2014/04/27

المحكمة الدولية الخاصة بلبنان: تجريم الارهاب أم ممارسته؟


أعلنت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، قرارًا بتوجيه الاتهام الى الاستاذ ابراهيم الامين (رئيس تحرير  جريدة «الأخبار») والسيدة كرمى خياط (نائبة مدير الاخبار في تلفزيون «الجديد») بتعمّد تحقير المحكمة من خلال نشر مواد سرية، وعرقلة سير العدالة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتمّ تحديد الثالث عشر من ايار المقبل موعدًا لبدء المحاكمة في مقر المحكمة في لاهاي.
ولعل هذا القرار المستغرب، يضيف الى سجل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الحافل بالاتهامات بالتسييس وضعف الأدلة الظرفية، يضيف اليها قرارًا بمحاولة كمّ الأفواه ومنع الحرية الاعلامية، ومحاولة ترهيب الاعلاميين وهو ما يجعلها محكمة فريدة من نوعها، بالاضافة الى فرادة التأسيس والإنشاء والاختصاص، وقيامها بالمحاكمات الغيابية، وتغيير نظامها الداخلي تسع مرات، بالإضافة الى تسريبات القرار الاتهامي، وافلات شهود الزور من قبضة العدالة وغيرها.
فعليًا، وبالرغم من أن جميع المحاكم الجنائية الدولية كانت قد اتُهمت بالتسييس والفساد، إلا أن تسريب أسماء المتهمين في القرار الاتهامي للمدعي العام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قبل وقت طويل من اعلانه، لم يحصل في أي محكمة أخرى، ولا نجد أن أحدًا من المدّعين العامين في محكمة يوغوسلافيا - على سبيل المثال- قد سرّب أية معلومات قط قبل صدور القرار الاتهامي.
ولعل التبرير الذي ساقه المتحدث باسم المحكمة مارتن يوسف بأن المحكمة لم تحوّل اعلاميي "سي بي سي" الكندية ولا دير شبيغل الالمانية الى القضاء بعد تسريبهم القرار الاتهامي وكشفه، بأن ما تمّ تسريبه من قبل الاعلام الكندي والالماني كان أسماء المتهمين وليس الشهود، فهو تبرير واهٍ، لأن تسريب أسماء المتهمين هو أخطر من أي تسريبات أخرى، إذ أن التسريب يمكّنهم من الفرار من العدالة، وقد يعرّض أمنهم للخطر أو غير ذلك، إلا إذا كان يوسف يعتبر أن أمن المتهمين هو بدرجة أقلّ في الأهمية من أمن الشهود. كما أن تأكيد يوسف أن تسريب أسماء الشهود لم يأتِ من داخل المحكمة وعليه يجب محاكمة الاعلاميين اللبنانيين، معناه أن تسريب القرار الاتهامي كان من داخلها ولم نسمع أن المحكمة قامت بمحاسبة ومساءلة من سرّب القرار الاتهامي للاعلام الأجنبي.
أما بخصوص محاكمة الاعلام على نشر مواد تمّ تسريبها، فهو أيضًا سابقة لم تحصل من قبل في تاريخ المحاكم الدولية. علمًا أن السابقة الوحيدة في تاريخ المحاكم الجنائية الدولية التي اتهمت اعلاميين وساقتهم الى العدالة، كانت السابقة الرواندية مع الاختلاف الشديد بين قضية الاعلاميين اللبنانيين والاعلام في رواندا، حيث شارك هذا الأخير بشكل مباشر في الإبادة، وحضّ على القتل بشكل صريح، فقد قام المذيعون في الراديو المؤيد للهوتو، بالدعوة الصريحة والمباشرة الى المسلحين بالقضاء على "الصراصير التوتسي" وسحقهم. وكانت من نتيجة تلك الدعوات وغيرها، أن حصلت الإبادة في رواندا والتي راح ضحيتها حوالى 800 ألف من التوتسي، واغتصاب ما بين 150 ألف و250 ألف امرأة خلال فترة لا تتجاوز المئة يوم.
وبعكس سابقة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والتي تُظهر المحكمة وكأنها تريد إخفاء الحقائق عن الرأي العام اللبناني أو كأنها تريد أن تقضي على الحرية الاعلامية التي لطالما عُرف بها لبنان، فإن سابقة رواندا تعتبر مؤشر ايجابي على صعيد تجريم "إعلام الكراهية" حيث صدر الحكم على اثنين من المسؤولين في راديو وتلفزيون تابعين لقبائل الهوتو، بالإضافة إلى مدير وناشر جريدة رواندية تابعة لهم أيضًا، بسبب ما اعتبرته المحكمة "دورهم الإعلامي في الحضّ على الكراهية والحقد الذي يعتبر بمثابة اشتراك في الإبادة"، وهو لا ينطبق بأي حال من الأحوال على الحالة اللبنانية، ولا على الاعلام اللبناني الذي حرص على القيام بدور شفاف، وبدور ناقل للخبر والمعلومة بكل أمانة، وقام بواجبه الوطني على أكمل وجه.
لقد بالغت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان-  وهي المحكمة الوحيدة في االمحاكم الدولية التي تختّص بالإرهاب- في قرارها بمحاولة تجريم الاعلام اللبناني، والذي يصوّرها وكأنها تمارس الارهاب ولا تقاضيه، وهو ما يؤكد أنها هيكل "فوقي" لا يدرك الخصوصيات اللبنانية، التي قد تختلف على كل شيء إلا على الحرية التي اكتسبها اللبنانيون نتيجة نضال طويل ودماء وشهداء، والتي كرّسها الدستور اللبناني وحفظها لمواطنيه واعلامييه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق