فرض النظام السوري واقعًا جديدًا بإحلال الأمن، بعدما فلتت زمام الأمور لفترة طويلة، وقامت مجموعات مسلحة بعمليات قتل وقنص ضد المواطنين وقوى الأمن، واعتداءات طالت الجيش السوري، وعشرات المواطنين، وعدداً لا يستهان به من المرافق العامة والخاصة.
هكذا حسمت الدولة السورية الأمر لصالحها على الأرض، وفقاً لما يستجيب للشرائح الأساسية من الشعب، وقد ساعدها على ذلك ما يلي:
أولاً: ظهور السلاح بشكل كثيف، وانتشار القناصة على السطوح، ودفع "الثورة" نحو أعمال إجرامية تجلت في قتل ضباط الجيش السوري، والتمثيل بجثث الضحايا، الأمر الذي تدينه جميع الديانات السماوية والشرائع والمواثيق الدولية، ويحظره القانون الدولي الإنساني.. وهنا، كان القتل الذي مورس على الأرض تشويهًا لكل ما أتت به شعارات "الثورة"، من إصلاح وحرية وكرامة..
الشعب السوري ينشد الإصلاح والحرية من دون شك، ويريد أن ينتقل إلى دولة عصرية شفافة فيها جميع معايير المواطنية التامة، وحقوق الإنسان، ومكافحة الفساد، لكنه لا يريد لأمنه أن يهتز، ولا لاستقراره أن يكون عرضة لخضّات أمنية، ولا يريد بطبيعة الحال أن ينخرط في حرب أهلية، لن تؤدي إلا إلى تدمير البلد وتقسيمه.
ثانياً: الخطوات الإصلاحية التي قام بها الرئيس بشار الأسد، والتي أسقطت من يد هؤلاء جميع الذرائع الإصلاحية، وساهمت في إيجاد شرخ بينهم وبين الإصلاحيين الحقيقيين في البلاد. والسؤال الذي يتبدى للمراقب: هل الإصلاح ومكافحة الفساد هما مطلب حقيقي يراد تنفيذهما، أم مجرد شعار لتحقيق أهداف أخرى؟ وإن كان الهدف هو الإطاحة بالنظام الذي حكم سورية لمدة عقود، فلماذا لم يلجأ هؤلاء إلى نفس الأساليب اللاعنفية التي اعتمدها الشعبان التونسي والمصري، واستطاعت أن تصنع ما كان يُعتقد أنه من "المعجزات"، أم أنهم خشوا انكشاف حجمهم الشعبي، فمارسوا العنف بدلاً من المظاهرات السلمية؟
ثالثاً: خطاب الفتنة المذهبية الذي ساقه عدد من رجال الدين، الذين ساهموا في تأجيج الاحتجاجات، وبروز مشروع الإمارات السلفية، جعل فئات الشعب السوري كافة تخشى نجاح المخطط الإسرائيلي الذي كشفته الوثائق بالدفع نحو تقسيم سورية إلى دول أربع، ونجاح هذا المخطط سيجعل الدولة والشعب السوري خاسرين، وحتى الفئات الطائفية الكبرى في سورية ستكون خاسرة من دون شك.
رابعاً: يخشى السوريون تحول بلدهم إلى عراق آخر، وبلا شك ما زالت مشاهد العنف الطائفي الدموي وفظاعاته في العراق ولبنان خلال الحرب الأهلية ماثلة أمام أعين السوريين، كما أن السوريين يدركون أكثر من غيرهم نتائج "الديمقراطية" الأميركية في العراق، التي قتلت شعبه واستباحت ثرواته وهجّرت ما لا يقل عن مليوني عراقي من مختلف الفئات، والتي كان لسورية النصيب الأكبر من المهجرين.
خامساً: الخوف من مصير ليبي، وخشية الشعب السوري من أن يكون ما يقوم به هؤلاء هو استدراج للتدخل الأجنبي لاحتلال وقصف سورية؛ كما حصل في ليبيا، ويكون ثمرة "الاصلاح" المنشود، احتلال أجنبي يستبيح البلاد ويغرقها في التخلف والجهل، ويعيش على إذكاء الخلافات الدائمة بين أبناء الشعب الواحد.
سادساً: خشية السوريين المسيحيين من مصير يشابه مصير مسيحيي العراق، الذين تآمرت عليهم القوى الدولية بالتعاون مع القوى الظلامية، فاستباحتهم واستباحت دماءهم وكنائسهم ومقدساتهم، وحولتهم إلى دياسبورا، تشبه الدياسبورا اليهودية التي تشتت في أقاصي الأرض.
سابعاً: لا يعوّل السوريون كثيراً على مواقف الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية المعروفة بمقايضتها الدائمة على حقوق الإنسان من أجل مصالحها، وما الحديث الأميركي عن ضغط على الرئيس الأسد ومطالبته بتغيير سلوكه، إلا انكشاف لزيف الادعاءات الإصلاحية، فما يطلبه الأميركيون - حسب ما أعلنوا - هو تغيير سلوك النظام من المقاومة في لبنان، وفك تحالفه مع إيران، والذي سيؤدي بشكل غير مباشر إلى توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل، وهي مطالب أثبتت أنها ضد الوجدان الشعبي السوري.
ثامناً: بالنسبة إلى الدول الإقليمية والعربية، وعى السوريون أن لا مصلحة للدول العربية في إظهار سورية منتصرة في خياراتها الاستراتيجية في العداء لإسرائيل، وأنهم يكنون العداء للنظام السوري منذ انتصار لبنان ضد إسرائيل خلال عدوان تموز 2006، وظهور سورية كشريك أساسي في النصر المحقق ضد العدو الإسرائيلي.. لذلك كان التحريض الإعلامي والسياسي المكشوف ضدهم.
أما تركيا، فقد استفزت الشعب السوري بمواقف "تطلب" فيها و"تدعو" و"تأمر".. بمشهد يعيد إلى الأذهان طلبات الباب العالي من "الولاة" الخاضعين لحكمه.. لا يمكن أن يُصرف التهويل التركي عند الشعب السوري، الذي يعرف أن تركيا التي تتصرف كدولة عظمى "مفترضة" وتتدخل في الشؤون الداخلية لسورية، لم تستطع أن تحصل على مجرد اعتذار من إسرائيل على قتلها مواطنيها العزّل في سفينة مرمرة، ولم تمنح مواطنيها الأكراد أبسط حقوقهم المواطنية المشروعة.
في علم العلاقات الدولية، يُعرف أن النظرية لا تشبه الواقع الدولي، فبينما ينص ميثاق الأمم المتحدة على حظر التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، واحترام سيادتها، تقوم الدول الكبرى بتدخلات لا حصر لها في شؤون الدول الأخرى الأضعف، وتستغل الدول الكبرى بشكل دائم أي تحركات شعبية أو اختلال أمني في بلد من البلدان للتدخل في شؤونه، خصوصاً إذا كانت حكومة الدولة المستهدفة ضعيفة، أو تمّ إضعافها من خلال افتعال مشكلات داخلية وتغذية النزاعات في البلد المعني.. وتطبيقاً للحالة السورية على هذا الواقع الدولي، وفي ظل الخيار الأمني الذي قام به الجيش السوري في الداخل، والذي أظهر فيه ولاء لقيادته وحرصاً على الأمن والاستقرار وقدرة على فرضهما، يظهر أن النظام السوري يملك من القوة الفاعلة داخلياً، والاوراق الاستراتيجية خارجياً، ما يجعل من قدرة الدول الكبرى على كسر إرادته صعبة ومكلفة جداً.
•· أستاذة مادة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدولية
شتانا ما بين الثورتين التونسية والمصرية والادوات التخريبية التي استغلت المطالب الشعبية المحقة في التغيير والتي استعملت العنف والقتل والتخريب لغاية واضحة تماماً وهي إبعاد سوريا عن خط الممانعة ودعم المقاومة و الهجمة الأميركو أوروبية على سوريا التي تحارب الأرهاب السلفي والذي قام بهجمات الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك تظهر الفضيحة الكبرى التي أصبحت مكشوفة للجميع ،تقسيم المنطقة إلى كيانات مذهبية تتناحر فيما بينها إلى أبد الآبدين وتريح العدو الأسرائيلي لانه بالنسبة لاميركا لا شيء يعلو فوق أمن إسرائيل ومحاولة زعزعة سوريا تصب كلها في هذا المشروع . في هذا الأطار كلنا مدعوين للتمسك بأستقرار سوريا لكي لا يقع المسيحيين أولاً ضحيةً للمشاريع الأميركية كما وقع من قبلهم مسيحيي العراق و هجروا من ارضهم ،ولا نريد إمارة سلفية تقتل و تهجر الأقليات و التي لديها امارة سلفية شقيقة في لبنان تحلم وتعمل كذلك على تحقيق مشروعها الجهنمي بتهجير و قتل المسيحيين في لبنان . شكراً دكتورة ليلى على مقالك الجيد جداً ويصف الأمور باسمائها .
ردحذفالرب يحميكي مدام ليلى
ردحذفكمواطن سوري في المهجر ارفع راسي بوجود هكذا شباب مثقف في الشقيق التؤام لبنان . احيكي سيدتي على هكذا المام بالموضوع لقد ذكرت كل ما يمكن ان يذكر ، ارفع قبعتي لك سيدتي
ردحذف