2012/03/07

هل تتحول المقاومة إلى "مجموعة أشرار".. بختم دولي؟

كما كان متوقعاً، تتوجه المحكمة الدولية الخاصة بلبنان إلى توسيع الاتهامات بقضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وإضافة اتهام جديد وهو "تكوين جماعة إجرامية"، كما طلب الادعاء في طلبه تعديل القرار الاتهامي.
وبالطبع، نحن نقول متوقعاً لأننا كنا قد أشرنا إلى هذا الأمر سابقاً، عندما لفتنا النظر ونبهنا إلى خطورة ما قد تتجه إليه المحكمة في اتهامها لعناصر من حزب الله، وذلك باستنادها إلى مبدأ جديد للمسؤولية الجنائية في القانون الدولي استحدثته محكمة يوغسلافيا واعتمدته المحاكم الجنائية الدولية الأخرى فيما بعد، بعنوان "المشروع الجنائي المشترك"، والذي يحاكم المتهمين لمجرد انتمائهم إلى مجموعة لديها "هدف مشترك"، (انظر مقالنا: محكمة لبنان: أداة عقاب جماعي، الثبات 30 حزيران2011).
تاريخياً، لم يكن القضاء الجنائي الدولي ينحو لمحاكمة المتهمين بموجب هذا النوع من المسؤولية "الجماعية"، بل اعتمد مبدأ "المسؤولية الجنائية الفردية" بشكل واضح منذ محاكمات نورمبرغ، باعتبار أن الجرائم ترتكب من قبل "أشخاص طبيعيين، وليس من قبل كيانات مجردة"، وقد كانت محاكمة تاديتش في 15 تموز 1999، أمام المحكمة الجنائية الخاصة بيوغسلافيا السابقة، السابقة الأولى التي فتحت المجال أمام تطبيق هذا المبدأ فيما بعد، بالرغم من أنه لا يوجد أي نصّ واضح في مواد نظام محكمة يوغسلافيا، يشير إلى إمكانية معاقبة الأشخاص المتورطين بموجب هذا النوع من المسؤولية، بينما يلحظ النظام الأساسي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان هذه المسؤولية بشكل واضح وذلك في المادة (المادة الثالثة - البند الأول) والتي تتضمن عبارة صريحة حول "المجموعة ذات الهدف المشترك".
ونعيد التأكيد على خطورة هذا المبدأ، الذي اشتهر تطبيقه في محاكم يوغسلافيا ورواندا والمحاكم التي تلتها كسيراليون وكمبوديا وغيرها، خصوصاً بعدما وجد المدّعون العامون أنهم بسهولة يستطيعون اتهام "أي كان" وبدون دليل على المشاركة المباشرة في الجريمة، ونشير إلى أن النوع الموسّع منه وهو الأخطر على الاطلاق، هو نوع استنتاجي ويعني أن يقدم شخص للمحاكمة لمجرد انتمائه لمجموعة، فيحاكم عن جرائم غير مقصودة ولكنها متوقعة، كنتيجة "طبيعية ومنطقية" للهدف المشترك للمجموعة، حتى لو لم يكن الهدف جرمياً في الأساس، وهكذا، يتحمل الفرد مسؤولية جنائية إذا اتضح من ظروف القضية، أنه كان "طبيعياً" أن يحدث العمل الجرمي من قبل شخص أو أشخاص من المجموعة، وأن يكون المتهم قد قَبِل بإرادته أخذ هذه المخاطرة، ولم ينسحب من المجموعة.
من هنا نجد أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ومن خلال إدراج هذه التهمة الجديدة، ومحاولة تعريفها، ستتجه إلى توسيع مروحة الاتهامات إلى أن يصبح بإمكانها اتهام جميع من ينتمي إلى حزب الله، أو يدعمه أو يسانده بأي شكل من الأشكال، وتحميله مسؤولية جنائية بموجب مبدأ "الهدف المشترك"، ويكفي الاطلاع على السوابق التي خلقتها المحاكم الدولية الأخرى، لنعرف حجم التعسف الذي يمكن أن تمارسه المحكمة الخاصة بلبنان في هذا المجال، فعلى سبيل المثال، قام الادعاء في المحكمة الجنائية الخاصة بيوغسلافيا في قضية كريستش Krstić، بتحميله مسؤولية جنائية بعدما وجد الدليل أن المتهم قد تشارك مع مرتكب الجريمة، في "الحالة الذهنية المطلوبة لهذه الجريمة"، وهو أمر غريب ولم يشهده سابقاً أي قضاء محلي أو دولي، أن اتُهم شخص لمجرد وجود "حالة ذهنية إجرامية" لديه.
وهكذا، وبتوسيع إطار الاتهام، نعتقد أن المحكمة الدولية الخاصة تهدف إلى الوصول إلى أبعد من السيد نصرالله وقادة حزب الله الآخرين، فلو أرادت اتهام هؤلاء فقط، لما كانت تحتاج لهذا التوسيع ولطلب التعريف، وإضافة اتهام "تكوين مجموعة إجرامية" إلى القرار الاتهامي، لأنها ببساطة تستطيع أن تحاكمهم بواسطة مبدأ "مسؤولية الرئيس عن مرؤوسيه"، والتي تتضمن مسؤولية الرئيس الجنائية - حتى لو لم يثبت إصداره الأوامر لارتكاب الجريمة - وذلك في حالات عدة أهمها:
- إن كان الرئيس يمارس سيطرة فعلية على واحد أو أكثر من الجناة.
- أن يكون الرئيس على علم بالجريمة بأن مرؤوسيه سيقومون / أو على وشك القيام بالجريمة.
- أن يكون لديه كل الظروف والأسباب ليعلم أنهم سيقومون بالجريمة.
- فشل الرئيس في منع مرؤوسيه من القيام بالجريمة.
علماً أن المحكمة الجنائية الخاصة بيوغسلافيا السابقة قد وسعت هذه المسؤولية أيضاً، وذلك في قضية اوريتش، حيث اعتبرت أن الرئيس يمكن أن يكون مسؤولاً عن الجرائم التي يرتكبها أشخاص مجهولون، فأقرّت مسؤوليته مسؤولية جنائية بسبب فشل مرؤوسيه بمنع القتل والمعاملة القاسية التي ارتكبت من قبل "الزوار" الذين اقتحموا معسكرات الاعتقال.
إذاً، نستنتج من المسار الذي يعتمده الادعاء في المحكمة الخاصة بلبنان، أنها تحتاج إلى أبعد من اتهام جنائي بكثير؛ وأنها لا تريد أن توّسع المسؤولية إلى قادة حزب الله ومنهم السيد نصرالله فحسب، بل هي تريد أن تصل إلى توصيف المقاومة في لبنان بأنها "مجموعة أشرار"، فتحوّل كل من ينتمي لها، أو يدعمها مادياً أو معنوياً، أو حتى يتشارك معها في نفس "الحالة الذهنية"، أو يصوّت لها في الانتخابات.. إلى متهم بالانتماء إلى مجموعة شريرة عليه أن يخشى تعرضه لإمكانية مساءلة عن أي عمل يقوم به فرد من أفرادها، وبعد صدور وثيقة دولية بهذا الشأن، يمكن الطلب من جميع دول العالم أن تدرج هذه "المجموعة من الأشرار" على لائحة الإرهاب، ويحظّر سفر أو التعامل مع كل منتمٍ لها - بحسب المفهوم الأوسع للمنتمي - ويكون لـ"إسرائيل" شرعية في حربها وسعيها للقضاء على هذه المجموعة الشريرة وكل من ينتمي إليها، بموجب القانون الدولي.
ليلى نقولا الرحباني

استاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدولية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق