2014/01/30

سوريا- مونترو: بداية حل... للتفكير


د. ليلى نقولا 

يدرك المتابع لتطور الأوضاع في سورية، ولما يحصل في مونترو السويسرية، أن لا حل سيأتي مما يقوم به الطرفان السوريان في سويسرا، خصوصاً بعد رفض المعارضة الورقة أو ما سمي "البيان السياسي" الذي تقدم به الوفد السوري كأرضية للاتفاق على صيغة حل، ولعل الاطلاع على مضمون الورقة يشير إلى أنها تتضمن مبادئ عامّة لا يمكن لأي سوري أن يرفضها، لكن رفض "الائتلاف" لما ورد فيها، وبدون التطرق حتى لتبديل بعض العبارات فيها لتصبح صيغة مقبولة تعطي أملاً للشعب السوري، يجعله خاسراً أمام الرأي العام الذي ينتظر منه، كما من وفد السلطة، بعض التنازلات للوصول إلى حل أو بداية حل.

ولعل التعنت الذي يحصل في مونترو يشير إلى ما لا يقبل الشكّ بأن السوريين لم يصلوا إلى نقطة التعب بعد، والإدراك أن لا حلّ عسكرياً للأزمة، علماً أن الأخبار والتقارير التي تتناقلها وسائل الإعلام تشير إلى أن كرامة اللاجئين وبناتهم ونسائهم لم تعد محفوظة، فلا البرد ولا الهرب من جحيم الموت ولا الإنسانية يشفعون للسوريات اللواتي يتعرضن لانتهاك الكرامات، ففي لبنان وتركيا والأردن كما في معظم الدول التي لجأ إليها نازحو سورية، تتعرض النساء للابتزاز والاستغلال الجنسي، والزواج القسري، ولكثير من الحالات التي يمكن أن يطلَق عليها توصيف "الاتجار بالبشر"، بحسب القانون الدولي.

وفي مقابل ما يجري في مونترو، والذي يبدو بلا أفق سياسي أو دبلوماسي، يقوم كوفي أنان بزيارة إلى إيران، على رأس وفد من مجموعة "الكبار Elders"، حيث يطرح أنان مقاربات واسعة لحل الأزمة في سورية، منطلقاً من إمكانية أن تلعب إيران دوراً إيجابياً في حل النزاعات في المنطقة، وفي تخفيف التشنج المذهبي، ويدعو أنان إلى التفكير بجميع الخيارات الممكنة، لإضاءة بصيص نور على الأزمة السورية المستفحلة، بعكس بان كي مون الذي أقفل أي إمكانية لفتح كوّة في أجندة مؤتمر "جنيف 2"، للنفاذ منها إلى ما يمكن اعتباره أرضية مشتركة بين الطرفين يمكن الانتقال منها للقول إن هناك لبناء ثقة متبادلة، أو بداية حل.

وقد يكون الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة أكثر واقعية وأقل تعرضاً للضغوط من بان كي مون، الذي دعا إيران إلى مونترو، ثم عاد فسحب الدعوة، فأنان يدرك أن السلام والاستقرار في الشرق الأوسط يفترض انخراط جميع القوى الإقليمية الفاعلة فيه، ولإيران دور أكيد في ذلك، خصوصاً لما لها من نفوذ في سورية ولبنان، وفي مناطق عدّة من الأقاليم، كما لا يغيب عن ذهن أنان أن الحاجة الأميركية والأوروبية للتعاون مع إيران تزداد يوماً بعد يوم، فها هي إيران تثير اهتمام المستثمرين في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بعد دعوة الرئيس روحاني إلى الاستفادة من تخفيف العقوبات على بلاده والاستثمار فيها، ولا يمكن تجاهل عدم قدرة الأميركيين على توقيع اتفاقيات أمنية مع كرزاي في أفغانستان، تحدد أطر بقاء جنودهم بعد موعد الانسحاب المقرر في 2014، لذا سيحتاج الأميركيون إلى التفاهم مع إيران، التي رفع رئيسها السقف بإبلاغه كرزاي رفض بلاده الوجود الأميركي في أفغانستان.

بكل الأحوال، يبدو أنه رغم السقوف العالية وتعدد المسارات الدولية والإقليمية التي تحاول مقاربة الوضع السوري بما يخدم مصالحها، فإن ما حصل من تسويات ميدانية سابقة من في بعض مناطق النزاع السوري، كبرزة والمعضمية، يمكن أن يشكّل إطاراً مناسباً للبدء منه في تخفيف معاناة السوريين، وانطلاقاً من تمسك كل طرف بما أعلنه سابقاً من رؤيته لـ"جنيف 2" يمكن للإبراهيمي أو من يرعى المفاوضات في مونترو، أن ينطلق من قاعدة تشكيل قوى مشتركة من "الجيش السوري" و"الجيش السوري الحر" تؤدي إلى فكّ الحصار عن المناطق المحاصرة وتسليم السلاح الثقيل للجيش السوري، فينخرط الجميع في مكافحة الإرهابيين على الأراضي السورية، ويتم عزل "الجهاديين" القادمين من الخارج، والذين يمارسون التنكيل وقطع الرؤوس وتدمير مؤسسات الدولة ومقارها، وهكذا يكون الإعلان عن هذه القوى المتشكّلة انتصاراً للسلطة والمعارضة معاً، فيمكن للسلطة السورية أن تعلن نجاحها بفرض أجندتها لمكافحة الإرهاب على أرضها، ويمكن للمعارضة أن تتحدث عن أن هذه الهيكلية الأمنية المشتركة هي جزء من "هيئة الحكم الانتقالي" المطلوبة، وفيما لو صدقت النوايا فإن هذا الحل الذي طُبِّق في وقت سابق لمؤتمر "جنيف 2" وأثبت نجاحه في مناطق سورية عدّة، قد يكون بصيص نور للمواطنين السوريين الذي يعانون الأمرّين جراء الحصار والجوع والمرض، والتكفير الذي لم يعد يرحم حتى المتعاونين معه.


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق