدفع لبنان الى خراب ودمار لطالما هدد به الاسرائيلي دائمًا، والعودة بنا الى "العصر الحجري" بدون أن يتكبد الاسرائيلي أي عناء حربي أو مجهود أو غارة.

 

وفي التطورات السياسية الداخلية، يبدو أن رئيس الحكومة حسان دياب بات مقتنعًا بأن الطبقة السياسية ستتخلى عنه بسهولة ما أن تتفق على تركيبة حكومية أخرى بدفع من الفرنسيين، الذين سيأخذون بعين الاعتبار الرغبات الأميركية بالدرجة الاولى، والرغبات الخليجية في اختيار رئيس الحكومة السنّي.

 

وعليه، حاول دياب أن يدفع الأمور الى الامام، وأن "يحشر" الطبقة السياسية فيخرج ليعلن أنه بصدد اقتراح تقصير ولاية المجلس والدعوة الى انتخابات مبكرة، معتقدًا أنه يستطيع أن يرضي الشارع المنتفض وأن يخلط الأوراق السياسية ما يدفع لبقائه مدة أطول في الحكم.

 

ولكن طلة دياب واقتراحه لم تلقَ آذانًأ صاغية لدى المحتجين، وطالبوه بأكثر من ذلك بكثير اي استقالته وحكومته، ولم يهضمها حلفاؤه الذين لم يتم التنسيق معهم حولها. ولعل دياب يعرف جيدًا أن العديد من أطراف السلطة السياسية الوازنة سواء في الموالاة أو في المعارضة لا تريد أن تذهب الى انتخابات مبكرة، وحتى الخارج الذي يدفع الى تغيير سياسي كان قد أعلن صراحة على لسان ماكرون أن الوقت الآن ليس للانتخابات المبكرة.

 

وقد أظهر مؤتمر المانحين الذي انعقد يوم الأحد، أمرين: أولاً عدم ثقة الخارج في هذه الطبقة السياسية وإداريوها وكل ما يتعلق بها، بدليل أن الجميع اعتبر أن المساعدات لا يجب أن تمر عبر الحكومة، وذلك بسبب تاريخ طويل جدًا من الفساد المستشري وسرقة المساعدات ومنها على سبيل المثال لا الحصر مساعدات حرب تموز عام 2006.

 

أما الأمر الثاني، فكان واضحًا أن المساعدات العينية، والتي اعتبرت "دفعة" سيليها دفعات، تعني أن الخارج يريد مجرد تصميد جراح اللبنانيين واعطائهم مسكنًا، على أن تكون الدفعات اللاحقة مشروطة.

 

أما الشروط المطلوبة، فهي اصلاحات جوهرية ومكافحة حقيقية للفساد لم تستطع حكومة دياب ان تفعلها، بالاضافة الى تغيير سياسي تحدث عنه ماكرون، واستشعره دياب، أي تغيير حكومي يعيد انتاج مشهد سياسي مختلف عن المشهد الذي تلا انتفاضة 17 تشرين، والذي تجلى في حكومة اتهمت انها حكومة حزب الله.

 

لا شكّ، أن دياب وحكومته يمرون بظروف سياسية حرجة كما حال البلاد كلها، والتصور اليوم وبعد الشروط التي وضعت لتأمين المساعدات، أن الأيام المقبلة ستشهد حراكًا سياسيًا على وقع احتجاجات في الشارع ستتخذ منحى تصاعديًا (حيث يحاول البعض تحسين شروطه التفاوضية)، سيؤدي الى تغيير حكومي وتسوية "موضعية" في لبنان، تشبه الى حد بعيد التسوية التي عقدت في العراق سابقًا، حيث أعيد التوازن الى المشهد السياسي العراقي بتسمية الأميركيين لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وتشكيل حكومة تشاركية النفوذ بين الأميركيين والايرانيين.

 

وهكذا، ستكون الأيام المقبلة مليئة بالتطورات المتسارعة، وسيكون التوازن سيد الموقف في النهاية، إذ أن الوقت والخراب الذي حلّ بعد كارثة بيروت لا يسمح بهامش كبير للكباش السياسي الذي سيترافق مع ضغوط اقتصادية لا يستطيع لبنان تحملها. الأسماء لم تعد مهمة، وسيكون هناك طروحات لأسماء عديدة، ولكن الأرجح عدم قدرة سعد الحريري على العودة الى السلطة، ولو كان الثنائي الشيعي وفرنجية يتمنون عودته، لكن سعد محروق خليجيًا منذ أزمة عام 2017، وليس هناك قدرة على إعادة تدوير حكوماته داخليًا، خاصة بعدما انكسرت كليًا بينه وبين الرئيس عون والوزير السابق جبران باسيل، الرجلين اللذين وضعا رصيدهما السياسي على المحك لانقاذه من براثن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. 

2020/08/03

أعداء لبنان الحقيقيين- المخفيين

 

 شكّلت مناسبة الأول من آب هذا العام، الذكرى الخامسة والسبعون لتأسيس الجيش اللبناني، والتي تزامنت مع حجر صحي قسري فرضته ظروف جائحة كورونا، والتي منعت الاحتفال بتخريج ضباط المدرسة الحربية كما جرت العادة كل عام.

 

ولقد ألقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كلمة متلفزة، خاطب فيها الضباط المتخرجين، وحدد فيها أعداء لبنان؛ معتبرًا أن لبنان يشهد - بالاضافة الى العدو الاسرائيلي والعدو الارهابي التكفيري - أعداء آخرون حددهم الرئيس بما يلي:

 

- العدو الأول للبنان هو الفساد المستشري في المؤسسات وفي الكثير من النفوس، وهو يقاوم بشراسة ولكن الخطوات نحو استئصاله تسير وإن يكن ببطء ولكن بثبات.

 

- العدو الثاني للبنان هو كل من يتلاعب بلقمة عيش المواطنين ليراكم الأرباح.

 

- العدو الثالث للبنان هو من ساهم ويساهم بضرب عملتنا الوطنية ليكدّس الأموال.

 

- العدو الرابع للبنان هو كل من يطلق الشائعات لنشر اليأس وروح الاستسلام، وأيضاً من يجول دول العالم محرضاً ضد وطنه وأهله وناسه ومحاولاً حجب أي مساعدة عنهم.

 

 

 

وقد يكون الرئيس قد حدد بالفعل الأعداء الداخليين للبنان، والذي يحتاج اللبنانيون الى وعي كامل لمحاربتهم ومكافحتهم، ويبقى هناك أعداء داخليين آخرين قد يكون من المفيد الإضاءة على هوايتهم وخطورتهم:

 

 

 

- العدو الخامس هو كل قاضٍ يضع ملفات الفساد في الأدراج خوفًا من زعيم سياسي، أو طمعاً بمنصب، أو مساهمة منه في الفساد والإفساد والزبائنية السياسية.

 

- العدو السادس هو كل موظف إداري أو أمني يعتقد أن الدولة "غنيمة" وإن عليه أن يغنمها قبل أن يغنمها سواه.

 

- العدو السابع هو كل اعلامي يبيع قلمه ورأيه ووطنه مقابل حفنة من المال أو شقة فاخرة ثم يتحفنا بمطولات عن مكافحة الفساد وأصول الحكم الرشيد.

 

- العدو الثامن هو كل مواطن يتنطح على  التواصل الاجتماعي منتقدًا الفساد في الدولة ومطالباً باجتثاثه، لكنه لا يتوانى عن "التعليق" على خط الكهرباء، أو سرقة المياه، أو بناء بيته على أملاك الدولة، أو طلب "خدمة خارجة عن القانون".

 

- العدو التاسع هو المواطن الذي باع صوته في الانتخابات أما نقدًا أو بتذكرة طائرة أو مقابل خدمة أو وظيفة، ثم راح يتباكى على وسائل التواصل الاجتماعي معتبرًا الطبقة السياسية لا تمثله.

 

 

 

هذه لائحة أعداء لبنان المخفيين؛ مواطنون لا سياسيون، وقد تتطور لتطال آخرين ممن يمارسون سياسة دفن الرؤوس في الرمال في أي معركة وجودية يخوضها الوطن.

 

ويبقى أن نذكر أن العدو الداخلي الحقيقي والأكثر خطورة من كل هؤلاء والذي يعيق بناء الدولة في لبنان هو "الأنا المنتفخة" لدى الوزراء والنواب والسياسيين، والذين تتحول الخدمة العامة بالنسبة لهم، مناسبة للشهرة والكسب غير المشروع واستخدام النفوذ وتطويع "الزلم"، والأهم "تربيح الجميلة" للمواطنين بأنهم "يعملون".