2014/04/06

سقوط ورقة التوت عن المعارضة السورية

د. ليلى نقولا الرحباني

ما أن انتهت المعارك في يبرود، حتى قرر التركي الداعم لجبهة النصرة، فتح معركة ردّ اعتبار في الساحل السوري، والهجوم على المناطق التي تضم أكثرية مسيحية وعلوية، والمعروفة بدعمها للنظام السوري.
ولعل ما تمّ تسريبه عبر يوتيوب، عن اجتماع أمني تركي، لتحضير ذرائع للتدخل في سوريا، ومساندة المجموعات المسلحة بأكثر من قصف مساند، وإسقاط طائرة سورية كانت تقوم بقصف المجموعات الارهابية، بل بأكثر من ذلك، وهو الدخول العسكري التركي في تدخل عسكري مباشر، يطمح الاتراك - وأردوغان تحديدًا- الى أن يؤدي تدخله الى تدخل لحلف الناتو مساندًا القوات التركية لشنّ هجوم على سوريا، بموجب المعاهدة المؤسسة لهذا الحلف، والتي تفيد أن أي إعتداء يحصل على أي دولة من أعضاء الحلف، فإن الحلف يتعهد بالدفاع عن تلك الدول.

يشكّل وجود العامل الأرمني، على خط تلك المعارك، بوجود كتلة مسيحية أرمنية في كسب، تمّ تهجيرها من المنطقة بعد هجوم المعارضة، عاملاً مزدوجًا في حساسية المعركة، وفي الرغبة التركية بالهجوم، وذلك أن العامل العثماني، وهوس العودة الى تلك الحقبة - التي يعتبرها أردوغان حقبة مجيدة في تاريخ تركيا- يطغى على المعطيات التي تفرزها المعركة، ويحدّ في المقابل من قدرة الاتراك على التعمية عما يحصل في الساحل السوري، بسبب وجود جاليات أرمنية في الخارج، وفي أميركا وأوروبا، تقوم بكشف الحقائق التي تحصل هناك، وتعيد الى الإذهان المجازر التي حصلت بحق الأرمن من قبل أجداد أردوغان أنفسهم عام 1915.

وإذا كان بعض غلاة الدفاع عن المعارضة السورية، يتحدثون عن "براءة" المعارضين، أو "الظلم" الواقع عليهم، بسبب ما أسموه بداية "خطف الثورة" من قبل الارهاب القاعدي؛ كجبهة النصرة وداعش وغيرها، ثم ثانيًا "براءتهم" من تهجير الأقليات، واضطهاد الأرمن في كسب، وذلك من خلال محاولة تلميع صورة المجموعات المسلحة بتسويق صور ومقاطع فيديو تظهر أن المسلحين "يحمون" الكنائس والسكان، والتركيز على تصريح الراهبات السوريات سابقًا، بشكر الخاطفين على "حسن ضيافتهم".
وبغض النظر عن الدوافع التركية، وعن رغبة أردوغان في تغيير الواقع السياسي والعسكري والديمغرافي في المناطق الحدودية مع سوريا، ولكن أدعاءات "البراءة" تلك، التي يطلقها المتعاطفين مع الثورة السورية، واولئك المتعرضّين لنفوذ وتأثيرات الاعلام "الثوري" الخارجي، تجعلنا نطرح تساؤلات جوهرية:

أولاً: إذا كانت المعارضة، فعلاً، بريئة من خطف الثورة، وبريئة من الارهاب - وخاصة إرهاب جبهة النصرة- الذي تفشى منذ بداية الانتفاضة، كيف يمكن لهؤلاء الردّ على بعض التصريحات لقادة المعارضة السورية، ومنهم على سبيل المثال رئيس للائتلاف الوطني السوري معاذ الخطيب الذي قام في كلمته في مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس في كانون الأول 2012، بمهاجمة الولايات المتحدة الأميركية لإدراجها جبهة النصرة على لائحة المنظمات الارهابية، واعتبر ان "اسلام النصرة وجهادها" هو المحرك الثوري لتحرير الشعب السوري.  وفي بيان آخر مكتوب، يقول وائل مرزا عضو الائتلاف والمشارك في المؤتمر نفسه، "ان إدراج "جبهة النصرة" على قوائم الإرهاب الأميركية دليل تخبط الإدارة أو جهلها أو عنجهيّة بعض المشرفين على الملف السوري، والأغلب أنها مزيجٌ من كل ذلك". ويضيف "لم يقم أفراد الجبهة بفعلٍ عسكري واحد يُبرر هذا القرار الغريب وفق الأعراف القانونية المتعلقة بهذا الأمر. والقرارات الأميركية ليست قرآناً من السماء لا يجوز تغييرها أو إعادة النظر فيها".

ثانيًا: إن التباكي أيضًا على مظلومية المعارضة السورية لجهة موضوع "الاقليات" في سوريا، والإدعاء أنها لم تهدد يومًا الاقليات، فيمكن لهؤلاء أن يطلعوا على أرشيف التصريحات للمعارضين السوريين، ومنهم على سبيل المثال مؤخرًا، وفي موضوع الهجوم على الساحل السوري، إعلان المعارض السوري فوّاز تللو "أنّ بلدة كسب هي بلدة سورية وليست أرمنية. فالأرمن هم ضيوف استقبلناهم منذ مئة سنة على أراضينا السورية وها نحن اليوم نحرّر أرضنا».
وماذا عن تصريح ميشيل كيلو المتلفز في 13 شباط 2013، والذي اعتبر فيه أن "جبهة النصرة وغرباء الشام ولواء احفاد الرسول وأحفاد عائشة" ليست حركات أصولية ولا تقوم باضطهاد الاقليات ولا المواطنين في سوريا؟ متغاضيًا عن ظهور الأفلام ومقاطع الفيديو الموثقة، التي تظهر هؤلاء وهم يقطعون الرؤوس، ومنها - على سبيل المثال لا الحصر- مقطع فيديو على يوتيوب، يظهر النصرة مع مجموعة شيشانيين، يعدمون مطران ومواطن سوري مسيحي من دير الزور، بعد إقامة "الحكم الشرعي عليهم".
هذا غيض من فيض، ولو أراد أحدهم أن يقوم بعمل توثيقي، يجمع فيه تصريحات "قادة الثورة السورية"، الداعمة للارهاب والمبررة له، لجمع آلاف الصفحات ولأدانهم من أفواهم بآلاف المقاطع الموثقة بالصوت والصورة. لذا، إن مَن يتباكون على ثورة سرقت، ويريدوننا أن نصدق شعارات "البراءة" ولوم الآخرين، ينسون أننا في القرن الحادي والعشرين؛ القرن الذي قامت فيه التكنولوجيا بتعرية جميع الأمور السياسية والميدانية وتفاصيل العلاقات الدولية، حتى من ورقة التوت التي لطالما غطت "عورات" مصالح السياسة الدولة، بأفكار الحرية والعدالة والديمقراطية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق