يشير العديد من الباحثين
والكتّاب العرب، ومعهم بعض السياسيين الأميركيين، الى أن السياسة التي تنتهجها
الإدارة الأميركية في سوريا، هي سياسة "ذكية جدًا" تقوم على توريط كل من
روسيا وايران والنظام السوري وحزب الله في حرب استنزاف طويلة ستؤدي الى انهاكهم
جميعًا وبالتالي تجعل من الربح الأميركي- الغربي- الاسرائيلي ربحًا صافيًا بدون
خسائر أو تداعيات أو تكلفة كبيرة.
وفي شرح لهذه النظرية،
يعتبر هؤلاء أن النظام السوري - ولو كان يبدو أنه متماسك ويحقق بعض التقدم- إلا أن
المعارك ستنهك الجيش السوري وستجعله في النهاية جيشًا ضعيفًا، منهكًا بمعارك
داخلية ومع القاعدة وستجعله عديم الجدوى في الصراع مع اسرائيل.
أما بالنسبة لإيران، فيعتقد
هؤلاء أن تورّط إيران في
الشأن السوري لا يضعفها عسكريًا واقتصاديًا فحسب، بل يمنعها من الانفاق على
المشاريع التنموية في الداخل، ويزيد من عزلتها السياسية في المنطقة، ما يعني أن
سياسة الاستنزاف في سوريا ستتآكلها من الداخل أكثر مما تفعل العقوبات الدولية.
بالنسبة لحزب الله، تعتقد هذه النظرية، أن
الخسائر البشرية التي يتكبدها الحزب والمشاركة في الحرب الدائرة في سوريا ستضعفه
وتمنعه من تحصين الجبهة اللبنانية مع اسرائيل في ظل امتعاض داخلي لبناني من
مشاركته في الحرب الى جانب النظام السوري.
وأما موسكو، فيقول
هؤلاء أن الأميركيين قد قاموا بسياسة "توريط" لروسيا في الصراع السوري،
بحيث بات عداء القاعدة والارهابيين والجهاد العالمي ينصّب حول موسكو بدل واشنطن،
وفي النهاية سيستنزف الروس في حرب على الارهاب لم تكن يومًا معركتهم.
هذا في النظرية، أما
النتائج الفعلية على الأرض، فإلى ماذا تشير؟
- بالنسبة لاستنزاف
النظام السوري: بالرغم من أن انهاك الجيش السوري في معارك داخلية لمدة سنوات ثلاث
قد يكون طبيعيًا، لكن النتائج الميدانية، لا تشي باستنزاف بل بانتصارات. علمًا أن مسألة
تحييد سوريا من الصراع مع اسرائيل بسبب قتالها مع القاعدة، قد لا يؤدي الى ربح
اسرائيلي كما تقول النظرية، فالقاعدة، وإن حيّدت اسرائيل في صراعها، فهي ليست
جسمًا واحدًا متماسكًا قد تستطيع اسرائيل التحالف معه، وكما إن اختراقها من جميع
استخبارات العالم، لا يعني عدم امكانية خرقها استخباريًا من قبل أعداء اسرائيل،
وبالتالي قيامها بعمليات انتحارية أو "جهادية" ضد اسرائيل.
هذا بالنسبة لاسرائيل،
أما بقية داعمي المعارضة السورية من غربيين ودول جوار، فحدث ولا حرج عن قلقهم من
تنامي الارهاب في سوريا، فالاوروبيين رفعوا مستوى الخطر الى الأحمر في لقائهم في
بروكسل هذا الأسبوع، والدول العربية طلبت من واشنطن عدم إعطاء الجربا أسلحة
يطلبها، وهي في الأساس لم تكن مستعدة لذلك، وقد أعلن كيري أن الجربا يدرك أكثر من
غيره حساسية مسألة "محاربة الإرهاب".
- بالنسبة لإيران: قد
يكون الانفاق الايراني المالي في سوريا هو مصدر من مصادر الاستنزاف، لكن إن ما
يتحقق على صعيد الملف النووي الايراني، وهرولة الغربيين الى ايران لمحاولة الانفتاح
الاقتصادي، والتنافس فيما بينهم للاستحصال على مشاريع استثمارية وتنموية ونفطية
هائلة مع ايران، كما الاعتراف الاميركي بالدور الاقليمي لايران، لا يعني أن
الاستنزاف المالي سيجعل ايران تنهار. يضاف الى ذلك، أن ما تنفقه ايران، لا يوازي
بأي حال من الأحوال المكاسب الاستراتيجية التي حققتها وتحققها من الانتصارات التي
يحققها الجيش السوري وحلفاؤه في الداخل.
- بالنسبة لحزب الله، وبحسب
التقارير الاسرائيلية، لقد اكتسب حزب الله خبرة إضافية، وقد يكون في معرض قيامه
بالقتال في سوريا يتدرب على اجتياح الجليل. علمًا أن الضغوط السياسية في الداخل
اللبناني على حزب الله لانخراطه في الحرب السورية، قد تراجعت - لا بل اختفت كليًا-
بعد تشكيل الحكومة والانتصار في القلمون وتطهير حمص وعزل الحدود اللبنانية السورية
عن الصراع السوري.
وأخيرًا، نصل الى
روسيا التي لا تبدو بأي حال من الأحوال بأنها محرجة أو منهكة، وهي تقاتل الغرب
بأكمله في اوكرانيا، واستطاعت ضمّ القرم بدون نقطة دم، وعلمًا أنه وبالرغم من كل
التهديدات السابقة، لم نعد نقرأ أي تهديد غربي في موضوع القرم: استستلم الغرب
ببساطة للانتصار الروسي فيها.
في النتيجة، يبدو أن
حساب الحقل السوري لم يطابق حساب البيدر الغربي المخطط للاستنزاف، فها هي حمص
"عاصمة الثورة" قد تمّ تطهيرها، وها هو الجيش السوري يستعد لمعارك أخرى
أو تسويات أخرى تفرضها الانهيارات والخسائر الميدانية للمسلحين، وبالتالي، سيتّجه
السوريون الى انتخابات رئاسية في حزيران القادم وقد عادت جميع المدن الكبرى الى
كنف الدولة... ولم يحقق الاستنزاف مآربه بعد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق