في
ظل الحديث عن مبادرات تسوية في المنطقة، يطرح على بساط البحث الحصول على موافقة
لبنان على ترتيبات أمنية تحفظ أمن إسرائيل، وتمنع أي عمل ضدها، وضمانات من لبنان
بالرغم من عدم ابداء إسرائيل الموافقة على الانسحاب من الجنوب اللبناني ومن
الأراضي اللبنانية المحتلة. كذلك، يتم الحديث عن منطقة عازلة خالية من السكان داخل
الأراضي اللبنانية، بالرغم من إدراك الجميع أن الجنوبيين لن يقبلوا بأي تسوية أو
اتفاقية تقتلعهم من أرضهم وبيوتهم.
يشكّل
مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها وحق الدول في السيادة ووحدة أراضيها أحد الركائز
الجوهرية للنظام القانوني الدولي الحديث، وقد ارتقى هذان المبدآن إلى مصاف القواعد
الآمرة (Jus Cogens) التي
لا يجوز الإخلال بها أو تعديلها أو تقييدها بأي اتفاق أو معاهدة.
1-
القواعد
الآمرة (Jus Cogens)
تُعدّ
هذه القواعد ضمانة أساسية لحماية استقلال الدول وصيانة كرامة الشعوب، وتُعتبر
المرجع الأعلى في مواجهة أي ترتيبات أو اتفاقيات تمسّ الحقوق الوطنية غير القابلة
للتصرف.
تنص
المادة (53) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 على ما يلي:
"تكون
المعاهدة باطلة إذا كانت، وقت إبرامها، تتعارض مع قاعدة آمرة من قواعد القانون
الدولي العام، ويُقصد بالقاعدة الآمرة تلك التي يُعترف بها من قِبل المجتمع الدولي
للدول بأسره بوصفها قاعدة لا يجوز الإخلال بها ولا يمكن تعديلها إلا بقاعدة لاحقة
لها الصفة نفسها.”
-
خصائص
القواعد الآمرة:
1. عمومية القبول الدولي: المجتمع الدولي
بأسره يعترف بها.
2. الإلزام المطلق: لا يجوز الاتفاق على
مخالفتها.
3.
عدم
القابلية للتعديل إلا بقاعدة مماثلة: تتطور فقط بقواعد آمرة جديدة.
2-
حق تقرير المصير كقاعدة آمرة:
اعترفت
محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة في قراراتها بأن حق الشعوب في تقرير مصيرها هو
قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي (قضية ناميبيا 1971، الرأي الاستشاري حول جدار
الفصل 2004). وأكدت قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة
(خصوصًا القرار 2625 لعام 1970 والقرار 3314 لعام 1974) على شرعية نضال الشعوب
الخاضعة للاحتلال من أجل تقرير مصيرها.
كذلك،
إن احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها من المبادئ المؤسسة للنظام القانوني الدولي
كما ورد في ميثاق الأمم المتحدة (المادتان 1 و2)، وبالتالي لا يجوز لأي اتفاق أو
التزام أن يتضمن تنازلاً عن السيادة الإقليمية أو اعترافًا بشرعية احتلال أجنبي.
وعليه،
أي اتفاق دولي يُلزم دولة بالامتناع عن تحرير أرضها أو التخلي عن سيادتها على جزء
منها يكون باطلًا منذ البداية لأنه يتناقض مع قاعدة آمرة هي حق الشعوب في تقرير
مصيرها.
النتيجة،
إن أي اتفاقية سياسية أو أمنية أو اقتصادية تُلزم لبنان بعدم المطالبة بأراضيه
المحتلة، أو تمنع التحرير، أو تُقرّ ضمنًا بشرعية الاحتلال
الخ... تُعتبر باطلة بطلانًا مطلقًا وفقًا للمادة 53 من اتفاقية فيينا، ولأنها تخالف
قواعد آمرة تتعلق بحق تقرير المصير والسيادة الوطنية.
يضاف الى ما سبق، أن أي اتفاق مفروض بالقوة أو بالإكراه السياسي أو الاقتصادي لا يُنشئ التزامًا قانونيًا صحيحًا، لأن الرضا الحر للدولة شرط جوهري لصحة المعاهدات (المادتان 51–52 من اتفاقية فيينا).

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق