2012/05/09

حقد جنبلاط المتمادي ضد الجيش ورموزه.. لماذا؟


في اللحظات الأولى لاغتيال كمال جنبلاط، وبالرغم من معرفة جنبلاط بالقاتل الحقيقي لوالده، كما كشف يوماً قائد الشرطة القضائية الأسبق؛ العميد عصام أبو زكي، قرر جنبلاط أن تكون
"ساعة التخلي" ورغبة الثأر لديه موجهة ضد المسيحيين، فقام بما قام به من مجازر وتنكيل بحقهم، إلى أن استعاد ذاكرته فجأة بعد عام 2005، فاستفاق على دم والده، موجهاً سهامه صوب السوريين، ومطالباً بالثأر منهم، ثم عاد ففقدها ثانية بعد أحداث 7 أيار، التي أتت رد فعل على ما اقترفته يداه من تحريض ضد المقاومة، إلى أن هبّت العاصفة الدولية على سورية مجدداً، فاستيقظ جنبلاط من ساعة تخلٍّ ليدخل في أخرى مجدداً!
اللافت أن الحركة الجنبلاطية وتقلباتها الكثيرة، وكثرة "ساعات التخلي" لديه، والتي تتوج شروراً وقتلاً هنا وهناك، لا يُستثنى منها فقط إلا الجيش اللبناني، فمهما كان موقف اللحظة لديه، يبقى العداء للجيش اللبناني الثابت الوحيد في الحركة الجنبلاطية.
لطالما كره جنبلاط الجيش اللبناني، وبالغ في تحية الجيش السوري باستمرار، فحين تمّ الاتفاق على تسليم أسلحة الميليشيات إلى الجيش اللبناني بعد اتفاق الطائف، طرفان اثنان رفضا هذا الأمر؛ القوات اللبنانية التي باعت أسلحتها، وجنبلاط الذي فضّل أن يسلمها إلى الجيش السوري، محيّياً إياه ومحيّياً شهداءه، وشاكراً له حسم المعركة مع "هذا" الجيش اللبناني.
بالطبع، يكره جنبلاط الجيش لأنه لا يستطيع أن ينسى كيف أحبط له محاولته التقسيمية في سوق الغرب، وكيف أثبت هذا الجيش وطنيته وحافظ على عقيدته القتالية في خضم كل التطورات الحاصلة في المنطقة.. وكيف لجنبلاط اليوم أن يغضّ النظر عن قيام الجيش اللبناني - بالرغم من كل محاولات التضييق عليه التي قامت بها حكومات المستقبل المتعاقبة - بضبط الأمن والحفاظ على السلم الأهلي، وإفشال مخطط الإمارة التي كان يُعدّ لها في الشمال انطلاقاً من نهر البارد، وأخيراً قيامه بكشف بواخر الأسلحة المهربة إلى سورية..؟
وفي فهم العداء الجنبلاطي، نشير إلى واقعتين تاريخيتين:
الأولى، حين عيّن جنبلاط أحد الضباط الدروز رئيساً للأركان، فذهب الأخير ليشكره، فما كان من جنبلاط إلا أن طلب منه أن يخلع بزته العسكرية حين يأتي إليه للزيارة.
أما الثانية فتعود إلى العام 1982، وعلى إثر حرب راح ضحيتها آلاف المواطنين، ودمرت مئات القرى، وكانت لها تداعياتها الإقليمية والدولية، حيث رحلت القوات الأطلسية عن لبنان، وسقط اتفاق 17 أيار.. لم يرَ فيها وليد جنبلاط إلا قضية واحدة اختصرها بكلمات معدودة: «ها قد عدنا يا بشير».. تلك كانت الصيحة الأولى التي أطلقها في قصر المير بشير في بيت الدين حين احتفل بانتصاره في «حرب الجبل»، معلناً انتزاع القصر من المير بشير الشهابي ثأراً لبشير جنبلاط. ولم تتوقف نزعة الثأر لديه يومها عند هذا الحد، بل راح يبحث عن سبل لاستعادة الأراضي التي انتزعها بشير الشهابي من بشير جنبلاط، فامتدت أنظاره إلى سهل البقاع، مستملكاً العديد من العقارات في البقاع الغربي، وباحثاً عن طريق تصله بوادي التيم، آملاً، ربما، في تحقيق حلم طالما سعى بشير جنبلاط لتحقيقه؛ أن يرى نفسه على رأس إمارة تضم دروز المشرق العربي جميعاً.
من خلال تلك الوقائع، يمكن أن تُفهم الحركة الجنبلاطية المكوكية، وعداؤه الثابت للجيش اللبناني، بنزعته لتقمّص شخصية بشير جنبلاط، الحالم بإمارة درزية يحكمها.. لهذا، إن كل القيم والمبادئ تتكسر على عتبة هذا الحلم، الذي يتشاطر وجعجع فيه.. هذا الحالم بإمارة درزية يحكمها، وذاك الطامع بحكم "إخواني" يبيح له المطالبة بكونتون مسيحي، وتبقى تلك الأحلام والأوهام سبباً لكل ما يعاني منه الوطن من مآسٍ.
بالفعل، يبدو مخزياً تبادل التحيات - الأخير - إلى "الشهداء" بين القوات اللبنانية ووليد جنبلاط، في مشهد يوحي لغير العارف كأن الاثنيْن كانا في خندق واحد يقاتلان ضد عدو خارجي سبّب كل هؤلاء "الشهداء"، وكأن الشعب اللبناني فاقد الذاكرة ولا يعرف أن هؤلاء "الشهداء" المتباكين على شهادتهم سقطوا في حروب جعجع - جنبلاط العبثية، حين كان الاثنان يتنافسان على خدمة الإسرائيليين في الجبل، وتقديم أوراق اعتماد في مَن يستطيع أن يؤمّن للإسرائيلي مصلحته الاستراتيجية الكبرى، ليحصل على "فُتات كونتون" يحكمه.
وإن كان الإعلام يتحدث أن ذلك حصل في ظل استياء جنبلاطي من كلام رئيس تكتل التغيير والإصلاح، والذي جاء رد فعل دفاعي عن النفس، بعدما تمادى الجنبلاطيون في الهجوم على التيار الوطني الحر ورئيسه، فلماذا يستاء جنبلاط من كلام العماد عون؟ فمهنة "تبليط البحر" مهنة أرقى بكثير من مهنة "زبال في نيويورك" التي تمناها جنبلاط يوماً، والتي قد يكون وفاء جنبلاط لفيلتمان لغاية الآن، نابعاً من تحقيق تلك الأمنية، فما هي إلا أيام حتى سارع فيلتمان لتلبية النداء؛ زائراً ومبادراً: جلبت لك معي البدلة من نيويورك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق