2013/02/08

العرب.. من الثورات إلى التفتيت؟

الخميس 7 شباط 2013

لم يكد يمضي عامان على انطلاقة "الثورات" في العالم العربي، حتى بدأت الخيبة والإحباط يلفان الشعوب العربية التي انتفضت مطالبة بتغيير سياسي، وكرامة وعنفوان وعدالة اجتماعية.

ولعل ما كان قد سُمي ثورات سلمية ملونة، قد أصاب كثيراً من العرب بالتفاؤل، معتبرين أنه حان وقت النهوض العربي، وأن صحوة عربية قادمة ستدفع العالم العربي إلى التقدم والديمقراطية والسير في ركب الحضارة لا محالة، ولكن العرب بمعظمهم لا يقرأون، ولا يتعظون من تجارب من سبقهم، ولو فعلوا لقرأوا واتعظوا مما قام به الغرب في البلقان في مطلع القرن الحادي والعشرين، أو قبلها بتغذية القتل والتطهير العرقي والإبادات في حروب الانفصال أو الاستقلال في أوروبا الشرقية التي حصلت على إثر انهيار الاتحاد السوفياتي في التسعينات.

واتعاظاً من التجارب التاريخية الحديثة، نجد أن الغرب اليوم قد يعمد لاستعمال الأسلوبين معاً في المنطقة العربية التي حان دورها، بعدما شبعت أوروبا الشرقية والبلقان تقتيلاً وعنفاً وخضّات سياسية وثورات سميت على أسماء زهور وورود، فبعد الحرب التي شنّها حلف شمالي الأطلسي على يوغوسلافيا لإزاحة الرئيس السابق ميلوشيفيتش، قامت ثورة داخلية عرفت بـاسم "الثورة القرنفلية"، تلتها ثورة في جورجيا عرفت بـ"ثورة الورود" أزاحت إدوارد شيفاردنادزه من الحكم وأحلت محله ميخائيل ساكاشفيلي الموالي للغرب، وفي أوكرانيا قامت "الثورة البرتقالية" التي أحلت حليف الغرب فيكتور يوشنكو مكان فيكتور يانوكوفيتش المحسوب على موسكو، أما في لبنان، فقد أطلق الرئيس جورج بوش على التظاهرات الهائلة التي قامت ضد الوجود السوري على إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري اسم "ثورة الأرز"، لكن موازين القوى لم تسمح ببقاء حلفائه في الحكم ولا بإسقاط خيار المقاومة في لبنان.

وكان واضحاً خيار سياسة الدومينو التي أراد بوش أن يقوم به في العالم العربي بعد احتلاله العراق، متنبئاً بأن الدول المجاورة للعراق ستسقط تتابعاً، وأن انهيار حكم ديكتاتوي في دولة ما، سيؤدي إلى سقوط الآخرين وراءه كما أحجار الدومينو.

وما لم يستطع أن يحققه بوش بالاحتلال العسكري واستخدام القوة الصلبة، قرر الأميركيون تحقيقه باستخدام ما كان قد تمت تجربته سابقاً في أوروبا الشرقية، فتمّت "الثورات" العربية والتي، لسخرية القدر، كانت نتيجتها - وبسرعة قياسية - تماماً كما نتيجة الثورات المصطنعة في البلقان: إحباط شعبي من نتائجها ومن المعارضات التي وصلت إلى الحكم، وعدم القدرة الأميركية على السيطرة على المجريات الإقليمية والداخلية لمنطقة الثورات، ما جعل الروس يسقطون الحلم الجورجي بالضربة القاضية، وشعوب البلقان تعيد إسقاط "الثوار" في صناديق الاقتراع، وتعيد رموز الحقب السابقة المتحالفة مع الروس من باب الانتخابات العريض.

وكما في أوروبا الشرقية، كذلك في العالم العربي، وبعد فشل مبكر لثوار مفترضين تمّ تنصيبهم بدعم خارجي، بات يُخشى الآن من أن يعتمد الغرب الأسلوب الآخر الذي أثبت نجاعته في تفتيت دول الاتحاد السوفياتي السابقة وإضعافها وإنهاكها، وهو تعزيز النزعات الانفصالية واستثمار التطرف الأصولي الديني في حروب تطهير عرقي وديني ومذهبي ما زالت تداعياته إلى الآن.

وهكذا إذاً، وبعد سنتين من إطلاق شرارة المظاهرات العربية ومحاولات التغيير، يبدو أن الثورات الملونة أو المخملية السلمية لم تثبت نجاعتها، وقد نكون من الآن فصاعداً أمام مشهد مختلف من العنف والاقتتال الطائفي والعرقي الذي سيضعف الجميع، ويفتت الدول العربية، كما تمّ تفتيت يوغسلافيا السابقة إلى دويلات طائفية تتناحر فيما بينها، وتعيش حقداً يمنعها من التقدم أو التعاون، تتبعه محاكم جنائية دولية تكمل ما عجز الميدان والقتل أن يفعله، ففي الدول التي لم يستطع الأميركيون إيصال حلفائهم إلى الحكم، تقوم المحاكم الدولية بهذا الدور، فتكون بديلاً عن تدخل عسكري مكلف لإزاحة المناوئين وفرض حكام تابعين للإدارة الأميركية.

هو تاريخ حديث، لم يمرّ الزمن عليه بعد، وما زالت تفاصيله وأهوال مجازره ماثلة لغاية الآن، ولم تزل آثار التهجير والمذابح الطائفية والدينية والإبادات تخترق بنية أوروبا الشرقية بكاملها وتمنعها من أن تشكّل بيئة صحية للتقدم أو العيش بسلام وتعاون، وهو ما يُخطط لمنطقة أخرى من العالم، التي يراد لها أن تعيش حروب الآلهة على الأرض، وتعيش التطهير والإبادات والجرائم باسم الدين، إلى أن تتفتت كما تفتتت دول البلقان قبلها، فتصبح إمكانية اختراقها أسهل، ويمكن ضم بعض دولها الانفصالية إلى أحلاف عدائية تستخدم في تهديد جيرانها أو إخوتها الذين أصبحوا جيرانها - الأعداء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق