2014/11/16

ارهاب باسم حقوق الانسان؟


د. ليلى نقولا الرحباني
يعيش العالم العربي منذ زمن، أزمات عدّة منها أزمة الهوية، والديمقراطية وحقوق الانسان، وأزمة حكم القانون وغيرها. ولقد استبشر كثيرون في المنطقة وفي العالم وبالغوا في الترحيب بالثورات التي حصلت في العالم العربي، باعتبار أنها ستكون فرصة للقيام بانتخابات حرّة نزيهة، تؤدي لوصول قوى التغيير الى الحكم في العالم العربي، ولتحقيق الديمقراطية.
ومع التعظيم للانتخابات التي حصلت في مصر، وبالرغم من نزول الملايين الى الشارع في مصر للإطاحة بمن يعتقدون أنه سرق ثورتهم وحرفها عن أهدافها، ما زال المفكرون والأطر الأكاديمية في الغرب، تتحسر على سقوط الاخوان المسلمين في مصر، باعتبارهم "الديمقراطية" التي سقطت، وحلّ مكانها "حكم العسكر الديكتاتوري".
وهكذا، يكون الغرب ومفكريه كعادتهم، يريدون أن يفرضوا على العالم تصوراتهم، باعتبارهم "أصحاب الطريقة الصحيحة"، في الحكم والديمقراطية والحريات وغيرها. ففي أميركا على سبيل المثال، وخاصة في الانتخابات الأخيرة للكونغرس الأميركي، تحدثت التقارير الصحفية، ومنها تقرير نشرته مجلة rolling stone الأسبوعية، شرحت فيه كيف تمّ تزوير الانتخابات في أميركا، من خلال الالاعيب التي لجأ اليها قادة الحزب الجمهوري، وكيف حصل قمع الناخبين واللجوء الى الاحتيال والنفاذ من خلال الثغرات القانونية لتحقيق مصالحهم. كما حصل إعادة تقسيم للدوائر الانتخابية، بحيث تصبح الأغلبية النيابية غير ممثلة للأكثرية الشعبية، وهكذا حاز الحزب الجمهوري على حق تمثيل ولايات لا أغلبية شعبية له فيها.
نعم، هذا الحديث عن أميركا، وليس عن بلد عربي أو عن لبنان بالتحديد حيث تمّ تقسيم الدوائر الانتخابية بحيث تأتي الأغلبية النيابية غير ممثلة للأغلبية الشعبية، ومع ذلك قام المجلس النيابي بالتمديد لنفسه مرتين، بدون الأخذ بعين الاعتبار برأي الشعب في ذلك.
أما بالنسبة لحقوق الانسان، فلقد سئم العالم، إدّعاءات التفوق الاخلاقي لدى الغرب وخاصة لدى منظمات حقوق الانسان، التي تقوم باعداد تقارير تصدر فيها توصياتها واقتراحاتها على شكل "أوامر" على الدول إطاعتها وتنفيذها تحت طائلة التشهير والضغوط الدولية. وهكذا، أصبحت المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الانسان في كثير من الأحيان أقوى من العديد من دول العالم الثالث، وهي تريد وضع نفسها مكان الدولة والمجتمع كناظم للعلاقات والمقرر لما يجب أن يكون بطريقة باتت تهدد سيادة العديد من الدول. على سبيل المثال لا الحصر، تحاول المفوضية العليا لشؤون اللاجئين توطين النازحين السوريين في لبنان تحت مسميات عدّة، وقد اعترف ممثلوها أنهم تخطوا الدولة اللبنانية ولم ينسقوا معها في موضوع النازحين، لأن بعض سياسيي 14 آذار، حذروهم من إطلاع الدولة اللبنانية على أسماء النازحين وملفاتهم "لئلا تمررها السلطات اللبنانية الى النظام السوري".
أما بالنسبة لحكم القانون، فلطالما اعتمد الغرب على المقاربات المؤسساتية، التي تعني اعداد النصوص القانونية والدساتير بدون الالتفات الى الثقافة والممارسة السياسية في البلد المعني، فالقانون الجيد لا يعني تطبيقه بطريقة سليمة، كما لا يعني أن الجميع سيلتزم به خاصة المسؤولين الغارقين في الفساد، وفي ممارسة النفوذ على القضاء والمؤسسات والهيئات القضائية، ولا يعني أن المساواة بين المواطنين أمام القانون وفي القانون نفسه قد تحققت.
وفي النتيجة، يعيش العالم اليوم محاولات لفرض عولمة ثقافية وقانونية وحقوقية، تمامًا كما تمّ عولمة الاقتصاد والاعلام والقضايا والمنظمات والشركات حتى باتت أقوى من الدول. والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن لعالمنا العربي التخلص من الهيمنة والارهاب بشقيه: الارهاب المتوحش الممارس علينا باسم الدين الذي يعتقد أنه يملك الحقيقة الدينية المطلقة، والارهاب الفكري الممارس علينا باسم حقوق الانسان والذي يعتبر أيضًا أنه لديه الحقيقة الانسانية المطلقة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق