2025/07/30

صفقة ترامب – فانديرلاين: نهاية الاستقلالية الأوروبية؟

تشكل صفقة التجارة الموقعة في يوليو 2025 بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية واحدة من أهم التحولات في العلاقات الاقتصادية عبر الأطلسي منذ عقود. ظهرت هذه الاتفاقية بعد تهديدات أميركية متصاعدة بفرض مزيد من الرسوم الجمركية.

 

ففي أوائل عام 2025، فرض ترامب رسوماً بنسبة 10% على جميع الواردات، ثم لوّح بفرض رسوم بنسبة 30% على السلع الأوروبية و50% على واردات الصلب والألومنيوم. وأمام خطر كارثي يهدد ملايين الوظائف الأوروبية، لجأ الاتحاد الأوروبي إلى التفاوض على اتفاق إطاري.

 

ويفرض الاتفاق الذي أُبرم خلال لقاء في اسكتلندا في 28 تموز/يوليو 2025، رسومًا جمركية بنسبة 15% على معظم صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة، ويمنح في المقابل امتيازات ضخمة للصادرات الأميركية.

 

ويتضمن الاتفاق ما يلي:

 

· الإطار الجمركي: ستطبق الولايات المتحدة رسوماً بنسبة 15% على معظم السلع الأوروبية اعتباراً من 1 آب/ أغسطس 2025، مع بعض الإعفاءات للمنتجات الاستراتيجية مثل أجزاء الطائرات وبعض المواد الكيميائية ومعدات أشباه الموصلات.

 

· الطاقة والاستثمارات: يتعهّد الاتحاد الأوروبي بشراء طاقة أميركية (غاز طبيعي مسال، نفط، وقود نووي) بقيمة 750 مليار دولار لتقليل الاعتماد على الطاقة الروسية على مدى سنوات ثلاث بقيمة 250 مليار دولار سنوياً، إضافة إلى 600 مليار دولار في استثمارات جديدة داخل الولايات المتحدة بحلول 2028.

 

· المشتريات الدفاعية: تشتري دول الاتحاد الأوروبي كميات ضخمة من المعدات العسكرية الأميركية.

 

· الوصول إلى الأسواق: أزال الاتحاد الأوروبي الرسوم الجمركية على السلع الصناعية الأميركية، وفتح أسواقه أمام المنتجات الزراعية والصيد البحري الأميركية.

 

تداعيات هذا الاتفاق:

 

1على أوروبا

من المتوقع أن يؤدي النظام الجمركي الجديد إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي بنسبة تراوح بين 0.2% و0.8%، مع تعرض ألمانيا وإيطاليا وإيرلندا لضربات اقتصادية أقوى من باقي الدول لأنها البلدان الأوروبية التي تصدّر الكميات الأكبر للولايات المتحدة.

 

وبالرغم من محاولة المستشار الألماني إنقاذ قطاع السيارات الألماني، فإن الاتفاق فعلياً سيضر بالقطاع الذي قد يضطر إلى نقل خطوط إنتاج إلى الولايات المتحدة. كما يتوقع أن يخسر قطاع النبيذ الإيطالي نحو 371 مليون دولار نتيجة ارتفاع أسعار النبيذ في السوق الأميركي. في المقابل، ستستفيد قطاعات مثل صناعة الطائرات وبعض المواد الكيميائية من الإعفاءات الجمركية. ومع ذلك، سوف ترتفع الرسوم على معظم السلع الأوروبية إلى 17.5% في المتوسط، ما يقلل من قدرتها التنافسية.

 

هذا في الاقتصاد، أما في السياسة والاستراتيجيا فيمكن ملاحظة ما يلي:

 

لا شكّ في أن الاتفاقية تبدو بشكل واضح "غير متكافئة" و"غير عادلة" للأوروبيين، ومفيدة للأميركيين بشكل أكبر. ولقد أظهرت ضعف قدرة الاتحاد على التفاوض الموحد، فالأولويات المتباينة بين الدول الأعضاء، مثل اهتمام ألمانيا بصناعة السيارات وإيرلندا بالأدوية، أضعفت الموقف التفاوضي الأوروبي.

 

أما الاستقلالية الاستراتيجية التي كان الاتحاد الأوروبي قد أعلن عنها في وقت سابق، فباتت من الماضي. كان الاتحاد الأوروبي قد اقرّ "خطة التصنيع العسكري الأوروبي المشترك" قبل حوالى شهرين بموازنة 500 مليار يورو. من الصعب على الأوروبيين الاستمرار في تلك الخطة بعد هذا الاتفاق، لأن الاتفاق مع الأميركيين يفرض على دول الاتحاد شراء أسلحة أميركية بقيمة مئات المليارات من الدولارات، ما يعني عمليًا أن الأموال التي رصدها الأوروبيون لتمويل السيادة الدفاعية الأوروبية ستذهب لشراء المعدات العسكرية الأميركية.

 

2-   للولايات المتحدة الأميركية

على الجانب الأميركي، تبدو الصفقة انتصاراً كبيراً لدونالد ترامب الذي لم يستطع – لغاية الآن- أن يحقق ما وعد به خلال حملته الانتخابية من إنهاء الحروب وتخفيض الأسعار. بعد توقيع الصفقة، يستطيع ترامب أن يخاطب جمهوره، معلناً انتصاراً على الاتحاد الأوروبي، ونجاح سياسته باستخدام الرسوم الجمركية لا فقط كأداة اقتصادية، بل كوسيلة ضغط جيوسياسية.

 

اقتصادياً، هذا الاتفاق سيسمح للولايات المتحدة بالحصول على 90 مليار دولار من عائدات الرسوم الجمركية بحسب أرقام التجارة مع الاتحاد الأوروبي العام الماضي، إضافة إلى مئات المليارات من الدولارات من الاستثمارات التي سوف تتدفق إلى الاقتصاد الأميركي، تضاف إلى ما استطاع ترامب تحصيله من استثمارات بتريليونات الدولارات خلال زيارته الخليجية.

 

3-   المؤسسات العالمية

لا شكّ في أن سياسة "أميركا أولاً" والضغط الاقتصادي لإخضاع الدول الحليفة ودفعها لتوقيع اتفاقيات غير متكافئة، كما حصل مع اليابان والاتحاد الأوروبي، تتجاوز المؤسسات المتعددة الأطراف مثل منظمة التجارة العالمية، وتضعف النظام التجاري العالمي القائم على القواعد السابقة. وكما وصف وزير التجارة الفرنسي، فإن "الولايات المتحدة فرضت قانون الغاب الجديد" على النظام التجاري الدولي.

 

في النتيجة، تدشن صفقة ترامب- فان ديرلاين مساراً جديداً من العلاقة بين ضفتي الأطلسي فقد كشفت عن اختلال ميزان القوى بين الطرفين، وأبرزت قدرة الولايات المتحدة على فرض أجندتها الاقتصادية والسياسية عبر أدوات الضغط التجاري.

 

وبالرغم من أنها أتت كإنقاذ مؤقت للاتحاد الأوروبي من حرب تجارية هدد بها ترامب وكان مستعداً لخوضها، لكنها سوف تمثّل تحوّلاً استراتيجياً طويل الأمد، وسوف تدفع الأوروبيين إلى البحث عن تنويع الشراكات وإعادة تقييم سياساته الصناعية والدفاعية، وربما صياغة مقاربة جديدة للاستقلالية الاقتصادية والسياسية. 

2025/07/24

تفكيك ونقد الفلسفة الإسرائيلية في العلاقات الدولية

في خطاب ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال مؤتمر لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك) عام 2017، قال: "ما لا تفرضه على الأرض، لا يُحسب لك في التاريخ".

تعكس هذه العبارة رؤية "إسرائيل" التي ترتكز على مبدأ القوة والتوسع لتصبح لاحقاً جزءًا من فرض الحقائق على أرض الواقع وهي رؤية لطالما شكّلت السياسة التي ينتهجها الإسرائيليون، والتاريخ الذي يحاولون فرضه منذ تأسيس الكيان عام 1948.

في مجال العلاقات الدولية، تنطلق عبارة "ما لا تفرضه على أرض الواقع لا يُحسب لك في التاريخ" من المدرسة الواقعية حيث يؤكد مفكرون مثل هانز مورغنثاو أو نيكولو مكيافيللي أن القوة، المستمدة أساساً من القدرات والاستعداد لاستخدامها، هي المحدد النهائي لنتائج السياسة الدولية. وعليه، لكي يترك أي فاعل، سواء كان دولة أم غير دولة، بصمةً دائمةً في التاريخ، يجب أن يُشكل الأحداث على أرض الواقع بشكل واضح، وذلك من خلال القوة العسكرية، أو الإكراه الاقتصادي، أو الهيمنة السياسية.

ومع ذلك، فإن العديد من الدروس التاريخية، أسقطت هذه المقولة، وأعادت تعريف العلاقات الدولية عبر رؤية نقدية، وهو ما أثارته المدرسة البنائية التي اعتبرت أنه بالرغم من أهمية القدرات المادية والعسكرية وقدرتها على فرض مسار الأمور على الأرض، فإن السرد التاريخي ليس دائماً مجرد انعكاس للقوة الغاشمة، بل يتشكل من خلال الأفكار والمعايير والهويات المشتركة. على سبيل المثال، قد "تفرض" دولة إرادتها، ولكن إذا أدان المجتمع الدولي هذا الفعل على نطاق واسع باعتباره غير شرعي، فقد يكون إرثها التاريخي إرثًا منبوذًا لا منتصرًا، بغض النظر عن فعاليته المباشرة على أرض الواقع، وهو ما حصل لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. سقط نظام الفصل العنصري هناك، بالرغم من قدراته المادية والعسكرية وفرضه وقائع على الأرض، ولم يكتب التاريخ ما أراده مؤسسوه أن يكتبوه بالحديد والنار.

 

وبالعودة الى "إسرائيل"، تجسّد عبارة نتنياهو فلسفة "الحقائق على الأرض"، السياسة الإسرائيلية الحالية التي تهدف إلى ترسيخ وقائع يصعب تغييرها مستقبلاً، سواء من خلال إبادة الفلسطينيين وتهجير مَن تبقى منهم من غزة، وتوسيع سياسة الاستيطان وقضم الأراضي في الضفة الغربية، واحتلال أراضٍ عربية كما في سوريا ولبنان.

 

وتكرّس المجازر الإسرائيلية والحروب التي حصلت بعد الهجوم الذي شنّته حماس في 7 أكتوبر 2023 محاولة إسرائيلية لتشكيل النظام الإقليمي، إذ تسعى "إسرائيل" إلى" إعادة ترسيم قواعد الصراع، ورسم حدود جغرافية جديدة لا يمكن تجاوزها في أي تسوية مستقبلية.

لكن، بالرغم من قدرة "إسرائيل" على فرض وقائع جديدة على الأرض خلال عامي 2023- 2025، وبالرغم من توسعها المفرط في الأراضي العربية، إلا أن الأثمان المدفوعة لتلك القوة الغاشمة قد لا تؤدي إلى تقييم التاريخ لها كما يريد نتنياهو فعلاً.

 

فبالرغم من التأييد الأميركي الشامل، تواجه "إسرائيل" عزلة أخلاقية على صعيد الرأي العام العالمي، وقانونية تتجلى في قرارات المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، ومزيد من نزع الشرعية عن سلوكها في العالم، ومنها أوروبا.

 

أما في فلسطين، فبالرغم من الإبادة التي يقوم بها الإسرائيليون، ما زال الفلسطينيون يقاومون وما زالت أعمال المقاومة المسلحة تكبد الإسرائيليين خسائر في غزة. وفي الداخل الإسرائيلي، تشير التقارير إلى أن أكثر من 70% من الإسرائيليين لا يثقون بمستقبل "دولتهم"، وأن الهجرة التي حصلت خلال العامين الماضيين غير مسبوقة في تاريخ الكيان، وأن الاعتماد على "اقتصاد الحرب" سيؤدي لاحقاً إلى ركود تضخمي، وهجرة الكفاءات، وأن الانقسامات الداخلية وارتفاع التطرف اليهودي "التكفيري" سيؤديان إلى مشاكل داخلية ولن يكون بالإمكان الحفاظ على الاستقرار على المدى المتوسط والطويل.

 

وهكذا، تشكل عبارة نتنياهو انعكاساً لمدرسة سياسية تؤمن بأن "القوة تصنع التاريخ"، غير أن قراءة أعمق لواقع منطقة الشرق الأوسط تكشف أن الوقائع المفروضة، إذا لم تُدعَم بشرعية دولية وتوافق شعبي، قد تتحول إلى بؤر صراع دائم، ما يضعف قيمتها التاريخية على المدى الطويل.

 

لا شكّ في أن هذه الفترة التاريخية، تشكّل مرحلة من مراحل السيطرة الإسرائيلية على الأراضي العربية، ولكن التاريخ لا يُقاس فقط بالقوة القهرية المادية، فكم من حضارة انقرضت بعدما توسعت وفرضت سيطرتها بالغزو والحديد والنار. 

2025/07/18

في لحظة فراغ استراتيجي ورسم خرائط: قراءة في التقارب التركي الإماراتي

للمرة الثالثة منذ عام 2021، يقوم رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ محمد بن زايد بزيارة تركيا لتوقيع اتفاقيات تجارية واستثمارية، في وقت قام فيه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بخمس زيارات للإمارات خلال الفترة نفسها.

 

وفي مسيرة العلاقات بين الدولتين، محطتان أساسيتان: الربيع العربي الذي شكّل نقطة تحوّل جذرية وافتتح مساراً من التنافس الجيوسياسي والجيو اقتصادي بينهما، وعام 2021، الذي اعتبر نقطة بداية لإعادة ضبط العلاقة، والانتقال بها إلى مسار جديد.

 

1قبل الربيع العربي

 تميزت العلاقة بين الدولتين بشراكة اقتصادية، حيث استفاد المقاولون الأتراك من النهضة العمرانية الإماراتية، وأظهر المستثمرون الإماراتيون اهتمامًا بقطاعات مختلفة من الاقتصاد التركي. أما في السياسة، فكانت أهداف الدولتين وتطلعاتهما مختلفة، فلم تتباين ولم تتقاطع ايضاً.

 

اعتمدت الإمارات في فترة ما قبل الربيع العربي سياسة "هادئة" تركز على النهوض والتنمية الداخلية، وتفوض السعودية إلى حد كبير مسائل الأمن الإقليمي الأوسع. بينما اتبعت تركيا، في السنوات الأولى من حكم حزب العدالة والتنمية، سياسة "صفر مشاكل"، مؤكدة المشاركة الدبلوماسية والتعاون الاقتصادي لتعزيز مكانتها الإقليمية. وكانت أنظارها تتجه أكثر للدخول إلى الاتحاد الأوروبي وتعزيز نفوذها في جوارها المباشر، لذا لم تتقاطع طرق الإمارات وتركيا الاستراتيجية في تلك الفترة.

 

2الربيع العربي: مسار التصادم

مثل اندلاع الربيع العربي في عام 2011 نقطة تحول حاسمة في العلاقات الإماراتية التركية، حيث كشف تعامل كل من الدولتين مع الثورات، اختلافات أيديولوجية عميقة الجذور أدت الى تنافس وحروب بالوكالة بين الطرفين.

 

اتخذت الإمارات العربية المتحدة، مدفوعة بقلق عميق من عدم الاستقرار السياسي وخطر متصوّر من الحركات الإسلامية، موقفًا مضادًا للثورات بشدة. رأت القيادة الإماراتية في جماعة الإخوان المسلمين تهديدًا وجوديًا لنظامها الملكي ولاستقرار المنطقة، فعمدت إلى دعم الأنظمة القائمة وأسهمت مع السعودية في دعم الثورات المضادة.

 

على العكس من ذلك، تبنت تركيا سياسة خارجية ذات توجه أيديولوجي إسلامي، ورأت في الربيع العربي فرصة غير مسبوقة لتوسيع نفوذها وتعزيز نموذجها الإسلامي، أو ما أطلق عليه اسم "العثمانية الجديدة".

 

وباستثناء سوريا، حيث دعم الطرفان مجموعات مناهضة للرئيس السوري السابق بشار الأسد، تباعدت رؤى الدولتين، واحتدم التنافس الاستراتيجي بينهما واتخذ طابعاً أيديولوجياً: نهج الإمارات المدني- الدولتي، المناهض للإسلام السياسي، مقابل موقف تركيا ذي التوجه الإسلاموي- العابر للدول القومية.

 

وهكذا، تخلت تركيا عن سياسة "صفر مشاكل" لمصلحة سياسة خارجية أكثر حزمًا ومواجهة في كثير من الأحيان، بينما تخلت الإمارات عن هدوئها التقليدي لمصلحة دور أكثر قوة وتدخلًا، فحصلت الحرب بالوكالة بين الطرفين في مسارح عدّة منها القرن الأفريقي، وشرق المتوسط ليبيا، والخليج نفسه (خلال فترة الأزمة مع قطر) وغيرها.

 

وخلال تلك المنافسة على النفوذ، استخدم كل طرف أدوات القوة التي يمتلكها، فبينما ركّزت الإمارات على الدبلوماسية الاقتصادية مستفيدة من صناديقها السيادية الضخمة، استخدمت تركيا – التي لا تمتلك القوة المالية نفسها – الدعم العسكري والدبلوماسية الثقافية التي تعتمد على الدين والقومية. وتنافست الدولتان أيضاً في مجال الحرب الإعلامية والمعلوماتية، وبينما ركزت الإمارات على المنتديات المتعددة الأطراف العربية، ركزت تركيا على المنتديات الإسلامية.

 

3عام 2021: عام التحول

شكّل عام 2021، عاماً مفصلياً، فقد تمت إعادة العلاقات بين الدولتين "تقريباً" إلى سابق عهدها، لأسباب عّدة أبرزها تدهور الاقتصاد التركي، وانهيار الليرة وحاجة تركيا إلى الاستثمارات الخليجية. أدرك الأتراك أن سياساتهم الإقليمية والمواجهات المستمرة كانت مكلفة اقتصاديًا ودبلوماسيًا، لذا، كان التقارب – خاصة مع دول الخليج العربي- وسيلة لخفض التكاليف وتخفيف العزلة الإقليمية والدولية.

 

في المقابل، وجد الخليجيون - بشكل عام- أن السياسات الهجومية التي اعتمدوها خاصة بعد عام 2015، باتت مكلفة، لذا انطلقوا إلى سياسة براغماتية تهدف إلى "تصفير المشاكل"، فتم رفع الحصار عن قطر، وتسوية المشاكل مع الدول الإقليمية كإيران وتركيا الخ.

 

وكان للأحداث التي حصلت قبل ذلك، وعدم رد فعل الأميركيين على قصف أرامكو واستهداف الداخل السعودي، والانسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان، بمنزلة جرس إنذار لدول الخليج لتعزيز استقلالها الاستراتيجي وتنويع شراكاتها الأمنية.

 

وعليه، إن التقارب التركي الإماراتي اليوم ليس بالضرورة أن يعكس تطابقاً في الرؤى أو الأهداف، بل لأنهما أدركتا بعد سنوات من التنافس الحاد والصدام الأيديولوجي، أن الكلفة الباهظة للمواجهة تفوق بكثير المكاسب التي حققتاها.

 

وفي ظل تغيير هائل في الشرق الأوسط، وفي ظل محاولات رسم شرق أوسط جديد فيه من التهديدات والفرص على حد سواء، لدى كل من الدولتين رغبة في تصدّر المشهد الإقليمي من موقع الفاعل الذي يسهم في صناعته، ومن باب الاستفادة من التطورات التي حصلت بعد 7 أكتوبر 2023 خاصة ضعف "محور المقاومة" وما ترتب عليه من فراغ استراتيجي، إذ تسعى كل دولة منهما للاستفادة منه لتعزيز نفوذها الإقليمي. 

2025/07/14

هل بلغت "إسرائيل" نقطة "الذروة" في حرب إيران؟

هناك إجماع تقريباً، لدى المحللين الأميركيين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتصل بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، في اليوم الأخير من الحرب على إيران، وطلب منه إيقاف الحرب، بينما يقول الباحث الأميركي المرموق الدكتور جون مارشايمر إن نتنياهو "توسل" ترامب للعمل على وقف الحرب.
وهذا يشير إلى أن الإسرائيلي، وصل في اليوم الـ 12 للحرب مع إيران الى ما يسمى "نقطة الذروة" culminating point.
صاغ كارل فون كلاوسفيتز، في كتابه الشهير "عن الحرب"، مفهوم "نقطة الذروة" للإشارة الى ما يُعرَّف - في الاستراتيجية العسكرية- بأنه الحد بين الإطارين النظري والعملي للهجوم، أي اللحظة التي تصبح فيها القوة العسكرية عاجزة عن تنفيذ عملياتها بفعالية أو مواصلة تقدمها، أو حين يصبح الاستمرار في الحرب مكلفاً جداً، وحيث تصبح تلك التكلفة أكبر من الفوائد المرجوة من الحرب.
ويعود العجز عن الحفاظ على الزخم الحربي إلى عوامل عدة أبرزها التحديات اللوجستية، وقوة العدو، وعدم القدرة على إخضاعه، أو ضرورة راحة القوة المهاجمة واستعادة قدراتها وغيرها من الظروف سواء العسكرية أم الاجتماعية أم الاقتصادية أو جميع ما سبق.
يحدد كلاوسفيتز، أن الهدف الأهم بالنسبة للقوة المهاجمة هو تحقيق أهداف الحرب قبل الوصول إلى هذه النقطة. في المقابل، فإن الهدف الاستراتيجي للقوة المدافعة هو إيصال القوة المهاجمة إلى نقطة ذروتها قبل أن يتمكن المهاجم من تحقيق أهدافه، وبالتالي تحويل مجرى الصراع لمصلحة المدافع، فيكون انتصر بصموده وليس بالضرورة بربح المعركة عسكرياً.
وعليه، إن سوء تقدير اللحظة المحورية التي تشكّل "الذروة" يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة، بما في ذلك الفشل العملياتي، مع العلم أن "نقطة الذروة" لا تنطبق فقط على المستويات التكتيكية والعملياتية للحرب، بل أيضًا على قدرة الدولة الكلية على تحمل الصراع أو تحقيق أهدافها الاستراتيجية طويلة المدى عبر الأبعاد العسكرية، والاقتصادية، والاجتماعية، والدبلوماسية.
هذه النقطة تمثل الحد الأقصى لقدرة الدولة على إبراز قوتها، وبعدها تبدأ قوتها وقدراتها في التراجع بسبب استنزاف الموارد، أو إرهاق الجيش، أو التحديات اللوجستية.
تُعد هذه النظرة الشاملة والمتعددة الأبعاد لـ"نقطة الذروة" أساسية لإجراء تحليل دقيق وشامل لوضع دولة خلال الحرب، إذ قد تحقق الدولة نصرًا عسكريًا في ساحة المعركة، ولكن إذا أصبحت التكاليف الاقتصادية غير قابلة للاستمرار، أو إذا تآكل النسيج الاجتماعي بسبب الصعوبات الطويلة، أو إذا حدّت العزلة الدبلوماسية من الخيارات الاستراتيجية المستقبلية، فقد تصل إلى نقطة ذروة استراتيجية تحدّ قدرتها على استثمار الانتصارات العسكرية وتسييلها في تحقيق أهداف سياسية.
وبالعودة الى "إسرائيل"، فالسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الإطار: هل يشير طلب نتنياهو إيقاف الحرب على إيران، أن "إسرائيل" وصلت إلى "نقطة الذروة" في اليوم الـ12 للحرب؟
رغم تحقيق "إسرائيل" انتصارات تكتيكية، إلا أن التكاليف والقيود العسكرية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية تشير إلى أنها قد تكون اقتربت من حدود قدرتها الاستراتيجية، أو ربما قد وصلت إليها بالفعل في بعض المجالات.
- بالنسبة للذروة العسكرية، لقد أظهرت "إسرائيل" تفوقًا تكتيكيًا أمنياً وتكنولوجياً، خاصة في السيطرة الجوية والضربات الدقيقة والتغلغل الأمني، وألحقت أضرارًا كبيرة في الداخل الإيراني في اليوم الأول. لكن، عندما بدأ الإيرانيون بالردّ وتكبيد "إسرائيل" خسائر كبرى، انتقلت المعركة الى نوع من توازن القوى الذي أرهق الإسرائيلي ودفعه إلى طلب وقف الحرب.
- أما الذروة الاقتصادية، فبحسب التقارير الأميركية، بلغت تكلفة الحرب 6 مليارات دولار (حوالى 1٪ من الناتج المحلي الإجمالي)، مع إنفاق يومي بلغ 725 مليون دولار. كما ارتفع العجز في "إسرائيل" إلى 8.5٪، والدين العام إلى 74٪.
هذه التكاليف ستؤدي إلى اختلال في الاقتصاد، وهروب العقول من قطاع التكنولوجيا، ما يهدد قدرة "إسرائيل" على الصمود الاقتصادي طويل الأمد، وبالتالي اقترابها من نقطة الذروة الاقتصادية، حيث تؤدي الحروب المستمرة إلى تآكل الاستقرار المالي وتراجع النمو المستقبلي.
- في مجالي الذروة الاجتماعية والسياسية، تشير استطلاعات الرأي العام، إلى أن الجمهور يعاني إنهاكاً شديداً بعد نحو عامين من الصراع.
- الذروة الدبلوماسية: على المستوى العالمي، تزداد عزلة "إسرائيل" في العالم والإدانات الدولية لها، وتراجعت إمكانية التطبيع مع السعودية، وأدانت دول مجلس التعاون الخليجي والعديد من دول الجنوب العالمي العدوان الإسرائيلي على إيران.
وهكذا، تكون "إسرائيل" قد وصلت إلى ذروة دبلوماسية. وبالرغم من نجاحها العسكري في توجيه ضربات إلى محور المقاومة، لكن ذلك لم يكن من دون ثمن، حيث أدت الأحداث من 7 أكتوبر ولغاية اليوم إلى زيادة عزلتها الدولية بالرغم من الدعم الأميركي والغربي.
وهكذا، ورغم النجاح العسكري الذي حققته "إسرائيل" على المدى القصير، إلا أنها تواجه تكاليف باهظة تجعلها تقترب – أو وصلت بالفعل – إلى نقطة الذروة في المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية، ما سيعني تراجعاً على المدى الطويل يحد من قدرتها على استثمار "إنجازاتها العسكرية المرحلية" في تحقيق أهداف سياسية طويلة المدى. 

2025/07/06

العدالة الانتقائية: "إسرائيل" والولاية القضائية العالمية في أوروبا

تقدّم المحامي والنائب في البرلمان الأوروبي عن إسبانيا خاومي أسينس بالنيابة عن موكله سيرجيو توريبيو أمام المحكمة الإسبانية بشكوى ضدّ مسؤولين سياسيين وأمنيين وعسكريين إسرائيليين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية، وذلك خلال الاعتداء والاختطاف لطاقم سفينة "مادلين" التي كانت تحمل مساعدات إنسانية وتهدف لكسر الحصار عن قطاع غزة.

 

وتتضمّن الشكوى أوامر اعتقال ضدّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بصفته أعلى سلطة تنفيذية والقائد الأعلى لـ "الجيش" الإسرائيلي، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بصفته كان المسؤول الأول عن العمليات العسكرية الإسرائيلية، وقائد سلاح البحرية الإسرائيلية دافيد سالاما، والمتحدّث الرسمي السابق باسم "الجيش" الإسرائيلي دانيال هغاري، وكبار قادة وحدة الكوماندوس في البحرية الإسرائيلية، بالإضافة الى كلّ من يظهره التحقيق متورّطاً.

 

قانونياً، تمثّل هذه الدعوى فرصة لكلّ مواطن إسباني من أصل فلسطيني أو لبناني، لديه أقارب أو عائلة في غزة أو لبنان وتعرّضت للاعتداءات الإسرائيلية، للانضمام إلى الدعوى أو رفع دعوى مماثلة انطلاقاً من مفهوم الولاية القضائية العالمية.

 

يُمثّل مفهوم الولاية القضائية العالمية ركيزة أساسية في السعي لتحقيق العدالة الجنائية الدولية، وهو يسمح لأيّ دولة بمقاضاة الأفراد مرتكبي الجرائم الدولية الكبرى (جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية والإبادة الجماعية والتعذيب) بغضّ النظر عن مكان ارتكابها أو جنسية الجاني. ويعدّ هذا المبدأ استثناءً لمبادئ الولاية القضائية التقليدية المتعلّقة بالإقليمية (مكان وقوع الجريمة)، وجنسية الجاني، وجنسية الضحية، لكن يجب أن يتقدّم بها متضرّرون مباشرون أو أقاربهم.

 

تُلزم المعاهدات الدولية، مثل اتفاقيات جنيف لعام 1949 (وتحديداً أحكامها المتعلّقة بـ "الانتهاكات الجسيمة") واتفاقية مناهضة التعذيب، الدول الأطراف صراحةً بمقاضاة أو تسليم (مبدأ التسليم أو المحاكمة) الأفراد الموجودين على أراضيها والمشتبه في ارتكابهم مثل هذه الجرائم. كما يُقرّ القانون الدولي العرفي بالولاية القضائية العالمية لمجموعة أوسع من جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية.

 

ولكي تمارس محكمة وطنية الولاية القضائية العالمية، يجب أن تتوافر عدّة شروط، هي:

 

- أن تكون التشريعات الوطنية تخوّل المحاكم الوطنية ممارسة الولاية القضائية العالمية على الجرائم الدولية الكبرى.

 

- أن تكون الجريمة ضمن فئة الجرائم الدولية الكبرى الخاضعة للولاية القضائية العالمية.

 

وكانت الدول الأوروبية، وخاصة تلك الأطراف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، قد أدرجت مقاضاة تلك الجرائم الدولية إلى حدّ كبير في أنظمتها القانونية المحلية، مما أدى إلى إنشاء الإطار القانوني للولاية القضائية العالمية. كذلك، كانت دول مثل ألمانيا وبلجيكا وإسبانيا وهولندا، تاريخياً، في طليعة الدول التي طبّقت الولاية القضائية العالمية.

 

تاريخياً، اعتمدت بعض الدول الأوروبية، ولا سيما بلجيكا وإسبانيا، قوانين أوسع نطاقاً للولاية القضائية العالمية، سمحت ببدء الدعاوى حتى من دون حضور المتهم شخصياً. على سبيل المثال، في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، رُفعت شكوى في بلجيكا ضدّ أرييل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، بالجرائم المرتكبة في مجزرة صبرا وشاتيلا. وبالمثل، حقّقت المحاكم الإسبانية في قضايا تتعلّق بالأعمال الإسرائيلية في غزة.

 

لكن، بسبب الضغوط السياسية والتداعيات الدبلوماسية، تمّ تعديل القوانين الوطنية لتقليص صلاحية المحاكم المحلية في تطبيق قوانين الولاية القضائية العالمية. على سبيل المثال، ضيّقت بلجيكا وبريطانيا نطاق ممارسة المحاكم الوطنية للولاية القضائية العالمية بشكل كبير بعد ضغوط سياسية أبرزها تلك المتعلقة باعتقال مسؤولين إسرائيليين (شارون في بلجيكا، وتسيبي ليفني في بريطانيا)، وبدأت بعض الدول الأخرى تضع شروطاً أكثر صرامة، مثل شرط وجود المتهم على أراضيها أو موافقة مدعٍ عامّ رفيع المستوى.

 

وتسبّبت الجرائم التي يرتكبها إسرائيليون، بازدواجية أخلاقية وقانونية للدول الأوروبية في إطار تطبيق القانون الجنائي الدولي:

 

1- تطبيق الولاية القضائية العالمية: في وقت استقبلت العديد من المحاكم الأوروبية قضايا تقدّم بها مواطنون في قضايا متعلقة بجرائم ارتكبت في سوريا أو أفريقيا، إلّا أنّ الاعتبارات السياسية والخشية من توتر العلاقات السياسية مع "إسرائيل" يجعلهم متمسّكين بشروط صارمة خاصة في القضايا المتعلقة بالمسؤولين الإسرائيليين ومنها اشتراط حضور المتهم شخصياً إلى المحكمة.

 

2- تطبيق الالتزامات بموجب نظام روما الأساسي: بالرغم من أنّ معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هم أطراف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والذي يعني أنّ تلك الدول أدرجت جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية والإبادة الجماعية في قوانينها الوطنية، إلّا أنّ العديد منها أعلن عن نيّته التملّص من تلك الالتزامات في معرض واجباتهم باعتقال بنيامين نتنياهو المطلوب للحكمة الجنائية الدولية.

  

2025/07/01

أربعة سيناريوهات تحدّد مصير نتنياهو

في موقف لافت ويحصل للمرّة الأولى في تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة و"إسرائيل"، حيث يتدخّل رئيس أميركي بالقضاء في "إسرائيل"، نشر الرئيس الأميركي دونالد ترامب منشورين متتاليين على منصة "Truth Social"، اعتبر فيهما أنّ محاكمة نتنياهو هي "مطاردة ساحرات" سياسية، و"يجب أن تُلغى فوراً أو يُمنح (نتنياهو) عفواً، فهو بطل حربي عظيم".

 

وفي منشور لاحق، قال ترامب إنّ "الولايات المتحدة تنفق مليارات سنوياً لحماية إسرائيل، ونحن لن نسمح بحدوث ذلك" إذا استمرّ الحكم القضائي على نتنياهو.

 

وبالتزامن مع هذه التصريحات، قرّرت المحكمة تأجيل جلسات محاكمة نتنياهو لأسباب "دبلوماسية وأمنية".

 

أثارت منشورات ترامب ردود فعل متباينة في "إسرائيل"، حيث اعتبرت المعارضة أنّ ذلك يشكّل تعدّياً على استقلالية القضاء، بينما دعم حلفاء نتنياهو دعوة ترامب معتبرين أنّ الرئيس الأميركي محقّ وأنّ إلغاء المحاكمة اعتراف بـ "الضرورة الوطنية" لقيادته البلاد.

 

وقد تبدو مبادرة ترامب نوعاً من ملاقاة لطروحات إسرائيلية حصلت في وقت سابق، حيث طرح الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، فكرة "صفقة اعتراف بالذنب، والخروج من المشهد السياسي مقابل إلغاء المحاكمة" عنه وذلك لتخفيف التوتر الاجتماعي والسياسي والاستقطاب في "إسرائيل".

 

وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن وجود مفاوضات سرية تدور خلف الكواليس بين فريق الدفاع عن نتنياهو، والنيابة العامّة، بهدف التوصّل إلى صفقة تقضي بإنهاء محاكمته في قضايا الفساد، مقابل انسحابه من الحياة السياسية. إلّا أنّ نتنياهو لا يُبدي استعداداً للمغادرة بشكل نهائي، بل يُفاوض على تقديم تنازلات سياسية وأمنية، منها إنهاء حرب غزة وإعلان النصر، مقابل عفو رئاسي شامل لا يوسم بالعار السياسي ما يعني العودة إلى الحياة السياسية والترشّح إلى الانتخابات المقبلة مستفيداً من الدعم اليميني الذي يحظى به خاصة بعد الحرب على إيران.

 

وكشفت القناة 12 العبرية أنّ القاضي المتقاعد أهارون باراك، الذي يشغل حالياً منصب ممثّل "إسرائيل" في محكمة العدل الدولية، يرعى جهود الوساطة بين النيابة وفريق الدفاع عن نتنياهو. وقد عُقد اجتماع سري في منزل باراك بـ "تل أبيب" الشهر الماضي، لمناقشة صفقة الادّعاء قبل بدء جلسات الاستجواب المضاد لنتنياهو. باراك شدّد على أنّ أيّ اتفاق يجب أن يتضمّن خروجاً نهائياً لنتنياهو من الحياة السياسية، بينما يصرّ محامو نتنياهو على أنّ موكلهم لن يقبل وصمة العار، التي قد تحرمه من الترشّح أو تولّي مناصب رسمية مستقبلاً.

 

 وفي ظلّ هذه المعطيات، ما هي السيناريوهات المحتملة؟

 

1- السيناريو الأول: الخروج الآمن مقابل إنهاء الحرب والعفو

في هذا السيناريو يستطيع نتنياهو أن يحفظ مستقبله السياسي ويعمد إلى التفاهم على صفقة سياسية – قضائية شاملة تُنهي محاكمته مقابل إنهاء حرب غزة، لكن من دون اعتراف صريح بالذنب أو تحميله وصمة العار السياسي.

 

مواضيع متعلقة

 

فرانشيسكا ألبانيزي.. المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة

13 تموز 09:34

 

 

"إسرائيل" الكبرى.. بين الحقيقة والوهم!

13 تموز 09:30

 

وهكذا قد تتضمّن الصفقة:

 

وقف الحرب على غزة، مقابل إصدار عفو رئاسي.

 

إعلان "نصر" عسكري يعزّز شرعيّته السياسية أمام الجمهور.

 

وتبقى له إمكانية الترشّح للانتخابات المقابلة ومحاولة العودة إلى الحكم.

 

سوف ترفض المعارضة هذا الأمر، وستصرّ على خروجه من السياسة كلياً.

 

2-السيناريو الثاني: استمرار المواجهة القضائية والسياسية

 يفشل التفاوض بين فريق الدفاع والنيابة العامّة، ويرفض نتنياهو أيّ صفقة تتضمّن إدانة أو اعتزالاً دائماً من الحياة السياسية. وتبقى حالة الاستقطاب الداخلي الإسرائيلي والسيف المصلت على نتنياهو بالسجن، وتفتح الباب لإدانته لاحقاً ما ينهي مستقبله السياسي.

 

الأخطر في هذا السيناريو استمرار حرب غزة إلى ما لا نهاية لأنّ نتنياهو سيستخدمها لإطالة وجوده في السلطة، حيث أعلن مراراً أن لا انتخابات في ظلّ الحرب.

 

3-السيناريو الثالث: تجميد المحاكمة وانتظار التسوية

بذريعة الأوضاع الأمنية والدبلوماسية، يتمّ تجميد محاكمة نتنياهو مؤقتاً، ويبقى الحال على ما هو عليه، بانتظار ما ستؤول إليه التسويات الإقليمية التي سيقوم بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الإقليم.

 

هذا السيناريو يؤجّل الحسم، لكنه يُبقي جميع الأطراف في موقع المساومة، مع احتمالات إعادة خلط الأوراق لاحقاً، وفقاً لتطوّرات إقليمية أو ضغوط أميركية متزايدة.

 

4-السيناريو الرابع: إخراج نتنياهو من الحكم لإخراج "إسرائيل" من العزلة الدولية

في ظلّ التصاعد المتواصل للاتهامات الدولية بجرائم حرب وإبادة في غزة، وتزايد عزلة "إسرائيل" على الساحة العالمية، يتمّ طرح ربط الانتهاكات والإبادة والحروب بنتنياهو وحلفه اليميني المتطرّف، وبالتالي يكون الأنسب التخلّص من نتنياهو باعتباره عبئاً على "إسرائيل".

 

في هذا السيناريو، يبدأ ترامب، بدافع الحفاظ على "إسرائيل وصورتها العالمية ومستقبلها" في ممارسة ضغط غير مباشر على نتنياهو للخروج نهائياً من الحياة السياسية. الهدف "إنقاذ صورة إسرائيل"، وفتح الطريق أمام تطبيع أوسع وتسوية إقليمية شاملة لا يمكن لليمين المتطرّف أن يقبل بها.

 

في هذا السيناريو، يُدفع نتنياهو إلى القبول بصفقة اعتزال مشرّف مع عفو كامل، لكن بشرط ألّا يعود إلى الحكم مجدّداً. وبذلك، يُقدّم ترامب نفسه كمن "أنقذ إسرائيل من الانهيار الدبلوماسي"، وقام بتوقيع اتفاقيات سلام لاحقة في الشرق الأوسط، ما يخدم أجندته السياسية الداخلية أيضاً.

 

بالنتيجة، وبسبب الغموض الذي يلفّ القضية، والأدوات التي ما زال نتنياهو يملكها في الداخل، والتطوّرات المتسارعة في المنطقة، تبقى السيناريوهات جميعها مطروحة لغاية الآن.