2013/07/18

أولوية أميركية للمحور "الوهابي" على "الاخواني"

مع التأكد من عدم إمكانية عودة مرسي إلى الحكم، تكون الولايات المتحدة الأميركية قد خسرت فعلياً كل ما حاولت القيام به من سياسيات ترويجية بعد 11 أيلول، من أن سياساتها الشرق أوسطية هي تعبير عن دراسة معمّقة للإجابة على السؤال المحوري: لماذا يكرهوننا؟

وبتهرّبهم من الإجابة الحقيقية على السؤال، والتي كان الجنرال بترايوس قد قاربها خلال انتقاده للسياسة "الإسرائيلية" وتأثيرها على المصالح الأميركية، والتي قد تكون قد كلفته مستقبله السياسي، يحاول الأميركيون منذ عهد جورج بوش تصوير أنفسهم داعمين للشعوب العربية على حساب الديكتاتوريات التي حكمتهم، فكانت سياسات نشر الديمقراطية التي أعلنها المحافظون الجدد، والتي سقطت بالضربة القاضية في العراق.

لم يكن أوباما أوفر حظاً من سلفه، فخلال حملته الانتخابية، عارض أوباما سياسات بوش المعتمَدة على القوة الصلبة، وروّج استعداده للسير بسياسة خارجية "ذكية"، تعتمد بشكل أساس على القوة الناعمة من دون إغفال القوة الصلبة في حالات الضرورة، وكملاذ أخير، بالإضافة إلى اعتماد "التنمية" كمكوّن أساسي من مكونات تلك السياسة. وانطلاقاً من هذا قام بزيارته الشرق أوسطية الأولى التي بدأها من القاهرة بخطاب حماسي استعمل فيها آيات من القرآن الكريم، إيذاناً منه بإعلان بدء مرحلة جديدة عنوانها "المصالحة مع الإسلام السياسي" أو ما سمّاه "إسلاماً معتدلاً".

وهكذا، لم تكد تبدأ موجات "الربيع العربي" المزعوم، حتى آمنت الإدارة الأميركية بقدرتها على استبدال حلفائها التقليديين من ديكتاتوريين وجيوش نظامية بحلفاء جدد أخفّ عبئاً، من دون تدخّل مباشر أو تصدّر الأحداث، مما يؤدي إلى العودة إلى حالة "الكره التقليدي"، فأعلن أوباما سياسة "القيادة من الخلف"، والتي حاول من خلالها دعم مجموعات من "الإسلام السياسي" للوصول إلى السلطة، مراهناً على قدرتهم على تأمين مصالح الولايات المتحدة الأميركية الاستراتيجية في المنطقة؛ باحتواء إيران والتطبيع مع "إسرائيل" والحفاظ على أمنها، وتأمين ممرات الطاقة وغيرها.

وقبيل ذهابه إلى اجتماع قمة الثماني الأخيرة، كان الرئيس أوباما يدرك تماماً أن سياسته الخارجية في الشرق الأوسط قد فشلت فشلاً ذريعاً، فسورية لم تسقط، وليبيا تحوّلت إلى دولة منهارة تصدّر الأسلحة والمقاتلين إلى كافة أنحاء العالم، وتونس ومصر تعانيان من انقسام حاد واستقطاب لا مثيل له، وحليفه التركي محرَج بشكل كبير في الداخل، أما أصدقاؤه الأوروبيون فمترددون وقلقون من تنامي الإرهاب الأصولي في الحيّز الجغرافي المجاور لهم، ويخشون تمدده إلى ديارهم.. وبالرغم من ذلك، كابر الرئيس الأميركي رافضاً الاعتراف بالفشل، وبدل محاولة البحث مع قادة الدول الآخرين عن حلول لمنطقة تسير بسرعة قصوى نحو الانفجار، حاول الهروب إلى الأمام دافعاً المنطقة إلى مزيد من التدمير والتقاتل؛ بإعلانه استراتيجية "إعادة التوازن"، والتي أعلن فيها رغبته في إمداد المعارضة السورية بسلاح يمنحه التوازن الميداني المطلوب على الأرض.

ومن دون إغفال العوامل البنيوية والعقائدية، وعدم النضوج السياسي لقادة مجموعات "الإسلام السياسي" المتحالف مع الولايات المتحدة الأميركية، قد تكون الاستراتيجية الأميركية هي أحد أسباب جنوح وفشل هذه المجموعات التي راهنت على دعم أميركي مطلق، وتنافست فيما بينها، واحتربت على توسيع مناطق نفوذها، محاولة تقديم نفسها "الوكيل الحصري" للأميركيين في المنطقة.

ففي المراحل الأولى، دعمت الولايات المتحدة الأميركية مجموعات "الإخوان" في المنطقة، وأعطت القيادة لقطر وتركيا، ما سبّب صراعاً معلَناً أحياناً ومخفياً أحياناً أخرى بين المجموعات المدعومة من قطر وتركيا، وتلك المدعومة من المملكة العربية السعودية، وهو ما قد يكون أحد أسباب فشل تلك السياسة في المنطقة برمّتها، والذي أسقط حكم "الإخوان" بالضربة القاضية في مصر، وتجلّت مظاهره الواضحة في المعارضة السورية. وهكذا، عاد الأميركيون الى الحصان "الوهّابي"؛ يعطونه الأولوية في السباق، لإثبات قدرته على القيام بما عجز عنه المحور "الإخواني" في سورية، وهو ما يؤدي إلى تنازع واقتتال بين الفصائل السورية المتعددة، وحيث يحاول كل فصيل تثبيت نفسه على الأرض، لتقديم أوراق اعتماد للإدارة الأميركية المحرَجة أصلاً في الكونغرس في قضية تسليح المعارضة السورية.

واقعياً، وبحسب المعطيات الميدانية والسياسية، يبدو مصير الخطة الأميركية الجديدة كمصير سابقتها، والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هو الوقت الذي منحه الأميركيون للمحور السعودي لمحاولة إعادة التوازن؟ الأكيد، أن المحور الجديد سيطالب بمنحه وقتاً كافياً للعمل والقتال كما تمّ منح المحور السابق، وعليه فإن الآمال المعلقة على قمة بوتين - أوباما المرتقبة في أيلول للبدء بمسيرة حل للمسار السوري، تبدو متفائلة نوعاً ما، إلا إذا حصلت تغيرات ميدانية كبيرة جداً على الأرض، جعلت الأميركي يعترف بفشل تصوّراته الشرق أوسطية السابقة ويحاول تحديد الخسائر، وهو ما لا يبدو واقعياً، أقلّه في الفترة الراهنة.

د. ليلى نقولا الرحباني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق