أتى الرفض الأميركي والغربي سريعاً ضد مبادرة السلام الصينية التي أتت عبر وثيقة تم توزيعها كأساس لمفاوضات بين كلٍ من الروس وأوكرانيا، عشية الذكرى الأولى لاندلاع الحرب.
وأتت الوثيقة الصينية متوازنة بين الطرفين وأبرز ما فيها:
1- التأكيد على سيادة جميع الدول بالتساوي، واستقلالها وسلامتها الأقليمية ووحدة اراضيها، والتخلي عن المعايير المزدوجة.
2- عدم السعي لتحقيق أمن دولة ما على حساب دول أخرى، أو تحقيق أمن المنطقة من خلال تعزيز أو توسيع الكتل العسكرية. ويدعو هذا البند الى المساعدة في تشكيل هيكل أمني أوروبي متوازن، وفعّال، ومستدام، مع مراعاة السلام والاستقرار في العالم على المدى الطويل.
3- الصراع والحرب لا يفيدان أحداً، لذا يجب استئناف الحوار المباشر في أسرع وقت والتوصل في نهاية المطاف إلى وقف شامل لإطلاق النار.
4- الحوار والتفاوض هما الحلّ الوحيد القابل للتطبيق في الأزمة الأوكرانية، ويجب تشجيع ودعم كلّ الجهود التي تُفضي إلى تسوية سلمية للأزمة.
5- حل الأزمة الإنسانية، وتطبيق صارم للقانون الدولي الإنساني، عبر حماية المدنيين والأسرى الخ.
6- تقليل المخاطر الاستراتيجية عبر الامتناع عن التهديد أو استخدام السلاح النوي، والحفاظ على سلامة المنشآت النووية.
7- وقف العقوبات الآحادية، ومعارضة كل عقوبات غير مصرّح بها في مجلس الأمن.
8- تسهيل تصدير الحبوب، والحفاط على سلاسل التوريد وعدم استخدام الاقتصاد العالمي كآداة أو سلاح لأغراض سياسية، والعمل على إعادة إعمار أوكرانيا.
لاشكّ أن البنود هذه جميعها يجب أن تحظى بموافقة ومباركة جميع الدول لأنها عبارة عن عناوين عريضة عامة، تؤكد على القانون الدولي وتلتزم تماماً بما يطلق عليه الغربيون دائماّ "النظام الدولي القائم على القواعد"، لكن المفارقة أن الرفض الغربي والاوكراني أتى سريعاً وذلك للأسباب التالية:
- بالرغم من تأكيد الوثيقة على سيادة واستقلال ووحدة أوكرانيا، إلا أن الغربيين يؤمنون أن بامكان كييف تكبيد روسيا خسائر كبرى في هجوم مرتد يحضّر له بعد وصول الدبابات الى أوكرانيا في الربيع، لذا لا يريدون وقف النار والذهاب الى المفاوضات الآن.
- يعتقد الغربيون أن الروس "مرهقون" ويريدون وقف الحرب لانهم لا يستطيعون الاستمرار بها، ولذلك لا يريدون إعطاء بوتين فرصة لالتقاط الأنفاس عبر وقف إطلاق النار.
لكن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه" (CIA) وليام بيرنز اعتبر في مقابلة أن بوتين "واثق من أنه سيحقق نصراً نهائياً عبر الاستنزاف". وكان لافتاً في حديث بيرنز إشارته الى أن لقاءه مع رئيس الاستخبارات الروسية شهد "شكلاً من التهور والتعالي المفرط" من قبل الروس.
- لن يسمح الأميركيون للصين بأن تقود حملة عالمية لتحقيق السلام في أوكرانيا والنجاح بها، فهذا سيعطيها مكانة عالمية لا يريد الغرب منحها للصين لأنهم مصممون على احتوائها واحراجها واتهامها بالديكتاتورية والاستبداد لتبرير أي أفعال وتحرش عسكري بها في وقت لاحق.
- لا يريد الغرب الاعتراف بمبدأ الامن الشامل، وإدانة العقوبات الآحادية خارج إطار مجلس الأمن لانها آداتهم الأفعل في وجه خصومهم، ويريدون استخدامها ضد الصين في المستقبل في حال نشوب نزاع.
- لا يريد الأميركيون إعطاء الروس بنداً كانوا قد طالبوا به عشية الحرب على أوكرانيا وكبديل عن الصراع العسكري، وهو الاقرار بمبدأ "الأمن غير المجزأ" والاعتراف لروسيا بأحقيتها في الحافظ على أمنها القومي.
وعليه، يبدو واضحاً من المواقف والسلوك الغربي أن الغرب – لغاية الآن- لم يحقق أهدافه من دفع روسيا الى الانخراط في حرب مع أوكرانيا، فالانهيار الروسي الاقتصادي لم يحصل، وتفكك النظام لم يحصل والاطاحة ببوتين لم تحصل، و"إذلال" روسيا لم يحصل... وبالتالي، هم سيحاولون الاستمرار في تطبيق استراتيجية استنزاف روسيا الى أن يأتي النصر العسكري الروسي في الميدان بطعم الخسارة، حيث يحتاج- حينها- الاقتصاد والمجتمع الروسي الى عقود طويلة للتعافي، وحيث لا تشكّل روسيا اي منافسة عالمية للأميركيين على المستوى العالمي لوقت طويل. يعتقد الأميركيون أن روسيا احتاجات الى عقد واحد تقريباً لبداية النهوض من خسارتها الحرب الباردة، لذا يجب على الغرب اليوم عدم التوقف عن استنزافها إلا بعد التأكد من أن الروس سيحتاجون بعد هذه المعركة الى عقود طويلة جداً للنهوض من جديد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق