2025/05/09

الاتفاق مع اليمن: "إسرائيل" قلقة من "دبلوماسية الانسحاب" الأميركية

على وقع توقيع اتفاق ثنائي مع جماعة أنصار الله الحوثيّة في اليمن، والذي شكّل مفاجأة للطرف الإسرائيلي الذي بقي خارج هذا الاتفاق ولم يعرف به مسبقاً، ولم يتمّ إدراج التهديد اليمني لـ "إسرائيل" ضمنه، يتحضّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب لجولة شرق أوسطية، يزور فيها كلّاً من السعودية والإمارات وقطر، والتي من المتوقّع أن يعقد فيها صفقات كبرى، ويوقّع العديد من العقود الاستثمارية.

 

في ولايته الثانية، أعاد دونالد ترامب إحياء وتعزيز سمة مميّزة طبعت الدبلوماسية المعتمدة في رئاسته الأولى: الانسحاب من الالتزامات. ويمثّل نهج ترامب في تلك الدبلوماسية انفصالاً حقيقياً عمّا اعتمدته الإدارات الأميركية السابقة والتي قامت على بناء التحالفات الثابتة والحرص على تأمين مصلحة الحلفاء، والمشاركة المستدامة في المعاهدات الدولية.

 

 يمكن تعريف هذه الاستراتيجية بتطبيق ترامب الانسحاب الاستراتيجي من الالتزامات ضمن معايير ثلاثة:

 

- الأول: الانسحاب الأحادي من الاتفاقيات العالمية (خاصة تلك المتعدّدة الأطراف) لتحقيق ما يسمّيه مصلحة أميركا في عالم يستغلّ الولايات المتحدة ويحصل على أموال طائلة من دون تحقيق مكاسب للأميركيين.

 

- الثاني: التهديد بالانسحاب من المفاوضات كوسيلة ضغط لتحقيق مكاسب.

 

- الثالث: الانسحاب من الالتزامات الأميركية السابقة بالتحالفات ومن العمل على تأمين مصلحة الحلفاء والشركاء الاستراتيجيّين.

 

تعتمد هذه الاستراتيجية على سياسة "حافة الهاوية"، وهي سياسة براغماتية تهدف إلى الضغط على الخصوم والحلفاء، لتقديم تنازلات ومكاسب ولتغيير شروط معاهدات يراها الأميركيون غير عادلة.

طبّق ترامب هذه الاستراتيجية الدبلوماسية في ولايته الأولى، فانسحب من اتفاقيات المناخ، ومن العديد من المعاهدات الاستراتيجية مع الروس، كما انسحب من الاتفاق النووي الإيراني الذي تمّ توقيعه خلال عهد أوباما عام 2015، وهدّد بالانسحاب من حلف الناتو في حال لم يقم الحلفاء بالمساهمة العادلة في تحمّل الأعباء.

 

في ولايته الثانية، جدّد ترامب التزامه بدبلوماسية الانسحاب من الالتزامات التي ـــــ برأيه ـــــ لا تفيد المصالح الأميركية، فأكّد أنّ المساعدات الأميركية لأوكرانيا ليست مجانية، وبالفعل علّق حزمة مساعدات بقيمة 60 مليار دولار في آذار/مارس 2025، وهدّد بالانسحاب من الحملة العسكرية وتقديم الدعم لأوكرانيا، إلا في حال وافق الأوكرانيون على توقيع صفقة المعادن، والتعهّد بالتوصّل الى اتفاقية سلام مع الروس.

 

وقد نجحت هذه الاستراتيجية، حيث توصّل الأميركيون وحكومة زيلينسكي إلى توقيع اتفاقية المعادن التي منحت مكاسب استثمارية كبرى للأميركيين في الأراضي الأوكرانية من دون أن تقدّم أيّ ضمانات أمنية لأوكرانيا كما كان الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنسكي يشترط لتوقيع الصفقة.

 

 وفي أيار/مايو 2025، فاجأت إدارة ترامب الجميع بتوقيع اتفاق مع جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن. وقالت الخارجية العمانية في بيان، إنّ اتصالات أجرتها مسقط مع الأطراف المعنية أسفرت عن تفاهم سيتوقّف بموجبه كلّ طرف عن استهداف الآخر، بما في ذلك السفن الأميركية.

 

ووفقاً للبيان، فإنّ الاتفاق يضمن سلامة السفن الأميركية وليس كل السفن من ضربات الحوثيين، كما أنه لا ينصّ على وقف ضرب "إسرائيل" من الأراضي اليمنية.

 

وشكّل هذا الاتفاق صدمة في "إسرائيل"، إذ نقلت هيئة البثّ الإسرائيلية عن مسؤولين إسرائيليين أنهم "فوجئوا بإعلان ترامب". كما نقل موقع أكسيوس الأميركي عن مسؤول إسرائيلي كبير أنّ إدارة ترامب "لم تخطر تل أبيب بهذه الخطوة".

 

جسّد اتفاق ترامب مع جماعة أنصار الله اليمنية، تكريساً حقيقياً لدبلوماسية الانسحاب الأميركي من الالتزام بمصالح وأمن الحلفاء، وكرّس أولوية المصالح الأميركية على حساب الجميع، الخصوم والحلفاء، على حدّ سواء، ومنهم "إسرائيل".

 

لا شكّ أنّ هذه الاستراتيجية الأميركية الجديدة تشكّل تهديداً لمستقبل وأمن "إسرائيل". لقد اعتمدت "إسرائيل" دائماً على الدعم الأميركي غير المشروط، والذي أمّن لها مظلة بحيث عملت الإدارات الأميركية على تحقيق مصالح "إسرائيل" حتى لو أضرّت بمصلحة أميركا العليا. أما الآن، فالسياسة التي يعتمدها ترامب في العالم باتت تعتمد على منطق "الربح" ـــــ

 

"الكلفة" للأميركيين من دون احتساب الكلفة على الحلفاء، وبالتالي بات على "إسرائيل" كما أوروبا أن تتكيّف مع فكرة أنّ الدعم الأميركي ليس مضموناً دائماً.

  

2025/05/01

قناة السويس: هل لمصر مصلحة في إعفاء الأميركيين من الرسوم؟

في موقف غير مألوف، طلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من مصر وبنما السماح للسفن التجارية والعسكرية الأميركية بالمرور عبر قناتي السويس وبنما مجانًا، وقال إنه كلّف وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بمتابعة الأمر.

 

لا شكّ، تأتي هذه الطلبات الجديدة لدونالد ترامب من ضمن أهداف عدّة مرتبطة بتعزيز الاقتصاد الأميركي، وتعزيز التصنيع وذلك عبر جعل البضائع المصنوعة في الولايات المتحدة أكثر إغراءً للمستهلكين في العالم، وعبر تقليص كلفة الصناعة والتجارة والنقل، وفرض التعرفات على البضائع المستوردة من الخارج، وتقليص كلفة الشحن على البضائع الأميركية الخ....

 

كيف يمكن أن تقارب مصر هذا الطلب؟

- المقاربة الاقتصادية/ السياسية:

قد لا يكون لقيام مصر بإعفاء السفن الأميركية من رسوم المرور تأثير اقتصادي كبير، فالسفن التي تحمل العلم الأميركي تشكّل أقل من 1% من أسطول الشحن العالمي، حيث تُسجّل معظم السفن المملوكة للولايات المتحدة تحت "أعلام الملاءمة" (مثل ليبيريا وبنما وجزر مارشال) لتجنب ارتفاع التكاليف.

 

زد على ذلك، أن السفن الأميركية التي تمر عبر قناة السويس تعد نسبة "ضئيلة جداً" من حركة مرور قناة السويس، وتتألف بشكل رئيسي من السفن العسكرية وحاملات الطائرات، لذا فإن مجموع ما ستخسره مصر من الإيرادات من إعفاء السفن التي ترفع العلم الأميركي هو حوالى 40 مليون دولار (بحسب ميزانية القناة في عام 2024).

 

وفي حسابات الربح المادي أيضاً، تعدّ مصر من أكبر الدول المتلقية للمساعدات الأميركية السنوية، خاصة العسكرية منها، والتي تقدّر بقيمة 1.5 مليار دولار سنوياً، وعليه فإن الإعفاء من رسوم المرور في قناة السويس، يعدّ قيمة بسيطة نسبياً في مقابل ما يحصل عليه المصريون من مساعدات من الإدارات الأميركية.

 

وعليه، قد تجد الحكومة المصرية من مصلحتها أن تمنح ترامب هذا الاستثناء للسفن التي ترفع العلم الأميركي، باعتبار أنه، من الناحية الاقتصادية، الموارد التي تتقاضاها مصر من تلك السفن قليلة جداً مقارنة بالأرباح السياسية والاستراتيجية التي يمكن أن تجنيها مصر من منح ترامب هذه "المعاملة التفضيلية".

 

- المقاربة القانونية:

تبقى هناك بعض العوائق القانونية، حيث تعمل هيئة قناة السويس بموجب "القانون الرقم 30 لسنة 1975"، الذي يحظر السياسات التمييزية، ويستمد قوانينه ونظامه من اتفاقية القسطنطينية لعام 1888، والتي تعد حجر الزاوية في القانون الدولي الذي يحكم عمل ومرور السفن في قناة السويس. مع العلم أن مصر كانت قد أكدت التزامها باتفاقية القسطنطينية بعد تأميم القناة من قبل الرئيس المصري جمال عبد الناصر عام 1956.

 

وتنص الاتفاقية على وجوب بقاء القناة مفتوحة لجميع السفن "من دون تمييز بين أعلامها" في السلم والحرب، وتُحظر المعاملة التفضيلية أو الإعفاءات من الرسوم لدول محددة، خاصة في المادة الثانية عشرة التي تنص: "لا يجوز للدول الموقّعة السعي للحصول على مزايا أو امتيازات إقليمية أو تجارية في عمليات القناة".

 

واستمر التزام مصر بتلك الاتفاقية حتى خلال فترة توقف القناة عامي 1967 و1975، حيث استمر تأكيد مصر لحياد القناة والتزامها بالاتفاقيات الدولية ذات الصلة والتي ترعى عمل القناة على الرغم من توقف العمل في القناة بسبب الحرب وتداعياتها.

 

المشكلة القانونية هنا، قد تدفع بمصر إلى التريث في منح الأميركيين هذا الاستثناء أو الاعفاء من الرسوم، ليس بسبب الإشكال القانوني فحسب، بل لأن من الممكن أن تعمد دول أخرى الى طلب "معاملة تفضيلية" أسوة بالولايات المتحدة الأميركية، وهو أمر لن يستطيع المصريون تلبيته، لأنه يقوّض المصادر المالية التي يحصلون عليها من قناة السويس سنوياً.

 

في النتيجة، القانون الدولي يحظر منح إعفاءات ومعاملة تفضيلية، ويشير إلى أن الإعفاءات الممنوحة لدول محددة غير قابلة للتنفيذ قانونيًا بموجب اتفاقية القسطنطينية، ما يعني أن منح الأميركيين معاملة تفضيلية يعني انتهاك مصر لالتزاماتها بموجب المعاهدة.

 

لكن، بالرغم مما سبق، فإن سيادة مصر التامة على القناة، واستناداً إلى حق الدول السيادي في التصرف بالإيرادات وتوقيع اتفاقيات ثنائية تحفظ مصالحها الاستراتيجية ومنح امتيازات لبعض الدول دون أخرى، قد تدفع المصريين الى إعطاء ترامب ما يريده من معاملة تفضيلية للسفن الأميركية، وهو ما سيعلنه انتصاراً لسياسة "أميركا أولاً" التي يقوم بتنفيذها، لأن كلفة عدم القيام بذلك والاصطدام بترامب قد تكون كبيرة جداً.