2019/12/09

هل يدفع لبنان ثمن الانكفاء السعودي السابق؟


خلال المرحلة الاولى، شكّلت موجات "الربيع العربي" ضربة لحلفاء المملكة العربية السعودية، وذلك تطبيقًا لاستراتيجية الرئيس الأميركي باراك أوباما، بالتحالف مع الإخوان المسلمين، وتعويم الدور التركي على حساب الدور السعودي التقليدي في المنطقة. أما في المرحلة الثانية، فقد استدركت السعودية وبادرت الى دعم الثورات المضادة، واستعادت نفوذها في العديد من الدول، وإن لم يكن بنفس الزخم الذي كان عليه في مرحلة ما قبل الانتفاضات العربية.

وهكذا، استعر صراع النفوذ في المنطقة، وبات على المملكة أن تقاتل على جبهتين: جبهة الصراع المذهبي مع ايران، وجبهة الصراع على الزعامة السنية مع تركيا.

ومع بدء حرب اليمن، وتغيّر القيادة في السعودية، ومجيء قيادة شابة قطعت مع السياسة التقليدية التي كان يمارسها مجموعة من الكهول السعوديين المخضرمين، انكفأت السعودية عن العديد من مجالات نفوذها التاريخية في المنطقة ومنها على سبيل المثال، لبنان والعراق.

سمح الانكفاء السعودي عن ساحاتها التقليدية، بدخول كل من تركيا وقطر والامارات كأطراف فاعلين يحاولون سدّ الفراغ الاستراتيجي الذي خلّفه السعوديون. وإذا كانت الحركة التركية القطرية تأتي في مسار متعارض مع السعودية،  فإن الإماراتي وجد فرصته في الدخول شريكًا للسعودية ومنافسًا لها في الوقت نفسه، وهو ما تجلى بشكل واضح في اليمن، حيث دعمت السعودية "القوى الشرعية" بينما دعمت الامارات "المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي يدعو الى الانفصال.

في المقابل، سمح الانكفاء السعودي عن كل من لبنان والعراق، بزيادة مساحة النفوذ الايراني فيه، فتمددت صداقات إيران في العراق بعد الانتصار على داعش الى البيئة السنية، وبات لها تحالفاتها مع العديد من العشائر السنية في الانبار وغيرها. أما في لبنان، فقد أدّى الغضب السعودي من تعاظم نفوذ حزب الله، وعدم قدرة تيار المستقبل على منع هذا الأمر، الى إبقاء الدعم السعودي لحزب القوات اللبنانية دون سواه، ما سمح بالمزيد من تآكل رصيد الحريري سياسيًا وماديًا.

محرجًا أخاك لا بطلاً، دخل الحريري في التسوية الرئاسية عام 2016، بعدما وجد نفسه في حالة إفلاس مالي، وتراجع سياسي، فاستطاع الاستحصال على موافقة سعودية سرعان ما تبددت، فكانت قضية اختطاف الحريري في السعودية وإجباره على الاستقالة عام 2017، لتقويض التسوية ومحاولة إعادة التوازن مع النفوذ الايراني، بعدما كان جعجع قد أبلغ السعوديين أن التسوية كبّلت الحريري وأنه بات "دمية في يد حزب الله"... معركة خسرها السعوديون أمام إصرار الرئيس عون ووزير الخارجية اللبناني جبران باسيل على إنقاذ الحريري مهما كلف الأمر.

مع بدايات هذا العام، أعرب الخليجيون عن رغبة في العودة الى الساحة البنانية، وبرز الاستياء الاماراتي السعودي من محاولة تركيا التغلغل في الساحة الطرابلسية، وكانت قمة دلائل العودة الفاعلة، زيارة الحريري الى الامارات، قبل الحراك مباشرة، وإعلانه عن مساعدة مالية ستقدمها الامارات للبنان... ثم حصلت الانتفاضة، واستقال الحريري.

لا شكّ أن جزءًا كبيرًا من المشاكل التي يعانيها لبنان اليوم تأتي نتيجة انعدام التوازن في النفوذ بين محورين (الايراني- الخليجي)، ومحاولة التعويض أقله بإستعادة التوازن  إن لم نكن بكسره لصالح الخليجيين.

من هنا، يمكن فهم معضلة الحريري اليوم: من جهة هو يريد إعادة تثبيت نفسه وحزبه كحجر زاوية في  النفوذ الخليجي في لبنان بدل سمير جعجع، لذا يحتاج الى أن يظهر نفسه بمظهر من يستطيع كسر نفوذ حزب الله والتيار الوطني ويأتي بحكومة 14 آذار صافية، ومن جهة أخرى هناك موازين قوى شعبية وواقعية لا يمكن تخطيها في لبنان، وبالتالي يحتاج تشكيل الحكومة الى تدوير زوايا ودخول في تسويات مع الأفرقاء الآخرين، أي مقاربة حكومية مشابهة لما كان سائدًا قبل الحراك وهو ما لن يرضى به الخليجيون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق