2019/02/14

ظريف في لبنان: توسيع الفضاء الايراني؟

ضمن إطار محاولة الدول الاقليمية التأثير في محيطها الجغرافي، تنظر الدول الى الفضاء الذي يمكن لها التأثير فيه والذي يقسم الى نوعين: فضاء طبيعي، وفضاء مكتسب. بالنسبة للفضاء الطبيعي، تشكّل الثقاقة والدين والتاريخ والهوية دورًا هامًا في إنشائه، خاصة أن التفاعلات ضمن هذا الفضاء تبدو طبيعية ومنطقية ولا تثير أي حساسيات. أما الفضاء المكتسب فهو ما تحاول الدولة الاقليمية أن تصنعه وتكتسبه بواسطة المساعدات التنموية والإقتصادية والتعاون العسكري والاستراتيجي وغيرها... ولا شكّ أن علاقات الفضاء الأول هي أعمق وأثبت وأكثر صلابة من علاقات وتفاعلات الفضاء الثاني التي تحكمها المصلحة المشتركة والتي عادةً ما تكون متبدلة بتبدل الأحداث والظروف الدولية والاقليمية.
من ضمن ما تقدم، يمكن أن نرى أن لإيران فضاءً طبيعيًا في لبنان، حيث يمثل العامل الثقافي والديني بعدًا هامًا في العلاقة بين إيران والشعب اللبناني، تمتد عبر التاريخ الى العهد الصفوي حيث قام العديد من رجال الدين اللبنانيين بالهجرة الى إيران، ثم مجيء علماء الدين من إيران الى لبنان، والذين كان لهم تأثير كبير على الحياة الدينية والسياسية في لبنان، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، الإمام موسى الصدر الذي أسس "حركة المحرومين" قبل اختفائه.
أما من الناحية السياسية، فتذكر المصادر التاريخية أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين تعود إلى عام 1912 وهو تاريخ انشاء أول قنصلية إيرانية في لبنان، والتي تحولت عام 1927إلى قنصلية لكل من لبنان وسوريا وفلسطين وكان مركزها بيروت. وكانت إيران من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال لبنان عام 1943، وتوطدت تلك العلاقات في عهد الرئيس الراحل كميل شمعون بانضمام البلدين الى "حلف بغداد" وزيارة شاه ايران بيروت عام 1957.
بسقوط الشاه وقيام الثورة الاسلامية في إيران 1979، ثم نشوب الحرب العراقية الايرانية(1980- 1988)،  والاجتياح الاسرائيلي للبناني عام 1982، خرجت العلاقات اللبنانية الايرانية من إطارها الرسمي الوثيق الى إطار الفضاء الطبيعي، فأفتى "الخميني" بتشكيل مقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي، وقام الحرس الثوري الايراني بإنشاء مراكز في البقاع لتدريب عناصر لمقاومة اسرائيل، فتأسس "حزب الله".
وبالرغم من تطور العلاقات بين لبنان وايران خاصة بعد حرب تموز 2006، إلا أن العلاقة الايرانية مع فضائها الطبيعي في لبنان بقيت أكبر حجمًا وشأنًا من علاقاتها مع الدولة اللبنانية، بالرغم من زيارة الرئيس محمود أحمدي نجاد ومحاولات الايرانيين عرض المساعدات الاقتصادية والعسكرية على اللبنانيين كافة.
وكان لافتًا هذا الاسبوع وخلال زيارة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الى لبنان، تركيزه على العلاقات بين "دولتين"، ومحاولة تقديم المساعدات للبنان- الدولة، أي محاولة الانتقال بالعلاقات من الفضاء الطبيعي الأضيق الى فضاء مكتسب أكبر، قوامه دولة لبنان.
يحتاج اللبنانيون اليوم الى للمساعدة الايرانية في ملفات عدّة خاصة في مجالات تنمية البنى التحتية، والاقتصاد والمساعدة على عودة السوريين الى بلادهم وغيرها... لكن، بالرغم من أن هذه المساعدة قد تحقق مزيدًا من التعاون بين البلدين مستفيدين من الآلية التي أنشأها الأوروبيون للتعامل التجاري مع ايران، فإن هذا لا يعني أن لبنان بأكمله بات "فضاءً إيرانيًا" كما يحاول البعض توصيف هذه الزيارة، للتحريض على اللبنانيين في الخارج وخاصة في الولايات المتحدة، ولمطالبتها بفرض عقوبات على اللبنانيين والإحجام عن مساعدته ومساعدة الجيش اللبناني.
إن قبول لبنان بالمساعدة الايرانية، محكوم بالتوافقات الداخلية، وبالصراع في المنطقة، وبالرغم من حاجة لبنان للمساعدات، إلا أن من مصلحة لبنان وإيران معًا، أن يبقي لبنان على التوازن في علاقاته بين المحاور المتصارعة في المنطقة، ومن مصلحة اللبنانيين جميعًا، الحفاظ على علاقات جيدة مع كل من العرب وإيران، لأن أي انحياز الى هذا المحور أو ذاك، قد يدفع الى استيراد مشاكل الخارج الى الداخل اللبناني، ونحن بغنى عن ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق