2025/05/22

الضغوط الأميركية على إيران: مسارات ثلاثة متوازية


أعلن وزير خارجية سلطنة عمان، بدر بن حمد البوسعيدي أن الجولة الخامسة من المحادثات الإيرانية الأميركية ستُعقد في روما يوم الجمعة 23 أيار/ مايو الجاري. وفي الوقت نفسه، أفادت شبكة "سي.إن.إن" الأميركية، نقلاً عن مسؤولين أميركيين مُطلعين، بأن معلومات استخبارية جديدة حصلت عليها الولايات المتحدة تشير إلى أن "إسرائيل" تُجهّز لضرب منشآت نووية إيرانية.
وبالرغم من أن الشبكة نقلت عن المسؤولين أن مثل هذه الضربة ستكون خروجًا صارخًا عن سياسة الرئيس دونالد ترامب، إلا أن التطورات المتسارعة في التفاوض حول الملف النووي الإيراني، تشي أن الأميركيين يستخدمون مسارات ثلاثة للضغط على إيران في مفاوضاتها النووية، وذلك عبر ما يلي:
1- المسار الأميركي: ضغوط قصوى وتهديدات، وحوافز مشروطة
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد وصوله إلى البيت الأبيض، إعادة تفعيل الضغوط القصوى على إيران لدفعها إلى تقديم تنازلات في ملفها النووي وعلى طاولة التفاوض.
وبالرغم من تصريحات ترامب المتكررة عن اعتقاده بإمكانية عقد اتفاق جيد مع إيران، إلا أنه هدد بعواقب وخيمة وباستخدام الخيار العسكري في حال لم تمتثل إيران للشروط، أو في حال وصول المفاوضات إلى حائط مسدود. وفي الوقت الذي تجري فيه دورات من التفاوض بين الطرفين، تقوم- بالتوازي- وزارة الخزانة الأميركية بفرض عقوبات جديدة تستهدف صادرات النفط والقطاع المالي الإيراني، بهدف تجفيف مصادر دخل طهران، كما أعلن ترامب، الذي أدان قيام الإدارة السابقة بالإفراج عن أموال إيرانية مجمدة.
2- المسار الإسرائيلي: تهديد عسكري
بالرغم من أن الرئيس ترامب فاجأ نتنياهو بالتفاوض مع إيران، إلا أن الأميركيين يستفيدون من التهديدات الإسرائيلية بضربة للمنشآت النووية الإيرانية.
قال ترامب إنه لا يحبذ العمل العسكري في هذه الفترة، لكنه أشار الى أنه لم يمنع الإسرائيليين كلياً من القيام بعمل عسكري ضد إيران، وأشار إلى أنهم سيقومون بذلك بمفردهم الآن، لكنه هدد في حال انهارت المفاوضات فإن الأميركيين سيشتركون مع الإسرائيليين في تلك الضربات.
3- المسار الأوروبي: التهديد بآلية "الزناد بلاس"
ظهر مصطلح "Snapback Plus" في سياق التهديدات التي أطلقتها الدول الأوروبية الثلاث، فرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة (E3) والتي أشاروا فيها الى أنهم يريدون التفاوض مع إيران، والتوصل معها إلى اتفاق، وإلا فإنهم لن يقوموا بإعادة فرض العقوبات الأممية على إيران من خلال آلية "الزناد" فحسب، بل أيضًا بفرض عقوبات إضافية على إيران.
ما هي آلية "الزناد"؟
هي بند في قرار مجلس الأمن رقم 2231 الذي صادق على الاتفاق النووي (JCPOA)، يتيح لأي دولة مشاركة في الاتفاق إعادة فرض العقوبات الأممية السابقة على إيران إذا رأت أنها غير ملتزمة بالاتفاق.
بمجرد تفعيل هذه الآلية، تُعاد جميع العقوبات التي رُفعت بموجب الاتفاق، بما في ذلك تلك المتعلقة بالبرنامج النووي، وتطوير الصواريخ البالستية. ومن الجدير بالذكر أن هذه الآلية تنتهي في 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2025.
وخلال جولة المفاوضات التي عُقدت في 16 أيار/مايو الحالي في إسطنبول، هددت الدول الأوروبية بتفعيل آلية الزناد وتشديد العقوبات، وأنها ستفعّل آلية الزناد "Snapback" ضد إيران، وأنها ستفرض حتى ما هو أبعد من ذلك من عقوبات واسعة النطاق على طهران، وضرورة إدراج بند بعنوان "زناد بلس" ضمن نص الاتفاق الذي يجري التفاوض بشأنه بين إيران والأميركيين.
وهكذا، يستفيد الأميركيون من المسارات الثلاثة المتوازية في الضغط على إيران. فـ "إسرائيل" تريد أن تكبّل إيران بشروط صعبة وتجردها من جميع مصادر قوتها، والدول الأوروبية تستخدم التهديد بآلية "الزناد بلاس" من أجل تحقيق أمرين: الضغط على إيران ودفعها إلى تقديم تنازلات كبيرة للأميركيين، وفي الوقت نفسه تثبيت دورها في العملية التفاوضية، خصوصًا مع قيام ترامب بإقصاء الأوروبيين من المفاوضات مع إيران ومن تصوراته للحل في أوكرانيا.
وبالنظر إلى ما تقوم به الدول الأوروبية و "إسرائيل"، فإن الطرفين يلعبان دور الداعم و "المكمل" للدور الأميركي وتعزيز موقف واشنطن التفاوضي من خلال التهديد أو إضافة تداعيات قانونية متعددة الأطراف، وبالتالي يعمل الأميركيون والأوروبيون عبر قنوات متوازية، لكن ذات أجندة مشتركة لممارسة الضغوط القصوى على إيران. 

2025/05/16

هل يتحوّل الإنجاز إلى عبء؟ "إسرائيل" وفخ "الانخراط المفرط"

تشير التطوّرات الإقليمية المتسارعة بعد عام 2023، إلى أنّ التوجّهات الإسرائيلية لا تقتصر على السيطرة على غزة وقضم الضفة الغربية فحسب، بل تمتدّ نحو إعادة تشكيل شامل لخريطة الشرق الأوسط بما يتماشى مع رؤى اليمين الإسرائيلي الذي يسعى لتحقيق حلم "إسرائيل الكبرى"، وتحقيق الهيمنة الاستراتيجية طويلة الأمد على الشرق الأوسط برمّته.
ولتحقيق هذه الأهداف، تطرح القوى الحاكمة في "إسرائيل" ذلك في مسارين متوازيين: تقسيم الدول المحورية مثل سوريا، وإعادة تعريف الصراعات بما يُخرج القدس والقضية الفلسطينية من مركزيّتها التاريخية، مقابل فرض وقائع جيوسياسية جديدة على الأرض في لبنان وغزة وسوريا وقد يكون في الأردن ومصر.
وهكذا، تكوّنت ظروف إقليمية تشكّل فرصة ذهبية لـ "إسرائيل"، لتطبيق الحلم التوسّعي، ولتغيير الشرق الأوسط، في مشهد يمكن اختصاره كما يلي:
- انتهاء تهديد "الجبهة الشمالية" الممتدة من إيران عبر العراق وسوريا إلى لبنان.
- تحوّل سوريا إلى ساحة مفتوحة أمام مشاريع التقسيم، حيث تبقي "إسرائيل" احتلالها للجولان السوري، والمناطق الجديدة التي احتلتها بعد سقوط النظام، بالإضافة الى تقسيم الباقي إلى كيانات طائفية وإثنية، أبرزها: شمال شرقي كردي مدعوم أميركياً، شمال غربي تحت النفوذ التركي، وساحل علوي تحت حماية روسية، وسط وجنوب مفتوحان لصراعات متعدّدة الولاءات.
- إنهاء العمق الاستراتيجي الذي طالما مثّلته سوريا لصالح المقاومة الفلسطينية واللبنانية.
- فتح المجال أمام اتفاقيات أمنية/اقتصادية مع قوى كردية أو محلية انفصالية داخل سوريا.
- حاجة الحكم الجديد في سوريا لرفع العقوبات الأميركية مما يجعله يقبل بشروط الرئيس دونالد ترامب وأهمها التطبيع (ويبدو غير مشروط بعودة الأرض المحتلة ــ بحسب الطرح الأميركي ــ لغاية الآن).
لكنّ هذه الفرصة التاريخية لـ "إسرائيل" وتوسّعها في الإقليم، قد تحمل في طيّاتها تهديداً على المدى الاستراتيجي الأبعد، حيث تهدّد بأن تتحوّل إلى "انخراط مفرط" يؤدّي غلى زعزعة استقرارها وأمنها لاحقاً.
أ‌ـــــ ما هو الانخراط المفرط؟
الانخراط المفرط هو مصطلح في العلاقات الدولية يُستخدم لوصف الحالة التي تتورّط فيها دولة بشكل مفرط في صراعات أو التزامات خارجية، سياسية أو عسكرية أو دبلوماسية، من دون أن تكون لديها قدرة واضحة أو خطة مستدامة لإدارتها.
منذ نشأتها، اعتمدت "إسرائيل" على عقيدة أمنية قائمة على الردع الاستباقي والضربات الوقائية، ضمن بيئة إقليمية عدائية. لكنّ التطوّرات التي حصلت بعد عام 2023، والتي أدّت إلى مرحلة جديدة من التورّط العسكري الواسع جغرافياً، والذي قد يؤدّي لاحقاً الى انخراط مفرط على المدى الطويل، خاصة إذا ما واجهت مقاومة مستمرة من السكان المحليين وأهالي المناطق المحتلة.
ب ـــــ محاور الانخراط المفرط الإسرائيلي
منذ أكتوبر 2023، دخلت "إسرائيل" في أطول عملية عسكرية مستمرة داخل قطاع غزة، تخلّلتها اجتياحات برية، عمليات اغتيال، واشتباكات مع المقاومة الفلسطينية، وقتل ما يزيد عن 50 ألف فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال. في المقابل، واجهت الحرب الإسرائيلية على غزة انتقادات دولية واسعة، وتحوّلت الإبادة في غزة إلى عبء أخلاقي، سياسي، حيث حوّلت الرأي العام العالمي كما لم تفعل أيّ حرب إسرائيلية ضدّ الفلسطينيين منذ عام 1948.
ورغم الإنجازات التكتيكية، لم تحقّق "إسرائيل" الأهداف التي وضعتها، فلم تقضِ على حماس بالكامل، ولم تحرّر الرهائن من دون صفقة تبادل، ولم تستطع تهجير الفلسطينيين من القطاع.
وكلما طال أمد الحرب، ازدادت التصدّعات السياسية والمجتمعية والتحدّيات الاقتصادية داخل "إسرائيل". ويعاني "الجيش" من تحدّيات في الاحتياط والتجنيد، وسط إرهاق جنود الاحتياط وانتقادات واسعة لإعفاء الحريديم، واتهامات لحكومة نتنياهو بأنها تعمل لمصالح شخصية ولا تهتم بالأسرى (أكده الجانب الأميركي).
وعليه، وانطلاقاً من معايير الانخراط المفرط في العلم الاستراتيجي، يمكن القول إنّ الإنجازات التي يتباهى بها نتنياهو وحكومته، قد تتحوّل إلى عبء، خاصة في حالة استمرار تعدّد الجبهات من دون أفق سياسي وبغياب استراتيجية خروج واضحة تؤدّي إلى استنزاف الموارد والقدرات، وتزيد الانقسام الداخلي، وتزيد من تأكّل الشرعية الدولية.
وما يجعل من الحالة الإسرائيلية أصعب، هو أنّ "إسرائيل" ليست قوة عالمية ضخمة لتتحمّل انخراطاً مفرطاً لوقت طويل، بل هي "دولة" صغيرة تملك قدرات متقدّمة وتحظى بدعم خارجي واسع، لكنها محدودة الموارد والسكان. بالتالي، فإنّ الانخراط المفرط لا يُنذر فقط بالتراجع الاستراتيجي، بل قد يشكّل تهديداً لبنية "الدولة" ومجتمعها الذي سينقسم على نفسه كلما زادت الأعباء. 

2025/05/09

الاتفاق مع اليمن: "إسرائيل" قلقة من "دبلوماسية الانسحاب" الأميركية

على وقع توقيع اتفاق ثنائي مع جماعة أنصار الله الحوثيّة في اليمن، والذي شكّل مفاجأة للطرف الإسرائيلي الذي بقي خارج هذا الاتفاق ولم يعرف به مسبقاً، ولم يتمّ إدراج التهديد اليمني لـ "إسرائيل" ضمنه، يتحضّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب لجولة شرق أوسطية، يزور فيها كلّاً من السعودية والإمارات وقطر، والتي من المتوقّع أن يعقد فيها صفقات كبرى، ويوقّع العديد من العقود الاستثمارية.

 

في ولايته الثانية، أعاد دونالد ترامب إحياء وتعزيز سمة مميّزة طبعت الدبلوماسية المعتمدة في رئاسته الأولى: الانسحاب من الالتزامات. ويمثّل نهج ترامب في تلك الدبلوماسية انفصالاً حقيقياً عمّا اعتمدته الإدارات الأميركية السابقة والتي قامت على بناء التحالفات الثابتة والحرص على تأمين مصلحة الحلفاء، والمشاركة المستدامة في المعاهدات الدولية.

 

 يمكن تعريف هذه الاستراتيجية بتطبيق ترامب الانسحاب الاستراتيجي من الالتزامات ضمن معايير ثلاثة:

 

- الأول: الانسحاب الأحادي من الاتفاقيات العالمية (خاصة تلك المتعدّدة الأطراف) لتحقيق ما يسمّيه مصلحة أميركا في عالم يستغلّ الولايات المتحدة ويحصل على أموال طائلة من دون تحقيق مكاسب للأميركيين.

 

- الثاني: التهديد بالانسحاب من المفاوضات كوسيلة ضغط لتحقيق مكاسب.

 

- الثالث: الانسحاب من الالتزامات الأميركية السابقة بالتحالفات ومن العمل على تأمين مصلحة الحلفاء والشركاء الاستراتيجيّين.

 

تعتمد هذه الاستراتيجية على سياسة "حافة الهاوية"، وهي سياسة براغماتية تهدف إلى الضغط على الخصوم والحلفاء، لتقديم تنازلات ومكاسب ولتغيير شروط معاهدات يراها الأميركيون غير عادلة.

طبّق ترامب هذه الاستراتيجية الدبلوماسية في ولايته الأولى، فانسحب من اتفاقيات المناخ، ومن العديد من المعاهدات الاستراتيجية مع الروس، كما انسحب من الاتفاق النووي الإيراني الذي تمّ توقيعه خلال عهد أوباما عام 2015، وهدّد بالانسحاب من حلف الناتو في حال لم يقم الحلفاء بالمساهمة العادلة في تحمّل الأعباء.

 

في ولايته الثانية، جدّد ترامب التزامه بدبلوماسية الانسحاب من الالتزامات التي ـــــ برأيه ـــــ لا تفيد المصالح الأميركية، فأكّد أنّ المساعدات الأميركية لأوكرانيا ليست مجانية، وبالفعل علّق حزمة مساعدات بقيمة 60 مليار دولار في آذار/مارس 2025، وهدّد بالانسحاب من الحملة العسكرية وتقديم الدعم لأوكرانيا، إلا في حال وافق الأوكرانيون على توقيع صفقة المعادن، والتعهّد بالتوصّل الى اتفاقية سلام مع الروس.

 

وقد نجحت هذه الاستراتيجية، حيث توصّل الأميركيون وحكومة زيلينسكي إلى توقيع اتفاقية المعادن التي منحت مكاسب استثمارية كبرى للأميركيين في الأراضي الأوكرانية من دون أن تقدّم أيّ ضمانات أمنية لأوكرانيا كما كان الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنسكي يشترط لتوقيع الصفقة.

 

 وفي أيار/مايو 2025، فاجأت إدارة ترامب الجميع بتوقيع اتفاق مع جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن. وقالت الخارجية العمانية في بيان، إنّ اتصالات أجرتها مسقط مع الأطراف المعنية أسفرت عن تفاهم سيتوقّف بموجبه كلّ طرف عن استهداف الآخر، بما في ذلك السفن الأميركية.

 

ووفقاً للبيان، فإنّ الاتفاق يضمن سلامة السفن الأميركية وليس كل السفن من ضربات الحوثيين، كما أنه لا ينصّ على وقف ضرب "إسرائيل" من الأراضي اليمنية.

 

وشكّل هذا الاتفاق صدمة في "إسرائيل"، إذ نقلت هيئة البثّ الإسرائيلية عن مسؤولين إسرائيليين أنهم "فوجئوا بإعلان ترامب". كما نقل موقع أكسيوس الأميركي عن مسؤول إسرائيلي كبير أنّ إدارة ترامب "لم تخطر تل أبيب بهذه الخطوة".

 

جسّد اتفاق ترامب مع جماعة أنصار الله اليمنية، تكريساً حقيقياً لدبلوماسية الانسحاب الأميركي من الالتزام بمصالح وأمن الحلفاء، وكرّس أولوية المصالح الأميركية على حساب الجميع، الخصوم والحلفاء، على حدّ سواء، ومنهم "إسرائيل".

 

لا شكّ أنّ هذه الاستراتيجية الأميركية الجديدة تشكّل تهديداً لمستقبل وأمن "إسرائيل". لقد اعتمدت "إسرائيل" دائماً على الدعم الأميركي غير المشروط، والذي أمّن لها مظلة بحيث عملت الإدارات الأميركية على تحقيق مصالح "إسرائيل" حتى لو أضرّت بمصلحة أميركا العليا. أما الآن، فالسياسة التي يعتمدها ترامب في العالم باتت تعتمد على منطق "الربح" ـــــ

 

"الكلفة" للأميركيين من دون احتساب الكلفة على الحلفاء، وبالتالي بات على "إسرائيل" كما أوروبا أن تتكيّف مع فكرة أنّ الدعم الأميركي ليس مضموناً دائماً.

  

2025/05/01

قناة السويس: هل لمصر مصلحة في إعفاء الأميركيين من الرسوم؟

في موقف غير مألوف، طلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من مصر وبنما السماح للسفن التجارية والعسكرية الأميركية بالمرور عبر قناتي السويس وبنما مجانًا، وقال إنه كلّف وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بمتابعة الأمر.

 

لا شكّ، تأتي هذه الطلبات الجديدة لدونالد ترامب من ضمن أهداف عدّة مرتبطة بتعزيز الاقتصاد الأميركي، وتعزيز التصنيع وذلك عبر جعل البضائع المصنوعة في الولايات المتحدة أكثر إغراءً للمستهلكين في العالم، وعبر تقليص كلفة الصناعة والتجارة والنقل، وفرض التعرفات على البضائع المستوردة من الخارج، وتقليص كلفة الشحن على البضائع الأميركية الخ....

 

كيف يمكن أن تقارب مصر هذا الطلب؟

- المقاربة الاقتصادية/ السياسية:

قد لا يكون لقيام مصر بإعفاء السفن الأميركية من رسوم المرور تأثير اقتصادي كبير، فالسفن التي تحمل العلم الأميركي تشكّل أقل من 1% من أسطول الشحن العالمي، حيث تُسجّل معظم السفن المملوكة للولايات المتحدة تحت "أعلام الملاءمة" (مثل ليبيريا وبنما وجزر مارشال) لتجنب ارتفاع التكاليف.

 

زد على ذلك، أن السفن الأميركية التي تمر عبر قناة السويس تعد نسبة "ضئيلة جداً" من حركة مرور قناة السويس، وتتألف بشكل رئيسي من السفن العسكرية وحاملات الطائرات، لذا فإن مجموع ما ستخسره مصر من الإيرادات من إعفاء السفن التي ترفع العلم الأميركي هو حوالى 40 مليون دولار (بحسب ميزانية القناة في عام 2024).

 

وفي حسابات الربح المادي أيضاً، تعدّ مصر من أكبر الدول المتلقية للمساعدات الأميركية السنوية، خاصة العسكرية منها، والتي تقدّر بقيمة 1.5 مليار دولار سنوياً، وعليه فإن الإعفاء من رسوم المرور في قناة السويس، يعدّ قيمة بسيطة نسبياً في مقابل ما يحصل عليه المصريون من مساعدات من الإدارات الأميركية.

 

وعليه، قد تجد الحكومة المصرية من مصلحتها أن تمنح ترامب هذا الاستثناء للسفن التي ترفع العلم الأميركي، باعتبار أنه، من الناحية الاقتصادية، الموارد التي تتقاضاها مصر من تلك السفن قليلة جداً مقارنة بالأرباح السياسية والاستراتيجية التي يمكن أن تجنيها مصر من منح ترامب هذه "المعاملة التفضيلية".

 

- المقاربة القانونية:

تبقى هناك بعض العوائق القانونية، حيث تعمل هيئة قناة السويس بموجب "القانون الرقم 30 لسنة 1975"، الذي يحظر السياسات التمييزية، ويستمد قوانينه ونظامه من اتفاقية القسطنطينية لعام 1888، والتي تعد حجر الزاوية في القانون الدولي الذي يحكم عمل ومرور السفن في قناة السويس. مع العلم أن مصر كانت قد أكدت التزامها باتفاقية القسطنطينية بعد تأميم القناة من قبل الرئيس المصري جمال عبد الناصر عام 1956.

 

وتنص الاتفاقية على وجوب بقاء القناة مفتوحة لجميع السفن "من دون تمييز بين أعلامها" في السلم والحرب، وتُحظر المعاملة التفضيلية أو الإعفاءات من الرسوم لدول محددة، خاصة في المادة الثانية عشرة التي تنص: "لا يجوز للدول الموقّعة السعي للحصول على مزايا أو امتيازات إقليمية أو تجارية في عمليات القناة".

 

واستمر التزام مصر بتلك الاتفاقية حتى خلال فترة توقف القناة عامي 1967 و1975، حيث استمر تأكيد مصر لحياد القناة والتزامها بالاتفاقيات الدولية ذات الصلة والتي ترعى عمل القناة على الرغم من توقف العمل في القناة بسبب الحرب وتداعياتها.

 

المشكلة القانونية هنا، قد تدفع بمصر إلى التريث في منح الأميركيين هذا الاستثناء أو الاعفاء من الرسوم، ليس بسبب الإشكال القانوني فحسب، بل لأن من الممكن أن تعمد دول أخرى الى طلب "معاملة تفضيلية" أسوة بالولايات المتحدة الأميركية، وهو أمر لن يستطيع المصريون تلبيته، لأنه يقوّض المصادر المالية التي يحصلون عليها من قناة السويس سنوياً.

 

في النتيجة، القانون الدولي يحظر منح إعفاءات ومعاملة تفضيلية، ويشير إلى أن الإعفاءات الممنوحة لدول محددة غير قابلة للتنفيذ قانونيًا بموجب اتفاقية القسطنطينية، ما يعني أن منح الأميركيين معاملة تفضيلية يعني انتهاك مصر لالتزاماتها بموجب المعاهدة.

 

لكن، بالرغم مما سبق، فإن سيادة مصر التامة على القناة، واستناداً إلى حق الدول السيادي في التصرف بالإيرادات وتوقيع اتفاقيات ثنائية تحفظ مصالحها الاستراتيجية ومنح امتيازات لبعض الدول دون أخرى، قد تدفع المصريين الى إعطاء ترامب ما يريده من معاملة تفضيلية للسفن الأميركية، وهو ما سيعلنه انتصاراً لسياسة "أميركا أولاً" التي يقوم بتنفيذها، لأن كلفة عدم القيام بذلك والاصطدام بترامب قد تكون كبيرة جداً.