2013/05/23

الطريق الى جنيف معبّدة بالألغام


الثبات- الخميس 23 أيار 2013                         

لم يكن يتصور أكثر المتفائلين بسقوط النظام السوري أن يهرع الأميركيون إلى روسيا والقبول بالذهاب إلى حل سياسي سلمي للأزمة، يخفّف من وطأة التطورات الدراماتيكية المتسارعة، ويحدّ من خسائر المعارضة التكفيرية المسلحة في الداخل.

وقد يكون الأميركيون باتوا مقتنعين بأنه - في نهاية المطاف - يجب أن تصل الأمور إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات، لتقاسم مناطق النفوذ في الشرق الأوسط مع الروس، وإتاحة المجال للسوريين للخروج من المأزق بحل سياسي سلمي يعيد ترتيب السلطة من خلال تقاسمها بين المعارضة والنظام السوري. في المقابل، يدرك الحلف الداعم للنظام السوري أن بدء مرحلة التراجع الغربي ستدفع إلى تراجع أكبر، خصوصاً في ظل الحسم الأمني والعسكري والخسائر التي يتكبدها المقاتلون على الأرض، وخشية الجميع من تعاظم نفوذ "القاعدة" وأخواتها في بلاد الشام، ما سيدفع الأميركيين إلى "العقلانية" ودفع حلفائهم إلى الطاولة، أملاً في تحديد الخسائر، وإدراكاً منهم بأن ما يمكن أن يأخذوه من مكاسب الآن قد لا يستطيعون تحصيله غداً.

لكن العقل الأميركي الذي لم يستنفد إمكانياته بعد، بدليل الدخول "الإسرائيلي" على خط الأزمة،  قد يكون راهن على خداع النظام السوري وحلفائه بالادعاء بأن التوافق مع الروس بات كاملاً، وإعلانه انعقاد مؤتمر "جنيف-2" في وقت قريب جداً، وذلك أملاً بإدخال الجيش السوري في فترة إحجام عن القتال، أو هدوء على الجبهات، لإعطاء الفرصة للمقاتلين المدعومين من الغرب لالتقاط الأنفاس، واستيعاب الضربات التي وجّهها لهم الجيش السوري في القصير وغيرها، ولتخطي الإحباط الذي مُنيت به هذه المجموعات بعد فشلها في الهجوم على دمشق، بالتزامن مع القصف "الإسرائيلي" الجوي لمواقع استراتيجية كاشفة في جبل قاسيون، لكن على ما يبدو، ومن منطلق أن "المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين"، لم تنطلِ هذه الحيَل على النظام السوري وحلفائه، بل استمر الحسم العسكري في القصير وفي مناطق عدّة، مكبدين خسائر هائلة بين صفوف التكفيريين، الذين يقاتلون نيابة عن الغرب وبعض العرب، ما استدعى التدخل "الإسرائيلي"، وهو ما أظهر حجم المعركة وأهميتها، وحجم التعاون والتنسيق الغربي و"الإسرائيلي" مع المجموعات المسلحة في الداخل السوري.

ولعل فشل الخطة الأولى، وعدم تراخي الجيش السوري في الحسم العسكري، وتسارع إيقاع الجبهات، حيث يضرب الجيش السوري معاقل الإرهابيين من دون هوادة، فرض على الأطراف الداعمة لهؤلاء أن تُسارع إلى تدارك الوضع، وتحاول الالتحاق بالركب، مع رفع سقف المطالب - لفظياً - إلى حدها الأقصى، لتحصيل أكثر ما يمكن تحصيله في أي مسار تفاوضي مقبل.

وهكذا، نجد أردوغان المُحرج في سورية، والذي يخشى انتقال الحريق السوري إلى الداخل التركي، حاول بداية معارضة الذهاب إلى مؤتمر "جنيف-2"، علماً أن الأتراك هم أحوج من غيرهم لمخرج مشرّف يخرجهم من الوحل السوري ويحفظ استقرار الدولة التركية، ويحررها من الالتزامات التي قامت بها بأن أصبحت قاعدة خلفية لـ"الجهاديين" في سورية وممولهم، لكن بعد زيارة أردوغان لأميركا، يعلن الأتراك نيتهم الذهاب إلى جنيف، موحين بأنهم لم يبدّلوا رأيهم، ولم يتراجعوا عن إسقاط الأسد، إنما تبدّل الأسلوب "جزئياً"؛ بأن تحوّل من خيار إسقاط النظام بالقوة إلى إسقاطه عبر عملية سياسية تؤدي في النهاية إلى رحيله، وهو الموقف نفسه الذي عبّر عنه "إخوان" مصر، فتحدثوا عن عملية سياسية وحل سلمي يقود إلى سورية من دون الأسد، موحين بأن الحلف الغربي - العربي الداعم للمجموعات المسلحة ما زال باستطاعته أن يفرض شروطاً سياسية تخوّله أن يأخذ بالسياسة ما لم يستطع أن يحققه في الميدان.

إذاً، لا يبدو أن أياً من أطراف الصراع قد أقرّ بموازين قوى جديدة، أو بات مستعداً للإقرار بالهزيمة في جنيف الشهر المقبل، فالمعارضات الذاهبة إلى المؤتمر ما زالت تحلم برحيل الأسد، وتطمح مسبقاً إلى إلغاء بعضها البعض، والدول الداعمة للمجموعات المسلحة مستعدة للقتال حتى آخر سوري، والتنافس فيما بينها يبدو على أشدّه خلال السير نحو جنيف.. في المقابل، لا يمكن للنظام السوري أن يكون مستعداً لتقديم تنازلات صعبة، في وقت استطاع أن يحسم عسكرياً ويفوّت الفرصة على التكفيريين بإسقاط دمشق، فما لم يكن مقبولاً وقت الضعف، لا يمكن أن يكون مقبولاً بعد الانفراج، لذا هناك احتمال وارد جداً بألا تكون ثمرة الحل في جنيف الشهر المقبل قد أينعت وحان وقت قطافها بعد، إلا إذا انتهت معركة القصير قبله.

د. ليلى نقولا الرحباني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق