لم يؤدِّ تشكيل الحكومة اللبنانية إلى انفراج كبير من ناحية الشلل السياسي والإنمائي والاقتصادي الذي دخلته البلاد منذ فترة طويلة، ما يجعل اللبنانيين في قلق على مصيرهم ومستقبلهم ومستقبل أولادهم، في حين تبدو الأطراف السياسية من الأكثرية والأقلية مشغولة بالكيدية السياسية، في مؤشر يدل على استهتارهم بمصير الناس ورزقهم وحياتهم.
فمن ناحية الأقلية، بات كل حدث لبناني أو إقليمي مدعاة لتحريض مذهبي وطائفي لا ينتهي، وفي أحيان أخرى يخترع هؤلاء أحداثاً ومواقف لشحن النفوس والمواقف وتشنيج الأجواء طائفياً، غير آبهين بما يمكن أن يجر اللبنانيين من ويلات.
أما بالنسبة إلى أطراف الأكثرية التي تشكّل الحكومة العتيدة، فما ظهر من ملف الكهرباء يؤشر إلى مؤشر خطير يفيد بأن الإصلاح والخطط الهيكلية لإعادة بناء الدولة على أسس حديثة ستعترضه عقبات كثيرة، تشلّ البلد كلما لاح في الأفق بوادر خطة تقطع أذرع المافيات المتحكمة بالدولة، ولعل المؤشر الأبرز الذي عكس قلقاً كبيراً لدى اللبنانيين من المستقبل والتطورات التي تحصل في المنطقة، كان الاستطلاع الذي أجرته "الدولية للمعلومات"، والذي انقسم فيه اللبنانيون حول إيمانهم بأن هذه الحكومة ستنفذ تعهداتها، ما يوحي أن الأداء الحكومي لغاية الآن، لم يكن على القدر المأمول منه شعبياً. وكان اللافت للنظر، النسب العالية المؤيدة التي حظي بها "دعم بقاء حزب الله"، والتي بلغت 61%، مقابل نسبة غالبية كبرى أيضاً تعتبر أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان مسيّسة، و67 بالمئة تؤيد خطة الوزير جبران باسيل للكهرباء.
وفي قراءة واقعية للأرقام الواردة في الاستطلاع، وفي تقييم لخيارات الشعب اللبناني التي يجب أن تنعكس عادة، وكما في أي نظام ديمقراطي برلماني، على سياسات الحكومة اللبنانية وقرارات مجلس النواب، فمن الواضح أن خيارات الشعب اللبناني لا تتناسب مع الخيارات المعلنة من بعض الأطراف السياسية، ومع الوعود المعلنة من رئيس الحكومة اللبنانية.
ففي وعد جديد للأوروبيين، وعد الرئيس نجيب ميقاتي الأوروبيين بتأمين تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وذلك بالرغم من أن الفضائح التي تتوالى ظهوراً يوماً بعد يوم، وكل التسييس الذي تعتمده المحكمة، بما يشير صراحة لا مواربة إلى أنها أداة لفتنة في لبنان، ولمؤامرة خارجية على المقاومة التي حررت الأرض ودافعت عن الوطن وانتصرت على إسرائيل وحمت لبنان بواسطة قوة الردع التي امتلكتها منذ عام 2006 ولغاية الآن.
واللافت في هذا التصريح - الوعد، أنه يأتي متناقض مع القرار الذي اتخذته لجنة المال والموازنة النيابية في وقت سابق؛ بعد نقاشات مستفيضة بين أعضائها، كما يأتي متناقضاً مع خيارات الشعب اللبناني في كيفية صرف أمواله والضرائب التي يدفعها.
من منطلق السيادة الشعبية، التي تجعل من الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة، يمارسها عبر ممثليه في البرلمان، من المفترض أن يختار الشعب اللبناني الأولويات التي يريد لممثليه أن يحددوا صرف الأموال العامة على أساسها.
وبما أن الاستفتاء أمر غير معتمد في لبنان، يمكن الاستنارة باستطلاعات الرأي التي تحصل لمعرفة توجهات الشعب اللبناني وخياراته. من هنا، ومن خلال أرقام الاستطلاع المذكور، يتضح أن غالبية الشعب اللبناني، لا تريد أن تذهب أموالها إلى تمويل لمحكمة دولية مسيّسة، يشوبها الفساد وسوء صرف الأموال، والتي على سبيل المثال لا الحصر تقوم بدفع مبلغ 15 ألف دولار شهرياً لناطقة لا تعرف اللغة العربية، بل يظهر الاستطلاع أن الشعب اللبناني يريد أن ينعم بأبسط حقوقه الأساسية وهي الحق في الكهرباء، وهو حق بات يحصل عليه معظم شعوب العالم الثالث بدون منّة من أحد.
بلا شك، العدالة والحقيقة مطلبان أساسيان لكل اللبنانيين ويستحقان التمويل، لكن ما يظهر من هذه المحكمة أنها بعيدة كل البعد عن الحقيقة والعدالة، هذا في المقام الأول، وفي المقام الثاني، لا يمكن المفاضلة في صرف الأموال بين الحاجات الأساسية للعيش وبين هذه المحكمة، فلا يستطيع تقرير بلمار أن يدفئ عائلة فقيرة في جبال لبنان في فصل الشتاء، ولا تقدر مقالات فرانسين الصحفية التي تتحول إلى بيانات باسم المحكمة، أن تطعم فماً لبنانياً جائعاً، ولا أن تدخل طفلاً إلى المدرسة، ولا أن تضيء عتمة ليالي لبنان القاسية.
المال غير متوفر للكهرباء، ولا للمياه ولا لضمان الشيخوخة، ولا للاستشفاء ولا للصحة، لكنه متوفر على ما يبدو لتمويل المؤامرات الخارجية على لبنان، وهنا لا يتحمل السياسيون وحدهم المسؤولية في ذلك، بل إن الشعب مطالب كل يوم بالتعبير عن رأيه بشتى الوسائل، والمطالبة بأبسط حقوقه الطبيعية والإنسانية.
بات من الواضح أن الإصلاح لن يتحقق في لبنان، ولا الوعود المستقبلية بالازدهار ستثمر، ما دامت العقلية الميليشيوية تسيطر على معظم الطبقة السياسية اللبنانية، ولا يمكن لحكم ديمقراطي أن يستتب وأمراء الطوائف والميليشيات ما زالوا يتحكمون بمفاصل الدولة الأساسية. إن الآمال التي أتت بها هذه الحكومة بدأت تظهر وكأنها سراب، بدليل الأكثرية الضئيلة بين نسبتي المتفائلين والمتشائمين من أدائها، وهو فارق بسيط لن يلبث أن يختفي إذا استمرت المراوحة والكيدية السياسية على ما هي عليه. كيف يمكن للبناني أن يتفاءل، والملفات تؤجَّل، والأسعار ترتفع، والأقساط المدرسية شبح يطل برأسه ويقلق العائلات اللبنانية، والمسؤولون مشغولون بكسب صوت من هنا، وإرضاء جهة خارجية من هناك، والفقير يدفع الثمن الأكبر؟!
ليلى نقولا الرحباني
أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدولية
فمن ناحية الأقلية، بات كل حدث لبناني أو إقليمي مدعاة لتحريض مذهبي وطائفي لا ينتهي، وفي أحيان أخرى يخترع هؤلاء أحداثاً ومواقف لشحن النفوس والمواقف وتشنيج الأجواء طائفياً، غير آبهين بما يمكن أن يجر اللبنانيين من ويلات.
أما بالنسبة إلى أطراف الأكثرية التي تشكّل الحكومة العتيدة، فما ظهر من ملف الكهرباء يؤشر إلى مؤشر خطير يفيد بأن الإصلاح والخطط الهيكلية لإعادة بناء الدولة على أسس حديثة ستعترضه عقبات كثيرة، تشلّ البلد كلما لاح في الأفق بوادر خطة تقطع أذرع المافيات المتحكمة بالدولة، ولعل المؤشر الأبرز الذي عكس قلقاً كبيراً لدى اللبنانيين من المستقبل والتطورات التي تحصل في المنطقة، كان الاستطلاع الذي أجرته "الدولية للمعلومات"، والذي انقسم فيه اللبنانيون حول إيمانهم بأن هذه الحكومة ستنفذ تعهداتها، ما يوحي أن الأداء الحكومي لغاية الآن، لم يكن على القدر المأمول منه شعبياً. وكان اللافت للنظر، النسب العالية المؤيدة التي حظي بها "دعم بقاء حزب الله"، والتي بلغت 61%، مقابل نسبة غالبية كبرى أيضاً تعتبر أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان مسيّسة، و67 بالمئة تؤيد خطة الوزير جبران باسيل للكهرباء.
وفي قراءة واقعية للأرقام الواردة في الاستطلاع، وفي تقييم لخيارات الشعب اللبناني التي يجب أن تنعكس عادة، وكما في أي نظام ديمقراطي برلماني، على سياسات الحكومة اللبنانية وقرارات مجلس النواب، فمن الواضح أن خيارات الشعب اللبناني لا تتناسب مع الخيارات المعلنة من بعض الأطراف السياسية، ومع الوعود المعلنة من رئيس الحكومة اللبنانية.
ففي وعد جديد للأوروبيين، وعد الرئيس نجيب ميقاتي الأوروبيين بتأمين تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وذلك بالرغم من أن الفضائح التي تتوالى ظهوراً يوماً بعد يوم، وكل التسييس الذي تعتمده المحكمة، بما يشير صراحة لا مواربة إلى أنها أداة لفتنة في لبنان، ولمؤامرة خارجية على المقاومة التي حررت الأرض ودافعت عن الوطن وانتصرت على إسرائيل وحمت لبنان بواسطة قوة الردع التي امتلكتها منذ عام 2006 ولغاية الآن.
واللافت في هذا التصريح - الوعد، أنه يأتي متناقض مع القرار الذي اتخذته لجنة المال والموازنة النيابية في وقت سابق؛ بعد نقاشات مستفيضة بين أعضائها، كما يأتي متناقضاً مع خيارات الشعب اللبناني في كيفية صرف أمواله والضرائب التي يدفعها.
من منطلق السيادة الشعبية، التي تجعل من الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة، يمارسها عبر ممثليه في البرلمان، من المفترض أن يختار الشعب اللبناني الأولويات التي يريد لممثليه أن يحددوا صرف الأموال العامة على أساسها.
وبما أن الاستفتاء أمر غير معتمد في لبنان، يمكن الاستنارة باستطلاعات الرأي التي تحصل لمعرفة توجهات الشعب اللبناني وخياراته. من هنا، ومن خلال أرقام الاستطلاع المذكور، يتضح أن غالبية الشعب اللبناني، لا تريد أن تذهب أموالها إلى تمويل لمحكمة دولية مسيّسة، يشوبها الفساد وسوء صرف الأموال، والتي على سبيل المثال لا الحصر تقوم بدفع مبلغ 15 ألف دولار شهرياً لناطقة لا تعرف اللغة العربية، بل يظهر الاستطلاع أن الشعب اللبناني يريد أن ينعم بأبسط حقوقه الأساسية وهي الحق في الكهرباء، وهو حق بات يحصل عليه معظم شعوب العالم الثالث بدون منّة من أحد.
بلا شك، العدالة والحقيقة مطلبان أساسيان لكل اللبنانيين ويستحقان التمويل، لكن ما يظهر من هذه المحكمة أنها بعيدة كل البعد عن الحقيقة والعدالة، هذا في المقام الأول، وفي المقام الثاني، لا يمكن المفاضلة في صرف الأموال بين الحاجات الأساسية للعيش وبين هذه المحكمة، فلا يستطيع تقرير بلمار أن يدفئ عائلة فقيرة في جبال لبنان في فصل الشتاء، ولا تقدر مقالات فرانسين الصحفية التي تتحول إلى بيانات باسم المحكمة، أن تطعم فماً لبنانياً جائعاً، ولا أن تدخل طفلاً إلى المدرسة، ولا أن تضيء عتمة ليالي لبنان القاسية.
المال غير متوفر للكهرباء، ولا للمياه ولا لضمان الشيخوخة، ولا للاستشفاء ولا للصحة، لكنه متوفر على ما يبدو لتمويل المؤامرات الخارجية على لبنان، وهنا لا يتحمل السياسيون وحدهم المسؤولية في ذلك، بل إن الشعب مطالب كل يوم بالتعبير عن رأيه بشتى الوسائل، والمطالبة بأبسط حقوقه الطبيعية والإنسانية.
بات من الواضح أن الإصلاح لن يتحقق في لبنان، ولا الوعود المستقبلية بالازدهار ستثمر، ما دامت العقلية الميليشيوية تسيطر على معظم الطبقة السياسية اللبنانية، ولا يمكن لحكم ديمقراطي أن يستتب وأمراء الطوائف والميليشيات ما زالوا يتحكمون بمفاصل الدولة الأساسية. إن الآمال التي أتت بها هذه الحكومة بدأت تظهر وكأنها سراب، بدليل الأكثرية الضئيلة بين نسبتي المتفائلين والمتشائمين من أدائها، وهو فارق بسيط لن يلبث أن يختفي إذا استمرت المراوحة والكيدية السياسية على ما هي عليه. كيف يمكن للبناني أن يتفاءل، والملفات تؤجَّل، والأسعار ترتفع، والأقساط المدرسية شبح يطل برأسه ويقلق العائلات اللبنانية، والمسؤولون مشغولون بكسب صوت من هنا، وإرضاء جهة خارجية من هناك، والفقير يدفع الثمن الأكبر؟!
ليلى نقولا الرحباني
أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدولية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق