2018/05/09

انهيار الاتفاق النووي... هل زادت احتمالات الحرب في المنطقة؟


د. ليلى نقولا
كما كان متوقعًا، إنسحب ترامب من الاتفاق النووي الايراني بصورة إنفرادية، وهو قرار يُتوقع أن يجلب المزيد من التوتر الى الشرق الأوسط، بدليل أن الاسرائيليين حاولوا البناء على ذلك بدفع المنطقة الى حافة حرب إقليمية باستهدافهم مواقع عسكرية في سورية وإعلان الاستنفار في الجولان المحتل مباشرة بعد إعلان ترامب، مما يؤشر الى أن ترامب ونتنياهو يدفعون الأمور الى التصعيد ليجبروا إيران على الردّ.
وفي خضّم هذا القلق المتنامي، يتبادر الى الذهن سؤالان: ما الهدف من خروج ترامب من الاتفاق النووي، وهل ستحصل حرب بين ايران واسرائيل؟

بالنسبة للسؤال الأول:
من الطبيعي أن ترامب وإدارته من الصقور بخروجهم من الاتفاق، سيعملون الى إعادة فرض العقوبات على ايران وتهديد الشركات التي تستثمر في السوق الايراني بفرض عقوبات عليها، مما يدفعها الى الخروج من ايران وهذا يعني أنه لو بقيت أوروبا وروسيا والصين في الاتفاق، فإن خوف الشركات من العقوبات عليها سيجعل من العقوبات الأميركية الآحادية أكثر فعالية.
ويعتقد ترامب أن إعادة فرض العقوبات، سوف يدفع الى أحد أمرين: إما الضغط على النظام الايراني وإنهياره، أو إجبار الايرانيين على إعادة التفاوض على الاتفاق وبالتالي يستطيع الغرب وتحت وطأة الضغوط الاقتصادية، دفع إيران الى القبول بالتفاوض على برنامجها للصواريخ الباليستية ونفوذها في الشرق الأوسط.

بالنسبة للأمر الاول، أي إنهيار النظام الايراني من الداخل، فإن التاريخ والتجارب تنبئ أن هذه الآمال لن تتحقق، فالضغوطات الاقتصادية السابقة على إيران وما سمي "الثورة الخضراء" لم تستطع إسقاط النظام الايراني، ثم إن أي ضغوط داخلية على الحكم في إيران كنتيجة لسقوط الاتفاق النووي سوف تقوي قبضة المحافظين الرافضين أساسًا للأتفاق والذين يتحينون الفرصة للانقضاض على روحاني وحكومته ما يعني خسارة للغرب بعودة المتشددين الى السلطة وهم الذين لم يتوانوا عن تحدي العالم بالاستمرار بتخصيب اليورانيوم بالرغم من العقوبات الأممية السابقة.

أما الهدف الثاني، أي إدخال برنامج الصواريخ الباليستية ونفوذ ايران الاقليمي ضمن التفاوض اللاحق للعودة الى العمل بالاتفاق، فهو من الخطوط الحمراء التي لا يمكن للايرانيين المساومة عليها خاصة وأنإيران محاطة بالعديد من الأعداء ومعرّضة للتهديدات الاسرائيلية والاميركية بشكل دائم وهو ما يجعلها مجردة من القوة ومستباحة بشكل كامل فيما لو تخلت عن صواريخها الباليستية. بالاضافة الى أن هذا الأمر، وباعتباره ضمن الإطار العسكري الاستراتيجي وضمن الاستراتيجية الاقليمية التي يتولاها الحرس الثوري، فقد لا يكون بمقدور حكومة روحاني مجرد القبول بالبحث به حتى لو شاءت ذلك.

وهنا يأتي السؤال الثاني الذي يقلق الجميع في الشرق الأوسط؛ هل ستحصل الحرب؟

الاحتمال الأكثر رجوحًا، هو أن لا حرب اقليمية مباشرة بين ايران واسرائيل، بل ستستمر الحرب بالوكالة على الأرض السورية، ولن تنجر ايران الى الاستفزاز الاسرائيلي بالتصعيد، فهي الجهة التي تحقق انتصارات ميدانية مع حلفائها في كامل أنحاء سوريا، وبالتالي ليست بوارد إعطاء هدية مجانية لترامب ونتنياهو للتصويب على دورها في سوريا ومحاولة إخراجها من هناك عبر الضغط الذي ستنخرط فيه أوروبا بالتأكيد ولو بطريقة غير مباشرة.

ثانيًا، إن أي تصعيد عسكري تجد إيران نفسها محرجة بالرد عليه، سوف لن تبقى دائرته ضمن الأرض السورية، بل سيمتد الى جبهات أخرى تستطيع ايران الضغط فيها، بالإضافة الى قدرتها على القيام بعمليات في الداخل الاسرائيلي عبر وكلائها، ناهيك عن قدرتها على استهداف القواعد العسكرية الأميركية في الخليج وإغلاق مضيق هرمز مما يدفع أسعار النفط العالمية الى مستويات غير مسبوقة، الأمر الذي سيضر بالاقتصاد العالمي ومنها اقتصاديات الدول الأوروبية والولايات المتحدة.

هذا بالاضافة الى أن الحرب الشاملة التي سيُعرف كيف تبدأ ولن يُعرف كيف تنتهي، سوف تدفع الايرانيين الى التوحد خلف قيادتهم، ما يعني أن إمكانية إسقاط النظام الايراني من الداخل - كما يريد ترامب- سوف تنتفي بشكل تام. علمًا أن التهديدات المستمرة بالحرب، سوف تدفع الايرانيين الى التمسك ببرنامجهم الصاروخي أكثر من أي وقت مضى، فليس من الحكمة التخلي عن مصادر القوة في وقت تتعرض فيها الدولة وأمنها القومي الى التهديد المستمر.

إذًا إنطلاقًا مما سبق، يمكن القول  أن خروج الولايات المتحدة بشكل إنفرادي من الاتفاق النووي، سوف يكلّف ايران إقتصاديًا ولن يكون سهلاً على الشركات العالمية غير الأميركية الاستثمار في السوق الايراني مما يعني عمليًا العودة الى نظام العقوبات بالواقع وليس بالقانون. لكن الايرانيين سيصمدون كما صمدوا في وقت سابق، وسيفاوض روحاني وحكومته الاوروبيين بهدوء ( وليس تحت الضغط كما يعتقد ترامب)، مدركين أن هناك خطوطًا ايرانية داخلية حمراء لا يستطيعون تخطيها، فإن أي محاولة تخلٍ عن القوة (الصاروخية أو النفوذ الاقليمي) في المفاوضات، سيعرّض ايران لخطر كبير: أو هجوم من الأعداء أو الإطاحة بروحاني وحكومته.

هناك تعليق واحد: