2017/08/16

ترامب لمعارضيه: أنا أو الحرب الأهلية!

د. ليلى نقولا
منذ استلامه السلطة، يعاني الرئيس دونالد ترامب من معارضة شديدة في الداخل، ومحاولة عزل وهجوم حاد من الاعلام والسياسيين في داخل أميركا وحتى في اوروبا.
ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة الحديث على الاقل، يعاني رئيس أميركي من اعتراضات بهذا الحجم، وتسيير مظاهرات في الشارع مباشرة بعيد انتخابه، كون النظام الأميركي لطالما أعطى شرعية للرئيس ومنحه صلاحيات واسعة، وأكسبه هالة تعينه على تنفيذ سياسة خارجية قوية، يفرضها في الخارج باعتبار الولايات المتحدة هي القوة الأعظم في العالم، وتحتاج دائمًا الى ابراز القوة والهيبة على حلفائها وأعدائها على حد سواء.
وفي الأشهر المنصرمة، صدرت العديد من الأصوات المطالبة بعزل الرئيس وتقديمه للمحاكمة أو استقالته.  وقد قام عضو الكونغرس الأميركي الديمقراطي آل غرين بالتعاون مع عضو الكونغرس الجمهوري بتقديم لائحة اتهام مطالبين بمحاكمة الرئيس "لعرقلته العدالة"، في معرض أقالته مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي. علمًا أن الدستور الأميركي، يجيز تقديم الرئيس للمحاكمة، في حال ارتكابه " سوء الممارسة أو اهمال واجباته كرئيس "، وقد ضيّق المشترع الأميركي تفسيره لهذه الجريمة، وحددها بـ "الخيانة العظمى، وتلقي الرشوة". وهذا يعني أن "عرقلة العدالة" كما يشار اليها هنا، لا تنطبق على "سوء الممارسة" لمحاكمة الرئيس أو تجريمه، كون الرئيس الأميركي يتمتع بصلاحيات واسعة منها حقه في إقالة من يشاء وتعيين من يشاء بدون مبررات.
وبالرغم من كل هذا، اشتدت الضغوط على الرئيس ترامب وفريق إدارته وتوالت الفضائح حول علاقة مقربين منه بالروس، ووصلت التحقيقات الى داخل بيته. وكما هو معروف في الممارسة السياسية الدولية، فإن إحراج الرؤساء في الداخل عادة ما يدفعهم الى التوجه الى الخارج للحرب أو التهديد بالحرب أو استخدام الذرائع حول "وجود عدو" لإسكات الأصوات في الداخل كون "العدو يتربص بنا"، و"نحن في معركة مصير ووجود" أو "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة".... وهي كلها من السلوكيات المعروفة لدى قادة الدول.
ولم يشذ ترامب عن هذه القاعدة، فعندما اشتد الضغط عليه في المرحلة السابقة، قام بتهديد الرئيس السوري بشار الأسد، فافتعلت المجموعات المسلحة في سوريا "حادثة خان شيخون الكيمياوية"، التي أعطت الذريعة لترامب، لقصف مطار الشعيرات، وهو ما أدى الى خروج كثيرين ممن كانوا يعارضونه للترحيب والتصفيق لتلك الضربة، باعتبار ترامب "بات اليوم رئيسًا للولايات المتحدة" كما عبّر دايفد اغناتيوس.
لكن سرعان ما خفت وهج تلك الضربة وبات مطلوبًا من ترامب تقديم المزيد من العسكرة والتدخل المباشر في سوريا، وهو أمرّ حذر منه البنتاغون، إذ أتت الرسائل الروسية واضحة ومنبّهة من مغبة التمادي في الاستفزاز في سوريا.
وعندما ازداد سيل الفضائح واشتدت الحملات السياسية وبدأت التحقيقات تتوالى وتصل الى أقرب الدوائر المحيطة بترامب، برزت أزمة كوريا الشمالية، وقام ترامب بالتصعيد ملوحًا بحرب نووية، سرعان ما تبين أنها ستكون صعبة وسيكون بمقدور كوريا الردّ على التهديد الأميركي بتهديد مماثل.
وفي خضّم هذا الجو المحموم دوليًا، وخروج الأصوات المحذّرة من خطورة أي حرب نووية على مصير العالم برمته، تبين أن الخيار بالهروب الى الامام من خلال حرب في الخارج قد لا يكون بمتناول ترامب، برزت حوادث شارلوتزفيل Charlottesville  في فيرجينيا بين القوميين البيض ومعارضيهم، والتي شهدت انتشار ميليشيات مسلحة تروّع المواطنين، وأدّت الى اعلان حالة الطوارئ، لتعطي انذارًا واضحًا بما قد تؤول اليه الأمور في حال عزل ترامب أو اغتياله أو دفعه الى الاستقالة.
الحرب الاهلية في الولايات المتحدة، قد لا تكون ضربًا من الخيال أو التنبؤات، ولكن كل شيء يشي بأن هناك نارًا تحت الرماد في المجتمع الأميركي، وأن القوميين البيض الذي استطاعوا ايصال مرشح يتكلم لغتهم الى البيت الأبيض ويخاطب وجدانهم وعنصريتهم، لن يسمحوا بإخراجه بالقوة أو محاكمته... ويبدو أن ترامب الذي عرف جيدًا كيف يستغل غضب هؤلاء وعنصريتهم للنجاح في الانتخابات، ما زال قادرًا على استخدامهم لتهديد خصومه في الداخل، بمعادلة: أنا أو الحرب الأهلية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق