2013/11/13

أميركا وايران... اللعب على المكشوف

د. ليلى نقولا الرحباني
تنتشر أجواء التفاؤل في العالم والمنطقة باحتمال قرب التوصل الى تسوية شاملة في منطقة الشرق الأوسط، وهو تفاؤل مشروع بعد وصول الرئيس روحاني الى سدة الرئاسة في ايران، ووجود باراك اوباما وفلاديمير بوتين على رأس السلطة في كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية.
وبالرغم من أجواء التفاؤل المفرطة التي عاد وبددها ما حصل في الاجتماع الأخير الذي حصل في جنيف بين الدول الست وايران، إلا أن ما يظهر من السياسات الخارجية  لكل من الولايات المتحدة الأميركية وايران، يظهر قدرة احترافية للطرفين في لعبة الشطرنج، التي تحتاج هدوء أعصاب وتكتيكات لا يبدو أنها تنقص أحد منهما. وهكذا نجد في لعبة الشطرنج المشتركة تلك ما يلي:
- توزيع أدوار غربي واضح بشكل لا لبس فيه، وقد اضطرت الولايات المتحدة الأميركية الى تبرير ما حصل في الاجتماع من عرقلة فرنسية مدروسة بالقول أن المواقف الغربية كانت منسقة، وذلك في ظل اتهام للفرنسيين بعرقلة اتفاق تاريخي انتظره العالم لعقود. ونفت باريس تفرّد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في طلبه خلال محادثات جنيف، إدخال التخصيب بنسبة 20 في المئة ومفاعل آراك الذي سيصنّع بلوتونيوم، في الاتفاق المرحلي المقترح، وأكدّت إن فابيوس كان قد نال موافقة تامّة من كيري قبل هذا الطرح.
- تذرّع الطرفين الأميركي والايراني بالمتطرفين والمتشددين على يمينه لحصد مزيد من المكاسب من الطرف الآخر. فمن ناحية الولايات المتحدة والغرب، يقوم الأميركيون بالانفتاح على ايران واطلاق التصريحات المتفائلة حول الدور الايراني الايجابي وإمكانية التوصل الى تسوية، وفي الوقت نفسه يهدد بعض أعضاء الكونغرس الأميركيين بالتصويت على تشديد العقوبات على ايران، ويقوم الاسرائيلي بالتهديد بالذهاب الى خيار الضربة العسكرية ضد ايران، علمًا أن الأميركي، لا يمكن أن يقدم على أي خطوة دبلوماسية أو عسكرية أو سياسية، في منطقة الشرق الأوسط بدون الأخذ بعين الاعتبار العامل الاسرائيلي ومصلحة وأمن اسرائيل مسبقًا وقبل أي اعتبار. وما هذا التباين بين التصريحات، إلا نوعًا من ذرّ الرماد في العيون، وتوزيع أدوار لكسب المزيد من التنازلات من الطرف الايراني.
وفي مقابل ذلك، يلعب الايراني اللعبة نفسها ويتقنها كما يتقنها الأميركيون تمامًا، ففي خضّم الحديث عن قرب التوصل الى اتفاق في جنيف، قام المرشد الاعلى علي خامنئي بدعم المفاوضين الايرانيين ولكنّه عبّر - مسبقًا- عن عدم تفاؤله بنتائج المفاوضات معتبرًا  أنه لا يمكن "الوثوق في عدو يبتسم، فالأمريكيون من ناحية يبتسمون ويعبرون عن رغبة في التفاوض ومن ناحية أخرى سرعان ما يقولون ان كل الخيارات مطروحة". وفي الوقت الذي كانت السلطات الايرانية تحاول مدّ جسور التواصل مع الولايات المتحدة الأميركية والغرب، وتحاول القيام بمبادرات ايجابية لبناء الثقة والظهور بمظهر المستعد للحوار والانفتاح ولعب دور ايجابي والاسهام بالحلول في المنطقة، كانت الاحتفالات تعمّ طهران بمناسبة الذكرى الرابعة والثلاثين لعملية احتجاز الرهائن في السفارة الاميركية في طهران مع استمرار التمسك بشعار الموت لاميركا، وتأكيد نحو 200 من نواب البرلمان ال290 في بيان مشاركتهم في التظاهرة السنوية التي تقام أمام مبنى السفارة  الأميركية السابقة والهتاف الموت لاميركا. كما أكد الحرس الثوري ان شعار الموت لاميركا هو رمز مقاومة وتصميم الأمة الايرانية أمام هيمنة الولايات المتحدة، الأمّة المستكبرة غير الجديرة بالثقة.
أما في المنطقة، فتقوم السياسة الخارجية الايرانية - وكما الأميركية- على خطين: السير نحو خيار الذهاب الة جنيف 2، والانفتاح نحو تركيا وبعض الدول الخليجية، سواء من قبل الايرانيين أو من قبل حلفائهم العراقيين، في مقابل الثبات على الموقف ودعم النظام السوري وعدم التخلي عن بشار الأسد، ومساعدته ماليًا ولوجستيًا وتقنيًا. وهو ما يفعله الأميركيون تمامًا بتسويق التزامهم بخيار التسوية التي اتفقوا عليها مع الروس وبضرورة الذهاب الى حل سلمي في جنيف 2، وفي المقابل يستمرون بدعم المعارضة المسلحة، وتوكيل حلفائهم السعوديين بإطالة عمر الأزمة ومحاولة تغيير موازين القوى على الأرض لكسب المزيد من التنازلات من الطرف الآخر.
إذًا، هي سياسة "المصافحة باليد اليمنى، والمسدس باليد اليسرى" يتقنها جيدًا الفريقان اللاعبان على الساحة الشرق أوسطية، وبات اللعب مكشوفًا جدًا، وتبقى الشعوب الفقيرة في العالم العربي، رهينة لعب الكبار في مصيرها، وبانتظار انتهاء اللعبة بيأس أحد الطرفين أو القبول بما تحقق من التسوية، اقتناعًا من الطرفين بأنه لم يمكن بالامكان أحسن مما كان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق