2025/07/14

هل بلغت "إسرائيل" نقطة "الذروة" في حرب إيران؟

هناك إجماع تقريباً، لدى المحللين الأميركيين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتصل بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، في اليوم الأخير من الحرب على إيران، وطلب منه إيقاف الحرب، بينما يقول الباحث الأميركي المرموق الدكتور جون مارشايمر إن نتنياهو "توسل" ترامب للعمل على وقف الحرب.
وهذا يشير إلى أن الإسرائيلي، وصل في اليوم الـ 12 للحرب مع إيران الى ما يسمى "نقطة الذروة" culminating point.
صاغ كارل فون كلاوسفيتز، في كتابه الشهير "عن الحرب"، مفهوم "نقطة الذروة" للإشارة الى ما يُعرَّف - في الاستراتيجية العسكرية- بأنه الحد بين الإطارين النظري والعملي للهجوم، أي اللحظة التي تصبح فيها القوة العسكرية عاجزة عن تنفيذ عملياتها بفعالية أو مواصلة تقدمها، أو حين يصبح الاستمرار في الحرب مكلفاً جداً، وحيث تصبح تلك التكلفة أكبر من الفوائد المرجوة من الحرب.
ويعود العجز عن الحفاظ على الزخم الحربي إلى عوامل عدة أبرزها التحديات اللوجستية، وقوة العدو، وعدم القدرة على إخضاعه، أو ضرورة راحة القوة المهاجمة واستعادة قدراتها وغيرها من الظروف سواء العسكرية أم الاجتماعية أم الاقتصادية أو جميع ما سبق.
يحدد كلاوسفيتز، أن الهدف الأهم بالنسبة للقوة المهاجمة هو تحقيق أهداف الحرب قبل الوصول إلى هذه النقطة. في المقابل، فإن الهدف الاستراتيجي للقوة المدافعة هو إيصال القوة المهاجمة إلى نقطة ذروتها قبل أن يتمكن المهاجم من تحقيق أهدافه، وبالتالي تحويل مجرى الصراع لمصلحة المدافع، فيكون انتصر بصموده وليس بالضرورة بربح المعركة عسكرياً.
وعليه، إن سوء تقدير اللحظة المحورية التي تشكّل "الذروة" يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة، بما في ذلك الفشل العملياتي، مع العلم أن "نقطة الذروة" لا تنطبق فقط على المستويات التكتيكية والعملياتية للحرب، بل أيضًا على قدرة الدولة الكلية على تحمل الصراع أو تحقيق أهدافها الاستراتيجية طويلة المدى عبر الأبعاد العسكرية، والاقتصادية، والاجتماعية، والدبلوماسية.
هذه النقطة تمثل الحد الأقصى لقدرة الدولة على إبراز قوتها، وبعدها تبدأ قوتها وقدراتها في التراجع بسبب استنزاف الموارد، أو إرهاق الجيش، أو التحديات اللوجستية.
تُعد هذه النظرة الشاملة والمتعددة الأبعاد لـ"نقطة الذروة" أساسية لإجراء تحليل دقيق وشامل لوضع دولة خلال الحرب، إذ قد تحقق الدولة نصرًا عسكريًا في ساحة المعركة، ولكن إذا أصبحت التكاليف الاقتصادية غير قابلة للاستمرار، أو إذا تآكل النسيج الاجتماعي بسبب الصعوبات الطويلة، أو إذا حدّت العزلة الدبلوماسية من الخيارات الاستراتيجية المستقبلية، فقد تصل إلى نقطة ذروة استراتيجية تحدّ قدرتها على استثمار الانتصارات العسكرية وتسييلها في تحقيق أهداف سياسية.
وبالعودة الى "إسرائيل"، فالسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الإطار: هل يشير طلب نتنياهو إيقاف الحرب على إيران، أن "إسرائيل" وصلت إلى "نقطة الذروة" في اليوم الـ12 للحرب؟
رغم تحقيق "إسرائيل" انتصارات تكتيكية، إلا أن التكاليف والقيود العسكرية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية تشير إلى أنها قد تكون اقتربت من حدود قدرتها الاستراتيجية، أو ربما قد وصلت إليها بالفعل في بعض المجالات.
- بالنسبة للذروة العسكرية، لقد أظهرت "إسرائيل" تفوقًا تكتيكيًا أمنياً وتكنولوجياً، خاصة في السيطرة الجوية والضربات الدقيقة والتغلغل الأمني، وألحقت أضرارًا كبيرة في الداخل الإيراني في اليوم الأول. لكن، عندما بدأ الإيرانيون بالردّ وتكبيد "إسرائيل" خسائر كبرى، انتقلت المعركة الى نوع من توازن القوى الذي أرهق الإسرائيلي ودفعه إلى طلب وقف الحرب.
- أما الذروة الاقتصادية، فبحسب التقارير الأميركية، بلغت تكلفة الحرب 6 مليارات دولار (حوالى 1٪ من الناتج المحلي الإجمالي)، مع إنفاق يومي بلغ 725 مليون دولار. كما ارتفع العجز في "إسرائيل" إلى 8.5٪، والدين العام إلى 74٪.
هذه التكاليف ستؤدي إلى اختلال في الاقتصاد، وهروب العقول من قطاع التكنولوجيا، ما يهدد قدرة "إسرائيل" على الصمود الاقتصادي طويل الأمد، وبالتالي اقترابها من نقطة الذروة الاقتصادية، حيث تؤدي الحروب المستمرة إلى تآكل الاستقرار المالي وتراجع النمو المستقبلي.
- في مجالي الذروة الاجتماعية والسياسية، تشير استطلاعات الرأي العام، إلى أن الجمهور يعاني إنهاكاً شديداً بعد نحو عامين من الصراع.
- الذروة الدبلوماسية: على المستوى العالمي، تزداد عزلة "إسرائيل" في العالم والإدانات الدولية لها، وتراجعت إمكانية التطبيع مع السعودية، وأدانت دول مجلس التعاون الخليجي والعديد من دول الجنوب العالمي العدوان الإسرائيلي على إيران.
وهكذا، تكون "إسرائيل" قد وصلت إلى ذروة دبلوماسية. وبالرغم من نجاحها العسكري في توجيه ضربات إلى محور المقاومة، لكن ذلك لم يكن من دون ثمن، حيث أدت الأحداث من 7 أكتوبر ولغاية اليوم إلى زيادة عزلتها الدولية بالرغم من الدعم الأميركي والغربي.
وهكذا، ورغم النجاح العسكري الذي حققته "إسرائيل" على المدى القصير، إلا أنها تواجه تكاليف باهظة تجعلها تقترب – أو وصلت بالفعل – إلى نقطة الذروة في المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية، ما سيعني تراجعاً على المدى الطويل يحد من قدرتها على استثمار "إنجازاتها العسكرية المرحلية" في تحقيق أهداف سياسية طويلة المدى. 

2025/07/06

العدالة الانتقائية: "إسرائيل" والولاية القضائية العالمية في أوروبا

تقدّم المحامي والنائب في البرلمان الأوروبي عن إسبانيا خاومي أسينس بالنيابة عن موكله سيرجيو توريبيو أمام المحكمة الإسبانية بشكوى ضدّ مسؤولين سياسيين وأمنيين وعسكريين إسرائيليين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية، وذلك خلال الاعتداء والاختطاف لطاقم سفينة "مادلين" التي كانت تحمل مساعدات إنسانية وتهدف لكسر الحصار عن قطاع غزة.

 

وتتضمّن الشكوى أوامر اعتقال ضدّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بصفته أعلى سلطة تنفيذية والقائد الأعلى لـ "الجيش" الإسرائيلي، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بصفته كان المسؤول الأول عن العمليات العسكرية الإسرائيلية، وقائد سلاح البحرية الإسرائيلية دافيد سالاما، والمتحدّث الرسمي السابق باسم "الجيش" الإسرائيلي دانيال هغاري، وكبار قادة وحدة الكوماندوس في البحرية الإسرائيلية، بالإضافة الى كلّ من يظهره التحقيق متورّطاً.

 

قانونياً، تمثّل هذه الدعوى فرصة لكلّ مواطن إسباني من أصل فلسطيني أو لبناني، لديه أقارب أو عائلة في غزة أو لبنان وتعرّضت للاعتداءات الإسرائيلية، للانضمام إلى الدعوى أو رفع دعوى مماثلة انطلاقاً من مفهوم الولاية القضائية العالمية.

 

يُمثّل مفهوم الولاية القضائية العالمية ركيزة أساسية في السعي لتحقيق العدالة الجنائية الدولية، وهو يسمح لأيّ دولة بمقاضاة الأفراد مرتكبي الجرائم الدولية الكبرى (جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية والإبادة الجماعية والتعذيب) بغضّ النظر عن مكان ارتكابها أو جنسية الجاني. ويعدّ هذا المبدأ استثناءً لمبادئ الولاية القضائية التقليدية المتعلّقة بالإقليمية (مكان وقوع الجريمة)، وجنسية الجاني، وجنسية الضحية، لكن يجب أن يتقدّم بها متضرّرون مباشرون أو أقاربهم.

 

تُلزم المعاهدات الدولية، مثل اتفاقيات جنيف لعام 1949 (وتحديداً أحكامها المتعلّقة بـ "الانتهاكات الجسيمة") واتفاقية مناهضة التعذيب، الدول الأطراف صراحةً بمقاضاة أو تسليم (مبدأ التسليم أو المحاكمة) الأفراد الموجودين على أراضيها والمشتبه في ارتكابهم مثل هذه الجرائم. كما يُقرّ القانون الدولي العرفي بالولاية القضائية العالمية لمجموعة أوسع من جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية.

 

ولكي تمارس محكمة وطنية الولاية القضائية العالمية، يجب أن تتوافر عدّة شروط، هي:

 

- أن تكون التشريعات الوطنية تخوّل المحاكم الوطنية ممارسة الولاية القضائية العالمية على الجرائم الدولية الكبرى.

 

- أن تكون الجريمة ضمن فئة الجرائم الدولية الكبرى الخاضعة للولاية القضائية العالمية.

 

وكانت الدول الأوروبية، وخاصة تلك الأطراف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، قد أدرجت مقاضاة تلك الجرائم الدولية إلى حدّ كبير في أنظمتها القانونية المحلية، مما أدى إلى إنشاء الإطار القانوني للولاية القضائية العالمية. كذلك، كانت دول مثل ألمانيا وبلجيكا وإسبانيا وهولندا، تاريخياً، في طليعة الدول التي طبّقت الولاية القضائية العالمية.

 

تاريخياً، اعتمدت بعض الدول الأوروبية، ولا سيما بلجيكا وإسبانيا، قوانين أوسع نطاقاً للولاية القضائية العالمية، سمحت ببدء الدعاوى حتى من دون حضور المتهم شخصياً. على سبيل المثال، في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، رُفعت شكوى في بلجيكا ضدّ أرييل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، بالجرائم المرتكبة في مجزرة صبرا وشاتيلا. وبالمثل، حقّقت المحاكم الإسبانية في قضايا تتعلّق بالأعمال الإسرائيلية في غزة.

 

لكن، بسبب الضغوط السياسية والتداعيات الدبلوماسية، تمّ تعديل القوانين الوطنية لتقليص صلاحية المحاكم المحلية في تطبيق قوانين الولاية القضائية العالمية. على سبيل المثال، ضيّقت بلجيكا وبريطانيا نطاق ممارسة المحاكم الوطنية للولاية القضائية العالمية بشكل كبير بعد ضغوط سياسية أبرزها تلك المتعلقة باعتقال مسؤولين إسرائيليين (شارون في بلجيكا، وتسيبي ليفني في بريطانيا)، وبدأت بعض الدول الأخرى تضع شروطاً أكثر صرامة، مثل شرط وجود المتهم على أراضيها أو موافقة مدعٍ عامّ رفيع المستوى.

 

وتسبّبت الجرائم التي يرتكبها إسرائيليون، بازدواجية أخلاقية وقانونية للدول الأوروبية في إطار تطبيق القانون الجنائي الدولي:

 

1- تطبيق الولاية القضائية العالمية: في وقت استقبلت العديد من المحاكم الأوروبية قضايا تقدّم بها مواطنون في قضايا متعلقة بجرائم ارتكبت في سوريا أو أفريقيا، إلّا أنّ الاعتبارات السياسية والخشية من توتر العلاقات السياسية مع "إسرائيل" يجعلهم متمسّكين بشروط صارمة خاصة في القضايا المتعلقة بالمسؤولين الإسرائيليين ومنها اشتراط حضور المتهم شخصياً إلى المحكمة.

 

2- تطبيق الالتزامات بموجب نظام روما الأساسي: بالرغم من أنّ معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هم أطراف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والذي يعني أنّ تلك الدول أدرجت جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية والإبادة الجماعية في قوانينها الوطنية، إلّا أنّ العديد منها أعلن عن نيّته التملّص من تلك الالتزامات في معرض واجباتهم باعتقال بنيامين نتنياهو المطلوب للحكمة الجنائية الدولية.

  

2025/07/01

أربعة سيناريوهات تحدّد مصير نتنياهو

في موقف لافت ويحصل للمرّة الأولى في تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة و"إسرائيل"، حيث يتدخّل رئيس أميركي بالقضاء في "إسرائيل"، نشر الرئيس الأميركي دونالد ترامب منشورين متتاليين على منصة "Truth Social"، اعتبر فيهما أنّ محاكمة نتنياهو هي "مطاردة ساحرات" سياسية، و"يجب أن تُلغى فوراً أو يُمنح (نتنياهو) عفواً، فهو بطل حربي عظيم".

 

وفي منشور لاحق، قال ترامب إنّ "الولايات المتحدة تنفق مليارات سنوياً لحماية إسرائيل، ونحن لن نسمح بحدوث ذلك" إذا استمرّ الحكم القضائي على نتنياهو.

 

وبالتزامن مع هذه التصريحات، قرّرت المحكمة تأجيل جلسات محاكمة نتنياهو لأسباب "دبلوماسية وأمنية".

 

أثارت منشورات ترامب ردود فعل متباينة في "إسرائيل"، حيث اعتبرت المعارضة أنّ ذلك يشكّل تعدّياً على استقلالية القضاء، بينما دعم حلفاء نتنياهو دعوة ترامب معتبرين أنّ الرئيس الأميركي محقّ وأنّ إلغاء المحاكمة اعتراف بـ "الضرورة الوطنية" لقيادته البلاد.

 

وقد تبدو مبادرة ترامب نوعاً من ملاقاة لطروحات إسرائيلية حصلت في وقت سابق، حيث طرح الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، فكرة "صفقة اعتراف بالذنب، والخروج من المشهد السياسي مقابل إلغاء المحاكمة" عنه وذلك لتخفيف التوتر الاجتماعي والسياسي والاستقطاب في "إسرائيل".

 

وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن وجود مفاوضات سرية تدور خلف الكواليس بين فريق الدفاع عن نتنياهو، والنيابة العامّة، بهدف التوصّل إلى صفقة تقضي بإنهاء محاكمته في قضايا الفساد، مقابل انسحابه من الحياة السياسية. إلّا أنّ نتنياهو لا يُبدي استعداداً للمغادرة بشكل نهائي، بل يُفاوض على تقديم تنازلات سياسية وأمنية، منها إنهاء حرب غزة وإعلان النصر، مقابل عفو رئاسي شامل لا يوسم بالعار السياسي ما يعني العودة إلى الحياة السياسية والترشّح إلى الانتخابات المقبلة مستفيداً من الدعم اليميني الذي يحظى به خاصة بعد الحرب على إيران.

 

وكشفت القناة 12 العبرية أنّ القاضي المتقاعد أهارون باراك، الذي يشغل حالياً منصب ممثّل "إسرائيل" في محكمة العدل الدولية، يرعى جهود الوساطة بين النيابة وفريق الدفاع عن نتنياهو. وقد عُقد اجتماع سري في منزل باراك بـ "تل أبيب" الشهر الماضي، لمناقشة صفقة الادّعاء قبل بدء جلسات الاستجواب المضاد لنتنياهو. باراك شدّد على أنّ أيّ اتفاق يجب أن يتضمّن خروجاً نهائياً لنتنياهو من الحياة السياسية، بينما يصرّ محامو نتنياهو على أنّ موكلهم لن يقبل وصمة العار، التي قد تحرمه من الترشّح أو تولّي مناصب رسمية مستقبلاً.

 

 وفي ظلّ هذه المعطيات، ما هي السيناريوهات المحتملة؟

 

1- السيناريو الأول: الخروج الآمن مقابل إنهاء الحرب والعفو

في هذا السيناريو يستطيع نتنياهو أن يحفظ مستقبله السياسي ويعمد إلى التفاهم على صفقة سياسية – قضائية شاملة تُنهي محاكمته مقابل إنهاء حرب غزة، لكن من دون اعتراف صريح بالذنب أو تحميله وصمة العار السياسي.

 

مواضيع متعلقة

 

فرانشيسكا ألبانيزي.. المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة

13 تموز 09:34

 

 

"إسرائيل" الكبرى.. بين الحقيقة والوهم!

13 تموز 09:30

 

وهكذا قد تتضمّن الصفقة:

 

وقف الحرب على غزة، مقابل إصدار عفو رئاسي.

 

إعلان "نصر" عسكري يعزّز شرعيّته السياسية أمام الجمهور.

 

وتبقى له إمكانية الترشّح للانتخابات المقابلة ومحاولة العودة إلى الحكم.

 

سوف ترفض المعارضة هذا الأمر، وستصرّ على خروجه من السياسة كلياً.

 

2-السيناريو الثاني: استمرار المواجهة القضائية والسياسية

 يفشل التفاوض بين فريق الدفاع والنيابة العامّة، ويرفض نتنياهو أيّ صفقة تتضمّن إدانة أو اعتزالاً دائماً من الحياة السياسية. وتبقى حالة الاستقطاب الداخلي الإسرائيلي والسيف المصلت على نتنياهو بالسجن، وتفتح الباب لإدانته لاحقاً ما ينهي مستقبله السياسي.

 

الأخطر في هذا السيناريو استمرار حرب غزة إلى ما لا نهاية لأنّ نتنياهو سيستخدمها لإطالة وجوده في السلطة، حيث أعلن مراراً أن لا انتخابات في ظلّ الحرب.

 

3-السيناريو الثالث: تجميد المحاكمة وانتظار التسوية

بذريعة الأوضاع الأمنية والدبلوماسية، يتمّ تجميد محاكمة نتنياهو مؤقتاً، ويبقى الحال على ما هو عليه، بانتظار ما ستؤول إليه التسويات الإقليمية التي سيقوم بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الإقليم.

 

هذا السيناريو يؤجّل الحسم، لكنه يُبقي جميع الأطراف في موقع المساومة، مع احتمالات إعادة خلط الأوراق لاحقاً، وفقاً لتطوّرات إقليمية أو ضغوط أميركية متزايدة.

 

4-السيناريو الرابع: إخراج نتنياهو من الحكم لإخراج "إسرائيل" من العزلة الدولية

في ظلّ التصاعد المتواصل للاتهامات الدولية بجرائم حرب وإبادة في غزة، وتزايد عزلة "إسرائيل" على الساحة العالمية، يتمّ طرح ربط الانتهاكات والإبادة والحروب بنتنياهو وحلفه اليميني المتطرّف، وبالتالي يكون الأنسب التخلّص من نتنياهو باعتباره عبئاً على "إسرائيل".

 

في هذا السيناريو، يبدأ ترامب، بدافع الحفاظ على "إسرائيل وصورتها العالمية ومستقبلها" في ممارسة ضغط غير مباشر على نتنياهو للخروج نهائياً من الحياة السياسية. الهدف "إنقاذ صورة إسرائيل"، وفتح الطريق أمام تطبيع أوسع وتسوية إقليمية شاملة لا يمكن لليمين المتطرّف أن يقبل بها.

 

في هذا السيناريو، يُدفع نتنياهو إلى القبول بصفقة اعتزال مشرّف مع عفو كامل، لكن بشرط ألّا يعود إلى الحكم مجدّداً. وبذلك، يُقدّم ترامب نفسه كمن "أنقذ إسرائيل من الانهيار الدبلوماسي"، وقام بتوقيع اتفاقيات سلام لاحقة في الشرق الأوسط، ما يخدم أجندته السياسية الداخلية أيضاً.

 

بالنتيجة، وبسبب الغموض الذي يلفّ القضية، والأدوات التي ما زال نتنياهو يملكها في الداخل، والتطوّرات المتسارعة في المنطقة، تبقى السيناريوهات جميعها مطروحة لغاية الآن.