2014/11/26

المحكمة الخاصة بلبنان: دواء لكل داء؟

د. ليلى نقولا الرحباني
لم تضف شهادة الوزير مروان حمادة  في المحكمة الخاصة بلبنان شيئًا الى ما يعرفه اللبنانيون عن الاتهام الذي وجهته قوى 14 آذار الى سوريا ثم حزب الله باغتيال الرئيس الحريري، وما كان قد تمّ تداوله لسنوات في حمأة الحديث عن ضرورة تأسيس المحكمة والوجهة التي ستركز عليها اتهاماتها، وخاصة حينما كانت الاتهامات موجهة الى النظام السوري آنذاك، أي في الفترة الممتدة من 2005 ولغاية أيار 2009، قبل أن ينتقل الاتهام الى الداخل اللبناني باتهام عناصر من حزب الله بذلك الاغتيال، عبر تسريب دير شبيغل، ثم في القرارات الاتهامية التي صدرت عن الإدعاء العام في المحكمة.
ويخشى البعض من أن تعيد شهادات المحكمة عقارب الساعة الى الوراء في لبنان بأن تعيد تأجيج الفتنة السنية - الشيعية، ولكن الواضح، من خلال شهادة مروان حمادة وما يقال عن شهادات أخرى ستليه، بأن كل ما يقال كان قد تمّ نشره سابقًا في الصحف وقيل عبر وسائل الاعلام المختلفة، ولم تضف أي جديد، أو تقدم أي دليل حسّي ملموس يثبت الاتهام ويضيف الى الأدلة الظرفية التي يستند اليها مدعي عام المحكمة. وعليه، إن بناء القضية  على أساس التوتر الذي كان سائدًا في علاقة الرئيس الحريري بالنظام السوري، لا يعني اثبات أنها انسحبت على علاقته بحزب الله، الذي شهد لقاءات عدّة بين السيد حسن نصرالله والرئيس الحريري امتد بعضها لساعات عدّة، كما أن التوتر السياسي لا يعني بالضرورة الوصول الى درجة الاغتيال.
ويبقى ما يُمكن أن يشار اليه في موضوع المحكمة الخاصة بلبنان، هو التقرير السنوي الخامس للمحكمة لسنة 2013- 2014 الذي رفعه رئيس المحكمة دايفيد باراغوانث معتبرًا أن المحكمة ستسهم في تعزيز سيادة القانون في لبنان... ولديها مهمة مساعدة حكومة لبنان وشعبه في جهودهما الحثيثة لإرساء سيادة القانون.... ومساعدة شعب لبنان ومؤسساته في جهودهم الرامية الى اعادة ارساء السلام وبسط الامن".
بداية، من المهم لفت نظر المحكمة ورئيسها، الى أن توسيع مهام العدالة الجنائية، لتضم بالاضافة الى تحقيق العدالة والانصاف للضحايا، مهام أخرى كإرساء السلام وبسط الأمن، ومساعدة الحكومة على بسط سيادة القانون، تعطي انطباعًا وكأن "العدالة الجنائية الدولية" هي الوصفة السحرية التي تعطى كدواء لكل داء في المجتمعات الخارجة من الصراع، أو أنها ترياق شافٍ يمنع العودة الى النزاعات ويبسط السلام والأمن ويؤدي الى المصالحة، وهذا غير صحيح وغير صحي على الاطلاق.
أما بالنسبة لسيادة القانون، فبالرغم من مساهمة المحاكم الجنائية الدولية في احترام حكم القانون باعتبار أن "لا أحد فوق القانون مهما علت مرتبته" وأن عهد الافلات من العقاب من خلال التذرع بالحصانة قد ولّى، ولكن يبقى أن سيادة حكم القانون في بلد ما لا تكفيه محاكمة واحدة ليتحقق.
إن سيادة حكم القانون في لبنان، يعني أنه لا يجب التمييز بين الضحايا، بل مساواة تامة للضحايا أمام القانون وإنصافهم بالتساوي وذلك عبر محاسبة مجرمي الحرب الاهلية عن الجرائم التي ارتكبوها، ومعرفة مصير 17000 مفقود ما زالت عائلاتها محرومة من أبسط حقوق الضحايا وهي الحق في معرفة الحقيقة.
إن سيادة حكم القانون في لبنان، تعني مساواة الجميع أمام القانون وفي القانون ذاته، وتعني أنه بات بامكان اللبنانيين محاسبة نوابهم المتورطين بالارهاب الذي تقاضيه المحكمة الخاصة بلبنان، وتعني أنه بالامكان اعتقال من يثبت تورطه سواء في التحريض أو التمويل أو الدعم أو المشاركة في أعمال إرهابية سواء ضد المواطنين الأبرياء أو ضد الجيش اللبناني أو ضد المسؤولين السياسيين الذين يتعرضون للاغتيال بسبب مواقفهم السياسية.
إن سيادة حكم القانون في لبنان، ليس شعرًا يُكتب على ورق، بل ممارسة عملية تمتد من أعلى الهرم حتى أسفله... هو إطار شامل يمتد ليشمل الى ما هو أبعد من المؤسسات والقوانين والمحاكم، ليصل الى مقاربة ثقافية ومواطنية شاملة ... وهذا أبعد بكثير مما تستطيع محاكمة أن تقوم به، مهما عظمت أهمية الضحية، ومهما توسعت عالمية التحقيق والمقاضاة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق