2014/09/04

محنة الجيش اللبناني: بين خطف الجنود وخطف الوطن

د. ليلى نقولا الرحباني
دخل لبنان من البوابة العرسالية، صلب المشهد الاقليمي المتفجّر بعنوان "مكافحة الارهاب". وقد يكون هذا الدخول قد حصل منذ عام 2012، إلا أن سياسة النعامة ودفن الرؤوس في الرمال التي اعتمدتها السلطة السياسية اللبنانية قد أجّلت إعلان الدخول اللبناني على خط محور الارهاب ومحاربته، الى أن انفجرت في عرسال اقتتالاً بين المجموعات الارهابية والجيش اللبناني، الذي تُرك لسنوات، بدون تسليح وعانى من محاولات تحجيم تصل الى حد الخيانة الوطنية، بتركه بدون تسليح ومحاولات عدّة لتغيير عقيدته، ولتحجيم دوره وتقليص موازنته، علمًا أنه منذ عام 2005 ولغاية يومنا هذا، كُلّف الجيش اللبناني بمهام ليست من اختصاصه، فقد تمّ تحويله الى مهام الأمن الداخلي، وبات مهمته بالاضافة الى المهمة الحدودية المفترضة، التواجد في الأحياء والأزقة، والفصل بين المواطنين، وتأمين الطرقات لسباق السيارات، واحتفالات ملكات الجمال، وحفلات السهر والطرب، وحراسة الكنائس أيام الآحاد، والجوامع ايام الجمعة.
وقد تكون المهام التي كُلف بها الجيش اللبناني سابقًا وتكوين هذه المؤسسة العابر للطوائف والمذاهب، قد ساهم بشكل أو بآخر، بخلق نوع إضافي من الثقة بينه وبين الجمهور اللبناني، إلا أن المحنة التي يمر بها الجيش اليوم، والتي تسبب بها السياسيون، تبدو المحنة الأخطر على الاطلاق، التي يواجهها الوطن منذ ما بعد انتهاء الحرب الاهلية ولغاية اليوم.
وأمام كل هذا الواقع الأمني المتردي، والذي ازداد قتامة منذ المعركة العرسالية ولغاية اليوم، من حق المواطن اللبناني الحصول على الأجوبة عن التساؤلات التالية:
- ما هي بنود الصفقة التي تمّت والتي أوقفت المعركة الدائرة في عرسال؟ وما الموجب لهذه الصفقة - التي وُصفت بالعار من قبل جميع المطلعين على بعض بنودها- علمًا أن التقارير جميعها تشير الى أن الجيش كان يحقق انتصارات هامّة، وموازين القوى الميدانية كانت لصالحه؟.
- إن صحّ الحديث القائل أن هناك أميرًا خليجيًا ممولاً للجماعات الارهابية اعتقله الجيش وهو الذي تسبب بالمعركة العرسالية الأخيرة، فلماذا لم تطالب قيادة الجيش بالافراج عن المخطوفين من العسكريين مقابل اطلاق الامير الخليجي المعتقل؟.
-  الى متى سيستمر العمل بما ابتدعته الوصاية السورية على لبنان، بأن يتم تعيين قائد الجيش رئيسًا للجمهورية، في خرق واضح للدستور اللبناني، وفي إدخال متعمد للجيش في الزواريب السياسية، وهو ما يسهم في إذكاء الشائعات التي تنتشر في البلاد خاصة بعد ذكر الرئيس سعد الحريري، لإسم قائد الجيش كمرشح مقبول للرئاسة بعد المعركة في عرسال؟.
- وأخيرًا، في موضوع المقايضات التي يتم الحديث عنها بين مخطوفي الجيش اللبناني والارهابيين في سجون روميه:
كيف يمكن لدولة أن تخضع لابتزاز مجموعة من الارهابيين القتلة الذي يهددون أمنها من خارج السجن وداخله، فيصبح سجن روميه فندقًا بخمس نجوم، تحول غرفة عمليات تتمّ من داخله إدارة عمليات عسكرية وإرهابية في لبنان وسوريا على حد سواء؟
كيف يمكن لدولة أن تحاول تخليص بضعة رهائن من العسكريين المخطوفيين، فترهن في المقابل أربعة ملايين لبناني باطلاق ارهابيين خطرين على الأمن الوطني والجيش اللبناني على حد سواء. وما الذي يمنع - بعد هذه السابقة المذّلة- أن يقوم الارهابيون بخطف جنود لبنانيين - خلال الخدمة أو خارجها خلال توجههم الى منازلهم- كلما أرادوا تخليص مجرم ارهابي من الأسر؟.
وفي النهاية، كل هذه الاسئلة وغيرها تبقى بلا فائدة، إن لم يجرؤ طرف من أطراف السلطة السياسية برفع الصوت للمطالبة بمساءلة ومحاسبة، كل من يثبت تورطه في دعم أو غض النظر أو تسهيل مرور أو تمركز الارهابيين في لبنان، وتحويل لبنان الى ساحة نصرة وجهاد للارهابيين المقاتلين في سوريا، كما بمساءلة كل من يساهم - عن قصد او غير قصد- بتغطية هؤلاء سواء بخطاب مذهبي أو سياسي أو لأغراض انتخابية.
الأكيد، أن السلطة السياسية اللبنانية قد فقدت مصداقيتها منذ زمن بعيد، وها هي اليوم تحاول تقويض مصداقية المؤسسة الوحيدة الجامعة التي ما زالت تحظى بثقة اللبنانين، فهل تنتفض المؤسسة العسكرية لكرامتها وتضع خطوطًا لحمراء لكل من يحاول التلاعب بها وبأمن الوطن، أم أن هامش حركتها يبقى أقل من هامش حركة الجيش المصري الذي ساهم بإطاحة رئيسين خلال سنتين من عمر مصر، وجنّب مصر حربًا أهلية كان الأخوان المسلمون مستعدون لها ضمن مقولة "لنا أو للنار".!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق