في خطوة إضافية للضغط على سورية، قامت مجموعة مؤلفة من 57 دولة، على رأسها سويسرا، بإرسال رسالة إلى مجلس الأمن الدولي تطالبه فيها بتحويل الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، وذلك للتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبت في النزاع.
ومع التأكيد على أن المحاسبة والمساءلة عن الجرائم المرتكبة في النزاع السوري ضرورية ولا يمكن التنازل عنها إن أريد لهذا البلد أن ينعم بالسلام الفعلي، ويتقدم نحو عهد جديد من العدالة للجميع، لكن فعلياً وواقعياً لا يبدو أن لهذه الرسالة أفقاً مستقبلياً لإحقاق العدالة، وهي تظهر كأنها أداة إضافية من أدوات الحرب النفسية التي يقوم بها الغرب على النظام السوري، لعلم الموقّعين أن إمكانيات التقدم فيها تبدو ضئيلة جداً، وذلك للأسباب الآتية:
1- لم تنضم سورية إلى المحكمة الجنائية، لذا فإن إحالة القضية تتطلب قراراً من مجلس الأمن، وهو أمر متعذر باعتبار أن أبواب المجلس مقفلة أمام أي قرار يتخذ ضد النظام السوري منذ فترة.
2- ما يميّز عمل المحكمة الجنائية الدولية هو أن عملها مكمّل للقضاء المحلي، وليس بديلاً عنه، لذا إن نظام التكامل هذا يفرض على المحكمة أن تطلب التعاون من قبل الدول لكي تقوم بالمهام المطلوبة منها، والتحقيق في القضايا التي تنظر فيها، فالمحكمة لا تملك الأدوات التنفيذية التي تمكّنها من اعتقال المتهمين، أو الحصول على الأدلة، بل تعتمد بشكل كامل على تعاون كامل وفعّال من قبل الدول، وهذا التكامل المشروط بالتعاون يعني أنه يعود للدول الأطراف سلطة القرار في تمكين المدّعي العام للمحكمة من إجراء تحقيقات جدية وفعّالة في أقاليمها، وإتاحة المجال لفريق المحكمة من الحصول على الوثائق، ومعرفة الأصول التي يحوزها المتهم ومصادرتها، وإجراء التحريات وضبط الأدلة، والبحث عن الشهود وتوفير الحماية لهم، والقبض على الأشخاص الذين تتهمهم المحكمة بارتكاب جرائم تدخل في اختصاصها وتقديمهم إليها.
ما ورد أعلاه يعني أنه حتى لو استطاع مجلس الأمن التوصل إلى قرار بتحويل القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية، فإن عمل المحكمة الفعّال مشروط بتعاون الدولة السورية للقيام بالتحقيق أو تسليم المتهمين، وإلا بقيت القضية حبراً على ورق، ومجرد أداة ابتزاز سياسي لا أكثر ولا أقل.
3- على الرغم من أن الرسالة أشارت إلى أن التحقيق يجب أن يكون "بلا استثناءات أياً كان المسؤولون" عن هذه الجرائم، لكن مرسلي الرسالة يعلمون أن فتح التحقيق بهذه الطريقة لن يكون في مصلحة من يدعمهم الغرب من المسلحين، وبالتالي سيُحرج الدول الغربية أمام الرأي العام العالمي، لأنها تقوم بدعم الذين ارتكبوا جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، موثقة من قبل منظمات وتقارير دولية، منها قطع الرؤوس وقتل الأبرياء، وتوثيق ذلك بنشرها عبر الإنترنت لترهيب المواطنين، ومنها تجنيد الأطفال القصر للقتال التي تعتبر جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي.
زد إلى ذلك التقارير الأخيرة، ومنها تقرير لجنة الإنقاذ الدولية، وهي منظمة دولية مقرها أميركا، وقد نشرت تقريراً بعنوان "سورية.. أزمة إقليمية"، تحدث عن "مستويات مروعة من العنف الجنسي"، ولفت إلى أن "العديد من النساء والفتيات تحدثن عن التعرض لاعتداءات في العلن أو في منازلهن، وبشكل أساسي من قبل المسلحين المقاتلين ضد السلطة"، ووصف التقرير الاغتصاب بأنه "سمة ملحوظة ومقلقة للحرب الأهلية السورية"، وقال إنه بالاعتماد على تقييمات في لبنان والأردن، حدد اللاجئون السوريون الاغتصاب سبباً أساسياً لهروب عائلاتهم من سورية.
من هنا يعلم داعمو تحويل القضية السورية إلى الجنائية الدولية، أن ما يقوم به هؤلاء المسلحون قد يرقى إلى جريمة الإبادة، وذلك بالاستناد إلى السوابق التي أقرّتها المحكمة الجنائية الخاصة برواندا، والتي اعتبرت الاغتصاب جرماً من جرائم الإبادة، بعد أن كان يُعتبر سابقاً جريمة حرب، وذلك في قضية جان بول أكايسو، وفي تصريح للقاضي الذي أصدر الحكم قال إن المحكمة اعتبرت أن "الاغتصاب في هذا الحكم عمل من أعمال الإبادة وليس جريمة حرب، لأنها تريد أن ترسل رسالة قوية بأن الاغتصاب لم يعد جائزة حرب".
انطلاقاً من كل ما سبق، ومن ناحية واقعية عملية، يبدو أن الرسالة المرسلة إلى مجلس الأمن لا تغدو كونها أداة من أدوات الحرب النفسية التي يريد الغربيون أن يمارسوها على النظام السوري، وقد تكون هذه الرسالة في هذا الوقت بالذات هي لدفع الرئيس الأسد إلى القبول بالتنازل عن حقه في الترشح لرئاسة ثانية عام 2014، أو لإرغامه على القيام بتنازلات هامة تجعل من الغرب منتصراً في أي مفاوضات لحل سلمي يريدون فرضه في سورية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق