2020/05/18

لبنان: ننجح معًا أو نسقط جميعنا

أعلن رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب إعادة فتح البلاد تدريجيًا، بعدما تبين عدم قدرة اللبنانيين على الاستمرار في تحمّل تبعات الإقفال، خاصة وأن لبنان يعاني من الإقفال ومن الضغوط الاقتصادية منذ ما قبل ثورة 17 تشرين.

وفي الحديث عن إعادة فتح الأسواق وإنهاء العام الدراسي، حصل كثير من الانتقادات للقرار الحكومي، وذلك على خلفية ما قاله وزير الصحة من أن "المناعة التدريجية" هو الهدف الذي يجب أن نصل إليه. علمًا أن قرار المناعة التدريجية أو ما يسمى "مناعة القطيع" هو ما تطبقه جميع الدول في العالم، بعدما تبين أن الفيروس قابل للتحوّل كما أعلنت منظمة الصحة العالمية، وأن على البشر أن يتعاملوا معه بأنه سيستمر بيننا، وأن اللقاح قد لا ينفع مع فيروس يصيب البشر والدول بطريقة مختلفة ومتحوّلة دائمًا.

وكانت دول عدّة، منها السويد على سبيل المثال، قد سارت باستراتيجية مناعة القطيع ولم تقفل الأسواق، وفرضت على مواطنيها اجراءات "غير قسرية" توصي بالتباعد الاجتماعي، ومارست حماية الفئات الأضعف، وإقفلت المدارس الخ..

ولنجاح هذه الاستراتيجية، يمكن أن نشير الى ما قاله الرئيس حسان دياب، من ضرورة عزل المناطق التي ينتشر فيها الوباء، وهذا أمر منطقي يسمح لباقي مناطق لبنان بالعيش ضمن اجراءات مقبولة في ظل فتح الأسواق.

وهذا الأمر سيعطي البلديات صلاحيات أوسع، وهو الأمر الذي يجب ان تتجه اليه جميع الخطط الحكومية في المستقبل، ففي معالجة أزمة النفايات، وبالرغم من أن الأزمة ستكون أسهل في حال عالجت كل بدلية نفاياتها، لكن الحكومات المتعاقبة استمرت تشدد على الحلّ المركزي للنفايات وذلك لأسباب عدّة أهمها؛ استفادة السياسيين وأزلامهم من تلزيم الشركات لجمع وطمر النفايات، كما في حالة سوكلين ورامكو وغيرها، وقيام وزارات المالية المتعاقبة بحجز أموال البلديات لفترات طويلة، ما منع الإنماء وهمّش المناطق الريفية.

واليوم، على البلديات أن تقوم بدورها، في مراقبة وتتبع حالات الوباء في محيطها، والقيام باجراءات العزل والتعقيم، وفرض الحجر الالزامي على العائدين ومنع التفلت وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا عبر السلطات المحلية، وعلى المعنيين إعطاء الصلاحيات والموارد اللازمة للسلطات المحلية، بعدما تبين فشل الحلول المركزية، والتي ستؤدي الى موجة جديدة من الانتشار الوبائي الذي لا يمكن احتواؤه.

في المحصلة، حسنًا فعلت الحكومة اللبنانية بقرارها الجريء بمواجهة الوباء، وعدم الاستمرار في سياسة الحجر المنزلي التام، التي ستؤخر عملية المناعة، وستدمر الاقتصاد، وستدفع البلاد الى مزيد من الانهيار. وإذا كانت التجربة اللبنانية اليوم مقلقة بالطبع للعديد من الناس الخائفين على صحتهم وصحة أولادهم وأحبائهم، يمكن للبنان الاستفادة من تجارب أخرى في العالم، لكن يبقى على الحكومة والقوى الأمنية ممارسة أقصى درجات التشدد في ضبط المخالفين، ومنهم العائدين الذين يتصرفون بلا مسؤولية، والمصابين الذين يرفضون حجر أنفسهم، والمتظاهرين الذين ينزلون الى الساحات معرّضين الجميع للخطر، تحت ذريعة "حق التظاهر المشروع"...

لبنان أمام مفترق تاريخي، والالتزام والتضامن مطلوب من الجميع بدون استثناء، فإما أن ننجح معًا في كسب المناعة المجتمعية كما نجحنا في احتواء الوباء في المرحلة الاولى، وإما نسقط جميعنا وننتقل من مراقبة عداد الدولار، الى مراقبة عداد وفيات الكورونا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق