نشر في الميادين بتاريخ 28 حزيران 2018
تباينت نتائج الزيارة التي قامت بها المستشارة الإلمانية أنجيلا ميركل الى المنطقة بين الأردن ولبنان، ففي حين أعلنت المستشارة عن قرض ميّسر للأردن بقيمة مئة مليون دولار، إكتفت في بيروت بإعلان الاستمرار في دعم لبنان، بعد النتائج السلبية التي حصدتها سواء من خلال عدم قدرتها على الاستثمار في الانقسام اللبناني اللبناني، وعدم انجرار اللبنانيين وراء الوعود الاقتصادية الالمانية لتغيير رأيهم بالنسبة لقضية النزوح السوري.
وواقعيًا، أتت الزيارة السريعة التي قامت بها ميركل الى المنطقة، ومحاولتها ربط وجود النازحين السوريين في لبنان بالحل السياسي النهائي، كجزء من محاولة لحلّ أزمتها السياسية المزدوجة؛ الداخلية والاوروبية:
- على الصعيد الداخلي، يداهم الوقت ميركل لإيجاد حل لأزمة اللجوء، بعدما أعطيت مهلة أسبوعين لإيجاد ذلك الحل، وإلا فإن حليفها البافاري في الحكومة الائتلافية، وزير الداخلية هورست زيهوفر سوف يقوم بترحيل اللاجئين المسجلين في بلدان أوروبية أخرى على الحدود الألمانية، أو سيعلن الاستقالة من الحكومة ما يهدد بفرط الائتلاف الحكومي القائم بين حزبي الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا، ما يعني عودة ميركل الى المربع الاول أي البحث عن تحالفات أخرى تسمح لها بتشكيل حكومتها أو الانتخابات المبكرة.
- أما على الصعيد الأوروبي، فقد ازدادت المشاكل حول الهجرة في ظل انقسام واضح بين الاوروبيين الذين باتوا يعانون بشكل كبير من تدفق المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين الذين تدفقوا الى الدول الاوروبية بكثافة منذ عام 2015. ويتهم الاوروبيون أنجيلا ميركل بأن سياسة الابواب المفتوحة التي انتهجتها كانت المشجع لهذه الموجات.
وفي ظل ارتفاع أسهم اليمين الاوروبي ووصول اليمين الى مواقع القرار في عدد من الدول الاوروبية، تتابين نظرة الاوروبيين حول التعامل مع مسألة الهجرة، فمن الدول من يطالب بتطبيق اتفاقية دبلن أي توزيع اللاجئين على كافة دول الاتحاد، ومنهم من يطالب بأن تكون الدولة التي يتم تسجيل اللاجئين فيها عند وصولهم اليها كمحطة أولى هي المسؤولة عنهم، في ظل رفض واضح لهذا الخيار من قبل اليونان وايطاليا واسبانيا.
وفي ظل هذه الأزمة المزدوجة التي تعاني منها ميركل، أتت الى لبنان وفي جعبتها مساعدات مالية لإغراء اللبنانيين لإبقاء النازحين السوريين الى ما بعد الحل السياسي النهائي والشامل. ولعل المستشارة كانت قلقة من التقارير التي تتحدث عن مبادرات يقوم بها اللبنانيون لتأمين عودة طوعية وآمنة للنازحين المتواجدين على أرضه. ولعل ما يقلق أنجيلا ميركل في هذا الإطار ما يلي:
أولاً: تخشى ميركل من انهيار الوضع الاقتصادي اللبناني نتيجة الضغط المتزايد والأزمات التي سببتها أزمة النزوح السوري، ما يساهم في تفاقم الأوضاع الانسانية والاقتصادية السيئة للاجئين السوريين المتواجدين في لبنان، ما يدفعهم للتفكير بالهجرة الى اوروبا، وهو ما لا تريده ميركل بالتأكيد.
ثانيًا: تخشى ميركل من عودة النازحين السوريين المتواجدين في لبنان "طوعًا" الى بلادهم، ما يعني أن هناك مناطق آمنة يستطيعون العودة إليها، وهذا قد يغري الإلمان في الداخل والاوروبيين الى الطلب من ميركل التراجع عن سياساتها السابقة وإعادة اللاجئين الذين لا تتوفر فيهم شروط اللجوء الى العودة الى سوريا، باعتبارها باتت بلدًا آمنًا يستطيع السوريون العودة اليه.
ثالثًا: خلال لقائها مع الرئيس بوتين في شهر أيار المنصرم، ربطت ميركل مساهمتها في إعادة الإعمار في سوريا، بأن لا تضع دمشق عقبات أمام عودة اللاجئين إلى سوريا، اي أن ميركل تتصور مقايضة مرتبطة بالحل السياسي؛ مقايضة تتلخص بتقديم ألمانيا قروضًا لإعادة الإعمار في سوريا، مقابل أن تسهّل الحكومة السورية عودة اللاجئين غير المرغوب بهم في ألمانيا. ولكن، ميركل، وفي تصريح سابق، اعتبرت أن الرئيس السوري بشار الأسد هو "أقوى مما نرغب"، لذا هي تعتقد ميركل أن عودة النازحين السوريين الى بلادهم للمساهمة في إعمارها وعودة الأموال السورية للاستثمار في الداخل، سوف تجعل موقفها أضعف مقابل الأسد الذي تزداد قوته يومًا بعد يوم.
إذًا، لا يبدو أن الوقت يلعب لصالح المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل، فلا الاوروبيون مستعدون لتقديم المزيد من التنازلات لإنقاذها من تداعيات أزمة الهجرة واللجوء، ولم تستطع أن تحصد أي نتائج يبنى عليها في لبنان، وأسهم اليمين ترتفع في معظم أنحاء أوروبا... فهل تمتد "اللعنة السورية" الى إلمانيا وتطيح بمستقبل أنجيلا ميركل السياسي؟. يبدو هذا الأمر صعبًا في الوقت الحاضر، وستبقى ميركل في الحكم لأن حزبها ما زال يتمتع بنفوذ كبير، ولكن الأزمات المتلاحقة سوف تضعف ميركل وتضعف معها إمكانية بقاء الاتحاد الاوروبي متماسكًا، ما يجعل مستوى التشاؤم بمستقبل هذا الاتحاد يرتفع أكثر فأكثر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق