2018/09/05

سوريا: دور الحرية الدينية في بناء السلام


كان لافتًا تصريح وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان، الذي اعتبر بأن الرئيس السوري بشار الأسد فاز في الحرب الدائرة منذ سبع سنوات، ولكن ذلك لن يحقق السلام في سوريا، ولفت أن السلام مستحيل بدون تسوية يضمنها الوسطاء الدوليون.

نعم، قد يكون السلام، بالمعنى السلبي، أي غياب العنف ليس كافيًا لدولة مثل سوريا، خارجة من سنوات سبع من الحرب والدمار والتشظي الاجتماعي، بل إن السوريين بحاجة ماسّة لإحلال مفهوم السلام بمعناه الايجابي، أي المصالحة المجتمعية، والقيام بإجراءات تمنع تكرر العنف وتمكين المجتمع والسير به نحو حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى تقوية المؤسسات السياسية والاقتصادية والقانونية لمنع اندلاع النزاع مجددًا، والأهم في الحالة السورية، وبعد سنوات عجاف من مشاهد التكفير والذبح، هو تكريس الحرية الدينية.

ما الذي يمكن أن تحققه الحرية الدينية في المجتمع السوري؟

أولاً- المساهمة في النمو الاقتصادي

لقد أظهرت الدراسات المختلفة أن تزايد مستوى العنف في العالم، وزيادة الاضطرابات الاجتماعية في القرن الحادي والعشرين، يعود بشكل رئيسي الى أسباب إقتصادية إجتماعية، بالاضافة الى التضييق على الحريات ومنها الحرية الدينية حيث بات الدين اليوم مصدرًا من مصادر النزاعات وسببًا لتفاقم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

إن جو الحرية العام يساهم في خلق مناخ ايجابي للاستثمار في البلد والعكس صحيح، كما إن تفضيلات التاجر والمستهلك الذي يفضل أن يقوم بالمبادلات التجارية مع الشخص الذي ينتمي الى نفس الدين أو المذهب، قد تؤثر سلبًا على الاقتصاد والتبادلات الاقتصادية الداخلية وهو ما يرتد سلبًا على الانفاق الكلّي للمجتمع وتنمية المناطق. وقد أثبتت احصاءات صندوق النقد الدولي، أن المؤشرات تفيد عن علاقة طردية بين النمو الاقتصادي واحترام الحرية الدينية في العالم.

        ثانيًا- التخفيف من غلواء التطرف الديني

تشكّل الحرية الدينية عاملاً مخففًا لغلواء التطرف الديني، فالسماح للمتدينين بالتعبير عن أفكارهم في المجتمع والتصرف بحرية بشكل يمنع استغلال شعورهم بالتهميش والضغط والقمع، ما يسهم في التخفيف من غلواء التطرف والنزعة لاستعمال وسائل عنفية للتعبير عن أنفسهم في المجتمع.

        ثالثًا- المساهمة في عمليات العدالة الانتقالية

        إن إنتشار أفكار الحرية الدينية والسياسية وتمكين المرأة واحترام الخصوصيات الثقافية، واستخدامها كأساس للتعليم وبناء المجتمع، سوف تسهم إسهامًا عمليًا في عمليات العدالة الإنتقالية التي تحتاجها سوريا كبلد خارج من إرث من الصراع الذي اتخذ الدين أحد وجوهه العميقة والنافرة.

وتفيد دراسة بعنوان God's century  أن 30 حالة من مجموع 78 دولة شهدت تحوّلاً ديمقراطيًا في العالم، كان للقادة الروحيين دور أساسي وفاعل في بناء السلام. وجدت تلك الدراسة أنه في 8 من بين 19 قضية مدروسة، ساهم القادة الروحيون الواعون الى أهمية بناء السلام، والمؤمنون بحرية الإيمان والعقيدة، في عملية بناء السلام من خلال المساهمة في تعامل مجتمعاتهم مع إرث الماضي من الانتهاكات، حيث قاموا  بتشجيع المواطنين على المسامحة والغفران، وعلى تأسيس لجان المصالحة والحقيقة، والتعويضات وغيرها.

        ولعل الأشهر في هذا المجال، هو المطران ادموند توتو الذي قاد لجنة المصالحة والحقيقة في جنوب أفريقيا، وكان نجاحها سببًا لشهرة لجان الحقيقة حول العالم. وبدرجة أقل من الشهرة، ولكن بشكل لا يقل عنها أهمية، كانت تجربة غواتيملا حيث قاد المطران جيراردي الكنيسة لتأسيس لجنة مصالحة وطنية، ساهمت الى حد بعيد في تخفيف المعاناة الانسانية وساعدت الضحايا نفسيًا وروحيًا.



إذًا، قد يكون في تصريح الوزير الفرنسي نوع من الإقرار بأن ما أسماه "الوسطاء الدوليون"، لن يقبلوا بالإقرار بالهزيمة وإن الدول الكبرى لن تسلّم بالهزيمة بسهولة، ولن تسمح بإحلال سلام متكامل في سوريا بدون أن تكون هي الضامن للحل السياسي الذي يحقق بها مصالحها.

وعليه، يجب على السوريين أن يأخذوا المبادرة بأنفسهم. إذ ليس من الصعب أبدًا على سوريا أن تدخل مرحلة بناء السلام المجتمعي بعد أن تنتهي العمليات العسكرية وتعود الأراضي السورية كافة الى حضن الدولة.

الأهم، أن تنطلق مقاربات ما بعد الحرب، من حلول تركّز على النتائج outcome-oriented ، إلى حلول تركّز على العلاقات في المجتمع  relationship-oriented  فتعتمد مبدأ "تحويل الصراع" الى سلام إيجابي مستدام، عبر التركيز على أولوية تحقيق التنمية وخلق ثقافة تُتيح مشاركة المجتمع المدني، للوصول إلى حلول سلمية وترميم العلاقات الإجتماعية، وتحويل جذور الصراع لعدم تكراره مجددًا .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق