2020/01/14

بين ترامب وإيران: الحرب التي لا يخوضها العسكر؟

منذ دخوله الى البيت الأبيض، وبالرغم من عدم استخدام الخيار العسكري المباشر، بدأ ترامب حربًا حقيقية ضد الايرانيين مستخدمًا سياسة العقوبات الاقتصادية والضغوط القصوى، والهدف بحسب قوله، إعادة التفاوض على ملف إيران النووي، وأخذ تنازلات من إيران في ملفها الصاروخي، ونفوذها في الشرق الأوسط.
في العقود الثلاث الأخيرة، التي أعقبت إنهيار الاتحاد السوفياتي، تبدلت مفاهيم الحرب كليًا، ودخلت عوامل إقتصادية وإعلامية ونفسية وحتى قضائية الى ساحة الحروب التي تشنّها الدول ضد أعدائها، لهزيمتهم وإخضاعهم.
وإذا كانت الحروب قد أخذت شكل "الحروب بالوكالة" خلال الحرب الباردة، فإن التطور الكبير في مفاهيم الحرب قد حصل خلال العقود الثلاث المنصرمة، وأهمها التطور الذي حصل بعد موجات "الربيع العربي" حيث دخلت العلاقات الدولية في ما يسمى في العلم الاستراتيجي بالجيل الخامس للحروب.
يطلق اسم الجيل الأول على الحروب التقليدية بين الجيوش، وتستخدم فيه جميع أنواع الأسلحة والذخائر ما عدا أسلحة الدمار الشامل، بينما حروب العصابات هي حروب الجيل الثاني، أما الجيل الثالث فهو حروب المناورات وهي استراتيجية طُوّرت من قبل الألمان في الحرب العالمية الثانية استخُدم فيها عنصر المفاجأة، وكذلك الحرب وراء خطوط العدو. وما عرفناه في الشرق الاوسط خلال حرب تموز من قتال بين مجموعة صغيرة وجيش نظامي، هو نمط الجيل الرابع أي الحروب اللامتماثلة.
أما اليوم، فتشهد المعارك في الشرق الاوسط، خاصة في حرب ترامب ضد إيران، نوعًا جديدًا من الحروب يسمى "الحرب الهجينة"، وقد بدأه الأميركيون مع موجات الربيع العربي، وهو النمط الذي حاول توصيفه وشرحه الجنرال فاليري جيراسيموف - رئيس الأركان الحالي للقوات المسلحة الروسية-  في مقال نشر عام 2013، في مجلة صناعة الدفاع الروسية، وأوجز العناصر الرئيسية لما بات يُعرف - في الغرب- بمبدأ جراسيموف، للإشارة الى أنها القواعد التي يستخدمها الروس حاليًا في حروبهم.
وصف جيراسيموف ما يقوم به الأميركيون بالحرب الشاملة التي تتجاوز الحدود بين السلام والحرب (هي حرب دائمة).. ومن بين تلك العمليات استخدام قوات العمليات الخاصة والمعارضة الداخلية من أجل خلق جبهة عاملة بشكل دائم في أنحاء إقليم الدولة العدو كله... وهو، بالفعل، ما يحاول ترامب تشجيعه داخل إيران وفي الدول التي تدور في فلكها، فكلما خرجت بعض المظاهرات في الشوارع الإيرانية خرج كل من بومبيو وترامب لدعمها وتأييدها، ووعد الشعب الإيراني بالحرية.
إذًا، هي حرب يحاول ترامب أن يستخدم فيها استخدام وخلط المدني بالعسكري، والاقتصادي والعسكري والسياسي والثقافي، بالاضافة الى التكنولوجيا وحروب المعلومات والاستخبارات، واستخدام الآلة للتدمير والاغتيالات (الطائرات المسيّرة وهي التي استخدمها أوباما بكثافة)... في هذه الحرب، يتم تسخير الآلة العسكرية للتهديد، ولكن أدواتها الحقيقية هي الاعلام والحرب النفسية والعقوبات الاقتصادية وحصار غير معلن...
المشكلة التي تعترض الاستراتيجية التي يطبقها ترامب في هذا الإطار، هي عدم قدرته على امتلاك "الصبر الاستراتيجي"، فهو وبالرغم من اعتماده آليات غير عسكرية قادرة على إلحاق ضرر كبير بالخصم، مثل العقوبات الاقتصادية واستغلال التحركات الشعبية، إلا أن حاجته للإنجاز السريع وعدم إمتلاك القدرة على الانتظار بعد دخوله مرحلة حاسمة في انتخاباته الرئاسية، يعطّل تحقيق أكبر قدر ممكن من النتائج.
أن الوقت المتاح أمام ترامب ليس بالطويل، وهو سيحاول استخدام سياسة الضغوط القصوى لمحاولة جلب الايرانيين الى طاولة المفاوضات لكسب إنجاز في السياسة الخارجية يستثمره في انتخاباته القادمة. إن عامل الوقت هذا يلعب في صالح الإيرانيين الذين يستطيعون الصمود لمدة سنة إضافية في معركة مصيرية صمدوا فيها سنوات ثلاث لغاية اليوم. والى تشرين الثاني المقبل، قد يتبدل الكثير على الساحة الدولية، وقد يطيح الاميركيون بترامب بأنفسهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق