2010/08/31

مستقبل العلاقات الاقليمية بعد انتهاء العمليات القتالية في العراق

يلقي الرئيس الاميركي باراك اوباما اليوم خطابًا هامًا يعلن فيه انتهاء العمليات القتالية في العراق، كما سيحدد النقاط العريضة لاستراتيجيته الجديدة. وبهذه المناسبة ننشر دراسة قٌدمت في مؤتمر عقد في بيروت في 4-5 آب الجاري ونناقش فيها مستقبل العلاقات الاقليمية المستقبلية على ضوء انتهاء العمليات القتالية الاميركية وسحب جزئي للجنود الاميركيين من العراق، وسنركز فيها على دول الجوار الاقليمي الفاعلة كايران والسعودية وسوريا وتركيا واسرائيل.

مستقبل العلاقات الاقليمية بعد انتهاء العمليات القتالية في العراق

ليلى نقولا الرحباني

مقدمة

أعلن الاميركيون نيتهم تطبيق الاتفاقية الامنية التي وُقعت بين الطرفين في حزيران 2008، وقد أعاد الرئيس اوباما التأكيد على التزامه بالاتفاقية وبما وعد به خلال حملته الانتخابية، فاعتبر في استراتيجيته للامن القومي أنه ملتزم الانسحاب من العراق ووقف العمليات القتالية في شهر آب 2010، على أن يتم سحب القوات العسكرية في نهاية عام 2011، مع الإبقاء على وجود مدني قوي في العراق بما يخدم المصالح الإستراتيجية الاميركية.

بداية، أريد أن اعيد التأكيد على اقتناعي بصوابية ما كنت قد تقدمت به في ورقة سابقة حول الانسحاب الاميركي من العراق بعنوان:"استراتجية اوباما للخروج من العراق: القرار والتحديات" وذلك في ايار عام 2009. لذا فأنا عندما أشير الى الانسحاب الاميركي في هذه الورقة فانا انما أعني به انسحابًا أميركيًا جزئيًا كما كنت قد توقعت ولا يجب ان يفهم أنني اتحدث عن انسحاب تام ونهائي.

وبغض النظر، عن شكل الانسحاب الاميركي وحجمه وكيفية تحوّله من عسكري الى مدني أو غير ذلك، يبدو من المفيد التركيز على تأثير الانسحاب الجزئي الاميركي من العراق أو ما أسموه "وقف العمليات القتالية" على وضع المنطقة ككل، وعلاقات دول الجوار مع العراق ، وذلك لما سيشكّله الانسحاب الاميركي من فراغ استراتيجي قد يغري الدول الاقليمية القوية بالتدخل في شؤون العراق الداخلية لتحقيق مصالحها الاستراتيجية الكبرى.

عليه، سنعالج في هذه الورقة، ماهية مصالح الدول الاقليمية الكبرى في العراق وما الذي يمكن أن يدفعها للتدخل سواء عسكريًا أو سياسيًا في العراق، ونختم بتصور لعلاقاتها الاقليمية في ظل الانسحاب. وقد حيّدنا في معالجتنا لهذه المسائل، التدخل الاميركي في الشؤون العراقية، وتصرف الاطراف الاقليمية على أساسه، لأننا نرى أن الانسحاب سواء كان انسحابًا تامًا أو تخفيضًا للقوات الاميركية، فهو لن يؤدي الى تبدل جوهري في امكانية التدخل الاميركي ولو اختلفت اساليبه.ولأن مواقف الاطراف الاقليمية وامتثالها او مقاومتها للشروط الأميركية معروفة وسائدة منذ الآن ومن المتوقع أن تستكمل بنفس التحالفات في المستقبل.



أهداف ومصالح دول الجوار في العراق
لا بد من التركيز على خمسة من دول الجوار الإقليمي للعراق بغرض التعرف على كيفية تأثير الانسحاب عليها سلبًا أو ايجابًا، وتحديد مصالحها الاستراتيجية في العراق، هي: إيران، والسعودية، وسوريا، وتركيا، وإسرائيل. أما وعلى الرغم من أن الأردن والكويت اللتان تجاوران العراق أيضًا، لا تمتلكان القدرة على التدخل في الشؤون العراقية كما هو حال الدول الاخرى المذكورة، وإن وُجدت فهي ستكون بتسيير ولمصلحة الولايات المتحدة الاميركية وليس ضدها.

واقعيًا، تمتلك جميع الدول المذكورة أعلاه الحوافز والرغبة في التدخل في الشأن العراقي لما لدى التطورات العراقية من تأثير مباشر على مصالحها القومية والاستراتيجية، الا ان الدول الأربعة الأولى تمتلك قدرة أكبر على التأثير سلبًا أو إيجابًا في العراق بسبب الحدود المشتركة ولاسباب أخرى سنفصلها في ما يلي.
وعلى الرغم من أن "إسرائيل" لا تمتلك حدودًا مشتركة مع العراق، وليست فاعلاً رئيسيًا في المكونات العراقية لكن تأثير الانسحاب الاميركي عليها، وتبدل الوضع الاقليمي في المنطقة يجعلها تتأثر، فتؤثّر في الانسحاب الاميركي ونطاقه وكيفيته.



أولاً: إيران
لعل البلد الأكثر انخراطًا وتأثيرًا في الواقع العراقي اليوم هو إيران، التي تقارب الملف العراقي من زاوية استراتيجية أساسية في سياستها الخارجية الشاملة لأسباب عدة لها علاقة بمعادلة توزع القوى والصراع في المنطقة، والحفاظ على أمنها واستقرارها.

بعد التطورات التي حصلت في المنطقة منذ أحداث 11 ايلول وما بعدها من غزو أميركي لافغانستان والعراق، وما حصل من تطورات في الملف النووي الايراني، يبدو الملف العراقي بالنسبة لايران جزء أساسي من استراتيجيتها الخارجية الشاملة، والتي تهدف من خلالها ايران الى امتلاك جميع مقومات القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية والتقنية، التي تسمح لها بحماية مصالحها الاستراتيجية الكبرى.
تتلخص الاهداف الايرانية الاستراتيجية الكبرى، في ما يلي:
1- استقرارالنظام الايراني: تعاني ايران من محاولات مستمرة من الولايات المتحدة وغيرها من الدول لزعزعة استقرار النظام الاسلامي منذ الثورة الاسلامية عام 1979. لذا تسعى ايران من خلال سياستها الخارجية وتجميع الاوراق الاقليمية الضغط للحصول على الاعتراف الدولي بنظامها، والتوقف عن محاولات الاطاحة به، وذلك من خلال تحقيق حد أدنى من الحصانة في مواجهة الولايات المتحدة الاميركية، تجعل النظام الايراني شبيه بوضع النظام الشيوعي في الصين، أي بعبارة أخرى، أن يكون مسموحًا انتقاد النظام الإيراني، ولكن ليس محاولة الاطاحة به[2].

وفي هذا المجال، تحاول ايران في سياستها الخارجية وحركتها الاقليمية في العراق وسواه من دول المنطقة، ابعاد شبح أي تهديد خارجي أو داخلي لنظامها أو لبرنامجها النووي، كما تحاول امتصاص النقمة الداخلية واحتواء المعارضة وعدم السماح بأي دعم خارجي لها.

2- ضمان أمنها وسلامة اراضيها الإقليمية: تقوم ايران ببناء قوة عسكرية هائلة تمكّنها من الدفاع عن سلامة أراضيها وردع أي قوة معادية سواء دولية أو اقليمية من توجيه ضربات عسكرية ضدها. وبفائض القوة العسكرية الذي تسعى الى تحقيقه، تضمن ايران سلامتها الاقليمية وتمنع عن نفسها مصيرًا مماثلاً لمصير جارتيها أفغانستان والعراق.

3- تكريس حقها في الاستفادة من مواردها الطبيعية: من الاهداف الاستراتيجية الكبرى بالنسبة لايران هو ضمان سيطرتها على مواردها الطبيعية ومصادر الطاقة وتكريس حقها في الطاقة النووية السلمية، وتأمين التمويل والتكنولوجيا اللازمة لاستغلال مواردها والحفاظ على قدراتها. وتحاول ايران استغلال مواردها الى أقصى حد بما يعود عليها بفائض مالي يسمح بالتخفيف من وطأة العقوبات عليها، كما تحاول أن تستخدم ما لديها من أدوات قوة ونفوذ في العراق كأوراق في سبيل ضمان سلامة مواردها ومصادر الطاقة لديها.

4- تكريس دورها الاقليمي: تقوم ايران بتبني كل ما يلزم من أدوات القوة الاقليمية في العراق وسواه، التي تؤمن لها القدرة والنفوذ للتأثير على جميع مجريات الوضع الاقليمي، كما يهم طهران أن تستخدم كل ما يمكن لها من أدوات القوة هذه للتأثير على التطورات السياسية الاقليمية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بما يتفق مع مصالحها الاستراتيجية والإيديولوجية.



أما تصدير الثورة الاسلامية الى العراق فيبدو أن ايران- في الوقت الراهن أقلّه- تعتبر تصدير الثورة في درجة ثانية بالاهمية باعتبار أن الأخطار التي تتهددها والتحديات التي تواجهها تجعله هدفًا أدنى مرتبة مقارنة مع أهداف الحفاظ على الوجود، لكن هذا لا يمنع من محاولة التأثير على الشيعة في العراق وفي المنطقة لتبني نظرية "ولاية الفقيه" الدينية.

واقعيًا، لقد أتى احتلال العراق من قبل الاميركيين عام 2003 لمصلحة ايران الاستراتيجية، فقد قضى الاميركيون على حكم صدام حسين المناوئ للسياسة الايرانية والذي أقام معها حربًا امتدت ثماني سنوات، وشكّل حاجزًا أمام امتداد النفوذ الايراني في المنطقة.
بسقوط صدام حسين واحتلال العراق، اختل التوازن الاقليمي الذي كان قائمًا بين بغداد وطهران، ولم ينجح الاحتلال الاميركي في تحويل العراق والقواعد العسكرية فيه الى قوة تهديد حقيقية لطهران، بل بالعكس، استطاعت طهران أن تحوّل الوجود العسكري الاميركي بالقرب من الحدود الايرانية من قوة تهديد أميركية لايران الى قوة تهديد ايرانية لأميركا بأمن جنودها وسلامتهم مقابل أمن وسلامة المنشآت النووية الايرانية.
بعد انتقادات شديدة للاتفاقية الامنية العراقية الاميركية، دعمت طهران الاتفاق الأمني في شكله النهائي، خاصة بعدما وافق العراق على طرد منظمة مجاهدي خلق الايرانية من أراضيه، وضمّن الاتفاقية الموقعة بينه وبين الاميركيين بندًا ينص صراحة على عدم استخدام أراضيه لشن هجوم على أي دولة من دول الجوار.
أما اليوم، وبعد تقليص عدد الجنود الاميركيين في العراق، يهمّ ايران أن يبقى العراق موحدًا ومستقرًا مع سيطرة لحلفائها على السلطة، ومن البديهي أن تتهيأ ايران لسد الفراغ الاستراتيجي ومحاولة استخدام البوابة العراقية الصديقة لتعزيز نفوذها ليس فقط في الخليج، ولكن في المشرق العربي أيضًا.
ببساطة تملك ايران من القدرة والحوافز والنفوذ في الداخل العراقي لعدم السماح بقيام أي حكومة عراقية معادية لها. ومع انسحاب الاميركيين من العراق يهمّ ايران أن تتأكد من ان العراق - في الحد الادنى- لن يتخذ في المستقبل أي سياسات معادية لها، وفي الحد الاقصى، تريده أن يكون جزءًا من التحالف الاستراتيجي الذي أقامته مع سوريا والمقاومة في لبنان والذي كرّسته قمة دمشق.
وبين هذين الحدّين (الادنى والاقصى)، تسعى طهران لتثبيت وتفعيل نفوذها في الداخل العراقي بما يجعلها جزء من معادلة اساسية لا يمكن تخطيها عند تقرير أي شأن عراقي، أو أي شأن اقليمي من البوابة العراقية.
وفي مرتبة أدنى في الاهمية، يهمّ القيادة الايرانية الحفاظ على العلاقات الاقتصادية و تأمين سلامة وأمن الحجاج الايرانيين وزيارات الاماكن المقدسة وغيرها من الأمور الاساسية في النظرة الايرانية لمصالحها في العراق، كما والاستثمارات الايرانية في العراق والتجارة المزدهرة جدًا بين البلدين.

ثانيًا: السعودية

كانت السعودية أول المتحمسين للغزو الاميركي للعراق، لكنها سرعان ما وجدت أن ايران تمتلك النفوذ الاكبر فيه، كما إن حالة التهميش التي وجد سنّة العراق أنفسهم فيها بعد الغزو، حرمت الرياض من عنصر قوة مهم داخل هذا البلد.

تعتبر السعودية العراق ساحة من ساحات التنافس في الصراع الإقليمي الاكبر مع ايران، ولطالما اتهم المسؤولون السعوديون الولايات المتحدة صراحة ب "تسليم العراق إلى إيران" وزيادة نفوذها في المنطقة، وأعربوا عن استيائهم من أن قدوم حليفتهم الولايات المتحدة الى المنطقة جعل ايران دولة اقليمية هامة وفاعلة[3].

تخشى السعودية قيام دولة شيعية على حدودها الشمالية لما في ذلك تأثير على الشيعة داخل السعودية، لذا يبدو وقف انتشار النفوذ الايراني وامكانية تصدير قيم النظام الثوري الايراني الى الداخل العراقي هو أحد الاهتمامات الرئيسية للرياض في الملف العراقي.

تاريخيًا، لطالما خشيت المملكة العربية السعودية من الحركات الايديولوجية والثورية في المنطقة وامكانية تأثيرها على وضع نظامها الملكي. في الماضي، خاف النظام السعودي من الناصرية في مصر وامتدادها في انحاء العالم العربي فحاربها، كذلك الماركسية في اليمن الجنوبية، والتشيع الثوري الايراني والآن تخشى حركات المقاومة الاسلامية في كل من فلسطين ولبنان فتحاربها أو تحاول احتواءها.
في تقييم السعوديين لعراق ما بعد الانسحاب الاميركي، يمكن تلخيص رؤيتهم للمخاطر غير المباشرة للوضع العراقي على السعودية في ما يلي:

عودة العراق القوي: قد ترغب السعودية في عراق مستقر نسبيًا، يمتلك قوات عسكرية قادرة على ضبط الامن، لكنها بالتأكيد لا ترغب في رؤية عراق قوي وقادر على صدّ التدخلات في شؤونه، أو يمتلك من القدرة العسكرية لتشكيل قوة يحسب لها حساب في المنطقة وتهديد جيرانه كما كان خلال حكم صدام حسين.

منذ فترة طويلة، تسيطر على المخيلة السعودية، صورة العراق الذي يشبه بروسيا "الشرق العربي" أي الدولة العسكرية الاستبدادية التي تميل الى تهديد جيرانها بفضل جيشها القوي تقليديًا، وتكنوقراطيته القادرة، وقاعدته الصناعية. لذلك، وبعد الانسحاب الاميركي من العراق ستراقب السعودية بدقة كيفية إعادة بناء قوى الأمن العراقية، لمراقبة التوازن الطائفي داخلها، ومدى النفوذ الايراني فيها، ومدى قدرتها على إسقاط السلطة في المستقبل، ولن تسمح بأي شكل من الاشكال بتمكين الذراع العسكرية العراقية والجيش العراقي وامتلاكه ترسانة عسكرية قوية[4].


تقوية النفوذ الشيعي: برز الصراع السنّي الشيعي الى الواجهة بعد دخول الاميركيين الى المنطقة، وبدأت السعودية باستخدام كل ما يمكن من وسائل وأدوات مشروعة وغير مشروعة[5] لتقوية النفوذ السنّي ومحاصرة ما أسموه "المد الشيعي" في المنطقة بشكل عام وفي العراق بشكل خاص.

يخشى النظام السعودي من أن ازدياد النفوذ السياسي للشيعة العرب العراقيين، سواء من خلال الانتخابات العراقية أو من خلال عودة ظهور النجف كمركز للشيعة، قد يؤدي الى مطالبات بحقوق سياسية وثقافية للشيعة في السعودية.

الفيدرالية: يخشى السعوديون من النموذج الفيدرالي الذي اعتمد في العراق، ليس فقط لأنه قد يمكّن ايران من تعزيز نفوذها في جنوب العراق، ولكن مما قد يؤديه من تأثيرات على وحدة السعودية نفسها.

تخشى السعودية من أن اي تقسيم للعراق قد يؤدي الى مطالبات مماثلة لتقسيم السعودية التي تتكون من المحافظات، المختلفة التقاليد والعادات والثقافات والتاريخ، والتي يعاني بعضها من درجات كبيرة من التهميش والفقر.
هناك خوف حقيقي في الرياض من أن ينتج الحكم الذاتي الإقليمي في العراق اتجاهًا مماثلاً في المملكة العربية السعودية وبالتالي إضعاف قدرة الرياض على الحفاظ على السيطرة المركزية السياسية. وفي هذا الاطار، لم ينسَ السعوديون بعد، السيناريوهات التي وضعها الاميركيون بعد 11 أيلول لتقسيم السعودية بعدما اتهموها برعاية الارهاب وتوليده من خلال تشكيل ثقافة ملاءمة لنموه وبيئة حاضنة له.

التمكين القبلي: تعتبر القيادة السعودية أن مجالس الصحوة التي دعمتها وموّلتها كقوة ضد القاعدة في العراق سيف ذو حدين؛ فهي من ناحية تُعتبر الذراع الامني والسياسي للسعودية في الداخل العراقي، لكنها في المقابل تشعر بالقلق وتسعى الى احتوائها بشكل دائم، لان توسع ظاهرة سيطرة القبائل المحلية في العراق وتقويتها قد يؤدي الى تحريك القبائل في السعودية.

تخشى العائلة المالكة السعودية من أن تقوم بعض القبائل السعودية العريقة التي لديها فروع مشتركة وامتدادات في العراق[6] بتحدي سلطة آل سعود ومطالبتها بمزيد من الامتيازات السياسية والحقوق الاقتصادية في البلد. لذلك دفعت الرياض من أجل إدماج حركة الصحوة في قوات الأمن العراقية وذلك للتخفيف من مبدأ حرية القبائل نفسها.

الارهاب: يخشى النظام السعودي عودة ظهور القاعدة في العراق، وعودة الارهاب الى ضرب السعودية كما حصل في السنوات الممتدة بين 2003 – 2007. لكن، يرى بعض المتشددين في القيادة السعودية، أنه في حال تجدد الصراع الطائفي في العراق، وبالرغم من خشية السعودية من تأثير الفوضى في العراق على أمنها الاقليمي، فان تدفق الجهاديين من السعودية الى العراق قد يخفف الضغط عن العائلة المالكة، وبالتالي قد يكون من المفيد تحمل بعض التداعيات[7].

بعد الانسحاب الاميركي من العراق، من المتوقع أن تعمد السعودية الى تقوية نفوذها في العراق وذلك من خلال الاستمرار في دعم وتمويل بعض الجهات السياسية والميليشيات السنية، ومن خلال الجمعيات الخيرية والمنظمات الدينية، والتوجيه والتحريض الاعلامي[8]، والمعونات الاقتصادية، والفتاوى الدينية غبّ الطلب التي تصدر عن الشيوخ السعوديين.[9]



ثالثًا: سوريا
لا تملك سوريا الوسائل التي تملكها كل إيران أو المملكة العربية السعودية لملء الفراغ الذي سيتركه انسحاب القوات الاميركية من العراق، ولكن بلا شك تستطيع سوريا بما لديها من وسائل ونفوذ في الداخل العراقي أن تؤثر على مستقبل العراق وعلى ما يمكن أن تتخذه الحكومة العراقية المقبلة من قرارات تؤثر على الوضع الاقليمي.

أما الدوافع السورية للتدخل في الشأن العراقي، فستعتمد، بشكل جوهري، على تطور الوضع الأمني الداخلي في العراق، واتجاه النظام في بغداد، وتقييم دمشق لمصالحها السياسية الخارجية الواسعة.



الاهتمام السوري الأبرز سيكون لمنع ظهور عراق غير مستقر تؤدي الفوضى فيه الى تهديد أمن سوريا، أو قادر عسكريًا الى درجة يمكن أن يستخدم لتهديد أمن سوريا نفسها ، كما كان الحال قبل حرب إيران والعراق.

بعد الانسحاب الاميركي من العراق، يبدو المتغير الاهم الذي سيقود الى تدخل سوري في العراق بالاضافة الى الامن، هو التشكيلة السياسية الحكومة العراقية والتوجهات المستقبلية للنظام العراقي.


\بالتأكيد، ستسعى دمشق الى أن يكون لها نفوذ في الحكومة الجديدة، ولكن لن تتوانى دمشق عن العمل ضد الحكومة العراقية التي تربط نفسها بالمخططات الاميركية التي تعتبرها دمشق معادية لها، أو في حال قبلت أن تكون الحكومة العراقية المستقبلية أداة تنفيذية في المشاريع التي تضعها الولايات المتحدة للمنطقة.

المتغير الثاني الذي من شأنه أن يحفّز سوريا على التدخل في العراق هو درجة استيعاب الغرب لمصالح سوريا الاستراتيجية. فاذا كان الغرب وبالتحديد الاميركيين سيسعون لفرض المزيد من القيود على سوريا، أو سيهددون أمن سوريا ووحدتها الاقليمية من خلال العراق أو غير ذلك مما تعتبره سوريا تهديدًا لمصالحها الاستراتيجية الكبرى، فسوف تكون سوريا أكثر ميلا للتدخل في العراق كوسيلة لإظهار أهميتها للاستقرار الإقليمي، ودعوتهم لمفاوضتها وتقديم فرص للتسويات معها في القضايا العالقة.



الأمر الثالث الذي يهمّ السوريين في العراق هو المجال الاقتصادي:

أظهرت سوريا اهتمامًا كبيرًا في إعادة فتح خط أنابيب النفط الذي يمتد من كركوك الى ميناء بانياس السوري. ان اعادة هذا الخط من شأنها توفير وقود منخفض التكلفة الى سوريا بالاضافة الى الايرادات الهامة التي يوفرها للخزينة من جرّاء رسم العبور.

هناك أيضاً ضمان تنفيذ وتفعيل اتفاقيات التبادل التجاري الحر بين البلدين، وتعزيز التعاون بين المنطقة الحرة السورية في اليعربية والمنطقة الحرة العراقية في القائم.


تمتلك سوريا الآليات اللازمة التي تحتاجها لحماية مصالحها في العراق وذلك من خلال 385 كلم من الحدود المشتركة بينهما، وعلاقاتها مع جماعات المقاومة داخل العراق، واستضافتها أهم قيادات العراق المنفيين[10]، بالاضافة الى حجم اللاجئين العراقيين الهائل في سوريا.



رابعًا: تركيا
بلا شك، مثلها مثل باقي دول الجوار تشعر تركيا بأن تطورات الاحداث في العراق وخاصة بعد الانسحاب الاميركي منه، سوف يكون لها تأثير على الداخل التركي، وإن لم تتحسب تركيا لما سيكون عليه عراق ما بعد الانسحاب وتعمل على تشكيله بما يناسب مصالحها، فإنها ستجد نفسها أمام تحديات استراتيجية تهدد وجودها ووحدتها الاقليمية.
شكّل قدوم الأميركيين الى المنطقة واحتلالهم للعراق بعض التحديات والمخاطر للاتراك الذين رأوا أن الاحتلال مسّ بالتوازنات التي كانت مؤاتية لتركيا، حيث ضرب أقوى دولة مركزية في المنطقة، مما شكّل قلقا من احتمال محاولة ضرب الدول المركزية الأخرى ومنها تركيا، كما مسّ بالأمن القومي التركي عندما أنشأ في شمال العراق كيانًا كرديًا رسميًا معترفًا به في الدستور العراقي.

واليوم، وفي ظل استعداد الاميركيين لاعادة الانتشار تطبيقًا للاتفاقية الامنية، يمكن تلخيص ابرز محركات السياسة التركية في العراق، بما يلي:



1- الحفاظ على العراق كدولة موحدة مع حكومة مركزية قوية تمنع ظهور دولة كردية مستقلة.

تريد الحكومة التركية من عراق ما بعد الانسحاب أن يبقى موحدًا، وأن لا يتحول الى عراق غارق في الفوضى والصراع الطائفي بشكل يهدد أمنها، والاهم من ذلك كله أن لا يزداد النفوذ السياسي أو العسكري للأكراد فيه.

يعتبر الاتراك إن قيام دولة كردية مستقلة يشكّل تهديدًا وجوديا للأمن التركي، فوجودها من المتوقع أن يؤدي إلى تفاقم الضغوط الانفصالية للاكراد في تركيا، وتقوية حزب العمال الكردستاني الذي يحصل على الدعم اللوجستي من حاضنته الشعبية في الشمال العراقي.

وفي نفس الاطار، يهمّ الاتراك ضمان أمن الأقلية التركمانية في كركوك، وضمان ألا تسقط كركوك بيد الأكراد خشية أن تتحول ذات يوم بنفطها إلى مصدر دخل للدولة الكردية المستقبلية فيؤدي زيادة تطورها الاقتصادي الى استقلالها السياسي.



2- الدور المستقبلي لتركيا في المنطقة



ترى أنقرة في قضية العراق كما في قضية الصراع العربي الاسرائيلي بوابة لفرض نفسها لاعب اقليمي فاعل في الشرق الاوسط، وتقوم تركيا بمد نفوذها الى الداخل العراقي من خلال البوابة السنّية، واستخدام اسلوب الدبلوماسية المتعددة الاطراف.

كجزء من صورتها الإقليمية الجديدة، تريد تركيا أن تظهر أنها الدولة الوحيدة التي تستطيع إقامة علاقات مع كل الأطراف الفاعلة في العراق من الاطراف المحلية والدولية والاقليمية وغيرها.



بعد الانسحاب الاميركي من العراق، ستقوم السياسة الخارجية التركية في العراق، بالارتكاز الى عنصرين حاسمين:
الأول، إقامة علاقات قوية مع الحكومة المركزية العراقية وجميع مكونات الشعب العراقي، ودعم قيام حكومة مركزية قوية بحيث تصبح قادرة على القضاء على اي أمل كردي بالانفصال، لذا تسعى تركيا كما دول الجوار الآخرين ان يكون تشكيل لها رأي في تشكيلة الحكومة العراقية الجديدة.
الثاني، التعاون الإقليمي مع دول الجوار العراقي والتنسيق معها لاتخاذ سياسات موحدة تجاه أي امكانية لتقسيم العراق وبقائه موحدًا وهو هدف ومصلحة تتشاطر فيها كل من ايران والسعودية وسوريا وتركيا.



3- الاقتصاد



للنفط أهمية كبرى في علاقات تركيا مع العراق، وذلك من خط نفط جيهان كركوك الذي يوفّر لتركيا موارد دخل هام

كذلك يهم تركيا الحفاظ على العلاقات الاقتصادية واستثمارات شركاتها في العراق، فهناك الالاف من الشركات التركية التي تعمل في العراق وبالتحديد في شماله ويعمل معظمهم في قطاع البناء وفي التنقيب عن النفط. ويهم الاتراك أيضًا تعزيز التبادل التجاري بين البلدين الذي تضاعف ثلاث مرات في السنتين المنصرمتين.



خامسًا: اسرائيل
تبدو اسرائيل معنية أكثر من سواها بالتطورات التي ستحصل في العراق بعد الانسحاب الاميركي منه، وبالفراغ الاستراتيجي الذي سيخلّفه خاصة بعدما أثبتت التطورات وحرب تموز 2006 بالتحديد، أن اسرائيل فقدت توازن الردع الاستراتيجي الذي لطالما امتلكته منذ حرب حزيران 1976. ولقد كشفت التقارير الصحفية أن بنيامين نتنياهو عبّر لوزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس خلال الزيارة التي قام بها لواشنطن أن الانسحاب الأميركي من العراق سيعرض تل أبيب لمخاطر كبيرة.

بعد الانسحاب الاميركي من العراق، تخشى اسرائيل من
- تمدد النفوذ الايراني في المنطقة، وهو شعور بالخطر استشعره الاسرائيليون وتزايد لديهم بعدما اعتبروا ان الولايات المتحدة بقدومها الى العراق واحتلالها له واطاحتها بصدام حسين، زادت من النفوذ الايراني وازاحت قوة معيقة لانتشار الفكر الثوري الايراني في المنطقة، وهو بالضبط ما أقلق ملك الاردن الذي عبّر عنه عنه بالتبيه من خطر "الهلال الشيعي"

- عراق غارق في الفوضى وانتشار "الارهاب" الذي يمكن أن يقوّض استقرار الاردن، على وجه الخصوص، وذلك لسببين: قدرة الجهاديين على الامتداد الى الداخل الاردني، والحجم الهائل للاجئين العراقيين في الاردن والذي يقارب مئات الآلاف.
في تقديرها لموقف ما بعد الانسحاب الاميركي من العراق‏،‏ تحدثت وثيقة اسرائيلية[11] عن مكامن الخطر التي ستنجم عنه‏، ويمكن أن نوجزها بما يلي:



1- سينظر الى الانسحاب في العالمين العربي والإسلامي كهزيمة لأميركا‏.‏ وسيؤدي بشكل فوري إلى زيادة هائلة في طاقة الحركات الإسلامية الجهادية‏،‏ حيث ستعمل هذه الحركات على زعزعة أنظمة الحكم العربية المعتدلة في المنطقة‏،‏ إلى جانب تعزيز الأنظمة التي تناصب أميركا العداء‏.‏

2- أكبر ضرر إستراتيجي سيهدد إسرائيل سيكون المسّ باستقرار نظام الحكم في الأردن الذي تصفه الوثيقة بأنه أهم ذخر إستراتيجي لإسرائيل في المنطقة؛ لأنه يمثل الحزام الفاصل بين إسرائيل والهلال الشيعي الذي سيتبلور بعد الانسحاب، إلى جانب موقف النظام الأردني الصارم ضد الحركات الإسلامية‏.‏ ومن شأن إحداث أي تغيير هناك أن يحوله إلى ساحة فعل ضد إسرائيل‏،‏ بما يعيدها إلى السنوات الأولى لوجودها‏.‏
3- الانسحاب سيكون عنصرًا مشجعًا لقوى المقاومة الفلسطينية وحزب الله على توجيه ضربات لإسرائيل‏،‏ وقد يعود العراق ليصبح نقطة انطلاق لتنفيذ عمليات إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل‏.

4- الانسحاب من العراق سيحرر إيران من الضغوط الممارسة عليها حاليًا‏،‏ وسيسمح لها بتطوير برنامجها النووي وصولاً إلى إنتاج القنبلة النووية‏.


غير أن بعض الخبراء الاسرائيليين الآخرين أشاروا إلى أن الانسحاب الأميركي قد يشتمل على تطورات إيجابية بالنسبة لإسرائيل‏،‏ التي يمكن ايجازها بما يلي:

1- أن قادة الجيش الأميركي في العراق هم الذين يرفضون بشدة قيام الإدارة الأميركية بمهاجمة إيران وتدمير برنامجها النووي، على اعتبار أن إيران سترد بشن عمليات انتقامية ضد القوات الأميركية في العراق‏ وهو أمر لفت اليه بترايوس عندما اعتبر ان السياسة الاسرائيلية في الشرق الاوسط تعرّض أمن قواته في المنطقة للخطر.‏ لذا، يرى بعض الاسرائيليين أن الانسحاب من العراق قد يزيل عقبة قوية أمام تحرك أميركي عسكري محتمل ضد إيران‏.‏

2- قد يؤدي الانسحاب من العراق الى فوضى وتقاتل يؤدي الى تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم لكل من السنّة والشيعة والأكراد. وعليه، فإن عملية العزل العرقي من جانب، وخلق تكتلات طائفية على أسس قومية من جانب آخر، في العراق ومن بعده سوريا ولبنان، ستخلق ظروفًا جيدة لأجواء قبول دولة يهودية كجزء لا يتجزأ من المنطقة، بحسب التحليل الاسرائيلي.



احتمالات ودوافع التدخل في الشؤون العراقية


تتحسب دول جوار العراق منذ الآن لمرحلة ما بعد الانسحاب الاميركي من العراق، فتقيّم كل دولة ما هي المخاطر والتحديات التي ستواجه مصالحها القومية وكيف يمكن لها الاستفادة من التطورات، ويرتبط هذا الامر الى حد بعيد بما ستكون عليه العلاقات الاميركية العراقية في المستقبل، وما هي الأوراق التي ستستمر الولايات المتحدة في الامساك بها، ومصير التوازن الاقليمي بعد الانسحاب.

أما في ما يختص برغبة دول الجوار وقدرتها على التدخل في الشؤون العراقية، فالامر مرتبط بالتفاعلات الاقليمية والتطورات السياسية الداخلية العراقية بشكل كبير.


وسنوجز في ما يلي، كيف يمكن أن يكون شكل وأسباب التدخلات المستقبلية لدول الجوار العراقي في الشؤون الداخلية العراقية، ونعطي تصورًا للحد منها.

بداية، تجدر بنا الاشارة الى أنواع عدة من التدخل يمكن أن تستخدم في الساحة العراقية بعد الانسحاب الاميركي كثيرة ومتنوعة، منها الاقتصادي والثقافي والدبلوماسي وغيرها، ولكننا سنقصر حديثنا عن نوعين من التدخلات التي ستستخدمها دول الجوار: التدخل العسكري والتدخل السياسي المباشر.

1- في التدخل العسكري وفيه صنفان:

أ‌- التدخل العسكري غير المباشر (المعتمد حاليًا):

يتجسد هذا الشكل من التدخل بأساليب متنوعة، منها أن تقوم دولة ما أو دول عدة بدعم أحد أطراف النزاع المحليين أو الميليشيات وتزويدهم بالعتاد الحربي، أو تدريبهم على استخدام الاسلحة، أو تقديم المعونات المالية لتمكينهم من شراء الاسلحة وغيرها من المعدات الحربية، وهو ما يحصل في العراق حاليًا من قبل معظم دول الجوار.
من المؤكد أن هذا النوع من التدخل سيستمر في فترة ما بعد انسحاب الاميركيين منه، خاصة إذا لم يستطع العراق أن يشكّل قوات أمن قوية بشكل كافٍ وفي حال تركت القوات الاميركية العراقية بدون تدريب وتجهيز كاف لقوات الامن العراقية، عندها سيزداد هذا النوع من التدخل من قبل دول الجوار الاقليمية في محاولة للسباق بينها على سد الفراغ الامني الذي سيخلّفه الاميركيون بواسطة دعم الميليشيات أو القوى المحلية موالية.
يوازي هذا النوع من التدخل خطورة التدخل العسكري المباشر ولا يقل أهمية عنه. وبالرغم من ان هذا التدخل يبقى سريًا عادةً، واحيانًا كثيرة لا يتم الاعتراف بحصوله، الا انه يبقى تحديًا لسيادة العراق وتهديدًا لاستقراره

للحد من هذه الظاهرة المدمرة للعراق، على الحكومة العراقية تقوية الجيش العراقي والقوى الامنية العراقية وتسلّم زمام الامن بشكل كامل بعد انسحاب القوات الاميركية، وضرب بيد من حديد لكل القوى المخلة بالامن، خاصة وأن المقاومة ينتفي مبرر وجودها في حال انسحاب الاميركيين بالكامل من الاراضي العراقية.

ب‌-التدخل العسكري المباشر
أن احتمالات زعزعة الاستقرار في العراق بعد الانسحاب الاميركي منه، ستؤدي حتمًا إلى تدخل الدول المجاورة للعراق في شؤونه. لكننا نجد أن التدخلات ستقتصر على الجانب السياسي أو العسكري غير المباشر على النحو الذي يحصل الآن. ولا يمكن توقّع تدخلات عسكرية مباشرة علنية إلا من قبل الاتراك، ولسبب حصري وحيد ومعلن هو اجتثاث الخطر الكردي.

أما احتمالات تدخل عسكري مباشر من قبل الايرانيين او السعوديين او السوريين فتبقى بعيدة الاحتمال، لانتفاء الحاجة ولقدرتهم على تحقيق مصالحهم بدون التدخل العسكري المباشر المثير للجدل.

عليه، نجد ان تزايد قدرة البشمركة الكردية وتفاقم رغبتها في الانفصال، ستكون تهديد كبير للاستقرار والأمن العراقي وزيادة رغبة الدول المجاورة بالتدخل في شؤونه. الاسوأ في هذا الامر، هو موقف قوات الأمن العراقية من الموضوع، فإما أن ترفض القوات العراقية الرسمية انفصال الاكراد ويتحول النزاع بينها وبين البشمركة الى حرب أهلية، أو تكون من الضعف بحيث تقف عاجزة أمام تنامي قوة البشمركة وسيطرتها العسكرية، ما يؤدي الى تدخل دول الجوار لمنع تشكّل قوة كردية تؤدي الى الانفصال وتأسيس دولة كردية يهدد وجودها مصالح كل من تركيا بالدرجة الاولى وايران وسوريا بدرجة أقل.

للحد من مخاطر التدخل العسكري المباشر، على الحكومة العراقية المستقبلية منع تنامي الحركة الانفصالية الكردية، لأن جميع الدول المجاورة معنية بهذا الامر وتخشاه، ولن تتوانى عن التدخل لمنعه.

النوع الثاني: التدخل السياسي
وهو تدخل قائم وفاعل وسيستمر في المرحلة القادمة وبقوة. إن التوجهات السياسية المستقبلية للحكومة العراقية وتطور موازين القوى الداخلية السياسية في العراق تبدو أكثر أهمية وحافزًا لتدخل دول الجوار من الآثار المترتبة على الانسحاب بحد ذاته.

ويبدو العامل الأكثر أهمية في تشكيل مستقبل الحسابات الإقليمية تجاه العراق هو كيف يمكن للنظام العراقي نفسه يتطور، وما هي توجهاته السياسية المستقبلية وهل سيدخل في سياسة المحاور المعلنة أم سيبقى مرتعًا لتقاسم النفوذ والحرب بالوكالة بين الاطراف الاقليميين.
بالتأكيد، لن يسمح أي محور اقليمي للعراق بأن يلتحق بالمحور المنافس، لان قوة العراق واهميته الجيوبوليتكية والسياسية تجعل منه قوة وازنة تؤدي الى زعزعة التوازن الاستراتيجي القائم، وقد تحسم الغلبة لأحد المحاور الاقليمية فيما لو تحقق انخراط العراق الكامل في محور من المحاور.

عليه، ان تطور العراق واستقلال قراره السياسي وبروز توجهاته الوطنية بقوة، وتقوية جيشه وقواه الامنية بشكل تتمكن فيه من الحفاظ على الاستقرار والأمن تبدو أمرًا مهمًا لمنع التدخل في شؤونه، والاهم أن لا يظهر الجيش العراقي كقوة تهديد لجيرانه، فمتى شعرت القوى المجاورة للعراق بالتهديد، لن تتوانى عن التدخل لحماية مصالحها من تهديدات محتملة تأتيها عابرة للحدود العراقية.

ان تحقق هذه الامور ستكون أفضل ما يؤدي إلى الحفاظ على التوازن في المنطقة والحد من خطر التدخل الخارجي في شؤون العراق الداخلية.

خاتمة

في كل الأحوال، سيقيّم جيران العراق نتائج الانسحاب الأميركي في ضوء مصالحهم الخاصة، وعلى ما يبدو لغاية الآن، ستتعامل هذه الدول مع الملف العراقي بحسب القضية المطروحة وبالمفرق وليس بالجملة، كأن تتفق مصلحة دولتان على دعم خيار ما، ثم تتباينان في قضية اخرى.
سيبقى الصراع قائمًا بقوة، وسيشتد بين كل من ايران والسعودية وستبقى الساحة العراقية مسرحًا لهذا الصراع.
ستحاول تركيا أن تشكّل قوة ارتباط قادرة على التنسيق مع كافة الاطراف الفاعلة، وسيبقى التنسيق قائمًا بين ايران وسوريا من ناحية استراتيجية، مع امكان بعض ظهور بعض التباينات المضبوطة في بعض الملفات.
ويبدو أن التوافق "غير المعلن" بين دول الجوار سيكون على بعض القضايا الجوهرية واهمها:

- وحدة أراضي العراق: تتشارك الدول المجاورة جميعها في الرغبة بعدم تقسيم العراق، والحفاظ على وحدته لما في التقسيم من أخطار تتهددها، وخشيتها على وحدة بلادها.
بالنسبة لايران، هي تفضل وحدة العراق على قاعدة أن الأفضل لها أن يجاورها عراق موحد تتحكم هي بسلطته المركزية بدلاً من دويلات عراقية ثلاث تتعدد فيها مراكز القرار بما يجعل الأمور أكثر تعقيداً بالنسبة إليها لما يوفره من أرضية لتدخلات خارجية عبر دعم هذه الدويلة أو تلك.

- الجيش العراقي: تريد تركيا جيشًا عراقيًا قويًا قادرًا على حفظ الاستقرار والامن وكبح الرغبة الانفصالية الكردية، ولكن من مصلحة دول الجوار ان لا يتمتع العراق بجيش قوي جدأ يتحول الى أقوى جيش في المنطقة، ويهدد جيرانه كما كان يفعل في السابق. لذلك لن تسمح بذلك وستعمد الى تعطيل امكانية حصول هذا الامر.
إذا، في المدى المنظور واقله لمدة عشر سنوات قادمة، لن يسمح للقوى العراقية بالتسلح واكتساب قوة تسمح بالغزو او تبديل ميزان القوى الاستراتيجي في المنطقة.

- القضية الكردية: تتقاطع كل من ايران وسوريا وتركيا، في موقفها من قضية الاكراد. إن التحدي الكردي المتزايد في شمال العراق أدى في السابق الى زيادة التعاون العسكري بين تركيا وايران ولقد أيدت كل من ايران وسوريا، الجهود التركية لاحتواء والقضاء على هذا التهديد المشترك. بالنسبة للسعودية، قد يؤدي انفصال الاكراد وتشكيل دولة الى مطالبات شيعية بتشكيل دولة في الجنوب، لذا ليس من مصلحتها دعم اقامة الدولة الكردية المنفصلة، وستقف ضده
--------------------------------------------------------------------------------

[1] قدمت هذه الدراسة في مؤتمر عقد حول العراق في بيروت في آب 2010.



[2] للاطلاع على وجهة نظر الاميركيين في كيفية تحديد ايران لأهدافها الاستراتيجية وتعاطي الولايات المتحدة مع هذه الأهداف والمصالح، انظر:



Green, Jerrold D., Frederic Wehrey, and Charles Wolf, Jr., Understanding Iran, RAND Corporation, Santa Monica, Calif., April 9, 2009.



[3] استفاض بعض المفكرين الاميركيين في شرح هذا الخلاف، وقدموا توصيات للادراة الاميركية في كيفية الاستفادة من هذا الصراع لتحقيق مصالح الولايات المتحدة .



للاطلاع على بعض وجهات النظر الاميركية في كيفية استغلال الصراع السني الشيعي في المنطقة ، يمكن الاطلاع على الدراسات التالية:



1-- Wehrey, Frederic, Theodore W. Karasik, Alireza Nader, Jeremy Ghez, Lydia Hansell, and Robert



A. Guffey, “Saudi-Iranian Relations Since the Fall of Saddam: Rivalry, Cooperation, and Implications



for U.S. Policy”, Santa Monica, Calif.: RAND Corporation, March 26,2009



2- Wehrey, Fred, “Saudi Arabia: Shiites Pessimistic on Reform But Push for Reconciliation,” Arab



Reform Bulletin, Washington, D.C.: Carnegie Endowment for International Peace, June 2007.



[4] يمكن الاستدلال الى ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، من الحملة التي شنّها الاعلام السعودي كصحيفة الشرق الاوسط، ضد احتمال أي عقد للصفقة حين أعلنت الولايات المتحدة عن رغبتها في بيع العراق طائرات اف 16 ودبابات وذلك خلال خريف 2008.



[5] باعتراف الاميركيين أنفسهم أن السعودية قد دعمت وموّلت المجموعات الارهابية في العراق، انظر:
Walter L. Perry,”Withdrawing from Iraq, Alternative Schedules, Associated Risks, and Mitigating Strategies”, Santa Monica, Calif.: RAND Corporation, 2009.
[6] من هذه القبائل: شمر، عنيزة ، حرب ، شرارات ، وبنو خالد.



[7] Walter L. Perry,”Withdrawing from Iraq, Alternative Schedules, Associated Risks, and Mitigating Strategies”, Santa Monica, Calif.: RAND Corporation, 2009.

[8] من خلال قناة العربية على سبيل المثال لا الحصر.

[9] منها على سبيل المثال، الفتوى التي صدرت عن احد المشايخ السعوديين بتحريم الجهاد ضد الاميركيين.

[10] بما في ذلك قادة البعث الرفيعي المستوى، وضباط النظام السابق، الذين يمتلكون القدرة على تحريك بعض المجموعات في الداخل العراقي، والتأثير في مجريات الامور هناك.


[11] موجز مترجم عن الدراسة منشور في موقع اسلام اونلاين، على الرابط التالي:

http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1252188228990&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout#ixzz0uEOzKTXE





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق