2014/09/21

ايران وفخ التحالف الدولي


د. ليلى نقولا الرحباني
 تراجع وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري عن مواقفه المعلنة بشأن رفض أو "عدم ملائمة" اشراك ايران في محاربة التنظيمات الارهابية، وأعلن ان محادثات جرت بين الأميركيين والايرانيين في نيويورك تناولت خطر التنظيم، واعتبر خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي على مستوى وزراء الخارجية، ان لكل دول العالم، ومنها ايران، دورها في المواجهة مع التنظيم الارهابي.
كما أعلن المتحدث باسم الخارجية الأميركية جيف رسكي أن «مباحثات حول التهديد الذي يمثله تنظيم داعش»، بين إيران والولايات المتحدة، «جرت على هامش المحادثات حول البرنامج النووي الايراني»، في نيويورك، وأكد أن هذه المحادثات التي تناولت «العراق والتصدي لداعش منفصلة» عن المفاوضات بشأن النووي الإيراني.
وعطفًا على التصريحات الأميركية المتبدلة، كان خروج للعديد من المحللين والسياسيين الدائرين في الفلك الايراني وغيرهم من العرب والمستقلين، للحديث عن عدم جدية التحالف، أو التشكيك بما يمكن أن يقوم به بعدما أقصى كل من روسيا وإيران منه، إلا أن الاستدراك الفرنسي باشراك الروس في مؤتمر باريس، أبقى إيران وحدها خارج التحالف، الى أن أعلن الأميركيون عن "دور" ايراني في مكافحة الارهاب.
وبالرغم من هذا التبدل وهذه الدعوات، قد يكون من الأفضل لايران عدم الدخول في هذا التحالف، ولو طلب منها الاشتراك به وحضور مؤتمرات الحلف الدولي الجديد لمحاربة الارهاب، وذلك للأسباب التالية:
أولاً: لا تحتاج ايران الى مظلة دولية لمكافحة الارهاب في المنطقة الجغرافية الاستراتيجية المحيطة بها، أو التي تعتبرها من ضمن نطاق "فضائها الحيوي الاستراتيجي"، خاصة في العراق، فالايرانيون سبقوا الاميركيين في مواجهة «داعش»، ولم ينتظروا لدخول داعش الى بغداد أو "الأماكن المقدسة" للتحرك، بل سارعوا الى التحرك مدركين أن الخطر وجودي ولا وقت الآن للمماطلة أو المسايرة.
ثانيًا: إن الخطر الداعشي، وإن كان يتهدد الايرانيين والعراقيين، ولكنه - واقعيًا وفعليًا- يشكّل الخطر الأكبر على دول الخليج العربية السنيّة، وهو تهديد وجودي لها أكثر مما هو تهديد وجودي لايران وحلفائها. لذا، من الأفضل لايران دعم الجهود لمكافحة الارهاب بدون الدخول الى التحالف الدولي، بحيث تتذرع بعض الدول الاقليمية بدخول ايران اليه، للتنصل من مسؤوليتها في مكافحة التنظيمات الارهابية، أو قطع التمويل عنها.
ثالثًا: بالرغم من داعش كان قد هدد الشيعة العراقيين ومناطقهم وأماكنهم المقدسة، إلا أن ما تبين من خلال التطورات ودخول الاتراك العسكري مباشرة وغير مباشرة في دعم داعش، ودخول الدبابات التركية الى جانب داعش في قتالها ضد الأكراد في الشمال السوري، يفيد بأن داعش آداة في الصراع السنّي السنّي في المنطقة أي أنه آداة تركية لمحاولة السيطرة على المنطقة بعد فشل المشروع الكبير للأخوان المسلمين بالهيمنة على المنطقة وإعادة زمن الخلافة العثمانية. وعليه، لا يفترض بايران الدخول الى الحلف الدولي، وتحويل الصراع الى صراع مذهبي سنّي - شيعي، وإحراج الدول العربية السنية الخليجية التي ستبدو وكأنها تقاتل السنّة من أجل "تفاهمات" ما مع الأميركيين والايرانيين - الشيعة.
رابعًا: إن دخول ايران الى التحالف الدولي لمكافحة داعش، سوف يزيد الحاضنة الشعبية التي سمحت لداعش بالتمدد، فالملاحظ أن المجتمعات السنّية في مختلف أنحاء العالم العربي، وبالرغم تباينها حول داعش، لكن هناك غالبية تعتبرها "رد فعل طبيعي وعادل"  للانتقام من التهميش الذي تعرّض له السنّة في العراق، ومنهم من يعتبر دعوتها لإقامة الخلافة "دعوة لعودة الزمن الجميل بحكم الاسلام للاسلام"... لذلك، إن دخول ايران علنًا في هذا التحالف لمكافحة الارهاب، سوف يغذي الشعور المذهبي لدى هؤلاء، وسوف يعطي حجة اقناعية غرائزية، لمن يعتبر داعش آداة ضرورية لمواجهة "الهلال الشيعي"، ولمن يعتبرها ثورة طالت انتظارها في العراق.
في النتيجة، يتبين أن داعش بات تهديدًا حقيقيًا وجديًا لا يطال دول المنطقة فحسب، بل يمتد الى اوروبا، وعليه يجب مقاربة هذا الخطر الوجودي بعقلية براغماتية ذكية، فمكافحة الارهاب ليس أمرًا عسكريًا فحسب بل يجب أن يتضمن سبل دينية وفكرية ومالية، ويجب مقاربته مقاربة شاملة تقوم باحتوائه واجتثاث الفكر الذي يولّد داعش، فالقضاء على داعش بدون حرب فكرية تقضي على مصدره ستفرّخ للمنطقة داعش 2 وداعش 3 وهلمًا جرًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق