2019/12/16

هل تبدأ "أزمة" الحريري بتكليفه؟

ليلى نقولا
بالرغم من تأجيل الاستشارات النيابية التي كان سيجريها رئيس الجمهورية اليوم، إلا أنها ستشكّل فصلاً جديدًا من فصول الحكاية الطويلة التي بدأت في 17 تشرين الأول والتي لا يبدو أنها ستنتهي بسهولة، أو على الأقل لن تنتهي قبل حصول تطور دراماتيكي كبير في المنطقة ينهي الكباش الحاصل بين المحاور الاقليمية، إما انتصارًا لأحدهم وقلب موازين القوى يدفع الآخرين للتسليم بواقع جديد، أو تفاهمًا على رسم خطوط جديدة تريح لبنان والعراق وتنقلنا الى مرحلة جديدة من ربط النزاع الى أن تنفجر الأزمات مجددًا.
وبالرغم من التوّقع بتكليف الحريري تشكيل الحكومة المقبلة في الاستشارات النيابية، إلا أن تشكيل حكومته دونه عقبات هامّة قد تجعل من مهمة التشكيل أصعب بكثير من المعارك التي قام بها الحريري للوصول الى التكليف، ونذكر بعض المشاكل على سبيل المثال لا الحصر:
- ضعف التكليف "الطوائفي"، خاصة على صعيد التمثيل المسيحي ، بعدما أعلن كل من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية (في بيان فجرًا) أنها لن تسمي الحريري لتشكيل الحكومة المقبلة ولن تشارك في الحكومة المقبلة. وبالرغم من أن تيار المردة استنقذ الحريري وأعلن أنه سيسميه، لكن حجم الأصوات التي سينالها مسيحيًا لا تعطيه تكليفًا "ميثاقيًا" واسعًا.
وبالتالي، إذا أصرّت القوات على عدم المشاركة في الحكومة، واستمر التيار الوطني الحرّ والرئيس عون بالامتناع عن المشاركة في أي حكومة برئاسة الحريري، فعندها سيكون من الصعب أن يتخطى الحريري هذه العقدة المسيحية، حتى لو أتى بمسيحيين من أصحاب الاختصاص المشهود لهم بالكفاءة.
- تعنّت الحريري وإرسال الرسائل الشديدة اللهجة الى الشركاء في السلطة، بأن تسميته في الاستشارات النيابية لا تعني أنه ملزم بإعطائهم وزراء في التشكيلة الحكومية المرتقبة، وأنه مصرّ على تشكيل حكومته "بنفسه" من إختصاصيين مستقلين. وهذا، إن دلّ على شيء، إنما يدل على أن الحريري منفصل عن الواقع، فكيف ستتخطى حكومته الثقة في مجلس النواب، إذا تخطى بالأساس عقبات التأليف الأولية؟
- يبدو من الإشكالات التي حصلت في وسط بيروت، وتصادم القوى الأمنية مع المعترضين على عودة الحريري الى السلطة، أن إجماع الساحات الذي شاهدناه في الفترة الأولى من الحراك، دونه اختلافات جوهرية كبرى، تختلف باختلاف الجهات المموّلة ولا تنتهي بالمطالب المتشعبة، والرؤيات المتباينة.
لا شكّ إن احتجاج شبان من طرابلس وصيدا على إعادة تكليف الحريري، وخروج قوى الأمن الداخلي ووزيرة الداخلية ريّا الحسن من "سباتهم" بعد خمسين يومًا، يعني أن الاشتباك يخفي وراءه صراعًا سنيًا سنيًا، تجلّى في اشتباك دموي في ساحة النجمة وساحة الشهداء.
وإذا كانت بعض العناصر الاستخباراتية، أرادت من خلال دعوة "شباب الخندق" للنزول للاشتباك مع المعتصمين، ومن خلال إطلاق هتافات ضد الرئيس برّي والسيد نصرالله، في محاولة لاستجلاب الشباب "الشيعي" للاشتباك مع المتظاهرين... فهي محاولة رخيصة، لتحويل الأنظار عن حقيقة ما يجري وأن جزءًا كبيرًا من الشارع المتنفض لا يريد للحريري أن يعود على حصان أبيض باسم الحراك، وذلك من خلال تحويل الموضوع الى اشتباك شبابي مذهبي.. محاولة فوّتها الثنائي الشيعي بدعوة أنصاره الى عدم الانجرار للفتنة، مهما كلّف الأمر.
وهكذا، لا يبدو أن أزمة الحريري السياسية ستحلّ بتكليفه، بل قد تبدأ فعليًا منذ لحظة تكليفه.. أزمة استجلبها لنفسه، حين انخرط في مشروع الانقلاب على حلفائه، وحاول ركوب موجة الشارع وموجة الخارج لمحاولة الاستفراد بالسلطة في بلد يدرك الجميع أنه محكوم بالتوافق وأن لا سلطة مهما علا شأنها وبلغت قوتها تستطيع أن تتخطى الآخرين أو تحكم البلد منفردة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق