2025/11/13

البعد العقائدي: لماذا تتأخر عودة مستوطنات الشمال الإسرائيلي؟

بالرغم من سعي الحكومة الإسرائيلية الحثيث الى إعادة سكان المستوطنات الشمالية على الحدود مع لبنان، تشير التقارير إلى تفاوت في العودة خاصة في المستوطنات على الحافة الأمامية مع لبنان التي يعاني سكانها من قلق وعدم رغبة بالعودة مقابل سكان الجليل الأعلى الأبعد عن الحدود اللبنانية الذين عادوا بوتيرة أسرع.

 

أولاً: تأخّر عودة مستوطنات الشمال

في تشرين الأول/أكتوبر من عام 2024، وافقت الحكومة الإسرائيلية على خطة لإعادة إعمار الشمال بقيمة تقارب 15 مليار شيكل على مدى خمس سنوات. وفي كانون الأول/ديسمبر 2024 تمّت الموافقة على ميزانية محدّدة قدرها 200 مليون شيكل لإعادة تأهيل البنية التحتية العامة والتحضيرات لعودة السكان في شمال "إسرائيل".

 

ومؤخراً، في 27 تشرين الأول/أكتوبر 2025 وافقت لجنة المالية بالكنيست على تحويل مبلغ 1.2 مليار شيكل لبرامج إعادة التأهيل والإنعاش الاقتصادي لتحفيز السكان على الاستقرار في الشمال.

 

وفي تحليل لأسباب تأخّر العودة، يعيد البعض هذا الأمر الى تأخّر الحكومة الإسرائيلية في صرف الأموال، والبيروقراطية، وقلة الموظفين في لجان الشمال مقارنة بلجان الجنوب، الوضع الأمني، والسياسة الداخلية. واللافت، وبالرغم من تركيز المستوطنين على الوضع الأمني والقلق من ردّ حزب الله، والتأخير في إعادة الاعمار، فإنّ بعض الباحثين يتهمون اليمين المتطرّف بعدم الاهتمام برصد أموال لمستوطنات الشمال، بسبب البعد العقائدي الديني، ما يجعل وزارة المالية بقيادة بتسلئيل سموترتش تفضّل صرف الأموال لبناء المستوطنات في الضفة الغربية على حساب إعادة السكان الى الشمال.

 

ثانياً: الأسباب العقائدية

بالرغم من أنّ نتائج انتخابات عام 2022، أظهرت ميل الناخبين في المستوطنات الحدودية القريبة من لبنان الى معسكر اليمين (الليكود والأحزاب القومية/الدينية) بشكل قاطع، خاصة في الموشافات الزراعية (باستثناء بعض الكيبوتسات التي تُبدي تفضيلاً تاريخياً للوسط)، فإنّ البعد العقائدي-الديني للحكومة الإسرائيلية الحالية يجعل يهودا والسامرة (الضفة الغربية) تحظى بالأولوية على المناطق المحاذية للبنان (الجليل الأعلى والحدود الشمالية) في صرف الأموال، لأسباب عقائدية.

 

تاريخياً، رأت الصهيونية العلمانية (اليسارية) التي أسّست "إسرائيل" في الجليل والنقب "الأطراف الوطنية" التي يجب تعميـرها واستيطانها لتثبيت حدود "الدولة" وتوسيعها إلى أقصى حدّ، وبناء مجتمع متساوٍ يعتمد على العمل والزراعة. لكن مع صعود الصهيونية الدينية وسيطرة اليمين القومي-الديني، تحوّل مركز الثقل من الأطراف الجغرافية إلى القلب التوراتي، أي إلى يهودا والسامرة باعتبارها أرض الوعد والميثاق الإلهي.

 

وبات التيار الديني-القومي المسيطر في "إسرائيل" يرى أنّ الشرعية الصهيونية لا تأتي من الأمن أو الاقتصاد، بل من الحق التوراتي في أرض الآباء.

 

وبالرغم من إيمان هؤلاء بـ "إسرائيل الكبرى" وضرورة الاستيطان في لبنان، فإن "يهودا والسامرة" تعتبر قلب "إسرائيل" الروحي والتاريخي، أما الجليل والنقب فهما هوامش مدنية لا تحمل بعداً قدسياً. لذلك، فإنّ المستوطن في بيت إيل أو الخليل يُعتبر "حارساً للعهد"، بينما المزارع في كريات شمونة أو شلومي يبقى مجرّد "مواطن حدودي". حتى في الخطاب الرسمي، يتم وصف المستوطنين في الضفة بأنهم "الطليعة الصهيونية"، بينما لا يُستخدم هذا الوصف لسكان كريات شمونة أو المطلة.

 

ثالثاً: سياسة حكومة اليمين المتطرّف

بوصول الحكومة اليمينية-المتشدّدة برئاسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حصلت إعادة تعريف "الخط الأمامي"، بحيث لم يعد الخط الحدودي مع لبنان أو غزة هو "الجبهة"، بل التلال المطلة على نابلس والخليل التي يجب الاستيلاء عليها، ويتمّ التأكيد أنّ التراجع عنها، يعني انكساراً روحياً.


وانطلاقاً مما سبق، تمّ التركيز على توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، وتعزيز التعليم الديني والبنية التحتية هناك، بينما تأخّر تمويل وإعادة إعمار بلدات الشمال التي تضرّرت من الحرب، وذلك لأنّ إعادة إعمار القرى الشمالية لا تضيف بعداً روحياً دينياً.

ما سبق، إن دلّ على شيء فهو يدل على مؤشرات هامة في الفكر الذي يحكم "إسرائيل" حالياً، أبرزها:

أ- إنّ تبدّل مركز القداسة الدينية من الجليل والنقب إلى التلال في الضفة، يؤدي الى تحوّل في معنى "الحدود" بحيث لم تعد خطوط الدفاع الأمنية هي الأهم، بل حدود الرواية الدينية، وبالتالي يصبح الاستيطان العقائدي أولوية، بينما الاستقرار الحدودي المدني مسألة ثانوية. 

ب- انحسار الصهيونية العلمانية التي تسعى "لزيادة مساحة الدولة وتأسيس مشروع دولة مواطنين يزرعون ويحمون الأرض"، لتصبح "إسرائيل حالياً مشروع شعب يؤمن أنه ينفّذ إرادة إلهية في أرض الميعاد"، وبالتالي لا يعود السكن في الأطراف فعلاً وطنياً مقدّساً، بل يؤكّد أنّ "الاستيطان في الضفة الغربية هو فعل إيماني بتنفيذ عهد الله مع شعبه المختار". 

2025/11/10

القواعد الآمرة: تقييد سيادة لبنان باطل قانونياً

 

في ظل الحديث عن مبادرات تسوية في المنطقة، يطرح على بساط البحث الحصول على موافقة لبنان على ترتيبات أمنية تحفظ أمن إسرائيل، وتمنع أي عمل ضدها، وضمانات من لبنان بالرغم من عدم ابداء إسرائيل الموافقة على الانسحاب من الجنوب اللبناني ومن الأراضي اللبنانية المحتلة. كذلك، يتم الحديث عن منطقة عازلة خالية من السكان داخل الأراضي اللبنانية، بالرغم من إدراك الجميع أن الجنوبيين لن يقبلوا بأي تسوية أو اتفاقية تقتلعهم من أرضهم وبيوتهم.

يشكّل مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها وحق الدول في السيادة ووحدة أراضيها أحد الركائز الجوهرية للنظام القانوني الدولي الحديث، وقد ارتقى هذان المبدآن إلى مصاف القواعد الآمرة (Jus Cogens) التي لا يجوز الإخلال بها أو تعديلها أو تقييدها بأي اتفاق أو معاهدة.

1-  القواعد الآمرة (Jus Cogens)

تُعدّ هذه القواعد ضمانة أساسية لحماية استقلال الدول وصيانة كرامة الشعوب، وتُعتبر المرجع الأعلى في مواجهة أي ترتيبات أو اتفاقيات تمسّ الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف.

تنص المادة (53) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 على ما يلي:

"تكون المعاهدة باطلة إذا كانت، وقت إبرامها، تتعارض مع قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العام، ويُقصد بالقاعدة الآمرة تلك التي يُعترف بها من قِبل المجتمع الدولي للدول بأسره بوصفها قاعدة لا يجوز الإخلال بها ولا يمكن تعديلها إلا بقاعدة لاحقة لها الصفة نفسها.”

-      خصائص القواعد الآمرة:

1.    عمومية القبول الدولي: المجتمع الدولي بأسره يعترف بها.

2.    الإلزام المطلق: لا يجوز الاتفاق على مخالفتها.

3.    عدم القابلية للتعديل إلا بقاعدة مماثلة: تتطور فقط بقواعد آمرة جديدة.

 

2- حق تقرير المصير كقاعدة آمرة:

اعترفت محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة في قراراتها بأن حق الشعوب في تقرير مصيرها هو قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي (قضية ناميبيا 1971، الرأي الاستشاري حول جدار الفصل 2004). وأكدت قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة (خصوصًا القرار 2625 لعام 1970 والقرار 3314 لعام 1974) على شرعية نضال الشعوب الخاضعة للاحتلال من أجل تقرير مصيرها.

كذلك، إن احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها من المبادئ المؤسسة للنظام القانوني الدولي كما ورد في ميثاق الأمم المتحدة (المادتان 1 و2)، وبالتالي لا يجوز لأي اتفاق أو التزام أن يتضمن تنازلاً عن السيادة الإقليمية أو اعترافًا بشرعية احتلال أجنبي.

وعليه، أي اتفاق دولي يُلزم دولة بالامتناع عن تحرير أرضها أو التخلي عن سيادتها على جزء منها يكون باطلًا منذ البداية لأنه يتناقض مع قاعدة آمرة هي حق الشعوب في تقرير مصيرها.

النتيجة، إن أي اتفاقية سياسية أو أمنية أو اقتصادية تُلزم لبنان بعدم المطالبة بأراضيه المحتلة، أو تمنع التحرير، أو تُقرّ ضمنًا بشرعية الاحتلال الخ... تُعتبر باطلة بطلانًا مطلقًا وفقًا للمادة 53 من اتفاقية فيينا، ولأنها تخالف قواعد آمرة تتعلق بحق تقرير المصير والسيادة الوطنية.

 يضاف الى ما سبق، أن أي اتفاق مفروض بالقوة أو بالإكراه السياسي أو الاقتصادي لا يُنشئ التزامًا قانونيًا صحيحًا، لأن الرضا الحر للدولة شرط جوهري لصحة المعاهدات (المادتان 51–52 من اتفاقية فيينا). 

2025/11/07

الوساطة القسرية: توم برّاك نموذجاً

في موازاة العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان، تطرح على بساط البحث مبادرات عدّة، أميركية وغير أميركية، تدعو إلى التفاوض بين لبنان و"إسرائيل"، ويطلق المبعوث الأميركي توم برّاك تصريحات متتالية، منها ما هو مهين للبنانيين، ومنها ما هو تهديدي، ومنها ما ينطلق من تصوره الخاص "التحريفي" للتاريخ والجغرافيا الشرق أوسطية.

 

وفي هذا الإطار، يمكن تقييم الوساطة الأميركية عبر المبعوث توم برّاك بأن جزءًا منها هو امتداد للنموذج الأميركي في التعامل مع الصراع العربي- الإسرائيلي والدعم المطلق لـ"إسرائيل"، والجزء الآخر يرتبط بإدارة الرئيس دونالد ترامب ونموذجه الفريد في العلاقات الدولية.

 

1الوساطة القسرية

تُعد الوساطة الأميركية في الصراعات العربية-الإسرائيلية ظاهرة فريدة تبتعد عن النموذج التقليدي للوسيط المحايد. فبدلاً من تبني دور "الوسيط النزيه"، تعتمد واشنطن على نموذج "الوساطة القسرية" (Coercive Mediation)، حيث تستغل نفوذها كقوة عظمى لتوجيه عملية التفاوض لمصلحة حليفتها "إسرائيل" ما يقوّض فعالية الوساطة ويحوّلها إلى أداة ضغط لا أداة وساطة.

 

في المبادئ الأساسية لعلم الوساطة والتفاوض، يشار إلى أن التفاوض المثمر يجب أن يكون "قائماً على المصالح"، أي يجب أن تكون هناك مصلحة لكل طرف، بهدف التوصل إلى اتفاق. لكن المقاربة الأميركية في لبنان غالباً ما تتبنى "المواقف الموضعية" (Positional Stances) التي تعكس الأجندة الإسرائيلية بشكل حصري.

 

على سبيل المثال لا الحصر، عندما يعرض المبعوث توم براك شروطاً تفاوضية تركز على "نزع سلاح المقاومة في لبنان، من دون أي التزام موازٍ بالانسحاب من النقاط المحتلة أو تطبيق اتفاق وقف الأعمال العدائية الموقّع في تشرين الثاني 2024، فإنه عملياً يتبنى موقف "إسرائيل" لا موقف الوسيط الذي تعهد بضمانة الاتفاق.

 

2-  تكتيك "التراجع وإلقاء اللوم" (The Blame Game)

منذ تسلم توم برّاك مهمته، تتكرر دوامة قدومه إلى لبنان لعرض ورقة، يقبل بها لبنان، فيذهب بها إلى "إسرائيل" التي ترفضها، فيقوم برّاك بلوم لبنان، وتقديم ورقة جديدة أخرى فيها شروط إسرائيلية إضافية وتنازلات أكثر من لبنان.

 

إن قيام توم برّاك بإلقاء اللوم على الطرف اللبناني بعد الرفض الإسرائيلي يُعدّ تكتيكاً تفاوضياً قسرياً، يهدف من خلاله إلى ما يلي:

 

أ‌- تخفيف الضغط عن "إسرائيل": بتحويل الانتباه الدولي عن الرفض الإسرائيلي وإعطائها مبررات للتصعيد والعدوان المستمر على لبنان.

 

ب‌- زيادة كلفة الرفض على لبنان عبر الضغط النفسي والسياسي والحرب النفسية التي تُشن على لبنان عبر أدوات سياسية وإعلامية، لإجبار لبنان على تقديم تنازلات إضافية في الجولة القادمة. هذا السلوك يرسخ فكرة أن لبنان يُعاقَب على مرونته التفاوضية، في حين تُكافأ "إسرائيل" على تصلبها وعدوانها المستمر.

 

ت‌- يُعد توجيه التهديدات أو الإهانات من قبل الوسيط تجاه أحد الأطراف (اللبنانيين في هذه الحالة) أقصى درجات الانحراف عن مبدأ الحيادية. إن الإهانات اللفظية الموجهة إلى اللبنانيين تُعد محاولة لتقويض "المكانة التفاوضية" للطرف اللبناني، ما يزيد من الضغط النفسي والسياسي ويجبره على الاستسلام للمطالب الأميركية/الإسرائيلية.

 

3-  استخدام مفهوم (BATNA)

يشير مفهوم "باتنا"  (Best Alternative to a Negotiated Agreement) إلى أفضل نتيجة يمكن لطرف ما تحقيقها إذا فشلت عملية التفاوض في التوصل إلى اتفاق مقبول.

 

في نظرية التفاوض، تُعد قوة الطرف التفاوضية مُشتقة بشكل أساسي من "البديل" الذي يملكه في حال فشلت العملية التفاوضية. وهكذا، كلما كان هناك بدائل ممكنة وجيدة، يكون وضعك التفاوضي أفضل، فتضع شروطك على الطاولة، وكلما انتفت البدائل التي تخدم مصلحتك، كان موقفك ضعيفاً.

 

وعلى هذا الأساس، إن التهديد الأميركي/ الإسرائيلي الضمني أو الصريح بأن فشل المفاوضات مع لبنان سيؤدي إلى حرب شاملة أو تصعيد عسكري إسرائيلي كبير، يهدف إلى دفع لبنان إى القيام بتنازلات سيادية مؤلمة، بخاصة عندما يوضع أمام خيار بأن "البديل عن التفاوض أو التوصل إلى اتفاق مقبول إسرائيلياً" هو حرب مدمرة أخرى.

 

الهدف من هذا التكتيك هو تقليص "منطقة الاتفاق الممكن" إلى أدنى حد ممكن، لصالح الطرف الإسرائيلي. باستخدام التهديد، ترتفع كلفة "عدم الاتفاق" على لبنان بشكل كبير جداً، بينما لا تتأثر كثيراً بالنسبة إلى الولايات المتحدة و "إسرائيل".

 

وعندما يقوم برّاك بتحميل لبنان مسؤولية التصعيد (بسبب عدم نزع سلاح حزب الله) يحوّل BATNA لبنان من خيار سيئ (التنازلات) إلى خيار كارثي (حرب)، والهدف إجبار لبنان على التفاوض من موقع ضعف مُطلق.  

2025/11/01

"إسرائيل" ونبوءة حنّة أرندت: هل يرتد التوحّش إلى الداخل؟

في كتابها "أصول التوتاليتارية" (The Origins of Totalitarianism) عام 1951، حدّدت حنّة أرندت جذور العنف التوتاليتاري الحديث لا في انفجار مفاجئ للشرّ، بل في التاريخ الطويل للتوسّع الإمبريالي الأوروبي.

 

وجادلت أرندت بأنّ الممارسات اللاأخلاقية والخارجة عن القانون التي طُوِّرت في المستعمرات "ارتدّت" عائدة إلى أوروبا، مما قوَّض الأسس الأخلاقية للدولة القومية ومَهَّد الأرض لنُظم الحكم التوتاليتارية في القرن العشرين، ومنها النازية والفاشية.

 

ترى أرندت أنّ المستعمرات كانت بمثابة "مختبر" تعلّمت فيه الدول المستعمرة إدارة التجمّعات السكانية عبر وسائل تخرج عن نطاق المجال السياسي التقليدي المقيَّد بالقانون. وقد أنتج ذلك عقلية ومجموعة من المؤسسات هدّدت في نهاية المطاف الأسس السياسية للدولة المركزية نفسها.

 

تشير أرندت إلى أنّ الإمبراطوريات الأوروبية حكمت المستعمرات بالحديد والنار، ومن دون منحها حقوقاً وجرّدتها من إنسانيتها وتعاملت معها كـ"حيوانات بشرية" لتبرير قتلها والتوحّش ضدّها. لذلك عندما عادت تلك الآليات والذهنيات إلى أوروبا، قوّضتها من الداخل ومورست التوتاليتارية داخل الدول المستعمرة نفسها.

 

أولاً: الآليات الأساسية لـ "الارتداد الإمبريالي"

حدّدت أرندت أربع آليات يعزّز بعضها بعضاً، تسمح بتحوّل الحكم الإمبريالي في الخارج إلى حكم توتاليتاري في الداخل.

 

أ‌- العنصرية

 

يتطلّب الغزو الإمبريالي أيديولوجيا تقسم البشرية إلى أعراق أعلى وأدنى. بمجرّد ترسيخها في المستعمرات، عادت هذه النظرة للعالم إلى أوروبا، وشكّلت أساساً لأفكار تحسين النسل، والتطهير القومي.

 

ب‌-  العنف والحكم خارج القانون

 

في المستعمرات، حكم المستعمرون عبر القوة وفرض الأمر الواقع، من دون قيود قانونية. وقد طَبَّعت هذه الممارسات، فكرة أنّ المسؤولين يمكنهم التصرّف خارج النظام القانوني باسم "الضرورة". حذّرت أرندت من أنّ هذه الممارسات كانت جنين البيروقراطية التوتاليتارية.

 

ج- إنتاج الأشخاص "الفائضين" (Superfluous People)

 

أنتجت الإمبراطورية تجمّعات سكانية مجرّدة من الحقوق: العبيد، والمُرحَّلون، والسكان الأصليين الذين بقوا خارج المواطنية. هذه الفئة من "الفائضين" باتوا مواطنين درجة ثانية، وتمّ تصويرهم كأعداء داخليين. بالنسبة لأرندت، بمجرّد أن تخلق الدولة كائنات بشرية "فائضة قانونياً"، تصبح الإبادة والتوحّش ضدّهم أمراً مقبولاً.

 

د- التوسّع كمبدأ دائم

 

حطّمت الإمبريالية حدود الدولة بتحويل الغزو إلى غاية في حدّ ذاته. تقول حنة أرندت إنه عندما تصبح السياسة توسّعاً من أجل التوسّع، لا يمكن للدولة أن تستقرّ بعد ذلك؛ بل تتطلّب تعبئة مستمرة وتصنيعاً للأعداء (خلق العدو بشكل دائم من أجل الاستمرار).

 

ثانياً- مسار الارتداد: الداخل الإسرائيلي

إذا نظرنا الى الممارسات الإسرائيلية في فلسطين، نجد أنّ الشروط أعلاه، التي حدّدتها أردنت جميعها متوفرة، وعليه إنّ تطبيق نظرية الارتداد الإمبريالي على السياق الإسرائيلي-الفلسطيني يشي بعملية "ارتداد" مستقبلية داخل "إسرائيل" نفسها. ونجد ذلك على أساس ما يلي:

 

العنصرية والتجريد من الإنسانية كسياسة رسمية

 

خلال حرب الإبادة في غزة، قام الإسرائيليون قولاً وفعلاً بتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم وذلك عبر الإبادة والانتهاكات وقتل المدنيين، والخطابات التي تصف الفلسطينيين بـ "الحيوانات البشرية" أو تشير إلى الصراع باعتباره معركة ضدّ "أطفال الظلام" (التعبيرات التوراتية) وهذا يتوافق تماماً مع الوظيفة الأيديولوجية للتجريد من الإنسانية في السياقات الاستعمارية: وهي جعل العنف الجماعي مقبولاً أخلاقياً وسياسياً.

 

عنف المستوطنين من اليمين المتطرّف الخارج عن السيطرة

 

إنّ تصرّفات المستوطنين من اليمين المتطرّف في الضفة الغربية هي تجسيد ملموس لحكم الاستعمار الخارج عن القانون. شهدت فترة ما بعد غزة تصعيداً موثّقاً في عنف المستوطنين، غالباً بتواطؤ وحماية قوات الأمن الإسرائيلية التي يسيطر عليها بن غفير.

 

وقد أرسى قانون يهودية الدولة عام 2018، تمييزاً مؤسساتياً وجعل العرب داخل "إسرائيل" مواطنين من الدرجة الثانية. هذا النموذج من "الخروج على القانون"، حيث مجموعة واحدة تتمتّع بالاستثناء القانوني والأخرى مجرّدة من الحقوق، يؤكّد نظرية "الارتداد" بشكل فعّال.

 

خصخصة عنف الدولة:

 

إنّ تسليح وتمكين فرق المستوطنين المتطرّفين، وتوزيع آلاف البنادق العسكرية، يطمس الخط الفاصل بين قوات الأمن الرسمية والمستوطنين ذوي الدوافع الأيديولوجية، وهي ممارسة حذّرت أرندت من أنها ستقوّض حتماً الدولة الحاكمة، خاصة عندما يرتدّ هؤلاء إلى تهديد المواطنين اليهود الذين يختلفون عنهم فكرياً وأيديولوجياً لممارسة التوحّش ضدّهم.

 

إفساد المعايير الديمقراطية الداخلية

 

إنّ التخوّف الأكبر الذي عبّرت عنه أرندت هو التحوّل داخل المجتمع الحاكم نفسه. في "إسرائيل"، تسعى قوى اليمين إلى تقويض استقلال القضاء والمجتمع المدني، وهما مؤسستان يُنظر إليهما تقليدياً على أنهما ضمانة للديمقراطية في أيّ بلد.

التوسّع كسياسة دائمة

إنّ السعي للتوسّع على حساب الدول الأخرى، وقول نتنياهو إنه في مهمّة روحية وتاريخية لتأسيس "إسرائيل الكبرى"، يشير إلى أنّ الرغبة بالتوسّع والسيطرة والاحتلال باتت غايات بحدّ ذاتها.

 

في الخلاصة، تشكّل هذه العناصر مساراً مستقبلياً لما تسمّيه أرندت "الارتداد الإمبريالي" إلى "إسرائيل" نفسها. إنّ ممارسات التوحّش لا تبقى محصورة في الخارج، بل تعود لتسمّم الحياة السياسية "للدولة المركزية" نفسها، وهكذا عندما يتسامح الإسرائيليون (أو يهلّلون) للإبادة والتوحّش الممارس في الخارج، فإنهم يهيّئون أنفسهم لقبوله في الداخل. وتحذّر حنة أرندت: بمجرّد أن تقبل دولة ما مبدأ إمكانية حكم "بعض الكائنات البشرية" خارج نطاق القانون، فإنها تستورد الاستثناء الاستعماري إلى داخلها.

   

2025/10/28

تحوّل الدور الأميركي في لبنان: من الوساطة إلى إدارة الهيمنة

نقلت قناة "كان" الإسرائيلية عن مسؤولين إسرائيليين أنّ ضباطاً أميركيين موجودون حالياً داخل مقرّ القيادة الشمالية في صفد، ويتابعون العمليات على لبنان لحظة بلحظة، ما يعني أنّ العمليات العسكرية في لبنان تتمّ بالتنسيق مع الأميركيين.

 

شهد الدور الأميركي في لبنان خلال الأشهر الأخيرة تحوّلاً نوعياً، حيث انتقل من موقع "الوسيط الدبلوماسي" الذي يسعى إلى احتواء التصعيد بين "إسرائيل" وحزب الله، إلى موقع "الشريك المباشر" في إدارة ميزان القوى على الجبهة اللبنانية ـــــ الإسرائيلية، حيث تسعى الولايات المتحدة الى ترتيب مكوّنات النظام الإقليمي الفرعي (خاصة في المشرق العربي) ليتوافق مع هندستها الإقليمية الأوسع في الشرق الأوسط الموسّع الذي يمتد من إيران وصولاً إلى المغرب العربي، مروراً بالخليج.

 

ومنذ ما بعد إعلان وقف النار في غزة، بدأ الدور الأميركي يتخذ طابعاً ميدانياً واستراتيجياً أكثر انخراطاً، يمكن قراءته ضمن أربعة مسارات مترابطة:

 

1هندسة الردع والانتقال إلى "إدارة النظام"

يعكس الوجود الميداني للوحدات الأميركية في صفد، والإدارة الأميركية للجنة وقف النار (الميكانيزم)، ووجود جنود أميركيين على حدود القطاع مع غزة، وزيارات أميركية للمحافظة على الهدوء في غزة، انتقال الأميركيين من موقع المراقب إلى "مدير للنظام". لم تعد الولايات المتحدة تكتفي بدعم "إسرائيل" سياسياً وعسكرياً واستخباراتياً، بل أصبحت طرفاً فاعلاً في تنظيم قواعد الاشتباك ومراقبة وقف النار.

 

هذا الدور يتجاوز مفهوم "إدارة الأزمة" التقليدي إلى "هندسة البيئة الاستراتيجية" ذاتها، حيث تفرض القوة العظمى قواعد اللعبة وتحدّد المسموح به وغير المسموح.

 

ومن خلال الحضور العسكري والدبلوماسي والتهديدات بالعواقب، والضغوط على لبنان للتفاوض المباشر، تمارس الولايات المتحدة شكلاً من "الردع بالنيابة"، مما يرفع التكلفة المتوقّعة لامتناع اللبنانيين عن الخضوع للشروط الأميركية ونزع سلاح حزب الله، ويضمن بقاء التوتر تحت سقف السيطرة الأميركية.

 

2الدبلوماسية القسرية

تعتمد الولايات المتحدة في مقاربتها للبنان ما يُعرف في أدبيات العلاقات الدولية بـ "الدبلوماسية القسرية" (Coercive Diplomacy)، أي المزج بين التفاوض والضغط لتحقيق أهداف سياسية من دون اللجوء إلى الحرب.

 

تسعى الولايات المتحدة عبر مبعوثيها (توم برّاك ومورغان أورتاغوس) إلى فرض إيقاع تفاوضي جديد على لبنان، بحيث لا تكون المحادثات حول ترسيم الحدود أو تنفيذ القرار 1701 شأناً لبنانياً ـــــ إسرائيلياً فقط، بل جزءاً من رؤية أميركية أشمل. هذا المسار التفاوضي لا يعكس وساطة تقليدية، بل يتمّ استخدام التهديد الضمني بالقوة والحرب ودفع أثمان باهظة (بحسب تعبيرات توم برّاك) لدفع لبنان نحو قبول الشروط الإسرائيلية ـــــ الأميركية.

 

3التهديد كاستراتيجية هيمنة

ما زال لبنان ـــــ بنظر الأميركيين ـــــ جزءاً من استراتيجية أميركية ـــــ إسرائيلية لتقليص نفوذ إيران وإنهاء محور المقاومة. من هذا المنظار، فإنّ قيام الأميركيين بضبط التوازن بين "إسرائيل" وحزب الله يخدم استراتيجية "إدارة التهديد" لا القضاء عليه. هذه الاستراتيجية تشير إلى أنّ الولايات المتحدة لا تريد حرباً شاملة، لكنها في الوقت نفسه لا تسعى لسلام فعليّ في لبنان حالياً؛ بل تفضّل حالة التوتر المحسوبة.

 

هذا التوازن المقصود يندرج ضمن ما يسمّيه منظّرو العلاقات الدولية بـ "الهيمنة غير المباشرة"، حيث تُبقي القوة المهيمنة النظام الإقليمي في حالة توتر محسوب يسمح لها بالتحكّم في وتيرة الصراع واتجاهاته.

 

هذا النهج يحوّل لبنان إلى "ورقة ضغط" في الملفات الإقليمية الأوسع، وهو نموذج كلاسيكي للهيمنة غير المباشرة، حيث تُستخدم الدولة الضعيفة كأداة في صراع القوى الإقليمي والعالمي.

 

4هندسة الوعي كأداة للهيمنة

حالياً، يتمّ شنّ حرب نفسية وإعلامية شرسة على لبنان تلاقي العدوان الإسرائيلي المستمر منذ ما بعد وقف إطلاق النار، حيث يتمّ تهديد اللبنانيين بحرب إسرائيلية كبرى وعقوبات وعزل وحصار في حال لم يتمّ نزع سلاح حزب الله ـــــ وهو هدف إسرائيلي وشرط للبدء بعملية التفاوض. هذا النمط من الخطاب يهدف إلى خلق ما يسمّيه أنطونيو غرامشي بـ "اللحظة المهيمنة" (Hegemonic Moment)، أي تلك اللحظة التي تصبح فيها شروط القوة الكبرى مقبولة اجتماعياً بوصفها "الخيار الواقعي" أو "المنطقي".

 

وهكذا، يتمّ تقديم الشروط الأميركية في لبنان على أنها "منطقيّة" أو "الخيار الواقعي الوحيد"، مع العلم أنّ الأميركيين يسعون إلى إدارة الوعي العامّ من خلال خطاب مزدوج: إعلان دعم الاستقرار في لبنان، مع التغطية العملية على الضربات الإسرائيلية ووصفها بـ "الردّ الدفاعي". هذه السياسة تهدف إلى إبقاء البيئة اللبنانية في حالة ارتباك وضغط دائم، مما يجعل القبول بأيّ تسوية ترعاها واشنطن أمراً "واقعياً ومطلوباً"، وبالتالي إخضاع اللبنانيين للشروط الإسرائيلية.

 

في الخلاصة، منذ ما بعد وقف إطلاق النار في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2024، تحوّل الدور الأميركي إلى دور "المُنسّق-المدير" الذي يسعى إلى ضمان تفوّق "إسرائيل" التكتيكي من دون تفجير حرب، وإبقاء لبنان تحت سقف المراقبة والضبط لتحقيق ما يمكن تسميته "بالاستقرار التابع" وهو استقرار مصنوع ومُدار من الخارج، يخدم المصالح الجيوسياسية الأميركية ويحافظ على هيمنة "إسرائيل" الإقليمية، من دون أن يخدم بالضرورة مصلحة اللبنانيين أو يحقّق سلاماً عادلاً ومستداماً.  

2025/10/22

بين التأطير والغرس الثقافي: كيف يروّج الإعلام اللبناني للتفاوض مع "إسرائيل"؟

تتزايد محاولات بعض السياسيين اللبنانيين ترويج فكرة "التفاوض مع إسرائيل" كخيار واقعي في وسائل الإعلام اللبنانية، باستخدام آليات إعلامية محترفة، وذلك عبر الجمع بين نظرية التأطير الإعلامي (Framing Theory) ونظرية الغرس الثقافي (Cultivation Theory) وذلك لصوغ تصورات الرأي العام وتهيئته لقبول ما كان يعدّ سابقاً خطوطاً حمراء لبنانية يتفق عليها معظم اللبنانيين.

 

1-  نظرية التأطير الإعلامي

تركز نظرية التأطير الإعلامي على أن وسائل الإعلام لا تنقل الوقائع بشكل محايد، بل تقدمها من خلال "أطر تفسيرية" تختار الجوانب التي سيجري إبرازها وتهمش جوانب أخرى، وعلى هذا الأساس، فإن هذه الأطر تحدد كيفية فهم الجمهور للحدث وتؤثر في تفسيره له.

 

تعمد تلك الوسائل إلى تكرار هذه الأطر بشكل يجعل التفسيرات الإعلامية تبدو بديهية وطبيعية، وتخلق تصورات ثابتة لدى المتلقين. لاحقاً، يمتد التأطير ليشمل اختيار اللغة والمصطلحات، وتسليط الضوء على بعض القضايا، وإهمال قضايا أخرى بما يحقق أهدافاً سياسية أو اجتماعية محددة.

 

على سبيل المثال، تُصوّر وسائل الإعلام التفاوض مع "إسرائيل" على أنه حلّ عملي وضروري في ظل الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها لبنان، بينما يُقدّم أي رفض للتنازل على أنه عائق أمام "الاستقرار" و"الإنقاذ الاقتصادي".

 

 ويجري تأطير المفردات على هذا الأساس، فيتم استخدام "البحبوحة الاقتصادية"، "الازدهار" كنواتج مع تغييب الكلفة السياسية والاقتصادية وإغفال إقامة المقارنات مع دول أخرى، فمثلاً يُشار إلى "الانفتاح الدولي" على سوريا بسبب قبولها مبدأ التطبيع مع "إسرائيل" فيما يُغفل القصف الإسرائيلي المستمر للأراضي السورية، ورفض التخلي عن الجولان وجبل الشيخ والأراضي التي احتلتها "إسرائيل" بعد سقوط النظام.

 

2-  نظرية الغرس الثقافي

تركّز نظرية الغرس الثقافي على التأثير التراكمي طويل المدى لوسائل الإعلام في تشكيل تصورات الجمهور وقيمه، إذ يؤدي التعرض المستمر لرسائل إعلامية متشابهة إلى تبني الأفراد والمجموعات رؤية للواقع تتوافق مع الصورة المقدمة، حتى لو تعارضت مع تجاربهم الشخصية المباشرة.

 

ولذلك، فإن قوة الغرس الثقافي تكمن في تأثيره البطيء والمتراكم، الذي يغير الثقافة والسلوك الاجتماعي تدريجياً دون أن يشعر الأفراد بالتغيير الفوري.

 

وهكذا، تُكرّر وسائل الإعلام فكرة أن "التفاوض هو الحل" في مختلف البرامج والتحليلات، ما يجعلها أقرب إلى البديهية لدى الجمهور المتلقي. هذا التكرار يخلق ما يعرف بـ "تأثير الحقيقة الوهمية"، حيث يميل الناس إلى تصديق المعلومات التي يتعرضون لها باستمرار.

 

وفي مجال الغرس الثقافي، تُقدّم "إسرائيل" على أنها "شريك سلام" و"جارة طبيعية"، مع تجاهل الإبادة في غزة، والقصف المستمر وجرائم الحرب في لبنان واحتلال الأراضي اللبنانية، وانتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين الخ... ويُركّز على التطور الاقتصادي والانفتاح الدولي، ما يخلق صورة إيجابية جزئية تُطمس المخاطر الحقيقية.

 

وتُبث تقارير عن التعاون الاقتصادي في دول عربية أخرى لترويج فكرة أن التطبيع "حتمي" و"ليس تنازلاً"، ويتم استهداف الشباب عبر منصات التواصل الاجتماعي وبرامج الشباب، لتشكيل جيل يرى "إسرائيل" واقعاً يمكن التعامل معه بدلاً من كونها "عدواً وجودياً".

 

وعليه، يعمد التأطير الإعلامي الى تحديد زاوية العرض واللغة، وأي الجوانب يجب إبرازها وأيها يجب إخفاؤها، أما الغرس الثقافي فيعمل على تثبيت هذه الرسائل على المدى الطويل، ليصبح الجمهور متأثراً بشكل تدريجي بتلك العناصر المؤطرة.

 

يمكن اعتبار التأطير مرحلة فورية واستراتيجية لتقديم الفكرة، بينما الغرس الثقافي يمثل تأثيرًا بطيئًا ومستدامًا يغير الثقافة والسلوك الاجتماعي تدريجيًا. وهكذا، ومن خلال الجمع بين هاتين النظريتين، تسعى بعض وسائل الإعلام اللبنانية الى إعادة صوغ الخطوط الحمراء الوطنية تدريجيًا، تمهيداً للانتخابات النيابية القادمة حيث سيكون موضوع "إسرائيل" والتفاوض والتطبيع ونزع السلاح أحد أبرز العناوين الانتخابية القادمة.