2012/10/30

المرأة في السياسة اللبنانية: مواطنة درجة ثالثة!

أقامت هيئة المرأة في التيار الوطني الحر ندوة بعنوان "المرأة والسياسة في زمن الارشاد الرسولي"، شارك فيها كل من المونسينيور كميل مبارك والدكتورة ليلى نقولا الرحباني، التي كان لها المداخلة التالية:

المرأة في السياسة اللبنانية: مواطنة درجة ثالثة!

مقدمة
        واقعيًا، لا زلنا اليوم غير مدركين ما سيكون عليه مصير القانون الانتخابي، وهل ستحصل انتخابات 2013 بظل القانون الحالي، أو سيكون لنا قانون انتخابي عصري يحاكي تطلعات وآمال الأجيال الصاعدة، أم سنبقى على قانون أًعدّ وأقرّ لزمان ليس كزماننا، وعهود سابقة أدخلت البلاد في نفق الطائفية والمذهبية البغيضة؟.
        بالمبدأ، إن الاتجاه السائد اليوم، بعد الانفجار الذي حصل، يدفع الى القول أن مقاطعة اللجان النيابية من قبل قوى 14 شباط قد يكون هدفه الإبقاء على القانون الحالي، أي قانون الستين الذي رفضته بكركي، والذي سمح سابقًا، أي في العام 2009، لهذه الفئة بالسيطرة على أكثرية المجلس النيابي من خلال المال والاعلام والتحريض المذهبي. لكن، بالرغم من ذلك، هذا لن يثننيا عن مقاربة موضوع المرأة اللبنانية في الحياة السياسية، خاصة في الفترات الأكثر تأثيرًا سياسيًا وهي فترة الانتخابات.

أولاً- انتخابات 2009: تراجع نسائي دراماتيكي
        بالرغم من أن لبنان كان أول بلد عربي يعطي المرأة الحق بالترشّح والتصويت عام 1953، إلا أن الأمر توقف عند هذا الحد ولم تستطع المرأة اللبنانية إلا في حالات نادرة وكوريثة لزوج أو أب أو أخ، أن تجد لها موقعًا في نادي السياسة اللبنانية، بالرغم من أن عددًا من النساء اللبنانيات تمكّنّ من اختراق الحواجز والممنوعات، وتوصلن الى مواقع هامة قيادية ومواقع في المجالات الفكرية والتعليمية والسياسية والنقابية. ويُذكر أنه كان للمرأة دورها الرائد في معارك الاستقلال اللبناني وفي مسيرة التحرر والنضال، نذكر منهن على سبيل المثال إميلي فارس ابراهيم عضو اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي اللبناني، التي قادت أوّل تمرّد على عبادة الفرد والتبعيّة ضد قيادة الحزب في سورية ولبنان، وخاضت أوّل إنتخابات نيابية للمرأة في لبنان عام 1953، في وقت مبكّر بالنسبة لإمرأة.
        واللافت أنه في المجال البرلماني، لم تستطع النساء اللبنانيات أن تصل الى الندوة البرلمانية إلا عبر الوراثة السياسية، فقد كانت ميرنا البستاني أول إمرأة تدخل البرلمان اللبناني (28 آذار 1963) بعد فوزها بالتزكية في دورة فرعية لملء المقعد الشاغر بوفاة والدها اميل البستاني، ثم نهاد سعيّد التي ترشحت لانتخابات فرعية لمقعد جبيل اثر وفاة زوجها النائب أنطوان سعيّد (في 25 أيار عام 1965) لملء المقعد الشاغر، لكنها فشلت أمام عميد الكتلة الوطنية الراحل ريمون اده، واستمرت بتكرار المحاولة حتى استطاعت الوصول إلى البرلمان في دورة العام 1996، لتعيد توريث المقعد عام 2000 لابنها النائب السابق فارس سعيد.  ومن  لم تصل بالارث وصلت بوهج زوج او شقيق كما هو حال البرلمانيات نايلة معوض أرملة الرئيس رينيه معوض
، ونايلة تويني هي الشهيد جبران تويني، وبهية الحريري شقيقة الراحل رفيق الحريري، وستريدا جعجع هي زوجة قائد القوات اللبنانية سمير جعجع الذي لا يستطيع الترشّح.
        وقد استمر الوضع على هذا الحال من حصر تمثيل المرأة بوراثة سياسية الى يومنا هذا، فخلال التحضير لقانون انتخابي عام 2009، اعتبر العماد ميشال عون ان تكتله يرفض التصويت على الكوتا، لأنه مع المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، ولأن ميثاق التيار الوطني الحر ينصّ على هذه المساواة، وعليه وبما ان المرأة تشكّل نصف المجتمع، فلها الحق في أن تتمثل بنسبة 50% في البرلمان... كلام لم يترجم عمليًا على أرض الواقع بترشيح نسائي على لوائح التغيير والاصلاح، إذ تمّ ترشيح سيدة واحدة على مجمل اللوائح التي فاق عدد الذكور فيها 60 مرشّحًا. وبما أن حلفاءه لم يرشحوا أي امرأة على لوائحهم، كان  مجموع حصيلة الترشيحات النسائية لتكتل التغيير والاصلاح وقوى 8 آذار مجتمعة، سيدة واحدة.
        أما قوى 14 شباط، وبالرغم من تصريحاتها المتكررة بوجوب المساواة بين الرجل والمرأة أيضًا، وبالرغم من ردّهم على التيار الوطني الحر بحملة اعلانية تقول "كوني متساوية وانتخبي"، إلا ان عدد الترشيحات النسائية على لوائحهم جميعها من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب والبقاع، لم تتعدَ الثلاثة، وهؤلاء تمّ ترشيحهن أيضًا لأسباب عائلية ووراثية ولقدرتهن على استعطاف الرأي العام من خلال أقربائهن الشهداء.
        وهكذا، يكون مجموع النساء الواصلات الى البرلمان اللبناني عام 2009،  قد تراجع الى أربعة فقط، بعد أن وصل العدد  الى ستة في انتخابات 2005 التي حصلت في ظل انقسام سياسي حاد عكس الظروف المحلية والاقليمية الدقيقة والاستثنائية لتلك المرحلة، والتي انتجت استثناءً في عدد النساء اللواتي دخلن الى المجلس النيابي، علمًا أن انتخابات 2009 سجّلت إقبالاً لافتًا للنساء على الاقتراع، وعلى المشاركة في التنظيم وفي الماكينات الانتخابية، ما يعني أن اللبنانيات مارسن واجباتهن كاملة كمواطنات، لكن كانت تنقصهن الحقوق، الحقوق السياسية على وجه الخصوص.

ثانيًا: أسباب ضعف الدور النسوي السياسي
        بالمبدأ ساوى الدستور اللبناني بين المواطنين اللبنانيين في الحقوق والواجبات[1]، ولا يميّز قانون الانتخاب اللبناني بين رجل وامرأة في الانتخاب وحق الترشيح، ولكن كما رأينا، هناك عوامل ثلاث منعت المرأة من ممارسة حق كفله القانون، وهي المرأة بذاتها التي لا تبادر، والمجتمع الذي لا يساند، وخشية الطبقة السياسية من الاختراق والتغيير بما يفقدها السيطرة وهذا في كل الطوائف بدون استثناء.
        وهكذا نلاحظ أنه في الاطار السياسي، بات هناك فئات ثلاث من المواطنين: مواطنون درجة أولى وهي تتكوّن من النافذين ورؤساء الطوائف الكبرى، ومواطنون درجة ثانية وهؤلاء المدعومون ومعظمهم من الرجال الذكور، ومواطنون  درجة ثالثة وهي الفئات المهمّشة ومعظم النساء التي تقوم بواجباتها المواطنية ولا تحصل على حقوقها كاملة.
        إن قراءة لأرقام نتائج الانتخابات النيابية والبلدية، قد تعطينا فكرة عن الأسباب وراء إنحسار دور المرأة اللبنانية السياسي، والذي لا يتلاءم مع أدوارها الأخرى الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والتي تسجل فيها حضورًا مميزًا يتفوق أحيانًا على الرجال، وذلك على الشكل التالي :
1- العقدة الفوقية الذكورية لدى معظم السياسيين بتأثير من البيئة العامة، يضاف اليها النظرة "الدونية" للمرأة لدى معظم زعماء الأحزاب، الذين يحددون وجود المرأة في الصف الثاني والثالث بينما يحجمون عن تعيينها في المراكز الاولى حتى لو أثبتت كفاءتها وتفوقها على أقرانها الذكور، وهذا ما أدى الى تراجع نسبة عدد البرلمانيات في برلمان 2009 بنسبة 35% عن برلمان عام 2005.[2]
2- القانون الانتخابي الطائفي وتكاليف الترشيح والحملة الإعلامية الانتخابية، يضاف اليها الاصطفاف السياسي الحاد الذي يحدّ من قدرة المرشحات والمرشحين المنفردين على خرق اللوائح الكبرى أو على تحدي المحادل الكبرى. وهذا ما أدى الى تراجع نسبة مشاركة النساء في الترشح للإنتخابات النيابية، من 34 إمرأة في انتخابات العام 2000 إلى 14 إمرأة فقط في دورة العام 2005 (أي ما نسبته 3.5 % من مجموع عدد المرشحين) وصولاً إلى 12 إمرأة في الدورة الانتخابية لبرلمان 2009، أي ما نسبته أقل من 2% .
3- غياب سياسة عامة وتشريعات وبرامج إعلامية هادفة إلى حثّ المرأة للمشاركة في الحياة العامة والمجال السياسي، وغياب القوانين التي تجبر قادة الاحزاب والكتل على ترشيح النساء على لوائحهم أو ما يقال عنه الكوتا النسائية. وهنا نشدد على أن الكوتا، ليست الحل المرجو ولكنها قد تكون الخطوة الأفضل في هذه الظروف للسير في حل تلك المشكلة. علمًا أن رفض الكوتا قد يكون نتيجة عدم فهمها بشكل صحيح؛ فالكوتا فقط تحدد الحد الأدنى للمشاركة النسائية ولا تحدّها عند نسبة معينة كما يفهمها البعض.
4- -  الذهنية الشرقية والتربية الأسرية التي تعطي الأفضلية للذكر عند الاقتضاء، والعلاقة السلطوية داخل الأسرة حيث الرجل هو رب الأسرة في حال حضور الزوجين، بالاضافة الى عدم تشجيع الأهل للمرأة عامة بتعاطي السياسة والانخراط في الأحزاب والنقابات.
5- القيم الحضارية والثقافية بما فيها الدينية، التي تجعل دور المرأة أساسيًا في إدارة شؤون الأسرة ورعاية الأولاد وتربيتهم وخدمة الزوج وتدبير شؤون المنزل، بينما الدور الخاص بالرجل يتجاوز حدود هذه المساحة ليشمل الساحة العامة كالانخراط في سوق العمل والتعاطي مع المؤسسات الاقتصادية والتعاطي بالشأن العام والمجال السياسي.
 6-  شخصية المرأة ومسلكها وظروفها، والتي تتجلى في قلة ثقتها بنفسها وببنات جنسها، وعدم وعيها لحقوقها السياسية، وعدم اقتناعها عامة بأهمية المشاركة في الحياة العامة بما فيها القرار السياسي، بالاضافة الى عدم اندفاع معظم السيدات إلى خوض معارك سياسية حادة.
وهنا سأسجل مفارقات في العمليات الانتخابية  النيابية والبلدية الأخيرة:
        أ- المرأة اللبنانية لا تقلّ تسييسًا وحماسة عن الرجل: فإن احجام النساء عن الترشح في انتخابات 2009 قابله إقبال لافت على الاقتراع فاق نسبة اقتراع الرجال، والدليل على ذلك نسب التصويت في الدوائر التي شهدت معارك انتخابية حامية وتسييسًا كبيرًا كزحلة والبقاع الغربي وراشيا وغيرها[3].
        ب- نلاحظ بداية تغيير جدية في الثقافة السياسية لدى المجتمع اللبناني وتقبله وصول المرأة الى المناصب القيادية، ففي الانتخابات البلدية 2010، وبالرغم من أن الاحصاءات الرسمية تشير الى أن نسبة النساء الناجحات في تلك الانتخابات لا تتعدى 4.7% من المجموع العام، ولكن لا يمكننا أن نغفل أن هذه النسبة تمثل تقريبًا 40% من مجموع المرشحات الى الانتخابات، ما يعني أن المشكلة هي في نسبة الترشيحات المتدنية وليس في عدم ثقة الناس وانتخابهم للنساء[4].
ج- عدم صحة ولا واقعية الصورة النمطية السائدة بأن أهل بيروت هم أكثر انفتاحًا وقبولاً للتغيير وللأفكار الجديدة الوافدة ولحقوق المرأة من أهالي المناطق. فنتائج الانتخابات البلدية عام 2010، تشير الى أن أهل المناطق هم أكثر تقبلاً لتولي النساء المناصب القيادية أكثر من أهل المدن. لقد شهد الجنوب أعلى نسبة نساء ناجحات في الانتخابات البلدية (66 ناجحة من أصل 149 مرشحة)، يليها الشمال(206 من 478) ثم جبل لبنان ( 188 من 466)، ثم النبطية (25 من 103)، وفي أسفل السلم أتت بيروت بوصول 3 سيدات فقط من أصل 21 سيدة ترشحن الى المقاعد البلدية.

ثالثًا- هل من حل؟
لكن، هل هناك حل؟ وهل هناك نافذة للتفاؤل؟
نعم بالتأكيد، فلكل تغيير بداية. وهنا سأورد قصة تاريخية قد نتعظ منها في مسيرتنا نحو احقاق حقوق المرأة اللبنانية المختلفة:
        في العام 1944، تقدم عشرة نواب لبنانيون باقتراح قانون لمنح المرأة اللبنانية حقوقها السياسية- أي ان تنتخب وتُنتخب- وقد رفضت اللجنة البرلمانية هذا الاقتراح، معللة بما يلي:
 إن اعطاء المرأة هذه الحقوق [5] يتنافى مع التاريخ والثقافة والدين والقيم والتقاليد والحضارة ، والأهم انه يتنافى مع طبيعة المرأة، فالامور السياسية فيها مشقة وتعقيد وخطر وهذا يتنافى مع طبيعتها كمخلوق لطيف ظريف، كذلك يتنافى مع مشكلة البطالة والعمل، فعمل المرأة بالسياسة يزيد في بطالة الشباب، كما إن نزول المرأة ميدان السياسة، يؤدي الى تفكك الاسرة وفساد المنزل وبالتالي تفكك الوطن وفساد الدولة، الخ...
لكن، كل هذه التبريرات لم تمنع النساء من الحصول على حقوقهن السياسية عام 1953 أي بعد تسع سنوات فقط من هذا الرفض القاطع.
        من المؤكد أن المرأة اللبنانية اليوم، لا تتعرض الى مثل هذا الحظر، ولا يُنظر اليها بمثل هذه النظرة الدونية، ولا تُحمّل كل المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية إن هي بادرت للعمل السياسي، لذا أن ظروف المعركة قد تكون افضل من تلك التي خاضتها النساء في منتصف القرن الماضي.
وعليه، إن مسيرة تتسم بالثبات والاصرار، والضغط على الكتل النيابية المختلفة وعلى رؤساء الأحزاب قد يمكّن المرأة اللبنانية من الوصول الى المساواة مع باقي المواطنين الآخرين، وقد تصل الى تغيير الأنماط التقليدية السائدة التي تعتبرها قاصرة عن العمل السياسي، ولا يمكنها أن تكون في المواقع القيادية سواء في الأحزاب أو في البرلمان أو الحكومة.
ولئلا يتحول شعار "اعطِنا صوتكِ.. واكتفِ بجمالك"، شعار دائم يتم التوجّه به الى النساء في السياسة اللبنانية وبالاخص خلال الانتخابات النيابية كل أربعة أعوام، يجب الانطلاق من هنا، من التيار الوطني الحر باعتباره أملاً للشباب ولتلك الفئات المهمشة التي تحدثنا عنها، هو أملها في التغيير والاصلاح وإن فشلت التجربة فالسلام على لبنان.




[1]  نص الدستور اللبناني في المادة 7 منه على «أن كل اللبنانيين سواء لدى القانون يتمتعون على السواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم»... كما يعترف أيضاً في المادة 21 منه بـ<المساواة السياسية بحيث إنه لكل مواطن بلغ من العمر 21 عاماً الحق في أن يكون ناخباً»، وللمرأة اللبنانية كالرجل الحق بالترشح للانتخابات النيابية والبلدية والاختيارية. كما يضمن الدستور الحريات العامة والشخصية وحرية المعتقد وحرية التعليم وإبداء الرأي ( في المواد 2 و 9 و10و12 منه).
[2]  سُجل خروج ثلاثة من النائبات السابقات، فقد استبدل تيار المستقبل النائبة غنوة جلول بمرشح الجماعة الاسلامية في بيروت عماد الحوت، وتخلت صولانج الجميل، زوجة الرئيس الراحل بشير الجميل، عن مقعدها لصالح نجلها نديم، كذلك خرجت من المجلس نائلة معوض، أرملة الرئيس الأسبق رينيه معوّض، محاولة تجيير مقعدها لنجلها ميشال الذي خسر الانتخابات.
[3]  في زحلة مثلاً صوّت 60 % من الإناث مقابل 56% من الذكور، بينما كانت النسب في دائرة البقاع الغربي وراشيا على الشكل الآتي: 58% من الإناث و49 % من الذكور، وتعادل الطرفان في دائرة المتن الشمالي بـ55 في المائة لكليهما. أما في دائرة بيروت الاولى، فقد كانت نسبة اقتراع النساء،على غير حالها في معظم الدوائر الأخرى، اي أقل بشكل بسيط من نسبة الرجال، حيث صوّت 40% من النساء و41 % من الرجال.
[4]  ترشح الى الانتخابات البلدية ما مجموعه 1346 أمراة، وقد نجح منهن 526 امراة.
[5]  انظر النص الكامل لتقرير اللجنة البرلمانية، في مجلة الحديث عدد تموز 1944، ص 333.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق