2013/08/01

"الربيع العربي" الثاني: سقوط السلطة والأيديولوجيا

يسود الارتباك والقلق جماعة "الإخوان المسلمين" في جميع أنحاء العالم العربي، فلم تكد حركة "تمرّد" تنجح في مصر، وتطيح بحكم "الإخوان"، حتى باتت جميع الشعوب العربية مستعجلة لتكرار السيناريو المصري في البلدان التي قيل إنها شهدت "ربيعاً عربياً" في العامين الماضيين.

وعلى أثر ما حصل في تونس من مظاهرات، وما يجري في ليبيا من أعمال عنف وإحراق لمقرات "الإخوان"، واغتيالات متنقلة تؤجج مشاعر الغضب ضد "الإخوان" في كلا البلدين، يرتاب "إخوان" تونس وليبيا اليوم بشكل خاص، وحركة "الإخوان" العالمية بشكل عام، من أن يكون هذا الأمر مقدمة لانتشار العدوى المصرية وسقوط حكمهم بنفس الطريقة التي استعملوا فيها هم ثورات "الربيع العربي" ليسيطروا على السلطة، وحاولوا بسط نفوذهم في كل من مصر وتونس وليبيا وسورية والأردن وغيرها، للتأسيس لهلال "إخواني" يحكم الشرق الأوسط ويتمدد إلى الخليج العربي.

قد يكون القلق "الإخواني" مبرَّراً، فمبدأ "العدوى الثورية" هو مبدأ معروف في التاريخ، فحين انطلقت موجة الديمقراطية في أميركا اللاتينية أواخر السبعينات، شهدت المنطقة ما يشبه عملية الدومينو أو العدوى، فانهار الحكم الديكتاتوري في كل من إيكوادور وبوليفيا وتشيلي والأرجنتين وأروجواي والبرازيل، وذلك في مدة لا تتجاوز السبع سنوات، وحين بدأت الثورات الملوّنة في أوروبا الشرقية السابقة، انتشرت العدوى في أرجاء المنطقة، فأطاحت بالحكام السابقين في عدد من الدول في فترة زمنية لا تتجاوز سنونها عدد أصابع اليد الواحدة.

وكما يبدو من خلال المسار الانتقالي الذي تعيشه هذه الدول، يمكن مقارنة تداعيات التحول الديمقراطي في العالم العربي بتداعيات الانتقال الذي عاشته دول الاتحاد السوفياتي السابق، أما وجه الشبه بين الاثنين فيعود إلى أن ثورات 1989 أطاحت في نفس الوقت بالحُكام السابقين، وأطاحت بالأيديولوجيا التي بُنيت عليها السلطة في تلك الدول، فكان سقوط سلطة وأيدولوجيا معاً في دول بعضها سار مسيرته في التحول الديمقراطي بطريقة هادئة، ومنها من أدخل في دوامة الفوضى والاقتتال المذهبي والطائفي الذي أدى إلى انفجار بعض الدول وتقسيمها على أساس عرقي ومذهبي، وهو قد يشبه إلى حد بعيد ما هو حاصل في العالم العربي اليوم، من مسارات فوضى واقتتال في العديد من البلدان التي قد تؤدي إلى انفجار الحروب الأهلية التي ستؤثر حتماً على وحدة اقتصادها ووحدة نسيجها الاجتماعي.

وهكذا نرى أنه في الوقت الذي أطاح العرب بحكامهم الديكتاتوريين السابقين، يستكملون اليوم مسارهم الثوري بعملية انقلاب شعبية على مفاهيم أيديولوجية حكمتهم في العامين المنصرميْن منذ سقوط الحكمين التونسي والمصري، ما سيؤدي حكماً إلى تخلي كثيرين في العالمين العربي والإسلامي عن تأييد أيديولوجيا "الإخوان" لأسباب عدة، منها المصلحي والاقتصادي، ومنها السياسي، ومنها النفور من التسلط الذي مورس بشكل يشبه الديكتاتوريات السابقة.

أما وجه الاختلاف بين تلك الثورات وثورات العرب المتجددة، فهو أن شعوب دول الاتحاد السوفياتي السابق تخلّت عن العقيدة الشيوعية لصالح أيديولوجية واضحة ومحددة هي المبادئ الليبرالية الغربية، التي تقوم على حرية اقتصاد السوق، والتعددية السياسية والحزبية، وسيادة مفاهيم حقوق الإنسان والديمقراطية بحسب التصورات الغربية، بينما لا تتجه مسيرة العرب في إسقاط أيديولوجا "الإخوان" نحو مسار حتمي في فرض أيديولوجيا محددة دون سواها.

واللافت أن المستفيد من سقوط حكم "الإخوان"، أو من قد يكون مساهماً في التحريض على إسقاط حكمهم ويعمل على المساهمة في تمويل انتشار عدوى إسقاطهم في "دول الربيع العربي"، هو "التيار الوهابي" السعودي، الذي يقوم بتمويل المجموعات السلفية المناوئة لحكم "الإخوان" وتحريضها على الثورة ضدهم، ولا يتردد في القيام بالاغتيالات والتفجيرات واستعمال الممارسات العنفية التكفيرية ضد كل مخالف للرأي.. وهكذا، يعيش "الإخوان" في جميع أنحاء العالم العربي القلق والارتياب نفسه الذي عاشه الشيوعيون وهم يرون انهيار منظومة العالم الاشتراكي بشكل متسارع، وبات "الإخوان" يحصدون ثمار ما زرعوه خلال فترة حكمهم، فهم عمدوا إلى استغلال الحركات السلفية، والاتكاء عليها للوصول إلى السلطة، واستغلوها للقيام بالنيابة عنهم - بما يسمى في العلوم السياسية - أساليب "الحرب القذرة"، أي تصفية الخصوم والمعارضين، إلى أن انقلب السحر على الساحر وبات "الإخوان" اليوم يدفعون ثمناً باهظاً لسياسة التحريض والتعمية والتورية والإقصاء التي مارسوها.

المشكلة التي قد تقع الشعوب العربية بها اليوم، هو أن يستطيع "التيار الوهابي" الحصول على جزء مهم من السلطة، متكئاً على تمويل خليجي كبير وقدرة على التجييش وفرض النفوذ بسبب الدوغما الدينية التي يفرضها، مستنداً إلى التشرذم الذي يعيشه التيار الديمقراطي الليبرالي، باعتباره خليطاً من الأحزاب القومية والعربية، والليبرالية والعلمانية والمنظمات الشبابية وغيرها، وهو ما سيحتاج إلى ثورات أخرى، ودورات متجددة من العنف لتصحيحه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق