2013/03/14

ثورة مصر.. من الديمقراطية إلى التاريخ؟

على الرغم من صراحته التي تزعج كثيرين، كان لافتاً ما قاله هنري كيسنجر عندما صنّف الثورات بنوعين: ثورات ديمقراطية، وأخرى تاريخية، معتبراً أن ثورة مصر من النوع الثاني، التي لا تترك في أعقابها إلا الدمار، ولم يستفد منها إلا العسكريون و"الإسلاميون"، فالشباب الذين دعوا للثورة باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، لم تكن لديهم خطة واضحة لما بعد الثورة، وفى نهاية الأمر سيندلع صراع بين الجيش وجماعة "الإخوان".
بغض النظر عن صحة التنبؤ بأن الصراع سيندلع بين الجيش و"إخوان" مصر بالفعل، أو أن الأميركيين هم من سيغذون هذا الصراع ويفجرّونه، لكن من المهم لفت النظر إلى تصنيف "الثورة التاريخية" التي لا تترك في أعقابها إلا الدمار، وهو ما يبدو بالفعل من كل "ثورات" الدول العربية التي باتت تعاني من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والكثير من العسكرة المعلنة أو المضمرة.
وإذا كان لا بد للعالم العربي من مراجعة نتائج ثوراته لتقييم نوع تلك الثورة بحسب تصنيفات كيسنجر، فيمكن القول إن الحقائق المصرية تشير إلى ما يشبه كارثة تحكمها أزمات هائلة أهمها:
- أزمة اقتصادية تؤشر إلى ما يشبه الكارثة، فالاحتياطيات الرسمية المصرية من العملة الصعبة تدنت في شهر شباط الماضي إلى 13.5 مليار دولار، وهي ما يكفي لتغطية واردات شهرين أو أشهر ثلاثة فقط، وهو ما يشير إلى كارثة اقتصادية قادمة، بالإضافة إلى أزمة النقص الشديدة في الوقود، والتي أنتجت أزمة هائلة في قطاع النقل، وإلى توقف الكثير من مخابز الخبز وغيرها من القطاعات الحيوية، إضافة إلى توقف قطاع السياحة، خصوصاً بعد الثورة والتوترات الأمنية، والتصريحات المتطرفة.
- معارضة داخلية سياسية شرسة تتكئ على حجم شعبي لا بأس به، وتستطيع معه أن تبقي الحكم غير مستقر سياسياً وفاقداً الشرعية التامّة، خصوصاً مع تململ وثورة القضاء والقضاة على ما اعتبروه هيمنة وتدخل في شؤون السلطة القضائية من قبَل "الإخوان".
- صراع مكبوت وتنافس بين الجيش و"الإخوان"، يغذيه شعور كل طرف بدعم أميركي، ويقابله استياء من قبل أفراد وضباط الأمن من سلطة "الإخوان" وهيمنتهم.
- منافسة واضحة بدأت تبرز إلى العلن بين السلفيين و"الإخوان"، فقد تقاطعت مصالح الاثنين خلال مسيرة القبض على السلطة، لكن المنافسة بدأت بعد احتكار "الإخوان" للسلطات، وما اعتبره السلفيون "أخونة" الدولة من خلال آلاف التوظيفات "الإخوانية" التي كشف عنها السلفيون من خلال ملف جمعوه من مختلف المحافظات.
- تسرّب هائل للسلاح إلى الداخل المصري، عبر الأراضي المفتوحة مع دول الجوار، وهو ما يجعل أي انفجار للوضع في مصر قاتلاً ومؤدياً إلى دوامة عنف قد لا تنتهي بسرعة، بالإضافة إلى أزمة عدم الثقة المستفحلة بين أبناء الشعب المصري المتنوع.
هذه الأزمات الهائلة، ومع إدراك الأميركيين حجم براغماتية "الإخوان"، يمكن أن نفهم زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي أتى إلى مصر لفرض شروط سياسية واقتصادية، ما يعني أن الولايات المتحدة الأميركية لن تعوّم الحكم "الإخواني" بشكل كامل، ولن تسمح بانهياره بشكل كامل، إلى أن يلتزم بالشروط الأميركية، وهي تتضمن: الالتزام بأمن ووجود "إسرائيل"، والالتزام بمعاهدة السلام المصرية "الإسرائيلية"، والالتزام بأدوار إقليمية يتفق عليها بين واشنطن والقاهرة، ضرورة قبول مصر بالشروط المطلوبة من صندوق النقد الدولي.
الحقيقة المرّة التي يعانيها العالم العربي، أن ثوراته بالفعل تاريخية، وأن الثورات التاريخية تلك وكما يظهر لغاية الآن، يبدو أنها ستعيد المجتمعات إلى ما قبل التاريخ، وهو ما قد يخدم المخطط الغربي بجعل "إسرائيل" قبلة أنظار الغرب في ديمقراطيتها وتطورها في شرق يعيش التخلف والجهل والاستبداد.

هناك تعليق واحد:

  1. أحمد طرابيك21/3/13 17:16

    رغم احترامي وتقديري الكبيرين لتقييم ما يحدث في مصر ، لكن يجب مراعاة أن ما يحدث في مصر ، لا تعبر عنه وسائل الإعلام بمنتهي المصداقية والحياد ، فللاسف أن معظم وسائل الإعلام يملكها ويتحكم بها ويمولها طرف واحد ، هو المعارضة المدعومة من فلول النظام السابق .
    ولذلك فإن الذين يقيمون الوضع في مصر من الخارج لا تتاح لهم تقييم ما يجري بصورة محايدة ، نظرا لإستقاء معلوماتهم من خلال وسائل الإعلام .
    وهذا لا يعني ان الوضع في مصر هو مستقر وجيدا ن وكل الأمور تسير في مسارها الطبيعي والصحيح ، ولكن فترة التحول التي تعيشها مصر ، والتي تشهد صراعا حادا بين النظام الجديد ، والنظام السابق المتحالف مع أصحاب المصالح في الداخل والخارج ممن لا يعنيهم نجاح الثورة المصرية خاصة وثورات العالم العربي عامة .
    نعم قطاع الشباب الذين كانوا وقود الثورة في مصر والعالم العربي لم يستطيعوا أن يكونوا في الأماكن التي تتناسب مع حجم تضحياتهم ، وما قدموه أثناء الثورة ، وذلك يرجع إلي عدم الخبرة السياسية التي تؤهلهم للمنافسة مع التيارات الأخري .
    أخيرا بقي القول أنه من المبكر الحكم علي التجربة الجديدة في مصر ن فما زال الطريق طويلا من اجل بناء النظام الجديد المستقر ، والذي يمكن أن نحكم عليه من مختلف الجوانب ز

    ردحذف