الخميس24 كانون الثاني 2013
لم يكن الاستقبال السعودي للرئيس ميقاتي، والترحيب به، وإنهاء الحصار السعودي للحكومة اللبنانية، خارجاً عن السياق العام للتطورات الإقليمية الحاصلة في المنطقة، خصوصاً في الموضوع السوري وتداعياته، وبحث الأميركيين بمدى صحة الخيارات التي أدخلهم بها بعض العرب الخليجيين والأتراك، فقد ظهر أن التقارير التي تحدثت عن سقوط الأسد خلال فترة قصيرة، وإمكانية الحسم السهل في سورية، لم تكن على ذلك المستوى من المصداقية، كما أن التطورات المتسارعة التي تحصل في المنطقة، والصمود الذي أبداه السوريون، باتوا يفرضون مقاربات مختلفة وقراءات مستجدة على ضوء ما يحصل من تطورات على الأرض.
هي المؤشرات والتطورات نفسها التي جعلت الأتراك يخففون من وتيرة حماستهم واندفاعهم في المعركة السورية، وهي التي تجعل القوى اللبنانية ممن ادّعت الوسطية وراهنت على سقوط النظام السوري لقلب موازين القوى الداخلية، تدور على أعقابها، وتحاول الركض مهرولة إلى حزب الله، ليعيد احتضانها كما فعل في السابق مراراً.
وهكذا قرأ السعوديون واللبنانيون المستجدات، واستوعبوا الإشارات الدولية والأميركية، التي تشير إلى تبدّل المقاربة الأميركية للملف السوري، ومدى إمكانية إسقاط الأسد بالقوة، بالإضافة إلى مؤشرات دولية أخرى، فاستدركوا، ومن هذه المؤشرات يمكن لفت النظر إلى ما يلي:
دخول الرئيس الأميركي ولايته الثانية، التي عادة ما تحرر الرئيس من الضغوط، وتعطيه هامشاً أكبر للحركة، وتحثه على تنفيذ أجندته ومواجهة معرقليه، ومحاولة دخول التاريخ بعدما ارتاح من ضغوط محاولة تجديد الولاية، ولهذا سيعمد أوباما إلى تنفيذ برنامجه الذي دخل البيت الأبيض على أساسه، وستطغى على أجندة الرئيس ملفات داخلية كبرى، كالاقتصاد ومحاولة الحدّ من العنف المسلح، وخارجياً إنهاء الحرب على أفغانستان، والمفاوضات مع إيران، ومحاولة احتواء الصين وفرض النفوذ الأميركي في المحيط الهادي، والأهم من ذلك هو الحرب على الإرهاب.
وانطلاقاً من هذا التوجّه، نجد أن الإدارة الأميركية، وعلى الرغم من استمرارها في ممارسة الضغوط على النظام السوري، إلا أن تلك الضغوط لا تصل إلى مستوى قلب الموازين الدبلوماسية دولياً أو القطيعة التامّة، مع إمكانية التفاوض معه مستقبلاً، أو كونه طرفاً أساسياً في أي حل مرتقب، ومن ذلك اعتراف الإدارة الأميركية بـ"الائتلاف السوري المعارض" ممثلاً شرعياً للشعب السوري من دون أن تعلنه ممثلاً وحيداً للشعب السوري، بالإضافة إلى الواقعية الأميركية في مجلس الأمن، والتي تجلت في عدم خوض حملات إعلامية وسياسية تأييداً للمطالبة بإحالة الجرائم في سورية إلى المحكمة الجنائية الدولية، بعكس ما يقوم به الأوروبيون.
وقد يكون الأميركيون قد وعوا خطورة الخيارات التي اتخذوها بعد الحراك العربي، فما حصل في ليبيا وقتل السفير الأميركي هناك، بالإضافة إلى انتشار "القاعدة" في مالي والجزائر ونيجيريا، وزيادة تغلغلها في سورية، وسيطرتها على القوى المسلحة هناك، جميعها ملفات باتت تستوجب الحذر الأميركي الشديد من التماهي مع المقاربات الأوروبية التي يحفزها العامل الاقتصادي والمالي، والخليجية - التركية، والتي يحفزها ملف الهيمنة والبروز كقوى إقليمية كبرى من خلال استخدام الحركات الأصولية المتطرفة، علماً أن انتشار "القاعدة" في شمال أفريقيا، والعمليات التي قامت بها في مالي والجزائر، باتت تفرض قراءات غربية وأميركية ملحّة ومختلفة عن السابق، تجعل من سقوط النظام السوري وكأنه إسقاط لسورية في براثن "القاعدة"، ما قد ينتج عنه تفجير منطقة الشرق بكاملها، لما لـ"القاعدة" من امتدادات في لبنان والعراق ودول الجوار السوري، وهو ما عبّر عنه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال استقباله في عمان وفداً من مجلس الشيوخ الأميركي برئاسة السيناتور الجمهوري جون ماكين من تداعيات الأوضاع الخطيرة في سورية على المنطقة، و"الفراغ الذي قد تستغله العناصر المتطرفة لتنفيذ أجنداتها".
ومن المؤشرات التي تستحق القراءة، والتي يدركها السعوديون واللبنانيون العائدون من معركة إسقاط النظام السوري خائبين، هي الأسماء التي اختارها أوباما لإدارته، والتي تعكس التوجهات الجديدة للإدارة وأولوياتها، ويمكن أن نشير في هذا الإطار إلى اختيار وزيري الخارجية والدفاع، والأهم اختيار جون برينان لمنصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية، وهو الذي شغل منصب "قيصر مكافحة الإرهاب"، والرئيس المشرف على برنامج الاغتيالات عبر طائرات من دون طيار، وهو من رسم مخطط حملة الوكالة لمكافحة الإرهاب، والتي دشنتها بشن غارات ضد مواقع المشتبه بهم في أعمال إرهابية عبر العالم.
في المحصلة، بات الوقت الآن يلعب في صالح النظام السوري، خصوصاً إذا ما استطاع النجاح في معركتين أساسيتين، بعد نجاحه والروس والصينيين في المعركة الدبلوماسية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهاتان المعركتان تتجسدان في نجاحه في منع المعارضة المسلحة من تحقيق اختراقات أمنية كبرى، أو السيطرة على مرافق أساسية وحيوية أو مناطق استراتيجية في المدن الكبرى، وثانياً والأهم، النجاح في إظهار نفسه إعلامياً وعالمياً بأنه يقاتل الإرهاب، وأنه عامل استقرار في المنطقة، كما صوّر نفسه سابقاً لسنين عديدة؛ قبل قدوم الأميركيين إلى المنطقة عام 2003.. فإن استطاع تحقيق ذلك، سيكون للانتخابات النيابية اللبنانية المقبلة نكهة مختلفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق