2012/02/01

ابتزاز.. باسم الشعب اللبناني

 منذ اغتيال رفيق الحريري، ولغاية اليوم، يتعرض الشعب اللبناني يومياً لأكبر وأسوأ عملية ابتزاز في تاريخه، يمارسها تيار المستقبل على بلد يؤمن بالحرية والتعددية وحقوق الإنسان، محاولين تحويله إلى "مشيخة" تعويضية عن "دم الشهيد"، ومكرسين استئثارهم على مقدرات البلاد تحت شعار "الحفاظ على إرث الشهيد"، وملتفين على الدستور والقوانين، لبسط سيطرة الحريرية السياسية والأمنية والاقتصادية، على بلد نهبه الفساد والمحسوبية في عهدها أكثر من أي وقت مضى، ونخرته الطائفية حتى العظم. ففي موضوع داتا الاتصالات القديم الجديد، الذي يطرح على بساط البحث من بوابة تسريب معلومات عن محاولة اغتيال مرجعية أمنية، إنها ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها هذا الملف الحيوي والخطير في عمليات ابتزاز من هذا النوع، فمنذ خلف وزراء التيار الوطني الحر مروان حمادة في مسؤولية وزارة الاتصالات، ومحاولة وقوفهم بوجه استباحة الساحة اللبنانية، لجميع أنواع الاستخبارات المحلية والعربية والعالمية، التي تتنصت على اللبنانيين وتنتهك حرماتهم الشخصية، التي من المفترض أن تكون مصانة بواسطة الدستور، منذ ذلك الحين ولغاية اليوم، يحاول تيار المستقبل وحلفاؤه ابتزاز الوزراء المعنيين، واستباحة حرمات المواطنين اللبنانيين تحت شعار "إما تعطونا داتا الاتصالات كاملة، أو أنكم مسؤولون عن أي مكروه يصيبنا أو أي حادثة اغتيال تحصل في البلد".
والسخيف، أن السيناريو الذي يعتمده الحريريون اليوم، بات مكرراً إلى درجة الضجر، فكم من مرة خلال السنوات الماضية منذ استلام جبران باسيل وزارة الاتصالات إلى اليوم، خرج الحريريون ليعلنوا أن "وزير الاتصالات لم يسلمنا داتا الاتصالات، لذا نحن نحمّله مسؤولية أي خطر أمني نتعرض له"، وهكذا يحاولون ابتزاز الوزير، لتسليمهم كل ملفات اللبنانيين الشخصية واتصالاتهم ومراسلاتهم الشخصية، لاستخدامها في غايات لم تعرف لغاية الآن.
والأسئلة الأساسية التي من المفترض بمجلس الوزراء والسلطات المعنية الإجابة عليها، هي:
إذا كان وصول الداتا إلى أيدي الأجهزة الأمنية لا تمنع الاغتيال، كما يعترف الوزير مروان شربل الذي قال إنه حتى ولو أخذت الأجهزة الأمنية داتا الاتصالات كل يوم على مدار 365 يوماً، فلا شيء يمنع حصول جريمة معينة، فلماذا الإصرار على الحصول على داتا كاملة عن ملايين الخطوط الهاتفية، ولا يكون التركيز على الأرقام المشبوهة فقط؟
وإذا لم تسلّم وزارة الاتصالات الداتا، فهل هذا يعني أن الأجهزة الأمنية لا تتنصت على من تشتبه بضلوعهم بأعمال جرمية؟
ولماذا تُغرق الأجهزة الأمنية نفسها بحجم هائل من الداتا، بدل أن تحصر اهتمامها بالتركيز على الاتصالات التي تجريها القاعدة "التي تمر" في لبنان، والاستباحة العسكرية والأمنية للشمال اللبناني، من قبل ما يُعرف بالجيش السوري الحر، والتي تملأ صور مسلحيه الموجودين بكامل عُدتهم العسكرية في مناطق عكار؟

في الواقع، إن الابتزاز الذي يمتهنه ويتقنه تيار المستقبل، غير مسبوق في تاريخ الجمهورية اللبنانية، ولم يشهد الشعب اللبناني هذا الكمّ من الفجور السياسي من قبل، فالابتزاز تنقّل من الانتخابات إلى المالية العامة إلى القضاء وصولاً حتى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وكل تفصيل في الحياة السياسية اللبنانية، فمن يصوّت لغير تيار المستقبل في الانتخابات يتهم بالمساهمة في "قتل الشهيد"، ومن يريد إصلاح الدولة ومحاسبة الفاسدين وإحالة ملفات سرقة المال العام إلى القضاء، يُتهم بأنه يريد أن يسيئ إلى "سمعة الشهيد"، ومن يقول إن المحكمة الدولية مسيّسة ويطالبها بتحسين أدائها ومناقشة جميع فرضيات الاتهام، ومنها فرضية اتهام إسرائيل باغتيال الحريري، يُتهم بأنه يريد عرقلة العدالة في "قضية اغتيال الشهيد" وهكذا دواليك، واللائحة تطول ولا تنتهي، يضاف إليها بين الحين والآخر عبارات مذهبية رخيصة، تتهم كل مَن يقف ضد تيار المستقبل واستئثاره بالحكم، وخروجه عنه حد السلطة بأنه ضد طائفة معينة، وكأنهم يحتكرون هذه الطائفة، أو كأنهم يريدون أن يوحوا أن فسادهم مغطى دينياً وهو أمر غير صحيح.

وهكذا، خضع الجميع من كتل سياسية ومؤسسات لبنانية خاصة وعامة، لعمليات ابتزاز هائلة، إما باسم "الشهيد"، أو باسم "الفتنة السنية الشيعية"، أدت لاستباحة كاملة لأمن اللبنانيين وخصوصياتهم وأعراضهم تحت ستار "التحقيق الدولي في اغتيال رفيق الحريري"، فتسلمت لجنة التحقيق الدولية، جميع بيانات الاتصالات في لبنان منذ عام 2003 إلى اليوم، والتي يتم تحديثها بشكل دوري، بالإضافة إلى ملفات طلاب الجامعات في لبنان من لبنانيين وغير لبنانيين، وقاعدة بيانات الـ "دي أن ايه"، ونسخة عن بصمات جميع اللبنانيين التي اعترف وزير الداخلية أنها ملك شركة فرنسية، كانت حكومة الحريري الأب قد وقّعت معها عقداً عام 1996، وفي حال فسخه تتحول البصمات إلى ملكية خاصة للشركة، ولا تعود ملك الدولة اللبنانية، بالإضافة إلى قاعدة البيانات الجغرافية، وكل ما له علاقة بالموضوع الجغرافي من الحدود إلى الحدود، من جبال ووديان ونقاط حساسة ومهمة، واستحصلت على لوائح مشتركي كهرباء لبنان، وحاولت الاستحصال على الملفات الطبية للنساء، وإلى ما هنالك من ملفات كشفت للرأي العام، ويعتقد أن ما خفي هو أعظم بكثير.

بالفعل، هو ابتزاز ممنهج، وفجور سياسي غير مسبوق، أدى إلى استباحة كاملة للسيادة اللبنانية والحرمات الشخصية، قامت بها لجنة التحقيق الدولية التي حصلت على كل تلك الملفات، ويقال إنها حوّلتها إلى إسرائيل، التي استحصلت بسهولة على كل يسهل عدوانها على لبنان، تحت ستار محكمة يقال إنها "ستوقف آلة القتل، وتحمي الشعب اللبناني من الاغتيالات، وتقضي على سياسة الإفلات من العقاب".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق