2016/07/13

"التأرجح" الروسي في سورية.. أسباب داخلية أم أميركية؟

د. ليلى نقولا
يحتار العديد من الباحثين في فهم السياسة الروسية في الشرق الأوسط، خاصة في ظل ما يظهر أنه إصرار روسي على إنخراط وتعاون مع الأميركيين في سوريا، فيعلنون عن رغبتهم الدائمة بالتعاون بينما يتهرب الأميركيون ويعلنون عدم التنسيق الميداني. ولقد ازدادت هذه الحيرة، حين أوقف الروس الاندفاعة العسكرية التي بدأت مع دخولهم العسكري المباشر الى سوريا، وما نتج عنها من انتصارات ميدانية متسارعة، كادت - بحسب بعض المراقبين- أن تحقق انتصارًا للجيش السوري وحلفائه لن يكون بعده الحديث عن قلب موازين القوى العسكرية متاحًا.
لا أحد يستطيع الجزم بالاسباب التي تدفع الروس على الإصرار على التعاون مع الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وإن كان الأمر متعلقًا بواقعيتهم وإدراكهم لحجم دورهم المفترض، أو لعدم قدرتهم وعدم حماستهم للذهاب الى حرب باردة جديدة، أو لأسباب اقتصادية داخلية أو غيرها. ولكن، قد يكون مرتبطًا أيضًا بالفهم الروسي للعقل الاستراتيجي الأميركي والخطوط الأميركية الحمراء التي لو تمّ المساس بها، فستدفع الأميركيين الى القتال والانخراط عسكريًا بشكل مباشر وبدون إحراج.
واقعيا، هناك عدّة أهداف استراتيجية كبرى ترتسم في العقل الاستراتيجي الاميركي، ولكن ما يهمنا هنا، هو الهدف الاستراتيجي الاول والأهم، وهو "حرية الدخول والحركة في المناطق الحيوية" .
يعتقد الكثير من الخبراء الأميركيين أن هذا الهدف المشار اليه، قد أثبت خلال مئة عام أنه من أهم الأهداف التي يمكن للأميركيين بذل الكثير من التضحيات لأجل الحفاظ عليه أو تحقيقه. وبشرح بسيط، لقد كان الأميركيون يهدفون دائمًا الى المحافظة على حرية وصولهم بلا قيود، وعلى نظام سياسي متوازن يضمن لهم نفوذًا في كل أوروبا وشرق آسيا، والشرق الأوسط، لذا هم لن يترددوا في شن حرب عسكرية لحماية هذا الهدف الحيوي والرئيسي بالنسبة لهم.
ولكن، لماذا يستعد الأميركيون لبذل الكثير من التضحيات ودفع الأثمان لتحقيق هذا الهدف؟.
تتباين تفسيرات الخبراء الأميركيين في هذا الشأن، فالتفسيرات الواقعية تشير الى أن الهدف دائمًا هو منع هيمنة أي دولة أخرى - معادية- من بسط السيطرة والهيمنة على واحدة من هذه المناطق الحيوية الرئيسية، بينما الليبراليون يؤكدون على أن هذا الهدف هو لتدعيم القيم الأميركية الداخلية في الحرية والرخاء، وأنه ضرورة لاستمرارها وتطورها ونشرها في تلك المناطق الحيوية.
وبما أني أميل للمدرسة الواقعية، ولا أؤمن بوجود قيم عالمية يتم السعي لتحقيقها من خلال القوة، فإن التفسير الاول يكون أقرب الى المنطق، وذلك لأن الدول الكبرى تسعى دائمًا الى الهيمنة في المناطق الاستراتيجية الحيوية في العالم، وهي بالتالي تسعى أولاً الى الهيمنة على محيطها الجغرافي الخاص، وتقوم ثانيًا بمنع الدول الأخرى من الهيمنة في محيطهم الجغرافي الخاص ومحاولة منافستهم فيه. وهكذا تعمد الدول الكبرى الى ممارسة سياسات الردع، والاحتواء، ومنع بروز أي قوة دولية أو اقليمية أخرى ومنعها من الهيمنة.
من هنا، كان الهدف الرئيسي الدائم للولايات المتحدة، ليس فقط منع الآخرين من الاقتراب أو محاولة مدّ نفوذهم الى الحيز الأميركي، بل أيضًا مدّ نفوذها الى مناطق الآخرين ومنافستهم في حيّزهم الجغرافي لضمان حرية الوصول والحركة في تلك المنطقة الحيوية، ولو كانت بعيدة جغرافيًا عن الولايات المتحدة.
بهذا المعنى، قد يكون الروس أدركوا مدى أهمية "حرية الوصول والحركة" في الشرق الأوسط وفي سوريا والعراق بالتحديد، بالنسبة للأميركيين، ويدركون أن تحدي الأميركيين في هذا المجال، سيدفعهم الى المزيد من الانخراط العسكري لتأمين هذا الهدف، وهو ما سيرتدّ سلبًا على كل من الروس ومحور المقاومة، وسيدفع الى مزيد من الاستنزاف في الحرب السورية، يؤدي الى خسارة الجميع بتمكين الارهابيين، لذا عمدوا الى عدم استفزازهم في هذا المجال.
في المحصلة، لا يمكن لأي مراقب من الخارج إدراك حقيقة ما يفكر فيه الروس في حركتهم وانخراطهم "المتأرجح" في سوريا، ولكن، بكل الأحوال، لقد كان لانخراطهم السياسي في مجلس الأمن، ثم الانخراط العسكري في الميدان، تأثير كبير على حجم الدور الروسي العالمي، وأهمية روسيا كدولة على الصعيدين العالمي والاقليمي في الشرق الأوسط. لذلك، مهما تأرجح الروس بين الفعل وعدم الفعل، والانخراط وعدم الانخراط، يبقى الانتصار في سورية حاجة روسية قد توازي الحاجة السورية - الايرانية للانتصار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق