2014/02/02

ماذا يفعل الايرانيون؟

د. ليلى نقولا 

لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع أن تحلّ ايران - بهذه السرعة- ضيفًا مقبولاً ومحتفى به في القمم العالمية الكبرى، فها هو وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، لا يكاد يستقر أسبوعًا واحدًا في طهران حتى يغادرها للمشاركة في قمة عالمية كبرى، يجالس فيها الاوروبيون، ويتناغمون معه، ويطلبون رأيه أو يخطبون ودّه.
 لم يكترث الايرانيون كثيرًا لاستبعادهم عن مؤتمر جنيف 2، فهم لم يكونوا أصلاً مقتنعين بأن المفاوضات ستفضي الى حل أو الى بداية حل، فما حصل خلال الأسابيع القليلة التي سبقت المؤتمر، وما تمّ تسريبه عن التهديدات التي أطلقها السفير الأميركي روبرت فورد لوفد الائتلاف ليجبرهم جبرًا على المشاركة في المفاوضات، بالاضافة الى استمرار السقوف العالية المطالبة برحيل الأسد، كانت قد أشارت قبل المؤتمر بأن مصيره الفشل.

وما تخلّف عنه الايرانيون في مونترو، كان مناسبة لهم لحصاد من نوع آخر في مدينة سويسرية أخرى - دافوس- حيث شارك الرئيس روحاني ووزير خارجيته في «المنتدى الاقتصادي العالمي» الذي يشارك فيه سنويًا ما يفوق الأربعين رئيس حكومة ودولة، بالإضافة الى رجال الأعمال والمستثمرين، وشخصيات من المجتمع المدني العالمي. ولعل نجم مؤتمر دافوس هذه السنة كان الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي خطف الأضواء في مداخلته التي دعا فيها الى الاستثمار في بلاده، وأعطى صورة مشرقة لمستقبل الاستثمار في ايران خاصة في ظل التوجّه الى رفع العقوبات عن بلاده. وفي مقابل الابتسامات التي وزعها الرئيس الايراني، كان وزير خارجيته يشارك في اللقاءات المعلنة وغير المعلنة لمناقشة الوضع السوري، والوضع الفلسطيني حيث خصصت العديد من الجلسات لهاتين القضيتين على هامش المؤتمر، فطرحت ايران وجهة نظرها، وأكدت قدرتها على المساهمة بتأمين الاستقرار في الشرق الأوسط.

أما في مؤتمر ميونيخ للأمن الذي بدأ أعماله الجمعة، والذي تتصدر اهتماماته موضوعي الأزمة السورية والاتفاق النووي مع ايران، فكان الاعلان مبكرًا من قبل مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون بأنها عقدت اجتماعًا "مثيرًا للاهتمام بحق" مع وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف واتفقا على أن تبدأ المحادثات بين الدول الست وايران بشأن اتفاق طويل الأمد  في 18 شباط  الجاري.

وبمقابل بوادر الانفتاح على العالم، يدرك الايرانيون أن بيدهم أوراقًا اقليمية هامّة يتمسكون بها، ولا يتوانون عن استعمال كل ما يمكنهم استعماله للاستفادة في توسيع نفوذهم الاقليمي أو الاستفادة من موقعهم الاستراتيجي في المنطقة. فها هو رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، يزور ايران ويعلن عن زيارة مماثلة للرئيس روحاني الى تركيا في شهر شباط الجاري، ليتم التوقيع أثناءها على اتفاقية تأسيس «مجلس التعاون التجاري والاستراتيجي»، الذي تم الاتفاق عليه خلال زيارة طهران، وحيث من المتوقع أن يرفع حجم التبادل التجاري بين البلدين الى 30 مليار دولار عام 2015.

ولعل الورقة الأبرز التي يحملها المفاوض الايراني - بالاضافة الى الاوراق الاقليمية في العراق ولبنان سوريا والبحرين واليمن الخ- قد تكون ورقة افغانستان، والتي تدرك طهران جيدًا كيفية استخدامها، فالعلاقات الوطيدة التي نسجها الايرانيون مع الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، واتفاقية الصداقة والتعاون التي وقعّها الطرفان، والتصريحات العالية السقف للرئيس روحاني خلال زيارة كرزاي الى طهران في كانون الأول 2013، كلها تشير الى أن الايرانيين يدعمون الرئيس الأفغاني في رفضه توقيع الاتفاقية الأمنية مع واشنطن، بالرغم من التهديدات الأميركية والدعوة الى توقيع الاتفاقية حالاً وعدم الانتظار الى ما بعد الانتخابات الرئاسية في نيسان القادم، كما يصرّ كرزاي. ويعتقد كثيرون أن مفتاح توقيع الاتفاقية في يد طهران التي تستطيع التأثير على الرئيس الأفغاني، لكن ايران لا تبدو مستعدة لإعطاء واشنطن مكاسب مجانية، في وقت يقوم الأميركيون بتحريض طالبان على القيام بهجومات في الداخل الأفغاني - كما يتهمهم كرزاي.

بكل الأحوال، تبدو السياسة الخارجية الايرانية في أكثر عهودها نشاطًا في هذه الفترة، ويستغل الايرانيون كل نقاط القوة لديهم، ويحاولون التخفيف من نقاط الضعف ولا سيما الوضع الاقتصادي المتردي الذي سببته العقوبات الدولية، ورويدًا رويدًا، ستحوّل ايران نفسها - إن استمرت عل هذا الحال- الى قوة عظمى في المنطقة خاصة في ظل انشغال العرب باقتتالهم الداخلي، وقد يكون هذا ما يخشاه السعوديون فعلاً، فهل يكون الحل بالعداء، أم بالتعاون والتنافس المشروع؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق