2023/09/24

أرمينيا... أي ثمن لدخول الناتو؟

تبريراً للهزيمة التي منيت بها أرمينيا في اقليم كاراباخ، انتقد رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان تحالفات بلاده الحالية، وأكد "إن أنظمة الأمن الخارجي التي تنضوي فيها أرمينيا أثبتت أنها غير مجدية لحماية أمنها ومصالحها".
وخلال الأسبوع الماضي، شنّت أذربيجان هجوماً على اقليم ناغورنو كاراباخ المحاصر منذ فترة، ما دفع الأرمن في الاقليم الى الاستسلام بعد يوم واحد، بعدما رفضت السلطات في أرمينيا إرسال جيشها للدفاع عن الاقليم، وبعدما بات واضحاً عدم رغبة موسكو بالدفاع عن الاقليم أو منع إذربيجان من احتلال المناطق التي بقيت خارج نطاق السيطرة الآذرية بعد هزيمة عام 2020.
مؤخراً توترت العلاقات بين روسيا وأرمينيا، حيث طرح رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان في أيار/مايو 2023 احتمال انسحاب بلاده من منظمة "معاهدة الأمن الجماعي" التي ترأسها روسيا. وفي حين رفضت أرمينيا في كانون الثاني/يناير استضافة مناورات لهذه المنظمة، قامت باستضافة مناورات عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة خلال سبتمبر/ أيلول الحالي. كما أرسلت أرمينيا مساعدات لأوكرانيا نقلتها زوجة باشينيان بنفسها، ما أثار استياءً لدى الروس، وردت وزارة الخارجية الروسية باستدعاء سفير أرمينيا في موسكو للتشاور واتهام يريفان بمساعدة "نظام كييف النازي".
يتهم الروس ومعهم العديد من الأرمن المعارضين في الداخل باشينيان بأنه يريد التحوّل الى الغرب، بينما يقول المسؤولون الأرمن أن الهدف هو تنويع السياسة الخارجية لأرمينيا بعيداً عن اعتمادها السابق على موسكو.
عملياً، وبغض النظر عن التباين في وجهات النظر بين البلدين، إلا أن الواضح أن باشينيان يريد أن يقطع العلاقة مع الروس لصالح علاقة افضل مع الغرب، ولربما محاولة الدخول في حلف الناتو.
كما بات واضحاً أن المسؤولين الأرمن يقومون بكل ما من شأنه أن يستفز الروس، فبالاضافة الى ما سبق ذكره، أعلنوا نيتهم التصديق على نظام روما الأساسي، أي الدخول أطراف في نظام المحكمة الجنائية الدولية، وهذا يعني أن أرمينيا ستصبح ملزمة باعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، المطلوب لدى المحكمة.
وكان البعض من المسؤولين في الغرب قد تحدثوا أنه آن الأوان لأرمينيا لأن تدخل في حلف الناتو، وقد يكون هذا الهدف الذي جعل باشينيان يتحدى موسكو ويعلن أن "تحالفات أرمينيا لم تعد مجدية" وبالتالي عليها أن تفتش عن تحالفات جديدة. وقد يكن هذا أحد الأسباب لإعترافه في مايو/ ايار الماضي بإقليم كاراباخ كجزء من اذربيجان، في سعي منه الى إنهاء قضية أزمة اقليم ناغورنو كاراباخ نهائياً، إذ لا يمكن لأي دولة منخرطة في حرب أن يُقبل طلبها للدخول الى حلف الناتو.
في النتيجة، من حق أرمينيا أن تختار التحالفات التي تناسبها ولكن تجربة جورجيا المجاورة لأرمينيا للدخول في حلف الناتو عام 2008، كلّفتها خسارة اقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. وحلم أوكرانيا بدخول الناتو كلفها حرباً ما زالت مستمرة لغاية اليوم.
زد على ذلك، أن دخول أرمينيا في حلف الناتو لن يشكّل قلقاً امنياً لموسكو فحسب، بل سيشكّل قلقاً أمنياً أكبر لإيران الدولة المحاذية لأرمينيا، والتي لن تسكت على وصول قواعد حلف الناتو الى جوارها وتهديد أمنها القومي. فما الأخطار الأمنية والاقليمية التي ستتعرض لها أرمينيا في حال تحوّل جنوب القوقاز بؤرة توتر استراتيجي؟
بالاضافة الى الاخطار الأمنية المتأتية عن قلق كل من موسكو وطهران، وبما إن دخول حلف الناتو ليس بقرار يمكن ان ينفذ بين ليلة وضحاها، ويحتاج الى الكثير من الشروط والمساومات، ويحتاج الى إجماع من قبل "جميع" أعضاء الحلف الحاليين، ما الذي يمنع أن تُجبر أرمينيا على تقديم التنازلات (قد يكون لتركيا) للقبول بانضمامها الى الحلف في حال استوفت الشروط الأخرى؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق